زيارة خاصة

محمد رقيبي (إدوارد موحى)

من عائلة صحراوية ولد عام 1943، قام بتأسيس أول حركة لتحرير الصحراء الغربية من الإسبان سميت بالحركة الثورية للرجال الزرق (الموريحوب)، لجأ إلى الجزائر وهرب منها بعد أن تبين ما يعتقد أنه النية الحقيقية للجزائريين في استقلال الصحراء.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

إدوارد موحى: مناضل مغربي

تاريخ الحلقة:

26/12/2003

– أسباب عدم موافقة إدوارد موحى على استقلال الصحراء
– دور ثروات الصحراء في اشتعال المنطقة

– أسباب اتصاله بالجزائريين

– أسباب دعم الجزائر لمطالب الصحراويين

– أسباب هروب إدوارد موحى من الجزائر

– محاولات الجزائر رشوة واغتيال إدوارد موحى

– هجوم إدوارد موحى على السياسة الجزائرية

– أسباب مناهضته لجبهة البوليساريو


undefinedسامي كليب: قصص عجيبة وغريبة عاشها ضيفنا الصحراوي، فهو كان أول من أسس حركة لتحرير الصحراء، وذهب إلى الجزائر للحصول على المساعدة، لكنه اضطُّر للهرب من هناك بعد حوالي ستة أشهر، ويقول إنه تعرَّض لمحاولة اغتيال من قِبَل الجزائرين على الأراضي الفرنسية، ورغم أنه كان أول ألقى خطاباً أمام الأمم المتحدة باسم الصحروايين، إلا أنه لا يزال حتى اليوم يرفض استقلال الصحراء ويريد ضمها إلى المملكة المغربية، فهل كان مناضلاً حقيقياً، أم أنه كان رجل الاستخبارات المغربية، ضيفنا اليوم هو إدوارد موحى، وإن شئتم فمحمد الرقيبي.

إدوارد موحى: أهلاً وسهلاً، مرحباً.

سامي كليب: السلام عليكم.

إدوارد موحى: مرحباً.. تفضل.

سامي كليب: كيف حالكم، مساك الله بالخير.

محمد رقيبي، أحمد رشيد، محمد إبراهيم، أو إدوارد موحى، كلها أسماء لرجل واحد، إنه الصحراوي المغربي الذي ما عاد يشبه في شيء أبناء الصحراء، فضيفنا المولود عام 43، في عائلة صحراوية تنتمي إلى قبيلة ولاد طالب المتفرعة عن قبيلة الرقيبات الشهيرة، والرجل الذي أسس عام 69 الحركة الثورية للرجال الزرق المعروفة (بالموريحوب) لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني، بات اليوم كاتباً له عشرات الكتب والدراسات، نزع ابن الشيخ الصحراوي ابن شيخ الزاوية العباءة الصحراوية أو الدرَّاعة كما تُسمَّى هنا، واعتمد اللباس الغربي، تماماً كما أنه تبنى اللغة الفرنسية كسبيل أسهل للحوار معنا في هذا اللقاء، وكان والده أصلاً في حزب الاستقلال المغربي الشهير ومؤيداً لضم -أو كما يقول- لعودة الصحراء إلى المغرب إلى كنف الوطن الأم.

إدوارد موحى: كنت أبداً ودائماً مع إعادة ضم الصحارى للوطن الأم، وانطلاقاً من هذه الفكرة أسست الموريحوب، لماذا أسست الموريحوب؟ أسستها لأنني لاحظت أن بلدي يعتمد بالمطلق على السياسة بهدف دفع الإسبان للانسحاب، وأنا عرفت أو كان رأيي هو إنه يجب القيام بما هو أكثر من ذلك، وانطلاقاً من هذه الفكرة ومن وجهة النظر تلك ذهبت إلى الجزائر وعندما نعي صدق الجماعات الجزائرية…

أسباب عدم موافقة إدوارد موحى على استقلال الصحراء

سامي كليب: لا سنعود إلى مرحلة الجزائر، ولكن ما الذي دفعك إلى عدم الموافقة على استقلال الصحراء وضمها إلى المغرب فقط يعني بسبب ارتباط الوالد مع المملكة المغربية.

إدوارد موحى: شخصياً أعتقد أنه لا يجب تزوير التاريخ، أعتقد أنه يجب علينا مسايرته، والحقيقة هي أن الصحارى لم تكن يوماً أكثر من منطقة في المغرب، لذلك لا أرى سبباً يدفعني إلى خلق تاريخ جديد من خلال إنشاء دولة مستقلة.

سامي كليب: طيب، بس ولكن يعني هناك تقارير عديدة، وأقرأ دراسة مثلاً حول قضية علاقة الصحراء بالمملكة المغربية، في الواقع وهذه الدراسة بُنيت على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، تذكر أنه المحكمة أرسلت وفد إلى المنطقة من أجل النظر في علاقة الصحراء في المملكة المغربية، وقالت ما يلي يعني اسمح لي بقراءة ما يقول نص محكمة العدل الدولية قالت: إن الصحراء الغربية لم تكن أرضاً بدون سيد، يعني لم تكن أو.. ولا أي اليوم واستخدم التعبير اللاتيني (..) ولا يوم، في خلال الاستعمار الإسباني، ولكن بالنسبة للعلاقة بين الصحراء وبين الدول المجاورة، أحاول أن أترجم النص من اللغة الفرنسية، فإن محكمة العدل الدولية تعترف بوجود علاقة بين الصحراء والدول المجاورة في خلال مرحلة الاستعمار الإسباني، علاقات قضائية وعلاقات طبعاً مع سلطان المغرب آنذاك، نعرف أن في المملكة كان يُسمى سلطاناً وليس ملكاً، ولكن تقول: إن العلاقات كانت تقوم بين بعض قبائل الصحراء وسلطان المغرب على أرض الصحراء الغربية، وتعترف أيضاً بحقوق هؤلاء الذين يعيشون في الصحراء الغربية على أرضهم، ولكن يقول قرار محكمة العدل الدولية أيضاً أن العناصر التي تملكها يعني هي المحكمة لا تعترف في الواقع بوجود رابط من السيادة المغربية على الصحراء، لا رابط بين السيادة المغربية على الصحراء ولا بين موريتانيا والصحراء، بمعنى آخر إنه قرار محكمة العدل الدولية لم يعترف -في الواقع- إلا بروابط بين بعض قبائل الصحراء، وسلطان المغرب، وليس سيطرة المملكة على الصحراء، وأنت تقول إنه كنت تود المقاتلة من أجل إعادة الصحراء إلى المملكة المغربية، إذن تاريخياً، هل الرابط موجود؟

إدوارد موحى: نعم تاريخياً، على أية حال فإن محكمة العدل الدولية قد خرجت برأي غير واضح يرضي جميع الأطراف نوعاً ما، لكنها في الصميم تعترف بوجود سيادة للمغرب على الصحارى، سيادة للسلطان أي للسلطة العليا، وانطلاقاً من هنا فإن محكمة العدل الدولية تعترف بأن جميع قبائل الصحارى تخضع لنفوذ السلطان، وأنا أعتقد أن هذا كافٍ.

سامي كليب: ولكن لم تقول إنه سيادة السلطان على كل أراضي الصحراء، قالت: هناك بعض العلاقات الشرعية والقضائية بين بعض قبائل الصحراء وبين السلطان.

إدوارد موحى: نعم، هذا صحيح إن تناولنا الموضوع من هذه الزاوية، فالصحارى تمتد من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، لذلك فإن كلمة صحارى كلمة غامضة، إنها كلمة غامضة لكن على العكس، أعتقد أن ذلك الرأي يؤيد موقف المغرب.

دور ثروات الصحراء في اشتعال المنطقة

سامي كليب: وهنا فتح إدوارد موحى الخرائط، وراح يشرح لي كيف كانت الصحراء مستعمرة إسبانية وكيف أن شرعيتها تعود إلى المملكة المغربية، ولكن رغم طرد الإسبان ورغم الخطوة التي قام بها الملك الراحل الحسن الثاني بإرسال شعبه سلمياً إلى الصحراء فيما عُرف "بالمسيرة الخضراء" إلا أن الجدل يبقى قائماً، والأمم المتحدة لم تنجح في تحديد هوية من يحق له التصويت على الاستفتاء، ولكن ماذا عن دور ثروات الصحراء في بقاء المنطقة برميل بارود مشتعل؟

إدوارد موحى: هذا صحيح، هناك ثروات في الصحارى، وهناك بحر غني بالثروة السمكية، وربما يكون هناك ثروات باطنية أخرى، لكن إن تركنا ذلك جانباً وكما كنت أود القول، فإنني لا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع بالمغرب للمطالبة بعودة الصحارى إلى كنف الوطن الأم، برأيي إنها مسألة كرامة قبل كل شيء، لقد بدأنا صراعاً للتحرير وقد دفع الشعب المغربي ثمناً باهظاً وأزهقت العديد من الأرواح وأصيب المغرب بالإذلال، أعتقد أنه من الطبيعي أن يستعيد المغرب كامل.. أقصد أن يستعيد سيادته على كامل أراضيه.

أسباب اتصاله بالجزائريين

سامي كليب: طيب، يعني أنت منذ البداية منذ تأسيس الجبهة أو الحركة الثورية للرجال الزرق كنت تود إذن إعادة الصحراء إلى المملكة المغربية، ولكن الغريب إنك اتصلت بالجزائر منذ البداية، كيف ولماذا حصل الاتصال بالجزائريين؟ هل كنت مرسلاً سراً من قِبَل المملكة المغربية، للاتصال بالجزائريين، أم فعلاً وددت الحصول على مساعدة؟

إدوارد موحى: أعتقد أنني لطالما احتفظت بزمام المبادرة في كل ما يتعلق بمستقبل حركتي وبنشاطها السياسي، وأنني لم أشاطر أحداً في ذلك، أقول هذا كي نجعل الأمور واضحة، أما فيما يتعلق بالجزائريين فإنني أود أن أذكر بأن بومدين قد قال بوضوح في الرباط…

سامي كليب[مقاطعاً]: نعم ولكن سيد إدوارد موحى، يعني اسمح لي بالمقاطعة أود أن نعرف، كيف بدأ؟ ولماذا أول اتصال بينك وبين الجزائريين؟ يعني قد نعود إلى الموقف الجزائري بشكل عام، الموقف السياسي على الأقل، ولكن نود أن تخبرنا عن دورك تحديداً في هذه العملية التي قامت ربما سراً بينكم وبين الجزائر ربما بالتعاون مع الأجهزة المغربية، متى حصل أول اتصال؟ ولماذا بينك وبين الجزائريين؟

إدوارد موحى: عندما أسسنا حركة الموريحوب حوالي العام 1969، كان ذلك في المغرب وبالطبع لم يكن المسؤولون المغربيون يجهلون أن تأسيسها أتى في مصلحة، لا بل بهدف إعادة الصحاري إلى كنف الوطن الأم أي المغرب، لذلك فإنني أعتقد أنه لم ينشأ حول هذه النقطة أي التباس أو أي سوء تفاهم، وبالطبع أقمت اتصالات مع الجزائريين والمغربيين على حد سواء، اتصالات غير رسمية أغلبها على شكل استطلاعات رأي، كان من المهم بالنسبة لنا أن نعرف نية وإصرار هؤلاء الناس.

سامي كليب: وأول أتصال يعني راح أساعدك شوي في.. في الذاكرة، أول اتصال حصل مع السفارة الجزائرية في المغرب.

إدوارد موحى: في.. في الرباط.. في الرباط مع السيد أحمد باغلي، وهو رجل سياسي ذو وزن مهم، إذ أنه كان يعتمد على DEI وهي إدارة تشبه (..) إن أردت.

سامي كليب: يعني.

إدوارد موحى: أعني أنه كان شخصاً صريحاً.

سامي كليب: لا يعني ما هي DEI؟

إدوارد موحى: إدارة الدراسات الدولية، إذن فقد كان هو ممثلهم في السفارة، وكان يحتل موقعاً استراتيجياً إن أخذنا بعين الاعتبار الصراع والمصالح التي تثير اهتمام الجزائر، أترى إذن معيار الشخصية التي تم اختيارها لشغل هذا المنصب؟ كان رجلاً صريحاً، وأعتقد أنه حتى تلك اللحظة.

سامي كليب: طيب ماذا طلبت منه في أول اتصال؟

إدوارد موحى: في البداية دافعت عن تياري السياسي.

سامي كليب: ولكن لم تقل لهم إنه مشروعك هو ضم الصحراء إلى المغرب.

إدوارد موحى: قال لي أحمد باغلي شخصياً، ومازلت أذكر كلماته، قال الجزائر تقف إلى جانب المغرب كما أكد ذلك الرئيس بومدين، لسنا نؤيد انسحاب الإسبان من الصحارى الغربية فحسب، بل نؤيد انسحابهم من سبتة وميليليا وكما تعرف قد شاهدنا بعد ذلك.

سامي كليب: إذن.. إذن الجزائريون كانوا في.. في البداية مع تحرير الصحراء، ولكن النقطة الأساس هل كانوا مع إعادة الصحراء إلى المملكة المغربية؟ يعني في خلال أول لقاءات بينك وبينهم.

إدوارد موحى: جواب هذا السؤال يبقى لديهم، لكن موقفهم الرسمي يأتي إيجاباً، ليس لديهم شيء ضد المغرب، ولم يعترضوا أبداً على المطلب المغربي، وهذا أمر واضح.

سامي كليب: طيب بعد اللقاء في السفارة فيما بعد ذهبت إلى الجزائر؟

إدوارد موحى: ذهبت إلى الجزائر نعم.

سامي كليب: ويعني وِفق ما فهمنا من خلال تاريخك إنه كان الاتصال بينك وبين بعض الأجهزة الجزائرية في البداية الأمنية تحديداً للمساعدة العسكرية، فيما بعد أصبح الرجل الذي يحاورك هو قصدي مرباح كان المسؤول الأمني الأول في البلاد فيما بعد أصبح رئيس الوزراء، وكما نعلم اغتيل في خلال الحرب الأخيرة –للأسف- في الجزائر، قصدي مرباح كان بربري الأصل، وكنت تتحدث معه باللغة البربرية أيضاً، ولكن أول مساعدات جزائرية لإلك في الصحراء كانت مساعدات عسكرية، وكان الجزائريون يعني مدركين إنك أنت تقاتل من أجل استقلال الصحراء، أو كانت المساعدات عسكرية، أيضاً مع إدراكهم أنه الصحراء ممكن أن تعود إلى المغرب؟

إدوارد موحى: ما إن وصلت إلى الجزائر حتى اتصلت بـ(رونتوم) وهو رجل بسيط مناضل بكل ما للكلمة من معنى، وكان على أية حال قائد جنود الملكة، وكان مسؤولاً عن حركات التحرر، كان رجلاً مستقيماً مقاوماً قديماً اتفقت معه جيداً، ثم بالطبع قابلت بعد ذلك داريا الكولونيل (داريا) ثم قابلت (هوفمان) ووليد هوران الذي كان يلعب دوراً هاماً، وبعد ذلك بومدين، كما قابلت بن شريف الذي كان قائداً للحرس الملكي، ثم تعرفت وعملت مع قصدي مرباح، إذن من كل هذه الاتصالات خرج التخطيط.

كان يجب أن نخطط وإن كان هناك تخطيط عسكري وسياسي فهم يدينون بذلك لي، ما أرادته الجزائر من خلال هذه المناورات وعرض القوة، ومن خلال استفزاز (فرانكو)، هوبحسب اعتقادي اختبار قدرة التحمل لدى الإسبان، ودفع إسبانيا فرانكو إلى التعامل مع الجزائر من خلال استراتيجية كان يعرفها بومدين وبوتفليقة وحدهما. من خلال الخطة التي عرفتها فيما بعد، ودفعتني إلى مغادرة الجزائر، فالجزائريون قاموا فعلاً..

سامي كليب[مقاطعاً]: طبعاً ستخبرنا عن ذلك فيما بعد، ولكن إذن كان في البداية مخططات عسكرية لكيفية المقاومة في الصحراء، أنتم كصحراويين يعني حركة.. الحركة الثورية للرجال الزرق، هل كنت تستطيع أن تنفذ عملية واحدة بدون رأي الجيش الجزائري؟ يعني من الذي كان يخطِّط هم أم أنت؟

إدوارد موحى: إن قلت لك إن أياً كان بمن فيهم البوليساريو يستطيع القيام بأي عمل عسكرياً كان أم سياسي ضد إسبانيا من دون أولاً موافقة الجزائر، ومن دون تخطيط الجزائريين، ومن دون تواجد للقوات الجزائرية، ومن دون دعم القادة الجزائريين، فإنني أكون غير صادق معك.

أسباب دعم الجزائر لمطالب الصحراويين

سامي كليب: في الجزائر كان محمد رقيبي أو إدوارد موحى يلتقي بالرئيس الراحل هواري بومدين، وكذلك بالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وإذا كانت أسرار بومدين رحلت معه بشأن الصحراء، فإن ما سيقوله لنا ضيفنا عن عبد العزيز بوتفليقة يمكن التأكد منه، طالما أن الرجل لا يزال على قيد الحياة، فماذا كان يحصل في الجزائر آنذاك؟

إدوارد موحى: أعتقد أن الرئيس بوتفليقة الذي كان في ذلك الوقت وزيراً للخارجية حوَّل مشكلة الصحراويين إلى ورقة ضغط، لقد كان يجيد المناورة، تصور الجزائريين وهم يُحضِّرون المؤتمرات، ويفرضون سيطرتهم على كافة حركات التحرر بالعالم، ويجرِّدون الأيديولوجيات من محتواها، لقد كانوا صدى لموسكو، أما بوتفليقة فقد سعى لكي يواجه المغرب دائماً الصعوبات على طريقه، وفي الحقيقة إن كانت العديد من الدول الإفريقية قد عارضت المطلب المغربي، فإن ذلك يرجع في جزء كبير منه إلى بوتفليقة وإلى مناوراته.

سامي كليب[مقاطعاً]: طيب بس.. بس.. بس.. ولكن يعني أنت تتحدث عن عمليات ربما مناورات لبوتفليقة وأيضاً مناورات لبومدين، ولكن في خلال اللقاءات بينك وبينهم، يعني تحديداً بينك وبينهما، يعني تحديداً عبد العزيز بوتفليقة وبومدين، هل كنت تشعر إنه عم بيساعدوكم من أجل الصحراء الغربية أو لضرب المملكة المغربية أو لزعزعة العرش المغربي؟

إدوارد موحى: فهمت مباشرة أن الجزائريين ينظرون من زاوية لا يهدفون من خلالها إلى مساعدة الصحراويين لكي يصبحوا أو بالأحرى لكي ينالوا استقلالهم فحسب، بل يهدفون أيضاً لإضعاف نظام الحكم المغربي.

سامي كليب: أود أن أسألك -سيد إدوارد موحى- هل تعرف ضابط سابق في الجيش الجزائري اسمه بلقاسم الأمين؟

إدوارد موحى: نعم.

سامي كليب: ماذا كان يعمل؟

إدوارد موحى: ok، يعمل في جهاز المخابرات.

سامي كليب: طيب، في دراسة وضعها عن الجيش الجزائري تحديداً حول العلاقة بين الجزائر والصحراء، وبين المغرب والصحراء، طبعاً هو يسميك باسمك الحقيقي بشير، ونعرف أن اسم إدوارد موحى هو اسم مستعار فيما بعد، يقول: إنك كنت أحد عناصر الاستخبارات المغربية، وأنك كنت مدسوساً في الجزائر. كلام صحيح؟

إدوارد موحى: هذا صحيح، وأنا فخور بما قمت به كجندي وكمغربي.. كمغربي وطني، لقد كان ذلك دفاعاً شرعياً ومبرراً عن النفس، فقد أراد الجزائريون استغلالي وكنت أنا من استغلهم في نهاية المطاف بعون الله.

أنا مخطط بارع، أعني أنني اخترقت عدداً كبيراً من الأجهزة الجزائرية، من عسكرية وأمنية وسياسية، وقد سمح لي ذلك بالحصول على معلومات مفيدة لبلدي، كانت مشكلة الجزائر أنها بلد ديكتاتوري قائم على نظام أمني، بلد يجد حمايته في بحر الاتحاد السوفيتي.

سامي كليب: سيد إدوارد موحى، يعني هدف المقابلة ليس تعريض سمعة الجزائر أو المغرب أو التعرض إليهما بالسوء، ولكن الحديث عن خبرتك مع الجزائريين، تقول إنك استخدمت الجزائر كما هم أرادوا أن يستخدموك، كيف؟ ما هي الأمثلة على ذلك؟

إدوارد موحى: الأمثلة.. من خلال اختراق الأوساط الأمنية والعسكرية والسياسية تمكنت من معرفة النوايا الحقيقية للجزائر، ومن معرفة خططهم المستقبلية التي كانوا يدخرونها للمغرب، كان ذلك مهماً جداً.

سامي كليب: طيب، طيب حين كنت تجتمع مع الضباط الجزائريين، وتضعون الخطط في الصحراء وتسمع منهم كلام عن المغرب، كنت توصل التقارير إلى الاستخبارات المغربية فيما بعد؟

إدوارد موحى: لا، عن طريق صديق، لم أورِّط قط السفارة أو أي جهاز مغربي آخر، تعرفت على أحدهم، صديق وصحافي مشهور، ومن خلاله كنت أمرِّر المعلومات إلى بلدي.

سامي كليب: صحافي عربي أو فرنسي؟

إدوارد موحى: فرنسي، وأود أن أوضح لك أمراً في الحقيقة أن (بالطا).. (بول بالطا) كتب في صحيفة "لوموند"..

سامي كليب: بول بالطا صحافي فرنسي.

إدوارد موحى: نعم، صحافي فرنسي، وهو من بدأ تلك التسمية واللغط، وذلك بإطلاق اسم بشير الفجيجي عليَّ، وبرأيي أن الجزائريين قد استغلوا هذا اللغط، كي يخلقوا الارتباك، أي كي يجردونني من مصداقيتي، ففي تلك الأيام كانوا يستقبلون عشرات المرات بشير الفجيجي في منازلهم، وبشير الفجيجي هو رجل مغربي، معارض بالتأكيد، ولديه اتصالات مع الجزائريين، لكن لا علاقة له بإدوارد موحى أو محمد إبراهيم ولد الطالب، اسمي الحربي هو إدوارد موحى، وقد حملت أسماء حرب كثيرة، لكنني لم أحمل قط اسم بشير الفجيجي.

سامي كليب: طيب، حين كنت تلتقي بالرئيس الجزائري الحالي، وربما الكلام عن الموضوع مهم الآن طالما يعني هو تولى الرئاسة، عبد العزيز بوتفليقة، ماذا كان يقول لك عن الصحراء وعن العلاقة مع المملكة المغربية؟

إدوارد موحى: بما أننا في صلب الموضوع، وبما أنني عميل استخبارات فإنك تعرف كيف يتصرف العملاء السريون بشكل عام، لقد خبرت بوتفليقة.

كانت لدي علاقات صداقة وطيدة مع أقرب معاونيه، كنت أعرف مسبقاً ما كان بومدين سيقوله في خطاب أو في عرض، كنت أعرف كل ذلك مسَّبقاً، إذن كنت أعرف أن بوتفليقة لم يكن يحب المغرب، عرفت شخصيته، وحاولت التعايش معه على أنه رجل يملك سلطة كبيرة، وبإمكانه إيذائي، لذلك أخذت حذري ولم أدعه يكتشف نواياي، هذا هو السبب.

سامي كليب: وبوتفليقة حين تقول أنه كان يكره المغرب، كنت تسمع منه الكلام أو تحليلك؟

إدوارد موحى: أعتقد أن بوتفليقة في كل الأمور التي كان يفعلها، ويأخذها على عاتقه إنما كان يسعى لوضع عوائق أمام ما يحاول المغرب القيام به، أعني أنه لطالما أراد عرقلة مساعي المغرب.

سامي كليب: طيب، يعني.. يعني بالاختصار إنه أنت لم تسمع من بوتفليقة ولا من الرئيس الراحل هواري بومدين أي كلام مباشر ضد المملكة المغربية؟

إدوارد موحى: عندما كانا يتحدثان..

سامي كليب [مقاطعاً]: لأ، في خلال لقاءاتك معهم.

إدوارد موحى: لا، أبداً.. أبداً.. أبداً، الحق يقال أبداً.

أسباب هروب إدوارد موحى من الجزائر

سامي كليب: فيما بعد نصحك بعض الأصدقاء في الجزائر بمغادرة البلاد، وغادرت هرباً في الواقع، مررت بأوروبا الشرقية وصولاً إلى باريس، ما الذي حصل؟ هل اكتشفوا أنك تعمل للمخابرات المغربية أولاً؟ ثم لماذا هربت؟ يعني لماذا لم تخرج بطريقة عادية جداً؟

إدوارد موحى: كان بإمكاني البقاء لو أنني أردت اعتناق التيار الجزائري، لو تركتهم يتلاعبون بي لكنت بقيت من دون أن أخشى أي شيء من الجانب الجزائري، لكن ما دفعني قبل كل ذلك لمغادرة الجزائر هو تغيُّر التوجُّه، أو بالأحرى التحول الجذري في الموقف الجزائري، فقد كان الجزائريون في خطابهم الرسمي يساندون المغرب، لكن في الباطن ومن خلال مخططاتهم، كما سبق أن شرحت لك، كانوا يساندون استقلال الصحارى، لكن بالنسبة لي فإنه بعد أن ساند بوتفليقة وبومدين والآخرون المطالب المغربية فإنه لم يبقَ أمامي سوى اللحاق بهم، لكن عندما توفرت لي الدلائل الواضحة..

سامي كليب[مقاطعاً]: ما.. ما هي الدلائل؟

إدوارد موحى: أعني أنه كانت هناك اجتماعات بين (برابو) وبوتفليقة وأنهما قررا مستقبل الصحارى باستمرار الاحتلال الإسباني لها.

سامي كليب: بين وزيري خارجية الجزائر وإسبانيا.

إدوارد موحى: وإسبانيا، أي نعم.. نعم، بالإضافة لذلك كله، وكما قلت لك كانت هناك الشائعات والشكوك، وهذا ما دفعني لمغادرة الجزائر.

سامي كليب: كيف هربت من الجزائر؟

إدوارد موحى: كان لدي صديق جاء يحذرني ويقول لي: انتبه، فقد بدأ الجزائريون يفهمون ويشكون بأنك عميل مغربي.

سامي كليب: صديق.. الصديق جزائري أو مغربي؟

إدوارد موحى: كان جزائرياً، وكان ذلك يوم الجمعة، وشاءت الأقدار أن يصادف اليوم التالي -أي يوم السبت- الاحتفال بالعيد الوطني لتشيكوسلوفاكيا، ذهبت إلى الحفل، وقابلت جميع الضباط الجزائريين، وهناك جدَّدت طلبي للسفير التشيكي وقلت له: إن هناك رحلة معلَّقة وعقداً يحتاج إلى توقيع مع تشيكوسلوفاكيا، وإنني أرغب في السفر في اليوم التالي أي الأحد، لكنني لا أحمل تأشيرة دخول، قال لي: لا بأس. بعد أن قال لي ذلك، قابلت صديقي (كوبي يو)، وقلت له: جهِّز لي جواز سفر لدولة إفريقية لا يحمل أختام الجزائر.

سامي كليب: يعني صديقك كوبي يو من كان؟

إدوارد موحى: كان صديقاً ورئيس حركة تحرير جزر الكناري، إذن عدنا إلى المكتب وكان ذلك في ليلة السبت، بدأنا العمل على الجواز، والتقط صورة لي، وبدأنا بطباعة جواز سفر مزوَّر، وكان يحمل اسم محمد إبراهيم، بعد الانتهاء منه ذهبت في تلك الليلة إلى منزل السفير، الذي قام بدوره بالاتصال بأمين سره هاتفياً، فأحضر لي هذا الأخير التأشيرة معه مباشرة، أما صديقي –أقصد صديقي الجزائري- فقد رافقني بصحبة حارسين شخصيين جزائريين، رافقاني طوال رحلتي، وهكذا يوم الأحد ركبنا الطائرة إلى براغ، وبهذه الطريقة غادرت الجزائر، عقدت اجتماعين أو ثلاثة مع اللجنة المركزية التشيكية، وعقدت مشاورات مع جبهة التحرير، ذلك أنه كان لديهم جبهة للتحرير تضم المناضلين القدامى.

سامي كليب: طيب، لكي لا.. لا نطيل الحديث، طبعاً خرجت من الجزائر وصلت إلى تشيكوسلوفاكيا إلى براغ تحديداً، ومنها من براغ ذهبت إلى..

إدوارد موحى: موسكو..

سامي كليب: موسكو، ومن موسكو إلى باريس.

إدوارد موحى: من موسكو إلى ستكهولم.

سامي كليب: إلى ستكهولم ومن ستكهولم إلى باريس.

إدوارد موحى: عندما وصلت إلى فرنسا وما أن دخلت المنطقة الدولية حتى سألت عن مكان مكتب ضابط المطار، أشاروا إليَّ إلى المكان، ورأيت رجلاً يخرج إليَّ، وهذا الرجل أصبح صديقي فيما بعد، رأيته يخرج إليَّ فقلت له: أود التحدث إلى المسؤول، فقال لي: لأي غرض؟ فأجبته: الأمر بسيط، إنها قضية سياسية، قال لي حقاً؟ فأجبته بالإيجاب، بالوصول إلى صلب الموضوع قلت له اسمي فلان، وأنا رئيس حركة مقاومة، حركة التحرير موريحوب، وأطلب اللجوء السياسي إلى فرنسا، وأنا أسافر بجواز السفر المزور هذا، الجزائريان المرافقان لم يصدِّقا ما يحصل لقد نجحت بخداعهما، فقد أبقيت كل ذلك سراً، لأنني إن بُحتُ بأي شيء في موسكو أو براغ.

سامي كليب: كانوا قتلوك.

إدوارد موحى: لا لكانوا أعادوني إلى الجزائر فوراً، إذن نجحت بما فعلت بفضل التكتم وحفظي للسر، وعندها بدأت معركة من الإجراءات كان (جوبير) وزيرا للخارجية في ذلك الوقت، وقد أصبح صديقي فيما بعد، كان في مهمة في مدريد فاتصلوا به هاتفياً وقالوا له: هناك شخص اسمه إدوارد موحى يطلب اللجوء السياسي إلى فرنسا، فجاء جوابه لكن كيف؟ نحن في صدد محادثات مع فرنسا تتناول مواضيع الدولة ومواضيع حساسة، والآن أنتم تلصقون بي.

سامي كليب: مع.. مع بالأحرى مع المغرب.

إدوارد موحى: مع المغرب قلت له اسمع: أنا لم أعمل في حياتي ضد المغرب، اعلم هذا، وإن كنت قد أتيت إلى هنا فذلك في مصلحة وطني.

محاولات الجزائر رشوة واغتيال إدوارد موحى

سامي كليب: بعد أخذ وَرِدٍ كبيرين نجح إدوارد موحى أو محمد رقيبي باللجوء إلى فرنسا كان ذلك عام 73، وبعدها ألقى خطاباً نارياً ضد الجزائر في الأمم المتحدة، ولكن ما هي حقيقة محاولة الجزائريين رشوته بالمال أولا، ثم محاولاتهم قتله ثانياً؟

إدوارد موحى: هذا صحيح كان ذلك في العام 1974 بعد لقائي بـ(حوب)، وهو رجل جزائري، هذا اسمه الحربي، وكان ضابط مباحث، وكان يعمل متخفياً في قلب رابطة الصداقة الجزائرية في بروكسل، لكن هذا حدث في وقت لاحق، ليس في العام 74، لكن في مرحلة لاحقة، فما أن خرجت ما إن أصبحت في باريس حتى اتصل بي السفير (بيرجاوي)، قال لي: تعال إلى السفارة وسنتباحث معاً، وإن كنت بحاجة إلى شيء فأنا موجود هنا، والجزائر مستعدة لمساعدتك، فقلت له أولاً يجب أن أشكِّل لجنة مساندة لهذه القضية، وهكذا كنت أول من أسس لجنة مساندة قبل وقت طويل من البوليساريو.

سامي كليب: بس.. بس لما وصلت لباريس ما اتصلت في السفارة المغربية؟

إدوارد موحى: لا.. لا، وذلك لسببين: فقد أردت دائماً أن أترك المغرب بعيداً، وحاولت –قدر المستطاع- ألا أقحمه في قضاياي، وهكذا أجريت مقابلات..

سامي كليب[مقاطعاً]: هذا السبب الأول، الثاني؟

إدوارد موحى: الثاني.. السبب الثاني: هو أنه ما كنت أنوي فعله وهو أمر غير تقليدي، لا يتوافق مع الدبلوماسية، وبلدي المغرب بلد لديه قيم ثابتة، وينبذ استخدام بعض الأساليب، لذلك أردت مساعدة مغربي، بلدي المغرب، مع إبقائه بعيداً عن المشاحنات.

سامي كليب: طيب، اتصلت.. إذن اتصل فيك السفير الجزائري.

إدوارد موحى: نعم، لقد قابلته عدة مرات، وقد عرض علي مساعدته، وكما كنت أقول لك: أعلنته بنيتي بتأسيس لجان المساندة عبر أوروبا، وقبل مغادرتي إلى بروكسل رأيته مرة أخرى وقلت له: رفاقي موجودون في بروكسل، لذلك أنا ذاهب إلى هناك، وهكذا التحقت بالحزب الشيوعي البلجيكي في بروكسل، وانطلاقاً من هناك بدأت تلك الحملة الدعائية التوضيحية.

سامي كليب: وطبعاً وصل الأمر حتى شهر أكتوبر عام 75، نعرف إنه حصلت المسيرة الخضراء في المغرب بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني باتجاه الصحراء تلك المسيرة السلمية، وأنت في نفس الوقت كنت في نيويورك لإلقاء أول خطاب باسم الصحراويين بشكل عام، أول خطاب ألقيته يعني ما الذي قلت فيه؟ خصوصاً أنك حملت اتهامات كبيرة في الواقع للجزائر، وكيف كانت ردة فعل الجزائريين آنذاك؟

إدوارد موحى: أولاً: أود أن أوضح أمراً: لقد عدت إلى المغرب في العام 74، ذلك أن تلك المرحلة كانت تتطلب وضع استراتيجيات متعددة، وكنت بحاجة إلى الظهور والضغط على المسؤولين المغاربة.

سامي كليب: محاولة الاغتيال، أو ربما محاولتان أيضاً حصلتا قبل إلقاء الخطاب في نيويورك أم بعده؟

إدوارد موحى: في ليلة الخطاب، حصل ذلك بعد لقاء أجريته مع شخص يُدعى (حوب) وهو عضو في وحدة الرادار في جهاز الأمن العسكري، وكان يعمل تحت غطاء منصبه، وهو المسؤول عن رابطة الصداقة الجزائرية في بروكسل، وفي ذلك اللقاء عُرض عليَّ الكثير من الدولارات، الملايين..

سامي كليب: سمعت.. أيوه، سمعت يعني أنا قصة تقول إنه 20 مليون دولار.

إدوارد موحى: عشرون مليون دولار، وكل ما كان عليَّ فعله هو الامتناع عن الذهاب إلى مقر الأمم المتحدة، كان يمكنني أن أبقى سيد مستقبلي السياسي، لكن ما كان عليَّ فعله هو عدم الذهاب إلى الأمم المتحدة، وألا أشكل منافساً للبوليساريو، ففي ذلك الوقت كان الإسبان والجزائريون مقتنعين أنه إن كانت هذه الحركة -أي البوليساريو- متواجدة بمفردها على الساحة فإن إسبانيا ستكون مجبرة على تسليم سيادة الصحارى إلى البوليساريو.

سامي كليب: في.. في.. في ذاك اللقاء، يعني 20 مليون دولار، وأيضاً وفق ما.. ما علمت من بعض ما أنت قلته في السابق إنه أيضاً مستقبل سياسي؟

إدوارد موحى: هذا ما قاله لي، قال: النقود ستؤمِّن لك مستقبلاً سياسياً رائعاً، لكنني أجبته: لا.

سامي كليب: هذا الشخص لا يزال على قيد الحياة اليوم؟

إدوارد موحى: أعتقد أنه هو أيضاً قد عاد إلى الجزائر، هذا إن لم يدفع هو الآخر نفقة كل هذه الإساءات، لكن آخر ما سمعته عنه هو أنه قد عاد إلى الجزائر، إذن قلت له: لا، فلحق بي إلى باريس، وهناك كنت ضحية أول محاولة اغتيال.

سامي كليب: كيف.. كيف؟ بأي شكل؟

إدوارد موحى: استقليت سيارة أجرة في الليل، وكانوا يعرفون سلفاً أي مطعم سأرتاد، ومع مَنْ سأعقد الاجتماع، ومع خروجي من المطعم كان يُفترض بي أن أجد الإسبان في انتظاري في مكان مزدحم من باريس، والأمر الذي أنقذ حياتي هو أن سائق السيارة الأجرة كان إسبانياً، وما أن خاطبته حتى عرفت أنه إسباني، قال لي: تعال واجلس بجانبي.. وهكذا جلست بجانبه، كانوا ينتظروني في مكان بعيد، وبدلاً من إطلاق النار عليَّ بجانب السائق أطلقوا النار على الخلف في الظلمة، وهكذا تمكنت من النجاة من محاولة الاغتيال تلك.

سامي كليب: وفي جنيف أيضاً؟

إدوارد موحى: في جنيف كانت محاولة لاختطافي.

سامي كليب: كيف؟ كيف حصلت؟

إدوارد موحى: في الشارع، ثلاثة رجال مع سائق سيارة حاولوا دفعي داخل السيارة، من حسن حظي أن صديقين لي خرجا من المقهى بعدي مباشرة، وهكذا انتابهم الخوف، وهربوا من دون أن ينجزوا مهمتهم.

سامي كليب: طيب، سيد إدوارد موحى، يعني فقط من أجل الموضوعية وأن تكون المعلومات دقيقة، يعني تعرف كيف نتعاطى مع هكذا نوع من المعلومات، حين تتحدث عن محاولتين، الأولى لاغتيالك، والثانية لخطفك، هل من وثائق تثبت ذلك؟ يعني هل مثلاً الصحافة الغربية تحدثت عن الموضوع آنذاك؟

إدوارد موحى: أعتقد أنه في تلك الليلة تم تقديم شكوى إلى الدائرة الثامنة في باريس، قام الشرطي بتقدير الأضرار، وقد اكتشفنا فعلاً أن هناك طلقات، وأنه تم إطلاق النار على سيارة الأجرة في الخلف وما إلى هنالك.

سامي كليب: ولم يوصل التحقيق إلى أي مكان؟

إدوارد موحى: أظن أنه قد تم القيام بكل ما يلزم، أعتقد أنك ستفهم إن نظرت إلى الأمور من منظار ذلك العصر، فكما ترى كان هناك قوة نظام بومدين وسيطرته على وسائل الإعلام، كان ذلك عصراً لم يكن فيه أي جزائري يستطيع طباعة أو توزيع كتبه في باريس.

هجوم إدوارد موحى على السياسة الجزائرية

سامي كليب: لم نستطع الحصول على تقرير الشرطة الفرنسية بشأن محاولة اغتيال ضيفنا، ولكن إدوارد موحى أصر على أن يرينا أين أصيب بالرصاص الجزائري في قدمه، تماماً كما حاول هو -فيما بعد- إصابة الجزائريين برصاص قلمه، حين بدأ يكتب ضدهم، وقيل إن الاستخبارات المغربية كانت وراء ذلك، لا بل قيل لي أيضاً إن الملك الراحل الحسن الثاني كان يستمع إليه بين الحين والآخر حين تشتد الأزمة مع الجار الجزائري اللدود.

إدوارد موحى: كل ذلك نابع من مبادرتي الشخصية، لم أحتج يوماً إلى أمر كي أكتب أي شيء، أو لكي أجري مقابلات، كل شيء نابع من مبادرتي الشخصية.

سامي كليب: ولم تكن المخابرات المغربية على علم؟

إدوارد موحى: من هذه الناحية وكما سبق لي أن شرحت واستفضت في الشرح، فقد احتفظت دائماً بمبادرتي الشخصية التي لم أشاطرها مع أحد، كما كان الحال مع التخطيط ومع الأهداف.

سامي كليب: طيب، فيما بعد أيضاً وضعت كتاب، وأثار الجزائريين جداً، وفي الواقع هاجموك كما هاجمتهم، وعلى ما أعتقد إنه وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، احتج رسمياً وتأخر كتابك في الصدور لفترة بسبب الاحتجاج الجزائري، والكتاب يعني معنا اليوم وهو باللغة الفرنسية Un Sahraoui Revele إذن.

إدوارد موحى: Un Sahraoui Revele.

سامي كليب: هو يعني أنه صحراوي يكشف معلومات، ويمكن أن نقرأ مثلاً في هذا الكتاب بعض الاتهامات المباشرة للرئيس هواري بومدين، إنك تقول مثلاً في الصفحة 123: إنه الرئيس هواري بومدين كان في ذهنه أن يقتطع من الصحراء الغربية مناطق ويضمها إلى الشرق الجزائري، وأيضاً تقول إنه الملك الراحل الحسن الثاني لم يكن كالجزائريين يحب اللعب (بالبوكر) في مستقبل المنطقة خلافاً للرئيس هواري بومدين، طبعاً وهناك اتهامات عديدة للجيش الجزائري، وبعض المعلومات حول ما يمكن أن يحصل بين الجزائر والمغرب، هل صحيح إنه أحمد طالب الإبراهيمي احتج رسمياً عليك؟

إدوارد موحى: أولاً: أود أن أجدد هذه الاتهامات القديمة التي ما تزال صحيحة في يومنا هذا، الشيء المهم بالنسبة للقوات المسلحة الجزائرية هي العمولات المتقاضاة لقاء شراء الأسلحة، واستغلال أولئك النازحين الوهميين الذين هُم في الحقيقة سجناء.

سامي كليب: طيب بس سيد إدوارد موحى، يعني لو أنت تحدثت بهذه اللهجة سنسمع أيضاً جزائريين يقولون إنه الحرب تهم الجيش المغربي، وأنه يستفيد ربما من الصحراء وما إلى ذلك، الموضوع ليس الدخول في هذا النوع من الاتهامات، وأنا أحترم رأيك، وإنما السؤال: هل فعلاً إنه أحمد طالب الإبراهيمي احتج، وأن صدور الكتاب تأخر بسبب الاتهامات التي حملتها ضدهم؟

إدوارد موحى: ترافق ذلك مع مهمة قام بها السيد بوسولده، أحمد بوسولده إلى الجزائر، وكان يحمل رسالة من الملك موجَّهة إلى السلطات الجزائرية، وكان طالب الإبراهيمي يعرف أن كتابي قد أصبح جاهزاً للطرح في المكتبات، ليس في فرنسا وحدها، بل في كل مكان في أوروبا، وبحسب ما قاله لي بوسولده، الذي مازال حياً يُرزق، قال لي: إن الإبراهيمي قد شرح المشكلة بهذه الكلمات: أنه سئم من هذا الوضع، وأنه يجب أن أضع حداً لصب الزيت على النار، وأنه يحاول التوصًّل إلى التقارب، وأننا نحاول تصفية خلافاتنا، وأضاف أن ذلك لن يتم من خلال السماح لإدوارد موحى بنشر كتاب لا يتهم فيه الرئيس فحسب، بل الجيش الجزائري والأجهزة الجزائرية، ونتيجة لذلك تبنَّى بوسولده رأي الإبراهيمي، وطُلب من (أنبا ميشيل) تعليق نشر الطبعة الثانية من الكتاب، نظراً لأن المغرب كان قد اشترى الطبعة الأولى عن طريق بوسولده.

سامي كليب: وهذا ما حصل.

إدوارد موحى: هذا ما حصل.

سامي كليب: التقيت أيضاً على ما يبدو بقائد الحركة الوطنية السابق في لبنان كمال جمبلاط، وبحركات فلسطينية، أين كانت تحصل هذا اللقاءات؟

إدوارد موحى: كما تعرف فإن التواصل بين العرب هو تواصل أخوي قبل كل شيء، وهذا أمر طبيعي، وكان اللقاء والتعرف إلى مسؤول وقائد عربي يُعد شرفاً كبيراً لشخص في مثل سني في ذلك العصر، كانوا يستمعون إليَّ باهتمام، وتفهموا المشكلة، أعتقد أن الفلسطينيين شأنهم شأن جمبلاط كانوا في الجانب المغربي، إلا أن الفلسطينيين كان عليهم الحفاظ على الحيادية، لأنهم لم يكونوا قادرين على اتخاذ أي موقف كان مع أو ضد.

سامي كليب: بس على حد علمي إنه اليسار اللبناني بقيادة –آنذاك- كمال جمبلاط، وأيضاً الفلسطينيين كانوا يؤيدون جبهة البوليساريو واستقلال الصحراء.

إدوارد موحى: إن ما لم يحبذوه فيما بعد كان وعلى وجه الخصوص مقارنة البوليساريو بالشعب الفلسطيني.

أسباب مناهضته لجبهة البوليساريو

سامي كليب: فيما بعد يعني أنت كنت من بين الذين قاتلوا مع القوات المغربية جبهة البوليساريو، ما الذي دفعك لمناهضة جبهة البوليساريو التي كانت تدعو إلى تحرير الصحراء؟ هل محاولتها الانفصال عن المملكة المغربية؟

إدوارد موحى: كنت أحاول أن أشرح لك قبل قليل، ربما كانت البوليساريو تشكِّل جزءاً من المهاجمين، أقصد من الجماعات التي كانت تهاجم المغرب، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا سوى دروع بشرية، إذا كانت نسبة الصحراويين من بينهم 1% في المجمل، فهذا باعتقادي كثير، لم نكن نقاتل الصحراويين، بل كنا نقاتل الجزائريين الذين اعتقلوا صحراويين.

سامي كليب: طيب، التقيت أيضاً بمسؤولين فرنسيين، وأعتقد أن الرئيس الحالي (جاك شيراك)، وكان –آنذاك- رئيساً لبلدية باريس، ثم فيما بعد رئيساً للحكومة، سمح لكم بفتح مكتب في باريس، ما هي صحة هذه المعلومات؟ وكيف جرى الاتصال عبر المملكة المغربية أو بشكل مباشر؟

إدوارد موحى: لقد كانت تلك خطوة مستقلة بالكامل قمت بها باسم الصحراويين، فبعد أن انتهت مهمة حركة التحرُّر لم يكن باستطاعتنا الحلول مكان دستور البلاد التي كان لديها جيش ونظام سياسي، كان علينا باسم الصحراويين الاستمرار بالشرح عن هذه القضية، التي لسوء الحظ كان يجهلها عدد كبير من البلدان، إذن أسسنا (التساريو)، وهي حركة السكان الأصليين لسادية الحمراء، قمنا بتقديم طلب للسيد شيراك، الذي كان حينها محافظاً لبلدية باريس للسماح لنا بتأسيس مكتب في باريس، وقد منحنا الإذن بذلك، وكان موافقاً، وحدث ذلك قبل البوليساريو.

سامي كليب: الأزمات المتلاحقة بين الجزائر والمغرب بشأن الصحراء والحدود وغيرهما، كانت تشتعل وتنطفئ كاشتعال وانطفاء غليون ضيفنا محمد رقيبي أو إدوارد موحى، وربما سيستمر الحال طويلاً، وستبقى قضية الصحراء معلقة تماماً ككل قضايانا العربية، والجميع مسؤول، إلى اللقاء.