هل يتجه العنف والتطرف "الإسلامي" إلى الانحسار؟


undefined

قراءة: إبراهيم غرايبة

– نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره
– تأليف: راي تاكيه ونيكولاس غفوسديف
– ترجمة حسان بستاني
– بيروت، دار الساقي
-الطبعة الأولى، 2005
-279 صفحة

يعتقد كثير من المفكرين الغربيين المشتغلين بالظاهرة الإسلامية أنها متجهة إلى الانحسار بل والانهيار، مثل جيل كيبل في كتابيه "الجهاد، 2000″ و"الفتنة، 2004" وأوليفيه روا في كتابه "فشل الإسلام السياسي، 1994" وأخيرا راي تاكيه ونيكولاس غفوسديف في كتابهما "نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره".

الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره

"
تظهر الاستطلاعات أن الإسلاميين يحظون بنسبة تتراوح بين 15 و35% من الأصوات، وهذا ما يجعلهم في المعارضة أو جزءا من ائتلاف، ولكن تركيا وفلسطين أظهرتا فرصا للحصول على الأغلبية، ولكنها أغلبية لا تعطي الفرصة كاملة لإجراء تغيير شامل وسريع

"

الكتاب ترجم إلى العربية ونشرته مؤخرا دار الساقي، ويحاول تفسير نشوء العنف والتطرف الإسلامي، ويستعرض تاريخ الحركات الأصولية المتشددة، ويتقصى مسيرتها في مصر والجزائر وأفغانستان والعراق والبلقان وآسيا الوسطى، ويحاول أن يوضح أسبابه.

فالعملية العسكرية التي وقعت في السعودية مؤخرا كشفت عن حالة الضعف والانحسار الذي وصلت إليه القاعدة في السعودية، وأنها لم تعد قادرة على العمل، واكتشفت في الأردن أيضا مجموعة قادمة من الخارج كانت تخطط لعمليات انتحارية تستهدف منشأة مدنية حيوية.

فبعد مرحلة من العنفوان الفوضوي الذي بدأته الجماعات المسلحة في الجزائر ومصر في أوائل التسعينيات بدأت تواجه خيارين:

  1. التخلي عن العنف والاندماج في المجتمع والدولة.
  2. أو الهجرة إلى أفغانستان "الطالبانية".

وبدأت منذ منتصف التسعينيات عمليات عنف "مركزية" في أنحاء متفرقة من العالم ولكنها تمول ويخطط لها من طرف تنظيم القاعدة في أفغانستان، وانتهى تقريبا العنف القائم على المكان والصراع مع المجتمع والدولة في ذلك المكان، وإن عاد فيما بعد إلى العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، ولكنه أيضا يتجه إلى الانحسار والتوقف ليتحول إلى حرب أهلية لا علاقة لها بأيديولوجية وطريقة عمل الجماعات الإسلامية المسلحة، بل إن قائد تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي يتعرض لملاحقة شرسة من قبل العشائر والجماعات التي كانت تؤويه وتناصره.

ويمكن ملاحظة كثير من المؤشرات والأدلة على أن موجة العنف "المنتسب إلى الإسلام" تتجه إلى الأفول والانحسار، وأن العالم الإسلامي يتجه إلى حالة من صعود الحركات الإسلامية المعتدلة والوسطية، وتبدو هذه الحركات أيضا متجهة إلى الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

وبعد أن أعلنت القاعدة عن وقف العمليات في أوروبا عادت لتطرح هدنة مع الولايات المتحدة ووقف العنف الذي يؤول بالفعل إلى الضحالة والتوقف بدون هدنة.

وفي العراق أيضا اتجهت العمليات التي كانت تقوم بها القاعدة إلى التوقف، وبدأت تتحول إلى خارج العراق كما لوحظ في الأردن، فقد وقعت عمليات تفجير الفنادق في 9/11/2005 وكان منفذوها عراقيين ينتمون إلى القاعدة، واكتشفت قبلها عدة عمليات في مرحلة التخطيط تابعة للقاعدة، ويغلب على فريق منفذيها أنهم قادمون من خارج الأردن، ثم اكتشف مؤخرا محاولة لعملية انتحارية قدم جميع أعضاء فريقها من العراق، وكانوا من غير الأدرنيين، ووصلت كذلك موجات العنف والتطرف الأصولي في آسيا الوسطى والبلقان إلى طريق مسدود، وانتهت تقريبا.

كانت الحركات الإسلامية الراديكالية في رأي المؤلفين ردات فعل على الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تسببت فيها العصرنة والتحرر والممارسات القمعية للسلطة الحاكمة، وتجتذب الحركات الإسلامية أولئك المؤمنين بأن الوضع الراهن في ممارسات الحكم والاقتصاد يمنعهم من الحصول على حقوقهم وفرصهم العادلة، وتحصل على الشرعية من خلال وضع هذه المسائل في إطار العدالة الإسلامية والأخلاق، ولكن نظرة الإصلاح غير العملية التي يقدمها الإسلاميون تشكل نقطة ضعفهم فتفقدهم مع الزمن والممارسة كثيرا من المؤيدين أو تحولهم إلى حركات أكثر اعتدالا وواقعية تكاد تقترب من الحركات العلمانية القائمة.

وكثيرا ما تحقق الحركات الإسلامية توسعا لأن النظام الحاكم يتجاهل الإسلاميين أو يقدم دعما ضمنيا لهم بهدف الحد من فعالية القوى العلمانية أو التقدمية، فقد اعتبروا حلفاء ممكنين في مواجهة الشيوعية والنفوذ السوفياتي.

وغالبا ما بدأت الحركات الإسلامية عملها في ائتلافات معارضة للأوضاع القائمة في بلادها، وعندما تكون جماعة ما في المعارضة ولفترة طويلة فإنها تقدم خطابا مثاليا، ومع وصولها إلى السلطة كما حدث في أفغانستان والسودان وإيران وتركيا وأخيرا في العراق وربما في فلسطين فإنها تواجه أسئلة ومطالب وحالات معقدة تختلف عما كان عليه الوضع من قبل، فتواجه الانشقاقات كما حدث في إيران والجزائر، وقد تنشب حرب أهلية كما حدث في طاجيكستان وإيران والجزائر، وقد تتجه الجماعات الراديكالية إلى المراجعة والاعتدال كما حدث في مصر والجزائر وطاجيكستان والبوسنة.

وبالرغم من إغراءات الأسلمة بالنسبة لأولئك الذين هم على هامش السلطة والثروة فإن الحركات الإسلامية سرعان ما تواجه تحديات جدية بالنسبة لشعاراتها التي اجتذبت بها المؤيدين مثل "الإسلام هو الحل"، وذلك لأن الفساد المؤسسي، وسوء توزيع الثروة، وغياب العدالة والديمقراطية تمثل حالات معقدة تفوق إدراك الإسلاميين وصيغهم الأيديولوجية، بل إن الإسلاميين أنفسهم كما حدث في إيران والسودان دخلوا سريعا في مؤسسة الفساد والاستبداد.

وغالبا ما ازدهرت الأسلمة في حالات العنف والصراعات الأهلية كما حدث في مصر والسودان وأفغانستان وطاجيكستان والبوسنة، وبحلول السلام فإن الخطاب الجهادي يفقد إغراءه، فيستبدل بها حركات سياسية أكثر اعتدالا.

وأما في الأنظمة السياسية التي تبدي بطبيعتها منحى تنافسيا كاملا أو جزئيا فيخضع وضع الإسلاميين لنتائج الاقتراعات، وغالبا ما يكونون أقلية أو جزءا من تحالف مجموعات أخرى (ولكنهم استطاعوا الخروج من هذه الحالة في تركيا وفلسطين) وأمكن بذلك تحقيق اندماج للحركات الإسلامية واستيعاب أكثر للعملية الديمقراطية، كما حدث في الأردن والكويت والمغرب، وهكذا فإن الحل الأكثر فعالية في مواجهة الإسلام الراديكالي يقع في نظام منافسة تعددي يعطي للإسلاميين مكانا في المجتمع والدولة مستمدا من فرصتهم في التأييد الشعبي والتحالفات السياسية التي يعقدونها.

وتظهر الاستطلاعات والملاحظات الجارية تجاه العملية السياسية في العالم الإسلامي أن الإسلاميين يحظون بنسبة تتراوح بين 15 و35% من الأصوات، وهذا ما يجعلهم في المعارضة أو جزءا من ائتلاف، بيد أن تركيا وفلسطين أظهرتا فرصا للحصول على الأغلبية، ولكنها أغلبية لا تعطي الفرصة كاملة لإجراء تغيير شامل وسريع (إن كانوا يريدون ذلك بالفعل).

وقد يؤدي هذا الأمر إلى جمع بين الأسلمة والليبرالية يعتمد تلقائيا مبادئ التنوير والموازنة بين القيم الإسلامية ورغبة الفرد في التعبير الذاتي، وإلى نشوء وضع سياسي اجتماعي يقبل الحرية الشخصية مع مبدأ المحافظة على استقرار المجتمع، ورغم أن ديمقراطية إسلامية ستقاوم بعض مقومات الليبرالية على الأقل في بعض المراحل فإن بقاء الانتخابات الحرة واستمرارها مع المحافظة على الصحافة الحرة وتداول السلطة سيكفل قيام نظام ديمقراطي مستقر ومناسب يشارك فيه الإسلاميون، وينسجم مع توجهات الحكام الشباب الجدد في الشرق الأوسط لإقامة أنظمة عصرية وديمقراطية تلتزم في الوقت نفسه بقيم المجتمع وتقاليده وثقافته الإسلامية.

وقد بدأت الحركات الإسلامية السياسية بالفعل تؤيد هذه العملية الديمقراطية وتقبل بها، بل وتدخلها في أنظمتها الداخلية وأفكارها وبرامجها، وهي تحولات تمكن ملاحظتها في الأردن وباكستان وبنغلاديش وماليزيا والجزائر ومصر والمغرب.

التطرف إلى الانحسار،
من الإسلام السياسي إلى الإسلام

"
قد يضلل أفهامنا ويستدرجنا إلى مواقع غير صحيحة ذلك التناول الإعلامي الذي يتعامل مع الظاهرة الإسلامية باعتبارها عملا حركيا منظما -فحسب- تنسقه جماعات إسلامية بعضها معتدل وآخر متطرف, دون ملاحظة تذكر لدور المجتمع أو المؤسسات الرسمية والأهلية

"

يبدو أن ثمة خلطا في الكتاب بين الجماعات الإسلامية المتطرفة وبين المعتدلة، وخلطا بين الحركات الإسلامية وبين الإسلام، وهذا يوقع الباحثين في استنتاجات وأفكار خاطئة تناقضها الوقائع والحالات القائمة في العالم الإسلامي.

ففي الوقت الذي تبدو فيه جماعات العنف والتطرف متجهة بالفعل إلى الانحسار والتراجع فإن الحركات الإسلامية السياسية تحقق نجاحات كبرى في المجتمعات والدول، وحيثما تجرى انتخابات نيابية أو بلدية أو نقابية في العالم الإسلامي فإن الحركة الإسلامية تحقق فيها نجاحا كبيرا، وقد تبدى ذلك النجاح بوضوح في تركيا ومصر وفلسطين.

وتدخل الحركات الإسلامية كما يبدو في عمليات حوار ومشاركة مع الغرب لأجل الاندماج في العملية السياسية في المنطقة على أساس الديمقراطية والانتخابات، وقد أجرت الحركات الإسلامية بالفعل مراجعات واسعة وإستراتيجية لعلاقاتها ومواقفها وأفكارها وبرامجها، وهي اليوم غير ما كانت عليه قبل خمس عشرة سنة.

ولكنْ ثمة بعد آخر أكثر أهمية في فهم الحالة الإسلامية، وهو أنها لم تعد مقتصرة على جماعات وتنظيمات إسلامية بعضها معتدل وبعضها متطرف، ولكنها حالة مجتمعية أوسع بكثير من الجماعات والحركات الإسلامية التي لم تعد تشكل في المشهد الإسلامي العام القائم اليوم سوى جزء ضئيل وإن كان يحظى باهتمام سياسي وإعلامي، أو يبدو أنه يقود الحالة الإسلامية.

فقد امتدت الصحوة الإسلامية إلى دول وأقطار ليس فيها وجود لجماعات إسلامية منظمة، كما شملت فئات من المجتمع ليس من بينها في العادة من ينتظمون في الجماعات الإسلامية.

وقامت مؤسسات استثمارية تجارية لا علاقة لها بحكومة أو جماعة مستمدة أساسا من إقبال الناس ورغبتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية، مثل البنوك الإسلامية التي تزيد موجوداتها على مئتين وخمسين مليار دولار، وشركات التأمين الإسلامية، ورحلات الحج والعمرة، ومؤسسات الحجاب التي بدأت تتحول إلى مراكز لعروض الأزياء على الطريقة الغربية.

 لقد أصبحت صيغ العمل الإسلامي شبكة كبيرة وشاملة ومعقدة من العمل الرسمي الحكومي وعمل المؤسسات والعمل المجتمعي, تشمل العمل السياسي والتعليمي والتطوعي والصحي والاقتصادي والثقافي.

وتعبر عن الحالة الإسلامية شبكة كبيرة ومعقدة لا يمكن نسبتها إلى الحركات الإسلامية، مثل وزارات ومؤسسات حكومية وجامعات ومدارس ومنظمات دولية وإقليمية ومحلية وشركات وبنوك وجمعيات ومؤسسات إعلامية من صحف وقنوات فضائية ومواقع إنترنت ونقابات وأحزاب وجماعات وأعمال فردية ومبادرات شخصية ومشروعات مجتمعية وأهلية.

وقد يضلل أفهامنا ويستدرجنا إلى مواقع غير صحيحة ذلك التناول الإعلامي الذي يتعامل مع الظاهرة الإسلامية باعتبارها -فحسب- عملا حركيا منظما تنسقه جماعات إسلامية بعضها معتدل وآخر متطرف, دون ملاحظة تذكر لدور المجتمع أو المؤسسات الرسمية والأهلية.
_______________
باحث أردني

المصدر : الجزيرة