المتحدث الرسمي للمجلس القومي للحريات
لقاء اليوم

منصف المرزوقي .. حقوق الإنسان في تونس والوطن العربي

كيف كانت تجربة ترشيح منصف المرزوقي لرئاسة الجمهورية في تونس عام 1994؟ وما هو طبيعة النضال التونسي المعارض: هل هو شكلي أم جدي؟ وهل يقوم النضال على أشخاص أم أحزاب؟ ولماذا ازدادت الحركات المعارضة في تونس في السنوات الأخيرة؟

undefined
undefined

أحمد كامل:

ضيف (لقاء اليوم) هو الدكتور (منصف المرزوقي) رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، ورئيس المجلس الوطني للحريات في تونس، ومرشح الرئاسة السابق في تونس، ومعه نستعرض وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في تونس والوطن العربي.. أهلاً دكتور.

د. منصف المرزوقي:

أهلاً وسهلاً.

أحمد كامل:

سؤالي الأول هو: من خلال منصبكم كرئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان، هل ترون أن هناك تشابهًا في وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي؟

د. منصف المرزوقي:

كلنا في الهم شرق، سواء فيما يخص غياب الحريات الأساسية: حرية الرأي، حرية التنظيم، حرية الصحافة، ما ينجر عن هذا من مقاومة المجتمع المدني، ما ينجر عن هذا من استشراس الأنظمة ضد من يناهضونهم، وامتلاء السجون، التعذيب، كل هذه المظاهر نفسها موجودة من الماء إلى الماء، من المحيط إلى الخليج، بطبيعة الحال بنسب مختلفة، لكن كلنا في هذه الأزمة الهيكلية سياسيًّا، أخلاقيٍّا، اجتماعيٍّا وهي في الواقع أزمة النظام الاستبدادي العربي وفشله في تحقيق ما تصبو إليه شعوب الأمة العربية، وهي أزمة عميقة وخطيرة ولها مردود كثير على تخلفنا وتأخرنا في العالم.

أحمد كامل:

هل تلاحظون تقدمًا فيما أصبح يسمى الآن بالأنظمة الشابة مثلاً في الأردن والمغرب؟ هل حققت هذه الأنظمة تقدمًا حقيقيًّا ونوعيًّا في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

د. منصف المرزوقي:

بطبيعة الحال هي الوضعية تختلف من بلد إلى بلد بحيث ثمة بلدان أبسط الحقوق غير موجود فيها، وثمة بلدان بطبيعة الحال فيها قدر معين من الحرية، وما تسمونها بالأنظمة الشابة هي هذه الأنظمة التي تحاول التأقلم مع متطلبات شعوبها، مع وضع المجتمع الدولي، مع متطلبات العصر، وهذه الأنظمة الشابة بطبيعة الحال.. بعض مظاهر الأزمة الهيكلية بين الدولة والمجتمع بصدد الحل، لكن هذا لا يمنع أن الإشكالية الأساسية هي إشكالية هيكلية أي.. هل هذه الأنظمة الشابة ستذهب إلى ما هو مطلوب الآن؟ وهو عودة السيادة إلى الشعب، وهو عودة الحريات، وهو عودة الانتخابات الحرة والنزيهة إلى آخره، هذا ما سنراه في المستقبل، لكن الآن نلاحظ أنها تتدرج نسبيًّا، وبطبيعة الحال لا يمكن مقارنة وضع حقوق الإنسان في المغرب أو في الأردن مع ما هو موجود في سوريا أو في العراق أو في ليبيا أو حتى في تونس.

أحمد كامل:

كيف تنظرون إلى التجربة الجزائرية في هذا الإطار؟ هل ترون فيها جانبًا إيجابيٍّا أم أنها سلبية؟

د. منصف المرزوقي:

التجربة الجزائرية مأساة شعب كامل، أنا أنحني بخشوع أمام كل هذا الدم المراق، وأعتبره تضحية وقربان الشعب الجزائري بصدد التضحية بالغالي وبالنفيس وبدمه وبأبنائه من أجل إرساء الديمقراطية في الوطن العربي، نحن كنا نتمنى أن تكون التجربة أقل كلفة بشرية، كلفة باهظة، كلفة فظيعة مريعة، لكن نستطيع أن نتقدم إلى الديمقراطية بدون هذا الثمن الفظيع، لكن الشعب الجزائري هو شعب عظيم، وهو شعب يحمل على أعبائه اليوم كاهل بناء أول دولة ديمقراطية عربية، ونعتقد أن كل هذه التضحيات الجسام التي قَبِلَ بها الشعب الأبيُّ، الشعب النبيل، الشعب الجزائري الشقيق.. كل هذا سيكون لها أثر كبير ليس فقط في إرساء الديمقراطية في الجزائر، وإنما في إرسائها في تونس، في ليبيا، في مصر، في كل مكان.

أحمد كامل:

طالما نتحدث عن الحقوق، هناك قضية في تونس بلدك هي قضية الجوازات.. يعني تكاد تكون حكرًا على تونس، ما هي هذه القضية؟

د. منصف المرزوقي:

القضية هي أن كل نظام لاديمقراطي هو نظام يجب أن يشيع الخوف داخل المجتمع، يجب أن تكون دائمًا خائفًا على عملك، على حياتك الشخصية، على كذا.. كذا.. نحن اآن.. تونس بلد مفتوح، بلد يسافر فيه التونسيون كثيرًا إما بحكم العمل أو كذا.. إذا أنت تصبح عندك ورقة ضغط على كل تونسي بأنه إذا قال أو فعل أو تصرف بكيفية غير معقولة، فإن جواز السفر هذا الذي يمكنك من العلاج، ويمكنك من العمل عندما تكون عاملاً، يمكنك من.. إذن تستبطن داخلك الخوف، أن هذا الجواز يمكن أن يحجز في أي ظرف، بطبيعة الحال هذا يمكن يكون له عمل كبير في شل كل محاولة (للتمرد) أو للمطالبة بأبسط الحقوق، والدولة التونسية استعملت هذا السلاح عدة سنوات بكيفية رهيبة، أنه جزء من سكوت التوانسة عن ما يقع في تونس من مظالم ومن انتهاكات حقوق الإنسان نتيجة استعمال هذا السلاح، لكن هذا السلاح انتهى مفعوله لأنه الآن أصبحت الناس تطالب بحقوقها وترفض هذا الخوف، وأنا أتذكر كلمة قالتها صحفية، صحفية بدون صحيفة، وهي الأستاذة (نورا البورصالي) عندما رفعت شعارًا أمام قاعة ملآنة بالناس قالت: لا خوف بعد اليوم.

يعني هذا اليوم أصبح تقريبًا شعار الطبقة المثقفة والشعب: لا خوف بعد اليوم، أنه نحن اليوم لا نخاف، ولا نخاف حتى من سحب جواز السفر، طيب اسحبوا جواز السفر، أنا جواز سفري سحب في العديد من المرات واسترجعته، ما ضاع حق وراءه طالب.

أحمد كامل:

ترشحتم لرئاسة الجمهورية في عام 1994م مقابل رئيس الجمهورية، هل كان ترشيحًا جديًّا للمنافسة على منصب الرئاسة أم أنه كان عملاً رمزيٍّا؟

د. منصف المرزوقي:

كان جديًّا ورمزيًّا في نفس الوقت، رمزيًّا من جملة الموبقات والمحرمات في الوطن العربي أن المواطن لا يستطيع أن يُرشح لرئاسة الجمهورية مهما اكتسب من إشعاع وطني إلى آخره لماذا؟ لأن هناك قداسة مفتعلة وغير مقبولة، نحن اليوم مواطنون ولسنا رعايا، نحن اليوم في جمهوريات ولسنا في ملكيات، نحن اليوم في عالم التداول على السلطة، فتأتي أنت وتقول: أنا مواطن أريد أن أرشح نفسي لرئاسة الجمهورية صارت نوعًا من الصدمة، لكن ترشحي في 94م أجبر السلطة على أن تراجع موقفها وأن تمر إلى تنظيم التنافس، لأنه نظمت التنافس عينت شخصين ليقوما بدور المنافس، لكن كل الناس كانت تعلم أنه عملية هزلية، لم يكن هناك فعلاً تنافس.

لكن على كل حال ترشحي في 94م أجبر السلطة على أن تذهب إلى هذه الخطوة، وأنها تكسر قضية أنه ليس هناك إلا مرشح واحد وهو رئيس الجمهورية، لكن هذه ما زالت المرحلة الأخيرة وهي المرحلة التي نصبو إليها والتي نسعى إليها والتي سنحققها وهي أنه لهذا الشعب ولكل شعب عربي الحق في أن يختار في إطار انتخابات حرة نزيهة من يمثله، نحن اليوم بهذه الوضعية المزرية، الانتخابات المفبركة، الانتخابات المزيفة، وصلنا إلى وضعية أن هناك من جهة شعب بدون سيادة ودولة بدون شرعية.

أحمد كامل:

لنبقَ في تونس، هناك ملاحظة بأن النضال من أجل الحريات والنضال من أجل الديمقراطية هو نضال شخصيات في تونس، لا يوجد نضال أحزاب أو جمعيات، نضالها أيضًا محدود للغاية، ولكن بالدرجة الأولى هو نضال شخصيات، ما هو السبب في ذلك؟

د. منصف المرزوقي:

هذا غير صحيح، إذا تسمح لي لأنه في الواقع التركيز الإعلامي.. هو الإعلام بطبيعة الحال عنده إيجابيات كثيرة، ولكن أيضًا في بعض الأحيان يعطي انطباعًا خاطئًا، عندما يسلط الضوء على شخص، ويجعل من هذا الشخص قضية، الناس تعرف هذا الشخص، لكن تنسى البقية الباقية، اليوم في تونس وأعتقد في كل أرجاء الوطن العربي ثمة نضال شعبي، الناس التي ترزح تحت المشاكل الاقتصادية، التي تناضل في مواقعها بكل بساطة، في الدفاع عن حقوقها النقابية، في الدفاع عن الحق في العمل إلى آخره، ثمت نضال، لكن هذا النضال لأنه غير مُغَطَّى بالإعلام لا يبدو، ثم عندما تأتي الأزمات وتنفجر هذا المخزون وهذه الطاقة آنذاك ننتبه إلى أن هناك شعب، الشعب موجود، الشعب مغيب..

أحمد كامل [مقاطعًا]:

ولكن لا يوجد نضال حزبي في تونس.

د. منصف المرزوقي:

النضال الحزبي في تونس.. هذه الدولة جاءت وضربت كل الأنشطة الحزبية الفعلية الحقيقية، جاءت وقالت: أنا أنظم التعددية، وهي بطبيعة الحال تعددية مزيفة، الآن ثَم أحزاب معارضة التي هي جزء من النظام والتي لا يعطيها التونسي أدنى أهمية، لكن الأحزاب الحقيقية الفاعلة ما هي؟ موجودة هذه الأحزاب الفاعلة، موجود حركة النهضة، موجود حركة العمال الشيوعيين، موجود ثَم حزب يريد التناضل اسمه التكتل الديمقراطي، يعني كل هذه الأحزاب التي يمكن أن تعكس واقعًا فعليًّا ممنوعة من النضال، إذن التعتيم الإعلامي من جهة لأن الشعب لا يستطيع أن يتكلم، ومن جهة أخرى تسليط الأضواء على بعض الشخصيات منهم؛ يعطي انطباعًا خاطئًا على أنه ليس هناك إلا نضالات أشخاص.. النضال هو نضال شعب كامل يريد الانعتاق..

أحمد كامل [مقاطعًا]:

الآن المراقب للوضع التونسي في السنوات الماضية كان يلاحظ استقرارًا، ويمكن أن أسميه حسمًا للوضع لصالح الحكم في تونس، ثم في الفترة الأخيرة تزايدت الحركات المطلبية أو لأقل الاعتراضية.. ما الذي يجري في تونس؟ ما هو السبب في ذلك؟

د. منصف المرزوقي:

قضية الاستقرار هذه قضية يعني كلمة حق أريد بها باطل، ما معنى استقرار؟ إنك عندما تتابع الوضع في فرنسا تقول: هذا بلد غير مستقر؟ في بريطانيا تقول: هذا وضع غير مستقر؟ مظاهرات، ناس تشتم في الحكومة، مشاكل واضحة إلى آخره.. ما معنى الاستقرار؟ الاستقرار يكون بالقانون، يكون بالمنظمات القوية، هذا هو معنى الاستقرار، نحن شكون [من] قال عندنا استقرار في تونس؟ هو صفحة مستنقع راكد لا ترى منه إلا السطح، والسطح هادئ لكن تحت..

أحمد كامل [مقاطعًا]:

ما الذي حرك الحركات المطلبية والاعتراضية في الفترة الأخيرة؟

د. منصف المرزوقي:

المشاكل التي كان يغطي عليها.. لما لا يوجد حرية رأي وتعبير المشاكل لا تطرح، لكن المشاكل لا تلغى، تبقى تحت السطح، تتعفن، تبقى تحت السطح.. وفي وقت من الأوقات يصبح من المستحيل التحكم فيها فتنفجر.

أحمد كامل:

كنتم رئيسًا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي رابطة ذات مكانة كبيرة، وهي الأولى في إفريقيا، وتحظى باحترام كبير، ثم أصبحت رئيسًا للمجلس الوطني للحريات في تونس، لماذا التخلي عن الرابطة وهي كانت ناجحة وذات احترام واستقلالية؟

د. منصف المرزوقي:

قضية الرابطة قضية طويلة ومعقدة، الرابطة دخلت في صراع مع السلطة ابتداءً من التسعينيات من موقف أنه حتى ولو كنا علمانيين أو لائكيين أو يساريين، لا يمكن أن نقبل ما يجري بالنسبة للإسلاميين، يعني الفظاعات التي مورست على الإسلاميين من تعذيب ومحاكمات جائرة كان لا يمكن للرابطة أن تقبلها، صارت السلطة عملت علينا ضغوطات، عملت قانون لنفتح الانتساب للجميع حتى يدخلها آلاف من جاءهم الوحي وحب حقوق الإنسان فجأة حتى تتكسر الرابطة، وهذه العملية نجحت بنسبة ما.

ففي 94م أنا والعديد من أصدقائي وزملائي اللي كان عندنا خط واضح في قضية حقوق الإنسان، لا لانتهاكات حقوق الإنسان أيًّا كان الإنسان أو لأي سبب، أنا لا يهمني هذا إسلامي ولا هذا شيوعي ولا كذا.. أنا أرفض التعذيب، أنا أرفض انتهاكات حقوق الإنسان، خرجنا من هذه الرابطة لأنها لم تعد المكان الذي نستطيع الدفاع فيه عن أفكارنا، بقينا مدة طويلة غير منظمين ثم قررنا أن ننتظم، لماذا؟ لأنه صار عندنا وعي أنه آن الأوان.. يكفي من المطالبة بالحقوق يجب أن نمارسها، وشعار المجلس الوطني للحريات هو (نحن لا نطالب بحقوقنا نحن نمارسها) يقولون: نحن غير قانونيين، كيف نحن غير قانونيين؟ نحن نستظل بالفصل الثامن لدستور الجمهورية التونسية يقول: للتونسيين الحق في التنظم، نحن نستظل القوانين الدولية التي..، نحن نستظل بالإعلام العالمي، أنتم قوانينكم غير قانونية، حطوا [ضعوا] قوانينكم في تناسق مع الدستور، في تناسق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في تناسق مع القانون الدولي.. إذن نحن منظمة قانونية نعمل تحت مظلة الدستور وتحت مظلة القانون الدولي لنجعل من تونس بلدًا ديمقراطيًّا تمارس فيه كل الحريات ولا يسود فيه خوف، كلمة نورا البورصالي: لا خوف بعد اليوم هو الشعار الذي يجب أن يرفع في تونس.

أحمد كامل:

حضرتم جلسات البرلمان الأوروبي التي كانت مكرسة لتونس، ألا تخشون من أن تظهروا من يستعدي دولاً أجنبية على بلده؟

د. منصف المرزوقي:

ثمة كلمة أنا لا أقبلها هي كلمة: الصحافة الفرنسية تهاجم تونس، منظمة العفو الدولية تهاجم مصر، لابد أن ننبته لهذه الكلمة لأنها خطيرة جدًّا، منظمة العفو تهاجم مصر، مصر سبعة آلاف سنة تاريخ، مصر ستين مليون من المصريين.. منظمة العفو الدولية تهاجم سبعة آلاف سنة تاريخ؟! تهاجم ستين مليون مصري؟! يعني طريقة فيها خبث، تهاجم؟ لا، منظمة العفو الدولي تهاجم السياسة المصرية، الصحافة الفرنسية تهاجم السياسية التونسية، هذا لابد أن يكون واضح، أنا لا أقبل أن يقال لي: إني -مثلاً- أستعدي على بلدي، على من؟ على بلدي أنا؟

أنا لا أعطي دروسًا في الوطنية لأحد، ولا أتقبلها من أحد، أنا معارض للسياسة التونسية الحالية وأدافع.. لماذا أعارض هذه السياسة التونسية الحالية؟ من موقع الوطنية، من موقع إيماني بأن هذا الوطن لا يمكن أن يتطور بمثل هذه السياسة، من موقع إيماني أن تونس لا يمكن أن تكون بلدًا راقيًا متقدمًا إن لم تطلق فيه الحرية الفردية والعمومية، إن لم يختفِ فيه التعذيب إلى آخره، إذن أنا أدافع عن بلدي.

ماذا وقع في البرلمان الأوروبي بـ(ستراسبورغ)؟ هم كان عندهم اجتماع في قضية الشراكة، ثم لما سمعوا بي بأني أخيرًا استعطت أن أخرج -لأنك تعلم أنني بقيت يعلم الله سنوات بدون Passport [جواز سفر]- دعوني لأكون شاهد، شهدت.. لكن من قبل كنت أتحدث عن علاقات المجتمع المدني بالمجتمع المدني، ثم علاقات دول بدول، وهم دعوني لأكون شاهد على إيش [ماذا]؟ شنو اللي قالوا لي برلمان الأوربيين؟ قالوا لي: نحن أمضينا [وقّعنا] معاهدة مع الحكومة التونسية، موش أنا أمضيتها، السلطة التونسية أمضت.

أحمد كامل [مقاطعا]:

اتفاقية برشلونة.

د. منصف المرزوقي:

اتفاقية برشلونة، اتفاقية الشراكة، وهناك بند: البند الثاني يقول: إن الحكومة التونسية مطالبة باحترام حقوق الإنسان وتطوير الديمقراطية، الخ.. هذه الحكومة التونسية أمضت على هذا وأمضت باسم الشعب التونسي. طيب، البرلمان الأوروبي اليوم يقول لك: نحن أمضينا مع هذا النظام معاهدة وهو لم يحترم هذا البند، إذن نحن نطالب هذه السلطة بأن تحترم اتفاقها معنا، هذه قضية ما بيناتهم [فيما بينهم] قضية ما بين حكومات، أنا لم أذهب إلا شاهد، وأنا لا أتعامل لا كمناضل حقوق الإنسان ولا باسم المجلس الوطني مع الحكومة أو أي منظمة حكومية، وإنما أتعامل بكل فخر وبكل اعتزاز مع المنظمات غير الحكومية للمجتمع الغربي، البرلمان الأوروبي..

أحمد كامل [مقاطعا]:

البرلمان الأوروبي ليس منظمة غير حكومية.

د. منصف المرزوقي:

البرلمان الأوروبي أنا -مثلما قلت لك- ذهبت لأكون شاهدًا، لأن البرلمان الأوروبي -وهذا ما أصدروه- عندهم كلمة هامة: إن البرلمان الأوروبي يريد أن يتفتح على المجتمع المدني، وهذا يعطيك فكرة جديدة على تغير المعادلات السياسية.. اليوم المجتمع المدني في كل بلد في العالم أصبح فاعلاً سياسيٍّا، وستتزايد فعاليته السياسية يومًا بعد يوم.

إن قضية المنظومة التي يتحرك فيها الحاكم العربي إنه.. المنظومة اللي يتحرك فيها الحاكم العربي كيف هي؟ ثَم حكومة وثم شعب وثم حدود، وللحاكم العربي الحق في أن يتصرف بشعبه كما يريد داخل هذه الحدود، هذا مفهوم للسيادة الوطنية، ولهذا يصبح يصرخ أنه كيف والله تتدخلوا في شؤونه الداخلية؟ طيب هو يقدر يمضي ما يريد من المواثيق التي تضع استقلال الوطن بين ظفريه، ولكن لا يحق للناس أن تتدخل في شؤونه.

اليوم هذه المنظومة انتهت، مفهوم العصر للسيادة الوطنية هي ليست استبداد الحاكم بالمحكوم في إطاره الجغرافي، هذا انتهى اليوم، تداخل الشعوب وتداخل المنظمات العالمية ألغى كل هذه الأمور.

مفهوم السيادة الوطنية هو أن هذا الشعب يستطيع أن يقرر مصيره، وليس هناك شعب سيد يستطيع أن يقرر مصيره طالما لم تكن له حرية الرأي وحرية التنظم وحرية الانتخابات، ولهذا أقول: نحن اليوم شعوب بدون سيادة، فاقدي السيادة، مسلوبي السيادة، ومن يتحدثون عن السيادة الوطنية يتحدثون عنها من مفهوم القرن التاسع عشر، حقهم في التصرف كما يريدون بشعب من الغنم داخل حدوده.. هذا انتهى، أولاً ليس هناك حدود..

أحمد كامل [مقاطعا]:

هناك سوابق فعلاً استغلت فيها العديد من الدول -اسمح لي سوف أقول مرة أخرى: الدول الغربية وفرنسا والولايات المتحدة تحديدًا- ملفات حقوق الإنسان للضغط على الدول وللتدخل في شؤونها الداخلية فعلاً.

د. منصف المرزوقي:

هذا صحيح، لكن أولاً: مثلما قلت لك: نحن بالنسبة لنا هذه قضية دول مع دول، لكن لماذا فعلت هذه الدول؟ لماذا تدخلت؟ لماذا -مثلاً- تصير أمريكا أو فرنسا اليوم أو يحاول البرلمان الأوروبي القيام بضغوط على الدولة التونسية حتى تعطينا نحن أبسط حقوقنا؟ أولاً لأن هذه الحقوق ممنوعة.. هذه أول نقطة، لا نلقي باللوم على من يتدخل بما أنه اللوم ينطلق.. أنت لا تستطيع أن تقول لي: والله لو تتحدث عن التعذيب ستسيء إلى سمعة تونس، كيف؟ اللوم يجب أن يلقى على من يمارس التعذيب وليس على من يفضحه.

ثانيًا: هذه الدول تتدخل لأن فيها رأي عام، مجتمع مدنيّ قويّ يرى ما يعانيه المجتمع المدني التونسي، ولا يقبل هذا ويقوم بتدخلات لدى هذه الحكومة لإجبارها على.. الحكومة الفرنسية تتدخل بكثير من التباطؤ، ولكن ردود الفعل على ما يقع من انتهاكات داخل تونس هو الذي أجبر الحكومة تحت ضغط مجتمعها المدني للتدخل، بحيث إنه إحنا يا ليت يتواصل ضغط وعي المجتمعات المدنية في الغرب بما يحدث في كل مكان، ثم التدخل في حث حكوماتها على أن تطالب على الأقل باتفاق الشراكة.. هذه حكومة أمضت يجب أن تحترم إمضاءها.

أحمد كامل:

هناك لا زال عدد كبير من السجناء السياسيين في تونس مضربون عن الطعام، كيف ترون المخرج لهذه القضية؟

د. منصف المرزوقي:

وضعية السجون في تونس أصبحت لا تطاق، نحن المجلس الوطني في تونس خرّجنا تقرير عن السجون وأظهرنا الفظاعات التي.. ومن جملتها الاكتظاظ، أنا أناشد السلطة التونسية أن تستجيب إلى طلب اللي هو طلب منطقي، طلب عقلاني، طلب عاطفي أنه أطلقوا سراح الألف سجين اللي عندكم، غير مقبول وضعية أفراد مثل (حمادي جبالي) و(علي لعريضة) و(الصادق شورو) منذ عشر سنوات وهم في الحبس الانفرادي، أنا بعد فترة سننظم نوع من العيادة النفسانية لكل هؤلاء الناس الموجودون في السجون، غير مقبولة وضعية (أحمد همامي) و(عمار عمروسية) وغيرهما اللي هم في حالة فرار ولا يستطيعون العودة إلى أهلهم، لابد من وضع حد لهذه المأساة، العفو التشريعي العام الآن مطلب رئيسي.

أحمد كامل:

هل تتوقعون أن يستجيب الرئيس التونسي لمطلبكم الرئيسي بالعفو العام؟

د. منصف المرزوقي:

إذا لم يستجب فستتكاثر عمليات مثل العملية الأخيرة التي قام بها معلم اسمه (علي الصغير بن سالم) في الجنوب التونسي في مدينة (دوس) هذا الشخص بلغ به اليأس والإحباط أنه ذهب إلى السوق وأخذ أولاده وقال أنا جائع منذ أيام لأنني لا أشتغل، ولا أعمل لأنني مطرود من العمل.. لأن قضية العفو التشريعي ليست فقط قضية سجناء إطلاق سراح السجناء، وإنما إرجاع الناس إلى العمل، هذا راح للسوق ما بين الماعز والغنم وحط [وضع] لافتة للبيع وقال أنا أطفالي للبيع، لا أستطيع أن.. يعني وصلنا إلى حالة من التمرد الداخلي أنه تونس مهددة بالعنف، لابد من كسر موجة العنف التي يمكن أن تتهدد البلاد بالعفو التشريعي العام، هذه ضرورة لكسر كل بوادر العنف أو التمرد التي يمكن أن يأتي من حالة اليأس والإحباط.. آلاف الناس مطرودين من العمل، آلاف الناس ليس لهم حقوق، ألف سجين، هذا كله ملف يجب أن يغلق، ثم بعدها إذا وقع هذا فسيتغير المناخ داخل البلد، وسيمكننا آنذاك أن نمر إلى مرحلة بناء المرحلة الانتقالية لنأتي إلى وضع أسس دولة ديمقراطية عصرية.

أحمد كامل:

عرفت تونس على نطاق واسع ظاهرة هجرة المدافعين عن حقوق الإنسان والمطالبين بالديمقراطية.. الآن نشهد ظاهرة مخالفة نسبيًّا وهي البقاء في الوطن، ما هو موقفكم في هذه المسألة؟

د. منصف المرزوقي:

أنا لا أستطيع أن أعيب على أحد مهدد في حياته، مهدد في عائلته.. إلى آخره أن يهاجر، بحيث لا يحمل الوضع {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} يعني، لكن الثابت أن الآن القوى التي بقيت في تونس والتي تمسكت ببقائها في تونس ستواصل العمل من أجل عودة المغتربين وعودة المهاجرين، حتى لا نضطر مرة أخرى إلى مثل هذه الهجرة.

أحمد كامل:

سؤالي الأخير هو عن انتهاء مدة الرئيس التونسي في عام 2002م.. هل تعتقدون بأنه سوف يجدد لنفسه؟ كيف ترون مستقبل تونس؟

د. منصف المرزوقي:

المجلس الوطني للحريات دعا ليوم 10 ديسمبر المقبل المؤتمر الوطني للديمقراطية الذي سيجمع كل الديمقراطيين في تونس للتباحث في هذه الإشكالية العويصة التي هي مستقبل البلاد؟ لأن اليوم الموضوع المطروح هو مستقبل التداول والفترة الانتقالية.. الخ.. نحن نرى الأمور كالتالي:

بعد العفو التشريعي العام نأمل أن الدولة تقبل بالنقاش مع المؤتمر الوطني الديمقراطي وما سسنجر عنه من اقتراحات حتى نستبدل القوانين القاتلة للحريات، قوانين الصحافة، قانون التنظيم، قانون الانتخابات، وعندنا ثلاث سنوات إن صح التعبير لتتواجد الأحزاب الفعلية والحقيقية، التنظيمات الفعلية والحقيقية لتعود حرية الرأي، ليعود النقاش.. إلى آخره، ثم نذهب في سنة 2004م إلى انتخابات حرة ونزيهة تشريعية ورئاسية.

وبطبيعة الحال لابد من تطبيق الدستور، والدستور واضح أنه ليس للرئيس (بن علي) الحق في الترشح في نيابة ثانية، وأنا أتمنى أن يقع احترام للدستور، وأعتقد أن كل القوى الديمقراطية تريد هذا، وأنه يعني خلاص.. شنو [ما] الحل؟ نخرّج المظاهرات الصاخبة للمطالبة بتنقيح الدستور، من سيصدق؟ نخرّج قوائم بآلاف الجمعيات التي تطالب.. من سيصدق؟

إذا أردنا الخروج من الأزمة فليس هناك خروج آخر غير أن نذهب إلى الشعب في انتخابات حرة ونزيهة نعده لها، وهكذا تعود المصداقية إلى الدولة وهيبتها وكل ما فيها، كل شرعيتها، ويستعيد الشعب سيادته، وندخل العصر.

أحمد كامل:

هل ثلاث سنوات مدة كافية لتحقيق كل هذه الخطوات الكبيرة؟

د. منصف المرزوقي:

إذا كانت هناك نية صادقة من طرف السلطة، أنا أعتقد أن هذا ممكن، بطبيعة الحال إذا كانت السلطة ستواصل سياسة المراوحة في نفس المكان: والله هذه أزمة عابرة ستمر ثم ستعود حليمة إلى عادتها، الأزمة لن تمر، الأزمة هيكلية، هي أزمة النظام الاستبدادي ككل، وهذه الأزمة لا يمكن أن تحل لا بالمراوحة في المكان، ولا بالتزيين ولا بالتزييف.. أزمة هيكلية عميقة، إذا لم تحسم عن طريق مفاوضة سياسية بين السلطة وبين المجتمع المدني لمواكبة العصر لدخول العصر، فإن تونس ستعرف، وأتمنى أن لا يحصل هذا، فإنها ستعرف صعوبات مرتقبة.

ولكن نحن في المجلس الوطني للحريات وأعتبر في كل الحركة الديمقراطية متحملين مسؤولياتنا، ومن جهة أخرى مادين أيدينا للحوار حتى إن هذه المرحلة هذه الانتقالية للديمقراطية تسير بأقل تكلفة إلى تونس من العنف، لأن القضية أن الذهاب إلى الديمقراطية قدر محتوم لكل الشعوب، تفرضها التكنولوجيا، يفرضها العصر، القضية الثمن، الجزائر دفعت ثمن باهظ لكنها ستصل، نحن في تونس نريد أن ندفع أقل تكلفة، يجب الآن في كل مكان أن الحاكم العربي يفهم أن القضية قضية تكلفة، تكلفة بالنسبة له هو، تكلفة بالنسبة للمجتمع، هذا انتقال محتوم للديمقراطية تفرضه الجغرافيا والتاريخ والتكنولوجيا و.. طيب لماذا لا نتحاور حتى تكون أقل تكلفة للحاكم وللمحكوم وللشعب حتى نصل بسلام إلى هذا المرفأ الذي ابتداءً منه سندخل العصر، لأننا نحن العرب لازلنا خارج العصر، طالما نحن خارج الديمقراطية نحن خارج العصر.

أحمد كامل:

الدكتور منصف المرزوقي.. شكرًا جزيلاً لكم.