تنسيقية العروش في الجزائر


undefined

إعداد: أحمد روابة

ظهرت تنسيقية العروش بعد وفاة الشاب قرماح مسينيسا في ثكنة للدرك الوطني -وهي قوة أمن تابعة للجيش- في بلدة بني دوالة بولاية تيزي وزو شرقي العاصمة، حيث اعتقل رجال الدرك ماسينيسا مع مجموعة من الشباب أثناء مظاهرات في ذكرى الربيع الأمازيغي الذي تحتفل به الحركة البربرية في منطقة القبائل، وكانوا يطالبون بالاعتراف بالهوية البربرية وبجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد.

واتهمت السلطة بالتهاون في مقتل ماسينيسا وعدم اتخاذ التدابير المطلوبة لاحتواء الأزمة بتقديم الجاني إلى العدالة، وأجج الخلافات ما نسبه زعماء العروش لوزير الداخلية يزيد زرهوني أنه وصف الشاب المقتول بـ"الجانح".


undefinedوقد عرفت منطقة القبائل منذ أبريل/ نيسان 2001 مظاهرات وأعمال عنف متواصلة قادها نشطاء البربر إضافة إلى الأحزاب السياسية المعروفة بالمنطقة.

وتواصل الاحتجاج في ولايتي تيزي وزو وبجاية اللتين وقعتا تحت السيطرة الكاملة للتنسيقية وتعطلت النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، دون أن تتوصل السلطة إلى حل للأزمة التي أخذت أبعادا سياسية خطيرة، خاصة بعد انسحاب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من الحكومة، وتبنيه مطالب حركة العروش علانية، في محاولة لاسترجاع نفوذه في المنطقة والسيطرة عليها.

ودخلت الحكومة من جهة والأحزاب النافذة في المنطقة من جهة أخرى في مفاوضات ومساومات مع القيادات التي برزت في تنسيقية العروش التي غدت صاحب الكلمة في الولايتين. وحاول زعماء العروش الضغط على السلطة بالسير في العاصمة، حيث سار مئات الآلاف من المتظاهرين يوم 14 يونيو/ حزيران 2001، وتسببت المظاهرات التي لم تواجهها وحدات مكافحة الشغب بأمر من وزارة الداخلية، في حرق وتدمير واجهات المحلات والمؤسسات العمومية والخاصة.

وفي مطلع سنة 2002 كلف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس الحكومة علي بن فليس بفتح حوار مع تنسيقية العروش التي طرحت لائحة مطالب على السلطة سمتها "أرضية القصر" نسبة إلى مدينة القصر بالقبائل الصغرى حيث تمت صياغتها من قبل فصائل التنسيقية.

undefined

وتتضمن اللائحة اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية إلى جانب العربية، ورحيل وحدات الدرك الوطني عن المنطقة، وتسليم مهمة الأمن إلى المنتخبين المحليين. والنقطة الأخيرة اعتبرها عالم الاجتماع الجزائري المقيم في فرنسا الدكتور الهواري عدي مربط الفرس في لائحة المطالب، لأن تسليم مهمة الأمن للمنتخبين هو الحد الفاصل بين دولة بوليسية وجمهورية ديمقراطية، وذهب الهواري إلى حد وصف كاتب أرضية القصر بجون جاك روسو الجزائر.

وبمجرد الإعلان عن الحوار مع السلطة ظهر أول انشقاق في تنسيقية العروش وأصبحوا طرفين:

  1. طرف أول وهم الذين قادوا حوارا مع السلطة وتزعمهم شاب يدعى سليم عليلوش.
  2. الطرف الثاني وهم الذين استمروا في معارضتهم للسلطة وتزعمهم بلعيد أبريكا.

وقد استطاع أبريكا أن يتجاوز خصومه وأن يبقي على حركة الاحتجاج في المنطقة، وهدد السلطة بالتصعيد إن هي اعتمدت اتفاقها مع جماعة عليلوش. ولما جاءت انتخابات يونيو/ حزيران 2002 البرلمانية، قاطعت تنسيقية العروش هذه الانتخابات ومنعت التصويت في الكثير من البلديات بالولايتين بجاية وتيزي وزو.

بعدها كلف الرئيس بوتفليقة رئيس الحكومة الجديد أحمد أويحيى بملف العروش، وكان لزاما على أويحيى -أصيل منطقة القبائل- أن يجد حلا للأزمة التي تهدد مصداقية الانتخابات الرئاسية، ورغبة بوتفليقة في الحصول على ولاية ثانية. وقد أعطى رئيس الجمهورية لرئيس حكومته ورقة قوية في المفاوضات مع العروش في جناحها المتشدد، عندما أصدر أمرا رئاسيا في مارس/ آذار 2003 بإدراج اللغة الأمازيغية لغة وطنية في الدستور.

واستطاع أويحيى أن يدخل الجناح المتشدد في العروش بزعامة بلعيد أبريكا إلى قصر الحكومة للتفاوض حول تطبيق لائحة المطالب التي تضمنتها أرضية القصر المعروفة. وبعد جولات طويلة من الحوار والمشاورات توقف التفاوض عند مطلب جعل اللغة الأمازيغية رسمية، بعدما أعطى رئيس الحكومة موافقته المبدئية لحل المجالس المنتخبة في المنطقة لأن تنظيم العروش يعتبرها غير شرعية.

وبعدما أعلنت جماعة أبريكا توقف الحوار مع الحكومة تمكن عمارة بن يونس الوزير السابق والمنشق عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن يستميل جناحا في تنسيقية العروش بزعامة حكيم قاسمي لمساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في صفقة سياسية تفتح له المنطقة وتقوض حظوظ غريمه سعيد سعدي رئيس حزب التجمع، وكذلك استطاع الأخير أن يحصل على دعم للانتخابات الرئاسية، من جناح آخر معارض للحوار مع الحكومة يتزعمه رابح بوستة.

ويبقى الزعيم التاريخي للجناح المتشدد بلعيد أبريكا يحمل لواء مقاطعة الانتخابات الرئاسية لوحده في منطقة القبائل، إلى جانب حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يتهم تنسيقية العروش بزعزعة استقرار المنطقة والتآمر عليها.

وتوعد أبريكا بمنع الانتخابات الرئاسية في منطقة القبائل مثلما فعل في الانتخابات السابقة، حيث يدعو أتباعه المواطنين إلى الامتناع عن التفاعل مع المرشحين في الحملة الانتخابية، وحاولوا منع تجمعات شعبية مثلما حدث مع رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، المساند لبوتفليقة، وأيضا مع المرشح سعيد سعدي. إلا أن المعلومات الواردة من الميدان تؤكد محدودية تأثير تيار المقاطعة الذي يبدو أنه اندحر بسبب الانقسامات التي وقعت لتنسيقية العروش، ودخول أجنحته في صفقات سياسية مع السلطة ومع الأحزاب السياسية المعنية بالانتخابات الرئاسية.
_______________
مراسل الجزيرة نت- الجزائر

المصدر : البيان الإماراتية