بلا حدود

حالة العجز والإحباط في المجتمع العربي

كيف يستطيع العرب مواجهة سياسة البلدوزر الأميركية وطرح أجندة عربية مستقلة؟ وسائل إعادة بناء الإنسان العربي وكيفية القضاء على سياسة العجز والإحباط التي يعيشها الناس، أهمية عملية التفكيك وإعادة البناء وخطورة التدخل الأميركي.

مقدم الحلقة:

أحمد منصـور

ضيف الحلقة:

د. محمود جبريل: أستاذ التخطيط الإستراتيجي والأمين العام لجمعية الأفق

تاريخ الحلقة:

06/08/2003

– أسباب حالة العجز والإحباط لدى الشعوب والحكومات العربية
– حقيقة التراجع والتخلف العلمي والتنموي في الدول العربية

– أدوات إدراك واقع العرب وإمكانية النهوض

– دور النخبة العربية في النهوض بالمجتمع العربي

– مسؤولية الفرد ومؤسسات المجتمع المدني في النهوض بالمجتمع العربي

– أهمية عملية التفكيك وإعادة البناء وخطورة التدخل الأميركي


undefinedأحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من القاهرة، وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود).

رغم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدخلت الأمة العربية والإسلامية في دائرة الاتهام والرؤية الأميركية الأحادية للأحداث، فظهر عجز الأمة وضياعها، إلا أن الاحتلال الأميركي للعراق أظهر حالة من الإحباط والتآكل والذوبان كشفت سوءة الجميع، فالعجز والإحباط لم يكن حتى في فقدان القدرة على الصراخ في وجه المخطط الأميركي، ولكنه ظهر جلياً في كل مجالات الحياة، فأربعةٌ وسبعون مليون عربي من أصل مائتين وتسعين مليون هو عدد العرب التقريبي يعيشون تحت خط الفقر، وسبعون مليون عربي أميون لا يقرءون ولا يكتبون، وأكثر من خمسة وعشرين مليون عربي من قوة العمل العربية عاطلين عن العمل، وأمة العلم والقراءة لم يزد ما ترجمته من كتب منذ العصر العباسي وحتى الآن عن أحد عشر ألف كتاب، وهو مجموع ما تترجمه دولة واحدة هي إسبانيا في العام الواحد، ومجموع الناتج العربي العام الذي يبلغ 660 مليار دولار أقل من الناتج العربي [العام] السنوي لدولة واحدة هي إسبانيا أيضاً.

ورغم أن العرب يمثلون 5% من سكان العالم، فإنهم يمثلون 0.7% فقط من مستخدمي الإنترنت، وينتجون 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وسوق التجارة الإلكترونية العربية لا تزيد عن 0.2% فقط من السوق العالمي، أما اللغة العربية.. لغة القرآن فرغم أنها تقع في المرتبة السادسة بالنسبة لعدد المستخدمين لها عالمياً إلا أن نسبة تواجدها على شبكة الإنترنت لا تزيد عن 1%.

أما معظم الأنظمة العربية السياسية فإنها تتفوق على غيرها من الأنظمة الأخرى في تبعيتها وتنفيذها للمخططات الغربية والتفنن في وسائل القمع والاستبداد والتشريد لشعوبها، وطرد الكفاءات حيث يهاجر سنوياً من الدول العربية إلى الدول الغربية ما يزيد على 900 ألف عربي يمثلون جانباً هاماً من الكفاءات المتميزة في الأمة.

هذه الصورة خلقت حالةً من العجز والإحباط للأمة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لكن هذه الأمة فقدت الخيرية حينما تخلت عن شروطها وعن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إليها.

ولأن العجز والإحباط أصبحا السمة الغالبة في كثيرٍ من جوانب الحياة إن لم يكن كلها، فإننا في حلقة اليوم نسعى لفهم هذه الحالة التي تعيشها الأمة وكيفية الخروج منها في حوار مباشر مع الدكتور محمود جبريل (أستاذ التخطيط الاستراتيجي والأمين العام لجمعية الأفق القادم التي تضم نخبة من المفكرين العرب المهتمين بالدراسات المستقبلية لهذه الأمة).

وُلِدَ محمود جبريل في ليبيا عام 1952، حصل على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 75 وعلى الماجستير في العلوم السياسية من جامعة (بيكسبرج) في الولايات المتحدة عام 1980، وعلى الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار من نفس الجامعة عام 84 حيث عمل فيها أستاذاً للتخطيط الاستراتيجي، صدر له حتى الآن عشرة كتب في التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار، قاد الفريق العربي الذي صمم وأعدَّ دليل التدريب العربي الموحد، وقام بتنظيم وإدارة أول وثاني مؤتمر للتدريب في العالم العربي عامي 87، 88 ثم تولَّى بعد ذلك تنظيم وإدارة العديد من برامج التدريب لقيادات الإدارة العليا في كثير من الدول العربية منها مصر وليبيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت والأردن والبحرين والمغرب وتونس وتركيا وبريطانيا.

ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على:009744888873

أما رقم الفاكس هنا في القاهرة: 002028400484 أو يكتبوا إلينا عبر موقعنا على شبكة الإنترنت: www.aljazeera.net

دكتور مرحباً بك.

د. محمود جبريل: أهلاً وسهلاً.


أسباب حالة العجز والإحباط لدى الشعوب والحكومات العربية

أحمد منصور: أوجزت هذه المقدمة المحبطة من إحدى دراساتك ومن بعض المصادر الأخرى، ولكن دراساتك كانت مصدراً أساسياً فيها، ما هي الأسباب التي أدت إلى حالة العجز والإحباط التي تعيشها الحكومات والشعوب العربية؟

د. محمود جبريل: بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً.. أولاً: رؤيتي أن الإحباط ظاهرة صحية رغم تواجده في هذه المرحلة فهو دليل إحساس ودليل شعور يعتقد الكثيرون أن هذا الأمة.. أن هذه الأمة ماتت إحساساً وشعوراً، فكون هذه الأمة محبطة هذه الآن، ذلك دليل أن توقعاتٌ كثيرة لم تتحقق وأن أحلاماً لم تتحقق، فأحست بالإحباط، أعتقد أن سبب الإحباط أو أسباب العجز يمكن إرجاعها إلى ثلاث أسباب رئيسية:

السجل التاريخي للإنجازات العربية في نصف القرن الماضي والتي تراكمت وتتالت من مشكلة إلى أزمة إلى نكبة إلى كارثة، كل شوية ما هو آتٍ أكثر مما هو سبق.

السبب الثاني هو: الإحساس بالمهانة في ظل الشعور بعدم الرد.. أو عدم القدرة على الرد على هذه المهانة.

الثالث هو: السجل المتتالي من الأيديولوجيات والأحلام والوعود التي لم تتحقق، سواء على المستوى التنموي اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً أو على المستوى السياسي كما يتمثل في قضية المشاركة التي وُعِدَ بها المواطن العربي منذ انحسار فترة الاستعمار حتى هذه اللحظة.

أعتقد أن هذه الأسباب الثلاثة في مجملها بدون الدخول في تفاصيل قد تلخص في رأيي قضية أسباب العجز التي ترسخت في الفترة الأخيرة.

أحمد منصور: أيهما أخطر على.. على الأمة عجز الحكومات أم عجز الشعوب؟

د. محمود جبريل: وجهة نظري إن عجز الشعوب أخطر وأفدح بكثير.

أحمد منصور: لماذا؟

د. محمود جبريل: لأن الحكومة هي محصلة طبيعية للشعب.

أحمد منصور: لكن الشعب بيعتبر عجزه محصلة طبيعية لعجز الحكومة.

د. محمود جبريل: هو.. هو عجز.. هو عجز متوالد ومتبادل، ولكن الأصل في الأمور أن: "كيفما كنتم يولَّى عليكم" والقيادة في أي لحظة تاريخية من لحظات التاريخ هي محصلة للبيئة التي وُلِدَت فيها تلك القيم.

أحمد منصور: يعني ما ينبغي للشعوب أن تُحمِّل الحكومات أو المسؤولية الأولى والأخيرة عن حالة العجز والإحباط.

د. محمود جبريل: الشعوب لو نظرت في مسافة بسيطة لما تستطيع أن تفعله لمارست ضغوطاً كثيرة على الحكومات حتى تستنهض هممها وتبدأ قضية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الحكومات تمارس قمعاً لا حدود له على الناس.

د. محمود جبريل: القمع مشروع من وجهة نظر سياسية، من وجهة نظر الحاكم، وتاريخياً هو مبرر طوال التاريخ، القضية لدى الشعوب هو كيفية التعامل مع هذا القمع، كلما كان المواطن واعياً لدوره وتمسَّك بقضية المواطنة شعوراً وسلوكاً ومارسها ودفع ثمناً لها كلما قلَّل من فرص القمع في المستقبل للأجيال القادمة.

أحمد منصور: قضية الفهم قضية أساسية في كل المحاور التي يمكن للإنسان كل محاور التغيير، قبل التغيير لابد من فهم لابد من إدراك للواقع، حتى لا تكون هناك ردود أفعال كما هو يدور دائماً تتعرض للقمع وتتعرض لخيبات الأمل ويزيد الإحباط.

في إحدى دراساتك أشرت إلى أن الفجوة الزمنية بين أوروبا وأميركا -أوروبا وأميركا ليس بيننا نحن- هي 35 عاماً، فأين نحن إذا كان أوروبا وأميركا بينهما 35 عاماً لصالح أميركا طبعاً؟

د. محمود جبريل: هو يقال -يا أستاذ أحمد- أن بعد انتهاء حرب العراق، وبعد انتهاء العدوان على العراق أن هذه الفجوة قد تكون تعدَّت الأربعين عاماً لأن ما طُبِّق من تكنولوجيا متقدمة في أثناء الحرب أو ما يسمى بالـ Syper war التي طبقت فيها التكنولوجيا المتقدمة أثبت أن الفجوة أكثر بكثير من 35 عاماً، والحقيقة ما تم على كثير من الفضائيات العربية -مع احترامنا الكامل لكثير من قدامى جنرالات الجيش وتحليلاتهم- لم تصب كبد الحقيقة في شيء، لأن ما طُبِّق داخل الحرب كان يستعصى حتى على كثير من دول أوروبية فهمها من ناحية تكنولوجيا الحرب التي طبقت.

أحمد منصور: هل يمكن أن توضح هذا؟ لأن أيضاً كثير من الشعوب شعرت بالإحباط، كثير من المحللين لا تستطيع أن تلومهم، لأن المعطيات ربما التي كانت لديهم كانوا يحكمون عليها.

د. محمود جبريل: يقال الناس اللي متابعة التكنولوجيا طبعاً تستطيع أن تفهم هذا أكثر، بس بشكل عام وسريع، حتى يمكن أن المشاهد تُقرَّب له الصورة أن ما هو متوافر تكنولوجياً لدى أوروبا في هذه اللحظة هو تحالف لما يسمى بالـ NBC اللي هو Nuclear أو الذرة، Biology اللي هي تكنولوجيا الأحياء، وكيمياء اللي هي الـ Chemistry الـ NBC، ما هو متوفر ومحتكر لدى أميركا فقط هو ما يسمى بالـ GNR اللي هو (Genetic) أو الجينات، تكنولوجيا الجينات،.. الهندسة الوراثية الـ (….).. النانو تكنولوجي والتي برع فيها وبرزَّ فيها الدكتور أحمد زويل ثم الـ (…) تكنولوجي إضافة إلى تكنولوجي المواد، هذا الاحتكار وهذا الخليط في التحالف لو استمر على وتيرته الحالية قد يصل بنا إلى ما يسميه علماء التكنولوجيا حقيقة وهم مفزوعين منه على سبيل.. على.. بشكل حقيقي وبشكل دامغ إلى ما يسمى بالـ Singularity Syndrome أو ظاهرة التوحد بحيث أن العقل البشري.. المنطق البشري، التكنولوجيا والبيئة، أو الطبيعة تتوحد في شيء واحد، في تلك اللحظة كثير من القوانين اللي قال عليها (نيوتن) أو قال عليها (أينشتين) ستتوقف تماماً، تصبح هناك قوانين أخرى تتعدى قوانين المنطق البشرى.

أحمد منصور: حتى لا نغرق في أشياء ربما تتجاوز عقولنا حتى أو طبيعة حتى ما نريد أن.. أن نتناوله، أين نحن الآن من.. أيه هو مفهوم الفجوة..؟ إحنا موقعنا الآن أين من هذه الفجوة الموجودة علمياً إذا نحن الآن نعيش حالة من الإحباط في كل شيء، نعيش حالة من التراجع في كل شيء، أوروبا.. أميركا تسبق أوروبا بالـ 35 عاماً أو 40 عاماً كما تقول، إحنا الآن في أي صف نقف وفي أي موقع؟

[فاصل إعلاني]


حقيقة التراجع والتخلف العلمي والتنموي في الدول العربية

أحمد منصور: دكتور، إذا كانت الفجوة بين أوروبا وأميركا ربما تزيد عن أربعين عاماً في العلم والثقافة والحضارة، فأين موقعنا نحن من هذه الفجوة؟

د. محمود جبريل: بعض الكتابات طبعاً فيها شيء من المبالغة الإنشائية بتقول إن إحنا على أعتاب مرحلة عصر الصناعة وإحنا الآن داخلين في مجتمع المعرفة ومجتمع المعلومات ومجتمع ما بعد الصناعة، لكن الأرقام الحقيقة هي اللي بتوضح الأشياء بشكل أوضح، هذه الثورة التكنولوجية، وهذه التغيرات الحادثة اللي تشكل عالماً جديداً أو كوناً جديداً نحياه في حقيقة الأمر أغلبها بيحدث في شكل أبحاث وفي شكل تطوير في الدول المتقدمة، اللي هي الدول الـ 29 أو ما يسمى مجموعة الـ OECD مجموعة دول التنمية الصناعية، حوالي 91% من هذه الأبحاث بتتم في تلك الدول، حوالي 94% من براءات الاختراع اللي بلغت حوالي 880 ألف براءة اختراع سنة 99 الآن زادت كثير، كانت تطلع من هذه الدول، 55% من..

أحمد منصور [مقاطعاً]: إحنا ما فيش ولا دولة عربية في الدول دي؟

د. محمود جبريل: إحنا الدول العربية ما يُصرف في مجال بحوث التطوير لم يبلغ 0.01% يعني يبلغ سُبع ما يصرف عالمياً في مجال البحوث والتطوير يُصرف حوالي 3% من الناتج العالمي المحلي الإجمالي العالمي في البحوث والتطوير، عربياً سُبع هذا المبلغ فقط، يعني أثبتت الدراسات إن 2% من الناتج المحلي الإجمالي العربي يمكن أن يُحدث ثورة تكنولوجية علمية بمعنى الكلمة في هذه المنطقة وليُغيِّر الحياة إلى شكل لم تعهده في السابق.

أحمد منصور: يعني المسؤولية هنا مسؤولية حكومات وتخطيط؟

د. محمود جبريل: هذه مسؤولية حكومات ما فيش شك.. ما فيش شك إطلاقًا، دا مجرد مجال بسيط، الناتج المحلي الإجمالي العربي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي العالمي تراجع من سنة 63 إلى سنة 98 في خلال 25 سنة بل في بعض الأحيان هو بالسالب، الناتج المحلي الإجمالي للفرد العربي تراجع عمَّا كان عليه الأمر في الستينيات، بل أن بعض الدول الغنية المصدرة للبترول والتي كانت فترة من الفترات توصف بالغنية، تراجع الدخل فيها، على سبيل المثال السعودية وصل الآن دخل الفرد إلى المرتبة 60 بعد أن كان في مرحلة من المراحل من الدول المتقدمة في هذا المجال، فهناك تراجع وانحسار حقيقي في كل مجالات التنمية كما تُقارن مش بأوروبا أو بأميركا، كما تُقارن بآسيا، بدول النمور، سنغافورة الآن هذه السنة تقرير التنمية البشرية الأخير سنغافورة في مجال تصدير التكنولوجيا كانت الخامسة على مستوى العالم، ومن هي سنغافورة مقارنة بدول عديدة داخل المنطقة من ناحية الثروة البشرية والثروة المادية وإلى آخره؟

أحمد منصور: دويلة لا تزيد عن حجم الكويت، نعم.

د. محمود جبريل: بالضبط.. بالضبط، فهي الفجوة كلَّما تطرقت لأمور التكنولوجيا والبحوث التطوير والناتج المحلي أو النمو الاقتصادي العربي تجد أن النمو الاقتصادي العربي أصبح الآن بالسالب، لو تلقي نظرة مثلاً على إنتاجية العامل الصناعي العربي، لا تتجاوز 800 دولار في السنة..

أحمد منصور: في السنة؟

د. محمود جبريل: في السنة مقارنة بـ 60 ألف دولار في العالم المتقدم، المقاييس والمواصفات..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني العامل ينتج ما يوازي 60 ألف دولار في العالم المتقدم؟

د. محمود جبريل: في العالم المتقدم.

أحمد منصور: في العالم العربي..

د. محمود جبريل: 800 دولار في السنة لا يتجاوز ذلك، من ناحية جودة المنتج في العالم العربي لا يوجد لدينا أكثر من حوالي 1700 مواصفة من القياسات اللي هي معروفة بالأيزو.. و.. و.. إلى آخره، عالمياً هذا العدد تجاوز 32 ألف مواصفة فإحنا بنتكلم في هُوَّة مفزعة تتزايد لأننا لم نأخذ بأسباب التقدم، نتخبط وبندور في حلقة مفرغة وكله بيشاور على الثاني، الحكومات بتشاور على الشعوب بالعجز، والشعوب بتشاور على الحكومات هذه الحلقة المفزعة من الاتهامات المتبادلة لابد أن تُكسر، وهناك الآن فرص حقيقية لمنافذ اختراق في هذا العالم اللي إحنا بنعيشه اللي بيُسمى بالعولمة، لأن العولمة في نهايتها أيش؟ أو في حقيقتها أيش؟ هي حالة سيولة، حالة السيولة بطبيعتها هي أفضل الحالات للاختراق، مش حالة صلبة، لأن الكون لم يتشكَّل بعد، حتى الناس اللي كتبت عن العولمة إن هي مرحلة جديدة، العولمة هي مرحلة لبدايات يتشكُّل عالم جديد لسه إحنا مش عارفينه، بالذات الفترة من 2020 إلى 2030 هذه مرحلة حاسمة في تاريخ البشرية، لا يستطيع أي أحد لا في أميركا ولا في أوروبا ولا في العالم العربي أن يتنبأ بما سيكون عليه ماهية الكون في هذه الحقبة..

أحمد منصور:.. اتفضل.

د. محمود جبريل: هذه الحقبة اللي بتتشكل فيها التكنولوجيا إلى أبعاد تخرج عن سيطرة الإنسان، لو استمرت بنفس الوتيرة..

أحمد منصور: هذا الواقع أما يُرسخ مزيداً من الإحباط لدينا؟

د. محمود جبريل: بالنسبة لي أنا كمحمود جبريل وآتي من مجموعة يدَّعون إن هم ناس حالمين ببكره، أولاً في تاريخ الأمم هذا شيء عادي جداً، أمم كثير وإمبراطوريات كثيرة سقطت وتراجعت وتهاوت ثم عادت، لأنها أخذت بأسباب التقدم، مش عيب إطلاقاً، وهذه الأمة كونها تتلقى هذه الضربات المتتالية من بداية الأتراك ما دخلوا المنطقة وحتى هذه اللحظة، كله في سلسلة واحدة ولا زالت واقفة على قدميها ولازالت تشعر بالإحباط، ولازالت تحس بالمرارة، ولا زالت تشعر بالمهانة إذن هناك أمل، القضية هي كيفية تحليل واكتشاف وتوظيف أسباب التقدم في مسارها الصحيح.


أدوات إدراك واقع العرب وإمكانية النهوض

أحمد منصور: من الواضح الآن أن العرب حتى مغيبون عن فهم واقعهم وعن فهم أنفسهم وربما كثير من هذه المعلومات لا يعلمها الناس ولا يدركون الحقيقة المفزعة التي ربما نقف عندها، ما هي الأدوات التي يمكن من خلالها أن نفهم واقعنا وأن نفهم الآخر أيضاً؟

د. محمود جبريل: حضرتك أستاذ أحمد تطرقت إلى نقطة إحنا من الناس اللي مهتمين بأمور المستقبل ودراسات المستقبل بنسميها النقطة المحورية اللي هي الحديث لازم أن يبدأ منها إحنا شايفين أن أدوات تشكيل الإدراك العربي لم تعد صالحة للعصر.. العصر الحالي قائم على التغير السريع قائم على التعقيد والتشابك، الأمور متداخلة في بعضها، الاقتصاد في السياسة في الإعلام، وكل العلوم مصدرها واحد، تداخل العلوم وانهيار الفواصل ما بين العلوم المختلفة إحنا أدوات إدراكنا لازالت مشتقة من الثوابت ومن اليقين ومن الفواصل ما بين الحدود وما بين الصح والخطأ وثنائيات التضاد، الأصالة والمعاصرة، الحداثة ومش عارف أيش، الفقر والغنى، هذه الثنائيات لم يعد لها وجود، لأنه كله في حالة تغير مستمر، إذن القضية تثبت أيش؟ أن كل أدوات غرس وترسيخ واستمرار القيم والفهم لابد أن يُعاد صياغتها وبالتالي إحنا رافعين شعار نسميه أيش: التفكيك وإعادة التركيب، لازم..

أحمد منصور [مقاطعاً]: التفكير وإعادة..

د. محمود جبريل: التفكيك وإعادة التركيب

أحمد منصور: التفكيك وإعادة التركيب وأدوات الإدراك التي يمكن لنا من خلالها أن نفهم واقعنا.

[موجز الأخبار]

أحمد منصور: دكتور، كان سؤالنا عن أدوات الإدراك وإمكانية النهوض من خلال هذا الوضع المأساوي الذي تعرضنا له في الجزء الأول من البرنامج؟

د. محمود جبريل: هو معروف علمياً يا أستاذ أحمد يعني ليس اختراعاً إن أدوات صنع البشر أو مؤسسات صنع البشر اللي تخلق تفكيرهم وتخلق سلوكهم وتخلق كيفية حركتهم، كيفية إدراكهم للأمور أربعة.. أساسيين أربعة: المؤسسة التعليمية، المؤسسة التربوية، كيف يُربى الطفل في البيت، المؤسسة الدينية يعني الفهم السائد للدين وللتراث، ثم المؤسسة الإعلامية، الطفل العربي أدَّعي أنه وُِلدَ عاجزاً، لأن هذه المؤسسات بسلطويتها وبهرميتها جعلت من الطفل ثم التلميذ، ثم الراشد شخصاً متلقياً طيلة حياته، منفذاً طيلة حياته، لا يشارك مفهوم المشاركة كلمة سحرية بالنسبة له، وبالتالي ليس لديه وعي المشاركة ولا سلوك المشاركة.

أحمد منصور: لازم يبقى مؤدب ويحترم أستاذه، ما يفتحش بُقه [فمه] وفيه عصاية وفيه تأديب ويفضل مؤدب لحد يعني طول حياته، بعد كده الحكومات تؤدبه وتربيه لحد ما يموت.

د. محمود جبريل: هو جاهز.. هو جاهز هو بيجي للحكومات جاهز وبيجي للأنظمة جاهز، لأنه المشاركة ليست حقاً في وعيه، ليست حقاً في.. في شعوره، ليست حقاً في إحساسه، أما ما وُجِدَ في الغرب إن المواطنة بتتحول إلى سلوك وشعور، لأن المشاركة بتتجذر في الطفل من وهو صغير، الآن الأجيال الجديدة اللي طالعة، اللي إحنا بنسميها (.com) generation أقل تأثراً بمؤسسات التنشئة الاجتماعية الأربع، ليه؟ بيدرس في مدارس أميركية أو إنجليزية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: دا أولادنا في مجتمعاتنا؟ نعم.

د. محمود جبريل: أولادنا، ففيه ثقافة جديدة بتتشكل في بيوتنا حيث الطفل يفهم أكثر من أبيه، والتلميذ بيفهم أكثر من أستاذه، لأن هذا الانفجار المعرفي في الكمبيوتر وفي الشارع وفي الفضائيات و.. و.. فهو بيتلقى انفجار معرفي حقيقي.

أحمد منصور: لكن مش مستوعَب.

د. محمود جبريل: ولكنه غير مستوعَب، لكنه أكثر قدرةً على النطق بلا، أقل خنوعاً، لكن إحنا الخنوع وُلِدَ فينا، فإحنا طيَّعين بطبيعتنا..

أحمد منصور: إحنا مؤدبين..

د. محمود جبريل: إحنا مؤدبين، فأقصى شيء ممكن نصل له عندما الكرباج، سواء كرباج خارجي من إسرائيل أو من أميركا أو غيره، أن نصرخ، نجري في الشوارع نعمل مظاهرات، بيانات استنكار على المستوى الرسمي، بيانات إدانة من الجامعة العربية، شجب، إدانة، لكن الفعل الحقيقي، لأننا لم نفكر حتى مجرد التفكير أن نفرق بين القدرة على الغضب والقدرة على الفعل، القدرة على الفعل هي اللي بتبني الأوطان، القدرة على الغضب هو تكريس للعجز بشكل مستمر كلما حلت بهذه الأمة كارثة.

أحمد منصور: طب الآن أنت مجال التعليم مجال خطير، وأنت تعرضت له ، في 24 مايو الماضي كتب (رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المصرية) إبراهيم سعدة مقالاً عن وضع التعليم في مصر أكبر الدول العربية صاحب الموضوع رسم كاريكاتيري معبِّر جداً لوزير التعليم المصري يحمل لافتة عليها رقم صفر كبير، إذا كانت مصر هذا الصفر الكبير يعكس حالة التعليم أو مفردات التعليم في أكبر دولة عربية، ومثله مثل الدول العربية الأخرى لا فارق في هذا، ما هي صورة التعليم لدينا وصورة التعليم لدى الآخرين وكيف يمكن للتعليم أن يتحول إلى أداة لصنع الإنسان الذي يجب أن يقوم بعملية التغيير وعملية الإبداع وعملية النهوض والخروج من دائرة الإحباط؟

د. محمود جبريل: نعم، هناك أمران، الأمر الأول هو مستوى التعليم.. مستوى التعليم انتشر في الربع قرن الماضي كما لم ينتشر في أي منطقة أخرى من مناطق العالم بنسبة 140%، وهو ما لم يحدث في أي منطقة أخرى.

أحمد منصور: يعني بنقول من 1900 لـ 1925

د. محمود جبريل: من.. لأ، أقصد من سنة تقريباً 1975 لحد سنة 2000

د. محمود منصور: آه، الربع قرن الأخير.

د. محمود جبريل: الربع قرن الأخير انتشر كما لم ينتشر في أي منطقة، وكان ده بسبب توفر ثروات النفط، هذا الاقتصاد الريعي..

أحمد منصور: ومجانية التعليم كذلك.

د. محمود جبريل: ومجانية التعليم تحولت دولة الرفاهية دون أن نمر بمرحلة التنمية، طرحت دولة الرفاهية، الجانب الآخر هو نوعية التعليم، وتلك هي المأساة، ما يُصرف الآن على التعليم أو ما ينفق على التعليم كان في سنة 88 يساوي حوالي 20% مما ينفق في العالم المتقدم، في منتصف التسعينات فقط تراجع إلى 9% مما يصرف في العالم المتقدم.

أحمد منصور: يعني ما يصرف على تعليم الفرد يوازي 9% من الفرد المصري أو العربي مما ينفق على الفرد الأوروبي أو الفرد الأميركي.

د. محمود جبريل: بالضبط.. بالضبط، ده انعكس في أيش؟ إن لا أشكال التعليم ولا أدواته اللي هي Audiovisual السمعية والبصرية ولا المناهج وهي الـCore أو هي الجوهر، المنهج اللي هو بيقوم على أن التلميذ هو جوهر العملية التعليمية ليس المدارس وليس الكتاب، فإذا كنت أنت عايز هذا الشاب أو هذا التلميذ يتحول إلى مواطن فاعل مستقبل وأن تكون مهاراته ومعارفه متوائمة ومتطابقة مع احتياجات سوق العمل، الآن مشكلة البطالة في حقيقتها هو أن هذه المدارس وهذه الجامعات بتخرج أفواج ولكن هي بتخرج البطالة..

أحمد منصور: صح.

د. محمود جبريل: بتخرج بطالة، تيجي على وزارات القوى العاملة ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية في الدول العربية..

أحمد منصور: وليس عنده أي كفاءة حتى للإبداع.

د. محمود جبريل: ما عندوش، فإحنا.

أحمد منصور: درس هندسة ولا يستطيع أن يعمل رسمة هندسية، درس أيًّا كانت الدراسة ولا يستطيع أن يقوم بالعملية..

د. محمود جبريل: صحيح، وهي المفارقة المحزنة إن إحنا بنصرف عليه مرتين، نصرف عليه 18 سنة متواصلة من عرقي وعرقك وبعد ما يتخرج نعيد تدريبه مرة أخرى حتى تتواءم معارفه ومهاراته مع سوق العمل في ظل اقتصاد عربي منكمش إن لم يكن منحسر الآن، فالقضية أصبحت مثلث مفزع فيه حوالي 2.5، 3 مليون بيدخلوا سوق العمل سنوياً في الدول العربية، اقتصاد منحسر، نسب بطالة تعدَّت الـ 25% في بعض الدول، ولو استثنينا دول الخليج فيه بعض أمثلة صارخة تعدَّت فيها 33%، فإحنا الآن داخلين على وضع مأساوي، هل هو وضع يدعو للإحباط؟ لا، لأن هناك حلول متاحة لو إحنا جلسنا وتحاورنا، وكان هناك نية صادقة للحل.

أحمد منصور: ما هي الحلول؟ ما هي الحلول وحلول عملية وليست حلول نظرية؟

د. محمود جبريل: الحلول.. الحلول تمشي في اتجاهين اتجاه استراتيجي ده في إيد الدولة، ومن مصلحتها.. من مصلحة هذه الدول لأنه حتى الريع الذي يأتيهم من النفط أو من الحديد أو من المنجنيز أو من الفوسفات هذا الاقتصاد الريعي الذي يقوم على الاستخراج والبيع سيكون اقتصاداً غير ملائمٍ لهيكل ومضمون الاقتصاد العولمي الجديد اللي الاقتصاد المعرفي.. رأس المال المعرفي هو جوهره، أنا هأدي مثال بسيط جداً ما يشكله الجانب المعرفي في الاقتصاد العربي لم يصل بعد إلى 1%، ما وصل في إسرائيل حتى هذه اللحظة حوالي 12% ولك أن تتخيل هذا الشريك الجديد في منطقة الشرق الأوسط للتجارة الحرة التي وُعِدنا بها كيف ستكون المعادلة بيننا وبين هذا الشريك..

أحمد منصور: بين مجموع العرب وبين إسرائيل؟

د. محمود جبريل: بين مجموع العرب وبين إسرائيل، من هو متوائم ومتناغم مع العصر ومعطياته ومتطلباته ومن هو ماشي في اتجاه عكس السير، فإحنا الحقيقة في حالة تحتاج إلى وقفة تأمل وقفة مع الذات مراجعة، مش عيب إن إحنا نتخلف، مش عيب إن إحنا ننهار، مش عيب.. لكن العيب أن تكون لدينا القدرة إن إحنا نقف من جديد، ونستنهض هذه الهمم، ونبدأ في البحث عن أسباب النهوض من جديد وألا نفعل هذه المصيبة.

أحمد منصور: الآن المشكلة أن الحكومات لا أمل فيها، والحكومات تنتظر أميركا حتى لتوضح لها متى يقوم الحكام ومتى ينامون، يعني كواقع لا نستطيع أن نخالفه إذا هنضع الأمور في يد الحكومات يببقى هنفضل محلك سر أو سنواصل الانهيار، لأن أنت الآن من خلال ما طرحته أن معدل الانهيار منذ بداية الستينات وحتى الآن مرتفع في كل المجالات.

د. محمود جبريل: نعم.

أحمد منصور: ووصل ربما إلى مرحلة الصفر التي عبَّرت عنها "أخبار اليوم" فيما يتعلق في مجال التعليم، إذا الآن قلنا الحكومات بتقول إن لابد أن يكون هناك تخطيط استراتيجي، واضح إن ما فيش تخطيط استراتيجي، لأن الجامعات تقذف سنوياً يعني مئات الآلاف من الخريجين في الشارع حتى مش لاقيين يغسلوا أطباق موجودين في الشوارع، هل هناك حد غير الحكومات يستطيع أن يساهم في عملية التغيير؟

د. محمود جبريل: آه طبعاً.. آه طبعاً.. آه طبعاً، هو.. هو أستاذ أحمد، بيت القصيد من.. من وجهة نظري أنا أن هناك تفريقات أربع أو فروق أربع لازم أن تكون هي حاكمة لقضية التنمية وخلق تقدُّم في أي بلد من البلاد.

أحمد منصور: ما هي؟

د. محمود جبريل: واحد: إحنا اتكلمنا فيها التفرقة ما بين القدرة على الغضب والقدرة على الفعل، القدرة على الغضب خُلِقَت فينا بسبب تربيتنا وتعليمنا و.. و.. وإلى آخره، القدرة على الفعل هي إدراك أسباب التقدم ودي متاحة.. متاحة لدينا الآن من القدرات البشرية العربية الكُفئة اللي هي سافرت -وحضرتك تكلمت عنها- وهاجرت ما تستطيع أن تخلق به تقدماً لا يضاهيه تقدم حتى في الدول المتقدمة.

أحمد منصور: وبتخلق للغرب يا دكتور، بتخلق للمجتمعات التي تساعدها على الإبداع.

د. محمود جبريل: ليه؟ لأن البيئة العربية أصبحت بيئة طاردة.

أحمد منصور: صح.

د. محمود جبريل: أصبحت بيئة طاردة، يعني فيه أي حد يجب إن هو يغترب بعيد عن وطنه.

أحمد منصور: لأ.

د. محمود جبريل: ما فيش، لكن لما تعوزه الأسباب أن يكون إنساناً فاعلاً يسهم في قضية إعادة بناء وطنه.

أحمد منصور: هنرجع ندور في دايرة الحكومات وسياساتها الطاردة للكفاءات.

د. محمود جبريل: بالضبط.. بالضبط، إذن هذا المحور الأول.

المحور الثاني: لابد من التفرقة بين الأيديولوجية والمعرفة، لأن إحنا شُغلنا في النصف قرن الماضي بقضية كيف توزع الثروة، هذا يقول اشتراكية عربية وده يقول اشتراكية إسلامية، وده يقول اشتراكية ماوية، وده يقول.. بينما لم نخلق الثروة أصلاً، قضية صنع الثروة هو سؤال معرفي، واحد زائد واحد يساوي اتنين، الثروة يخلقها العلم، والعلم لا دين له ولا لون له ولا جنس له.

أحمد منصور: وحتى دول الخليج التي جاءتها الثروة وهي نائمة بددتها في أشياء.

د. محمود جبريل: بددتها طبعاً، فكوننا إن إحنا نُشْغَل ونضع العربة أمام الحصان نتكلم عن كيفية توزيع الثروة ونتقابل أحزاباً وأيديولوجيات و.. و.. وناس تدخل سجون..

أحمد منصور: وإحنا دولة واحدة زي إسبانيا الناتج بتاعها أكبر من كل الناتج العربي.

د. محمود جبريل: بالضبط.. بالضبط، خلونا بس نخلق الثروة الأول وبعدين نتكلم عن كيفية توزيعها، نحط الأمور في نصابها.

المحور الثالث: وهو في غاية الأهمية لابد من التفرقة ما بين الموارد والإمكانيات، وقضية الفشل المتكرر لوزارات التخطيط العربية بجميع الدول العربية ما بين خطةٌ ثلاثية وخماسية وسداسية وعشرية و.. و.. هو أننا افتكرنا أن الموارد هي إمكانيات، الإمكانيات شيء آخر مختلف تماماً.

أحمد منصور: ما هي الإمكانيات؟

د. محمود جبريل: المورد لابد أن يكون مناسباً للهدف المراد تحقيقه، أن يكون تحت يدي في الوقت المناسب.

أحمد منصور: اضرب لنا أمثلة حتى تبسط لنا الأمر.

د. محمود جبريل: أدي.. أدي مثال، إحنا الآن داخلين على حرب تكنولوجية مع إسرائيل، ما لديَّ من جيوش عربية ليس لديه في الـ High technology أو التقنية العالية، الحق القضية مش إن أنا عندي 5 مليون جندي عربي، القضية ليست.. هذا.. هذا مورد كامل.. إمكانيات كاملة ممكن أن تُفعَّل عن طريق التعبئة في الوقت المناسب لكي تكون ملائمة للهدف في حالة توافر الثلاث شروط فتحول المورد إلى إمكانيات، لم يحدث في تاريخ أي بلد عربي أن اعتمد على إمكانيات حقيقية، قضية فشل الدول الكبرى زي ما فشلت أميركا مثلاً في فيتنام كانت بسبب ذلك، لأنها دخلت بموارد ولم تدخل بإمكانيات، جاية بجيش نظامي في مواجهة حرب عصابات، فاتضح أن مواردها لا تلائم الموقف، نتحولت مواردها أُلغيت أن تكون إمكانيات أو توقفت أن تكون إمكانيات.

النقطة.. المحور الرابع والأخير لابد أن نفرق بين الواقعية والوقوعية، بمعنى إيش؟ إن إحنا..

أحمد منصور: ببساطة أيضاً حتى لا أُغرق في…

د. محمود جبريل: ببساطة شديدة.. آه ببساطة شديدة.

أحمد منصور: نغرق المشاهد في المصطلحات.

د. محمود جبريل: كثير من نظمنا ومؤسسات مجتمعنا المدني وحتى أفراد استمْرَت أو ابتدا شاف إن العملية ميئوس منها، وخلاص العصر عصر أميركي وعصر الإمبراطورية الأميركية.

أحمد منصور: لابد أن ننبطح أمام الواقع.

د. محمود جبريل: وبالتالي كله، آه، وباسم الواقعية.

أحمد منصور: طبعاً.

د. محمود جبريل: لأ، الواقعية أن تدرك واقعك لتدرك قوانين التغيير ثم تفعلها لتحدث واقعاً أفضل، لكن الوقوعية أنك أنت تستسلم لهذا الواقع، إحنا لدينا كثير…

أحمد منصور: هذا يتم الترويج له على أعلى المستويات والتنظير له أيضاً حتى…

د. محمود جبريل: هذا الكلام صحيح.. هذا كلام صحيح، وللأسف نخب كثيرة وُظِّفت.. نخب كثيرة جداً وظفت في هذا المجال، وتحول كثير من النخب إلى ممارسة الارتزاق الفكري، فأصبحنا نلعن أميركا ونموت بطريقتها، ونلبس بطريقتها، ونحلم بطريقتها، وكثير من نخبنا لعنت السلطان وأكلت على موائده، فهذه الثنائية وهذا الانفصام في الشخصية بالنسبة للمثقف العربي أو المتثوقف العربي -إذا شئت- لابد أن نقف عندها وأن ندرسها إذا كان لنا أن نبدأ من جديد.

أحمد منصور: أنا لاحظت أن هناك يعني حالة من الإحباط حتى لدى ما يُسمَّى بالنخبة.

د. محمود جبريل: آه.


دور النخبة العربية في النهوض بالمجتمع العربي

أحمد منصور: قرأت كثير من المقالات وأنا أُحضِّر للموضوع تتحدث عن عملية إحباط عالية جداً بالنسبة لما يُسمى بالنخبة، النخبة تتصارع فيما بينها أيضاً، النخبة تدور في إطار أن أميركا هي التي تحدد الأجندة للكُتَّاب، معظم الكُتَّاب أميركا تقول إرهاب كل الكتَّاب يتجهوا إلى الإرهاب.

د. محمود جبريل: نعم.. نعم.

أحمد منصور: أميركا تقول عولمة كل الكتَّاب يتجها إلى.. كأن ليس.. لا يوجد أجندة، النخبة دائماً هي التي ترتقي بالمجتمع، هي التي ترتفع به، إذا كانت النخبة ضائعة الآن فمن أين يمكن للمجتمع أيضاً أن ينهض؟

د. محمود جبريل: نعم، هذا صحيح، الحقيقة النقطة هذه نقطة جوهرية للغاية أستاذ أحمد، النخبة المثقفة تاريخياً كانت دائماً هي في الطليعة، وهي اللي بتقود بتوعي الناس وبتقودهم وبتنظمهم وإلى آخره، ما حدث في هذه المرحلة بالذات أن النخبة تحولت في معظمها طبعاً حتى لا نعمِّم، تحولت إلى مجموعة -لا مؤاخذة في التعبير- من الغربان التي تنتظر انتهاء المعارك حتى تنقض على الجثث فتقتات منها، فأصبحنا بنعيش بنعد نفسنا للفضائيات بالكرافتات وبنشحذ الأقلام للكتابة، وبنعيش على الأزمات، زي ما حضرتك تفضلت، تحولنا إلى ثقافة استنساخ حضاري لما يقوله الغرب وبالذات الولايات المتحدة، وبالتالي لابد من التفرقة بين الثقافة والتثوقف، ما يحدث الآن هو تثوقف، لأن الثقافة الحقيقية هي اتحاد بين الممارسة والفكر، لا بد أن أكون نموذجاً للناس حتى أستطيع أن أتحدث إليهم، الآن لأ إحنا بنقتات مما يحدث، إحنا بنرتزق، ما يسمى النخبة، مما يحدث، وهذا الحقيقة مزود الطامة، لأنه بيؤخر عملية النهوض، بيؤخر عملية بث الوعي لدى هذه الجموع اللي هي أصبحت تلتفت يميناً ويساراً للبحث عن حل للبحث عن مخرج..

أحمد منصور [مقاطعاً]: من بين الأشياء اللي اطَّلعت عليها هو يعني مثلاً مقال لغادة الكرمي في "الحياة" في 19 مارس كان عنوانه: "أخجل من كوني عربية"، يعني عبرت فيه عن حالة التهميش والعجز والفشل المزري للعرب حتى في الصراخ، لأن كان هذا قبل الحرب، وكان نداء للعرب إن مظاهرات يخرج فيها الملايين في الدول الغربية، ويعني هناك حالة عجز تام، وكأننا نحن كما يعني ذكرت أو أشار البعض بأن أهل المأتم أنفسهم لا يدرون وبما ينبغي أن حتى يصرخوا لا يصرخون..

د. محمود جبريل: نعم.

أحمد منصور: كتب الأستاذ فهمي هويدي عن تآكل العرب، كتب إدوارد سعيد عن العجز المفرط في الواقع العربي، الجميع أجمع في النهاية على أن الطفل الفلسطيني هذا اللي يركض هو ده الأمل، اللي بيقف أمام الدبابة هو ده الأمل الذي يمكن أن يخرج بنا من حالة الإحباط والعجز التي تعيشها الأمة، باقي المفكرين أو كثير من المفكرين -كما قلت- يعيشون على الارتزاق أو على… كأن أجندة الفكر العربي تصاغ في واشنطن.

د. محمود جبريل: نعم.

أحمد منصور: واشنطن هي التي تقول للمفكرين العرب اكتبوا في هذا الموضوع أو لا تكتبوا في هذا الموضوع، وهناك غياب تام، إذا كان صاحب الرأي حائر أو ضائع أو يعني بليد أو يعني عاجز، كل هذه الحالات فمن أين للمواطن البسيط أن يكون له مخرج؟

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: دكتور، ما تعليقك على هذه الحالة؟

د. محمود جبريل: هو الحقيقة من حوالي أربعة أشهر مضت كتبت مقالة هزلية اسمها: "دعوة إلى الرقص الشرقي" في هذا الوقت بالذات كانت تتناول بالضبط ما حضرتك تفضلت به أن الأجندة العربية يجب أن تظل بالنسبة للمثقف العربي كانت ويجب أن تظل وتستمر تقرير المصير بالنسبة.. في الأرض المحتلة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، التنمية، عدالة التوزيع، دي أجندتنا الحقيقية، كون انتشر إرهاب، الإرهاب هو نتيجة لغياب هذه الأولويات، نتيجة لقمعها، نتيجة لعدم توفُّر قنوات التعبير عن هذه المطالب، فبينتشر الإرهاب، الإرهاب انتشر في اليمين الأميركي وانتشر في اليمين الإسرائيلي، وانتشر في اليمين الأوروبي، لماذا ممارسة العنف من اليمين العربي هي اللي فقط التي توصف بالإرهاب؟ ولماذا تتخذ مدعاة ذلك لتبرير وتنفيذ استراتيجيات كبرى بدأت في التنفيذ حقيقة منذ الحادي عشر من سبتمبر، ولكن إحنا ابتدينا نرقص على الإيقاع الأميركي، يقول صِدَام حضارات نقول له: لأ، حوار حضارات، وأن الإسلام دين تسامح ودين حوار، وإحنا.. كأن..

أحمد منصور: ونقعد نغرق فيها وكل القوى ابتداءً من.. من علماء الدين، إلى المفكرين، إلى الاجتماع، كله بيرد على الغرب.

د. محمود جبريل: كأننا صدقنا أن لدينا حضارة الآن، إحنا كانت لدينا حضارة، كأننا صدقنا أن لدينا حضارة، وإن حضارة ما تخافوش ما تهددكمش، هي حضارة تسامح، حضارة حوار، فلنخلق الحضارة أولاً، ثم ليفعل الله بها ما يشاء، القضية ليست قضية أجندة غربية، هو الحقيقة فيه خواء فكري موجود لدينا، خواء فكري نتيجة أن قيم الخَلْق والإبداع والمبادرة لم تُغرس فينا منذ البداية، عودة مرة أخرى لمؤسسات التنشئة الاجتماعية، لأن أنا أطَّلع على العالم كله، (غاندي) كان بيقول: "أفتح جميع النوافذ حتى تدخل الشمس من جميع الاتجاهات"، أنا عايز أشوف فكر العالم كله، ولكن لابد أن تكون لي أجندتي الخاصة بناء على واقع حقيقي أقف على الأرض ويدي تلمس السحاب، ده الواقع الثقافي الحقيقي.. الواقع الثقافي الأصيل، أما نحن نكون ثقافة صدى ثقافة قشرية تسجيب وتردد ثقافة الصدى الـ Echo اللي هي بتردد ما يقوله حتى شكلنا في الرقص على هذه النغمات شكل قميء وشكل فج، لكن إحنا أكثر التصاقاً مع النوتة الموسيقية بتاعنا اللي هي أجندتنا، ولذلك سميت دعوة إلى الرقص الشرقي مرة أخرى، في هذه المرحلة بالذات كلما بعدت عن الأجندة الأميركية كلما كانت لديك القدرة على التفاوض، لأنك عندما تنصهر في الآخر بأجندته خلاص أصبحت جزء منه، التفاوض يتطلب وجود طرفين بأجندتين مختلفتين حتى نستطيع أن نتفاوض وأن يساوم بعضنا البعض، لكن إذا كانت أجندة واحدة..

أحمد منصور: المفاوض العربي بيذهب.. المفاوض العربي يذهب ليرى ماذا عند الآخر سواء مع إسرائيل أو أميركا عشان يقعد يرد ويحصل على الفتات من الأشياء، ويعتبر إنجاز ضخم جداً إنه قدر إنه قال له هأطلع لك 600 أسر هو طلَّع منهم 100 مثلاً.

د. محمود جبريل: آه، أنا كانت ليَّ مداخلة من كم شهر في لجنة تضامن الأفروآسيوي، كانت لي رؤية بدت غريبة في.. لدى بعض الإخوة أن الأجندة المستقلة ربما تكون حتى في بدائيتها أسلم من الأجندة الملفَّقة الحقيقية.. الملفَّقة حالياً التي هي امتداد للأجندة الغربية أو الأجندة الأميركية، بمعنى أيش؟ أن أكثر الناس جهلاً بالولايات المتحدة الآن هو أكثر الناس قدرة على مواجهة الولايات المتحدة..

أحمد منصور: كيف؟

د. محمود جبريل: لأنه غير.. مهزوم ذاتياً، هو غير.. مدمَّر نفسياً من هذا الهيلمان وهذه الإمبراطورية، لو خذنا رجل من أفريقيا الآن لم يسمع عن أميركا إطلاقاً، وتقول له أميركا يقول لك أدمرها لأنه ما.. ما عندوش عنها أي فكرة خالص، لكن إحنا أصبحنا مستلبين ومجهَّزين نفسياً ومهزومين ذاتياً.. إن إحنا.. أميركا لم تهزمنا، هزمنا أنفسنا.

أحمد منصور: بعض المفكرين العرب بيعملوا على ترسيخ الأجندة الأميركية بل وتحقيقها وزيادة الإحباط لدى المواطن العربي.

د. محمود جبريل: نعم، بعض منهم من منظور -أعتقد- فكري، يعني مش عايز أوصفه بشيء بس هو منظور فكري مبسَّط أو غاية في البساطة، البعض الآخر قد يكون من منظور الارتزاق، إنه.. إن هذه المرحلة هي المرحلة الأميركية، وإن الناس مين اللي يركب المركب الأول، وده تاريخياً موجود يعني..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الحقيقة يا دكتور من المقالات القليلة اللي اطَّلعت عليها واستطاعت أن تفهم 11 سبتمبر في حينها كان مقال لك نُشر في صحيفة "الأهرام" في 17 سبتمبر يعني بعد الأحداث بستة أيام فقط اتكلمت فيه عن حاجات ربما كانت غريبة في وقتها، في الوقت اللي كانت الأمور توجَّه إلى أفغانستان، أنت كنت بتتكلم عن مخطط أميركا تجاه العراق من خلال أحداث 11 سبتمبر، وقلت جملة جميلة جداً، قلت: "إن يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر يقدِّم فرصة ذهبية وحقيقية للولايات المتحدة الأميركية لتعيد صياغة النظام الكوني الجديد من حيث شكله.. من حيث شكله ومضمونه بما يتوافق ومصالحها"، يعني هذه القراءة الاستراتيجية المستقبلية فعلاً للمخطط الأميركي والتي ربما لم يشعر بها العرب إلا بعد الاحتلال الأميركي للعراق..

د. محمود جبريل: نعم.

أحمد منصور: يعني وقُدِّمت في هذا الوقت المبكر، ده دليل على إن 11 سبتمبر اتخذته أميركا لتحقيق ما تريده، وإن العرب غابوا من فهم أبعاد هذا الحدث في حينه. أنا يعني عندي محاور كثيرة، ولكن أيضاً أريد أتيح المجال للمشاهدين، تسمح لي آخذ مشاهدين ونواصل النقاش، هشام إسماعيل من كندا، أخ هشام اتفضل.

هشام إسماعيل: مرحباً أستاذ أحمد، وأرحِّب كمان بالأستاذ جبريل، الحقيقة أنا يعني متشوِّق لهذا البحث، وآمل إنه أشارك في هذا البحث بأن.. بأننا نحتاج الآن ليس فقط يعني نحتاج إلى عصر نهضة جديد، وهذا يلزم أن يكون هنالك حركة، وهذه الحركة هذا العصر النهضة يأخذ في جميع المجالات، وهذا الشيء الآن اللي أصبح أنا إله في مجال عملي كضابط سابق بالجيش السوري، كإنسان درست كمان الآن في التاريخ العسكري أحاول الآن في الوطن العربي كله على أساس أكتب، فقط أكتب ما.. ما جرى معي سابقاً من أجل المستقبل فلم أجد، ولكنني وجدت هذا في كندا وفي الولايات المتحدة.

أنا أؤيد الدكتور محمود جبريل، وأقول: أننا نحتاج الآن أن نبدأ بالإنسان ومن الطفل، وهذا الطفل نبدأ من.. من الطفل في.. في سبيل تنميته مع.. مع الدراسة، ويكون على الشكل التالي، نكون نضع بأن الدين هو إحياء الضمير، ومن الدين العائلة تثبِّت هذا الضمير، ومن ثم نربط بين العائلة وبين المدرسة ومن المدرسة نظهر إلى المجتمع، الآن أستاذ محمود جبريل آمل أن.. أن هذا الشيء اللي تقوم به بالدراسات أن تكون هنالك حركة عامة في جميع الوطن العربي، وأنا آمل أن أتصل معك وأضع.. وأضع أمامك ما أفكر فيه في مجال عملي.. لا آخذ في مجال عمل آخر، وخاصةً إلي كمان أنا بعثت فاكس للأستاذ أحمد منصور في سبيل المشاركة في عن العصر.. عن (شاهد على العصر)، آمل أن أكون أن أشارك في ذلك، وأضع الحقيقة كإنسان الآن أصبح لي عن وطني 27 عام، وأقيم في كندا 21 عام، وأعمل، وآمل أن أشارك وأساهم في بناء هذا الجيل أو المجتمع الجديد التي.. التي تتطلب تتطلبه منا الحياة.. تتطلبه منا.

أحمد منصور: شكراً لك، وأعدك بدراسة.. بدراسة الأمر، وأيضاً يعني بعض المشاهدين أيضاً يسألون عن كيفية التواصل مع الدكتور محمود.. لاسيما الآن وإن إحنا إذا فرغنا من قضية الحكومات سيبقى دور الأفراد والمؤسسات والهيئات، وهذا ما سوف نتناوله، وكيفية التواصل أيضاً من أجل الآن إن إحنا نسيب الحكومات تعمل اللي هي عايزاه والناس تبدأ تتحرك حتى تنقذ نفسها على الأقل من هذا الأمر إذا الحكام والحكومات مشغولة بذواتها ومصالحها الخاصة وبعيدة عن مصالح الشعوب في كثير من الأحيان حتى لا نظلم أيضاً بعض الأداء الحكومي المتميز.

د. محمود جبريل: كلام صحيح.. كلام صحيح.

أحمد منصور: فعلى الأقل الآن طالما الناس لديها رغبة وهذا من كندا والآخر من أميركا، وهناك الآن مصر وحدها في تقرير نُشر في "الأهرام" قبل شهرين تقريباً 800 ألف عالم مصري متميز في مواقع متميزة في العالم موجودين، هؤلاء الآن لو.. لو.. لو تستفيد مصر بخبراتهم هيعملوا نهضة غير عادية لو هناك إرادة في هذا الموضوع، كذلك من كل الدول العربية الأخرى، عبد الوهاب المصري من سوريا.

عبد الوهاب المصري: أستاذ أحمد وأحيي ضيفك الكريم العالم الجليل.

أحمد منصور: أخ عبد الوهاب معنا؟ حياك الله يا سيدي.

عبد الوهاب المصري: واسمح لي أستاذ أحمد بثلاث ملاحظات، واحدة.. واحدة منهما.. منها تتعلق بما تفضلت به واثنتان تتعلقان بما تفضل به العالم الجليل: الأولى هي: عملياً إزالة الالتباس، وأرجو أن لا أبدو كمن يعني بيبيع المية في حارة السقايين، وأنت كنت تقدم برنامج (الشريعة والحياة)، تفضلت في.. في المقدمة وقلت بأن الله -سبحانه وتعالى- وصفنا بأننا خير أمة أُخرجت للناس، بعضهم يفهم ذلك على أننا.. أن هذه الأمة هي الأمة العربية والحال هي الأمة الإسلامية، الله تعالى يقول (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) يعني هناك ثلاث شروط يجب أن تتحقق لكي نكون خير أمة أخرجت للناس، الأمر لا يتعلق بالعرب، لا يتعلق بالعرب، فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". هذه الملاحظة الأولى.

فيما يتعلق بما تفضل به الدكتور الجليل أولاً: إن المغالاة في جعل التقدم في العلم والتكنولوجيا معياراً للتفوق الحضاري بين الأمم هذا أمر غير واقعي وحتى غير علمي، فلقد أدى التقدم العلمي إلى كثير من الأزمات والمشاكل والكوارث في العالم، مثل تزايد أمراض الحضارة كالسرطان وأمراض القلب وتزايد المشكلات البيئية كالتصحر والتلوث وغير ذلك، وتدمير مزيد من البشر والحجر في هوريشيما وفيتنام والعراق، أُذكِّر بالمثل الألمان: "ما الفائدة من الركض إذا لم نكن في الاتجاه الصحيح؟" وباعتبار أن الضيف الكريم على علم بالتكنولوجيا المتقدمة التي استخدمتها أميركا في عدوانها على العراق أسأله سؤالاً محدداً: ما قوله في شهادات عراقية تقول: إن الأميركان استخدموا في معركة المطار قنابل نووية تكتيكية وإلا لم يكن بوسعهم التغلب على المدافعين من الحرس الجمهوري وفدائيي صدام والمجاهدين العرب، النقطة الأخيرة.

أحمد منصور: شكراً لك، آه، تفضل.

عبد الوهاب المصري: طبعاً المفروض الواحد يفكر بالحل أو.. أو ما العمل، أنا شخصياً مع الدكتور عبد الله عبد الدايم عندما يقرر أن نهضة أي أمة لا تكون إلا بتلاقي قطبين هما العلم والإيمان بالرسالة، وإني أيضاً مع المفكر الفرنسي (جاك بيرد) عندما يقرر أنه من المستحيل على أمة من الأمم أن تتقدم بدون إحياء قيمها الأصيلة، والمشكلة هي أننا، ومنذ أن قام الغرب، منذ مائة عام وبمعاونة.. بمعاونة فعالة من الشريف حسين بن علي والمثقفين العرب بالقضاء على الدولة العثمانية، وبالتالي القضاء على الرابطة التي كانت تجمع الأمة وهي العقيدة وأحلوا محلها ديناً آخر هو العلمانية واشتراكية جديدة هي التغريب أو النهضة على الطريقة الغربية. أختم كلامي بالقول: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وشكراً.

أحمد منصور: شكراً أستاذ عبد الوهاب، بالنسبة لي: أنا كلامي كان واضحاً في أن الأمة حينما تخلت عن خيريتها فقدت هذه الأشياء، والكلام مطلق عن الأمة، ليس الأمة العربية، وإنما أي أمة يمكن أن تحقق هذه الأشياء الشروط الأساسية للخيرية يمكن أن تكون هي خير أمة أخرجت للناس. تفضل يا دكتور لاسيما السؤال الأخير: ما هو الحل؟ حتى لا ندور في إطار.


مسؤولية الفرد ومؤسسات المجتمع المدني في النهوض بالمجتمع العربي

د. محمود جبريل: الحقيقة السؤالين بيثيروا شيئين رئيسيين، الشيء الأول: أن هناك إلحاح حقيقي ورغبة جارفة لدى الشعب العربي في دُوَلِه المختلفة بالمشاركة في فعل التغيير، لكن كله بيبحث طب كيف؟ ما العمل؟ أين نبدأ؟ لأن الناس الحقيقة -أستاذ أحمد- ملَّت من التحليل والتحليل.. والتحليل أن هذه الأمة من كثرة التحليل تحللت.. تحللت تحليلاً وهي بتحلل ويحلل ويحلل فتحللنا تحليلاً، إحنا الرؤية اللي طارحينها في جمعية الأفق القادم هو تفعيل الدوائر الصغيرة، البداية، مادام النخبة لم تعش حسب ما هو متوقع منها، وأن الحكومات هي تكريس لعجز الشعوب لا تتوقع حكومة متقدمة في شعوب متخلفة، فإذن لماذا لا تكون البداية، بداية جزئية على مستوى الفرد..

أحمد منصور: كيف؟

د. محمود جبريل [مستأنفاً]: ودوائر مؤسسات المجتمع المدني تُفعل دوائر مؤسسات المجتمع المدني مزيد من الانخراط لهؤلاء الأصوات اللي إحنا سمعناها الآن تبحث عن فرصة للفعل، فرصة للتغيير، إحنا عملنا جمعية.. جمعية.. جمعية أهلية بتحاول إن هي تتحاور أن تعيد الفهم، أن تعيد طرح الأشياء، بعض من الإخوة في الجمعية يقولوا لأ، البداية تبدأ من الصحة الإنجابية للمرأة، مش عيب إن إحنا نبدأ من جديد، مش عيب بس تكون فيه بداية، فيه مشاركة، لكن أن نشبع صريخاً وعوالاً دي مصيبة، إذن مؤسسات المجتمع المدني قد تكون طريقاً رغم إن هناك بعض مشكلات تعترضها.

المشكلة الأولى: قضايا التمويل لابد أن تحسم، لابد أن تكون للجمعيات الأهلية أجندتها الخاصة، الجمعيات مثلاً في مصر وفي دول الخليج بداية الجمعيات المصرية كانت فكرة التطوع هي الأساس، كانت.. كانت بتمول بجهود ذاتية، الهيئات التمويلية لما دخلت فرضت أجندات مختلفة أثَّرت الحقيقة على مسيرة العمل الأهلي، وأنا أدَّعي إن أنا قريب ولصيق بممارسات العمل الأهلي في مصر وفي الدول العربية، الجمعيات الخليجية جمعيات خيرية لابد لها أن (..) نحو مناحي التنمية الآن، لأن دورها في الفترة القادمة هو امتداد لدور مؤسسات المجتمع المدني عالمياً، وبالتالي مؤسسات المجتمع المدني عالمياً متوقع أن يتضاعف دورها 20 ضعف لحد سنة 2015 عمَّا هو عليه الآن، ففيه زخم كبير جداً، كانت مفارقة محزنة أن تجد مؤسسات المجتمع المدني عالمياً خالقة هذا الزخم المحتج على العدوان الأميركي على العراق، بينما أقل المشاركات كانت من مؤسسات المجتمع المدني العربية، منظمات حقوق الإنسان العربي بمسمياتها المختلفة كانت آخر من صرخ، رغم إن إحنا أول المتضررين وإحنا الضحايا، كان أَوْلَى بنا أن نصرخ أولاً.

أحمد منصور: عشان ما نقعدش ندور في الكلام المجتمع المدني، مؤسسات المجتمع المدني.. مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة التي من المفترض أن تقوم، الحكام مسيطرين على السياسة وزوجات وأبناء الحكام مسيطرين على مؤسسات المجتمع المدني، أو شخصيات قريبة من الحكم، أو جمعيات تمويل غربية بتمولها، فالآن إحنا نريد يعني نتحدث عن شكل فاعل حقيقي يُعبِّر عن ضمير الناس.

د. محمود جبريل: هذا كلام صحيح، أنا بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني عملية انخراط كثير من رموز الحكم سواء الزوجة أو الابن أو بنت أو كذا وكذا هو عائق ومُسَهِّل، عائق من ناحية إن هو يعوق النمو الطبيعي التلقائي لفكرة العمل الأهلي اللي هي فعلاً جوهرها الحقيقي عملية المشاركة اللي بتبني فكر المواطن، وبعدين بتبني سلوكه، ولكنها ميسِّرة، لأنه ثبت للأسف لأنه امتداد للمؤسسات التنشئة الاجتماعية، الناس لما بتلاقي فلان هو اللي بيرأس الجمعية الفلانية إذن هذه الجمعية قادرة على الفعل فينخرطوا وراءها، يا إما طمعاً أو خوفاً، أنا الآن…

أحمد منصور: أو عجزاً.

د. محمود جبريل: أو عجزاً.. أو عجزاً كله.. كله جائز، فأنا اللي أقصده أيش إن فعلاً هو فيه مؤشر يحتاج للدارسة وبالذات من الناس اللي مهتمة بظاهر مؤسسات المجتمع المدني وكيفية تفعيلها ظاهرة انخراط رموز الحكم من الأسر المختلفة في مؤسسات المجتمع المدني، ظاهرة يجب أن تُدرَس حتى نشوف آثارها الإيجابية والسلبية على مسيرة العمل الأهلي في هذه المنطقة.

أنت تفضلت بنقطة في غاية الأهمية أن مؤسسات المجتمع المدني هي امتداد قد تكون للعجز بس بشكل آخر، داخل مؤسسات المجتمع المدني كانت هناك حالات نجاح -الحقيقة- في مصر وفي بعض الدول العربية، حالات نجاح حقيقي بعيد عن تدخل الحكومة وبعيد عن التمويل، ووثَّقنا هذه الحالات وصُوِّرت فيلمياً يعني، داخل مؤسسات المجتمع المدني وداخل مؤسسات الدولة سواء مجتمع.. مؤسسات دولة حكومية أو غير حكومية، وجدنا أن هناك دوائر للفعل ممكن أن تُفعَّل على مستوى الفرد، يعني من الممارسات الإدارية باعتبار أن أنا بأشتغل في مجال..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني الآن يا دكتور.. الآن.. الآن حتى لا نغرق لأن الموضوع ضخم، إحنا الآن دخلنا في حتة مش عايزين نغرز فيها، الآن نريد للمواطن البسيط الذي يشعر بالعجز والإحباط أن يتحول من حالة الصمت أو العجز أو الإحباط أو الوصول إلى دائرة الصراخ، فيه ناس بتطلع تصرخ أحياناً في المظاهرات أو في كذا إلى التحول إلى دائرة الفعل، ما هي الأدوات التي يمكن للإنسان أن يعبر أو الطريقة حتى بشكل فردي الآن، أنا كفرد عايز يبقى لي دور، عايز أحس إن أنا إنسان فاعل بعيد عن الحكومة بعيد عن كل الأشياء المحبِطة، باختصار كيف أستطيع أن؟

د. محمود جبريل: كويس.. خليني أدي مثالين سريعيين، أنا كمواطن فرد بسيط في بيت ما في إحدى القرى في مدينة عربية ما لديّ سيطرة على ما هو في جيبي، على مأكلي، على ملبسي، على مشربي على تربيتي لأولادي، لو أُربي أولادي من الآن من منظور المشاركة، منظور إن هو إنسان المستقبل، ومنظور إن هو صاحب رأي، ومنظور إن الله -سبحانه وتعالى- أمده بملكة ميزته عن بقية المخلوقات وهي ملكة العقل تُنمَّى فيه ملكة الإبداع، ملكة المبادرة، ملكة المخاطرة، ملكة المشاركة، هذه الملكات أنا يبقي أنا أديت رسالة كمواطن…

أحمد منصور: يعني الآن مطلوب من المواطن.. من المواطن أن يخرج من دائرة القمع الأسري أو الديكتاتورية الأسرية إلى دائرة المشاركة، أن يتحول إلى إنسان يُشرِك أولاده ويفعِّلهم في المشاركة في القرار.

د. محمود جبريل: دا كلام صحيح، نيجي على مستوى المدرسة، الأب قد يلعب دور ضاغط في ظل وجود مناهج تعليمية من العصر الحجري، وفي ظل وجود طرق تعليمية عقيمة قد يلعب عن طريق ما يُعرف بمجلس الآباء دور فاعل، أنا كنت سعيد الأسبوع الماضي كنت في قطر، شوفت أن فيه التجارب الانتخابية بتمارس في المدارس الابتدائية، دا سلوك المشاركة لما يُغرس في الطالب من وهو صغير، هنا مش هيكون فيه سلوك ديمقراطي معيب لما أعطيه الوعاء، لأن الوعي متوفر هناك فرق بين الوعي والوعاء، إحنا اهتمينا بقضية الأوعية الديمقراطية ولم نهتم بقضية الوعي، الوعي بتخلقه هذه المؤسسات: الأسرة، المدرسة والمسجد، المسجد اللي بيقوم على أيش؟ إن الدين عقل.. الدين عقل، الدين مش تغييب أن الله -سبحانه وتعالى- خلقنا كخلفاء له في الأرض من هذا المنظور (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) ومين الخالقين التانيين؟ فيه خالقين تانيين؟ إحنا، بفضل هذه النعمة وهذه الأمانة اللي أعطاها لنا..

أحمد منصور: يعني الآن الفرد.. الفرد وبعدين الأسرة، وبعد ذلك المدرسة والمسجد، المسجد ربما يسبق المدرسة أيضاً في.. لأن المسجد بيلعب دور خطير في هذا.

د. محمود جبريل: لا تأثيره.. تأثيره كبير جداً، الوعَّاظ يجب إن إحنا ندخل معاهم في حوار… أن نوعيهم.

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني نقدر نقول التحرك في دائرة المتر المربع..

د. محمود جبريل: تحرك..

أحمد منصور: دائرة.. دائرة الإنسان نفسه إن كل إنسان الآن يدرك إنه مش مستني الحكومة تدي له أوامر عشان يعامل ولاده بأسلوب ديمقراطي، عشان يوعي أبناءه، علشان المُدرِّس يقوم بدوره..

د. محمود جبريل: بالضبط، لأن دي تحت سيطرته، الحكومة مالهاش دخل به، أنا سعيد يا أستاذ أحمد إن عملنا أمسية في البحرين من حوالي شهرين، إن جمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية أخذت بفكرة المتر المربع الواحد، شُكِّلت حوالي 21 لجنة داخل الجمعية، انتشرت في شركات ووزارات البحرين المختلفة لتفعيل دور الفرد على مستوى المكتب الصغير داخل المؤسسة.

أحمد منصور: المهم الحكومات ما تلاحقهمش إن هم عاملين خلايا وعاملين كذا لمجرد أن هم بيحاولوا…

د. محمود جبريل: لا لا بالعكس.

أحمد منصور: مش هناك في أي مكان تاني.. لمجرد إن هم بيحاولوا حتى يصنعوا قيمة للإنسان وأن يكون له دور فاعل. اسمح عندي كثير من المشاهدين.

د. محمود جبريل: تفضل.

أحمد منصور: متأخرين، هل تريد أن تضيف شيء قبل أن أنتقل من هذه النقطة كلملمة لها؟

د. محمود جبريل: لا هو.

أحمد منصور: لأنها أخطر نقطة الآن.

د. محمود جبريل: هي النقطة هذه.

أحمد منصور: هذه محصلة تقريباً الحلقة يعني.

د. محمود جبريل: هي محصلة الحلقة، هناك مساران، مسار أن نستمر فيما استمرينا عليه في النصف قرن الماضي إحنا هذا شيء، أو نبدأ بداية جديدة من الصفر، ومش عيب إن إحنا نبدأ من الصفر، هناك فرق بين الحديث عن التغيير وممارسة التغيير، بين الحديث والإحداث هناك حدث، الحدث أن نمتلك العزيمة، الرؤية الصحيحة وأن نبدأ، ودي متاحة على مستوى المتر المربع الواحد، أما أن نستمر في هذا الصراخ والعويل اللي أصبح حتى الناس ملَّته..

أحمد منصور: نستطيع الآن أن نقول أن المسؤولية في التغيير وفي الخروج من حالة الإحباط هي مسؤولية الفرد.

د. محمود جبريل: مسؤولية الفرد الآن، لازم أن نأخذ أمورنا بأيدينا، كفاية حكومات وكفاية نخب، خليهم كان الله في عونهم، ويستاهلوا يعني الشفقة ويستاهلوا العون يعني، لأن هو عاجز وأنا عاجز، بس هو الضوء مسلط عليه، هو بيُشتم ليل نهار، أنا عاجز بس مش واخد بالي من عجزي ولا حد بيشتمني، لأن أنا بأشاور له باستمرار، ودا غلط.

أحمد منصور: عبد الرؤوف الصعيدي من مصر، أنا أتأسف إليك تأخرت عليك كثيراً، ولكن آخذ أحمد يوسف من سويسرا. تفضل يا سيدي.

أحمد يوسف: السلام عليكم يا أخ أحمد، والسلام عليكم يا دكتور محمود.

أحمد منصور: عليكم السلام يا سيدي، تفضل.

أحمد يوسف: شكراً على هذه الحلقة القيمة اللي قدمته فيها، أريد أن.. أحب أن أؤكد على مسألة مسؤولية الشعوب على التغيير.. تغيير واقعها، لأن المستقبل.. الحقيقة خطير جداً في.. في.. فيما يتعلق سواءً بالمسألة السياسية أو بمسائل مستقبل الموارد الطبيعية اللي هي ممكن هتكون حاسمة جداً في.. في. مع حلول عام 2020 مع تصبح مشكلة المياه هي المسألة الرئيسية في العالم كذلك موارد الطاقة الطبيعية، كذلك شعور الشعوب بمسؤوليتها للتغيير يجب على الحكام والنخب الحاكمة أن تشعر بمسؤوليتها بأن تبتعد عن هذه الريبة وعن.. وأن هي تتحمل مسؤوليتها -الآن- التاريخية في السماح لمؤسسات المجتمع المدني للسير السلمي الطبيعي نحو النهضة بهذه الأمة، مسألة خنق المجتمع المدني والتضييق عليه يجب أن تنتهي، لأن هذه.. هذه الممارسات لن تكون في مصلحة لا الشعوب ولا الحكام ولا المنطقة بأسرها، وشكراً لكم جزيلاً على هذه الفرصة الطيبة، والسلام عليكم.

أحمد منصور: شكراً يا سيدي، حسين عبد الوهاب من سوريا، تفضل يا أخ حسين.

حسين عبد الوهاب: السلام عليكم ورحمة الله.

أحمد منصور: عليكم السلام يا سيدي.

حسين عبد الوهاب: حقيقة إن.. إن مثل هذا الحوار إيجابي وجيد لهذه الأمة، ونحن نحتاج إلى أن نتحاور مع أنفسنا قبل أن نتحاور مع الآخر، وأرى أن مسؤولية التغيير هي مسؤولية كل مواطن كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.

أحمد منصور: عليه الصلاة والسلام.

حسين عبد الوهاب: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" هو مسؤولية المجتمع المدني، ونحن كأمة كما قال الله -سبحانه وتعالى- أول كلمة، أول آية أنزلها على رسوله -صلى الله عليه وسلم- (إقرأ) فهذه الأمة هي أمة اقرأ، لماذا أصبحت متخلفة؟ لماذا أصبحت تعتمد على الغير؟ السبب معروف، لأنها انحرفت عن المنهج الصحيح الذي جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، ولذلك نحن كأمة -كما قال الدكتور- نحن في مرحلة نضعف ولكننا لا نموت، نحن.. أنني أرى أننا.. أن المستقبل لهذه الأمة وصناعة المستقبل -إن شاء الله- ستصنعها.. تصنعها هذه الأمة، لماذا؟ لأن فكر هذه الأمة هي فكر توليدي، هو الفكر الذي يتطور ويتنوع مهما كانت الحواجز ومهما كانت العقبات، ولذلك يجب حقيقة من هذا المنطلق أن تكون المناهج التي نقرأها في جامعاتنا هي مناهج التعرف على المتوقع وغير المتوقع، لأن العلم اليوم أصبح هو رأس المال، فالذي يملك..

أحمد منصور: شكراً لك يا أخ حسين فكرتك واضحة.. فكرتك واضحة شكراً لك، فارس محمد من السعودية، تفضل يا أخ فارس.

فارس محمد: مساء الخير.

أحمد منصور: مساك الله بالخير يا سيدي.

فارس محمد: الحقيقة أنا أُقدِّر الدكتور واحترمه كثيراً، وأرى إنه كثير من النقاط التي عرضها جميلة وجيدة جداً، ولكنني لا أتفق معه بأن المظاهرات هي عبارة عن صراخ وأنه يجب الانتقال إلى الفعل، أنا أقول في.. في ظل عدم القدرة على الفعل فلا يجب أن نغفل المظاهرات على أن يكون الهدف واضح ومحدد، وهناك دول غربية كثيرة تعتمد على المظاهرات كهدف لتحقيق كثير من أهدافها، ولعلنا نرى حتى في أميركا أحداث لوس أنجلوس بعد.. بعد ضرب الجنود الأميركيين للسود كيف غيرت كثيراً حتى في وجه العدالة، لكنني أعتقد أن مجمل هذه المحاضرة هو كلمة جميلة قالها الدكتور وهي "التفكيك وإعادة البناء"، هي.. هذه هي المرونة الحقيقية، في أميركا عام 1952 عندما لاحظت التفوق السوفيتي عَمِدَت إلى تفكيك التعليم لديها وإعادة بنائه، نحن لكي نبدأ نحن لم نبدأ.. لكي نبدأ يجب أن نعيد بناء تفكيك التعليم وإعادة بنائه على أسس سليمة وصحيحة لكي نبدأ بداية صحيحة، وشكراً لكم.


أهمية عملية التفكيك وإعادة البناء وخطورة التدخل الأميركي

أحمد منصور: أشكرك يا أخ حسين.. يا أخ فارس شكراً كبيراً، لا أريد أن أقف عند الكثير، لم يعد لدي إلا بعض الدقائق، ولكن أنا أريد أن نقف عند نقطة التفكيك والبناء، لأن هذه أيضاً هو محور أساسي يمكن أن نخرج به من هذه الحالة المزرية من الضعف، من الإحباط، من العجز، لكن أريد أقرأ عليك فاكس من الدكتور أحمد سليمان، من دمشق، يقول: كيف يضع الدكتور جبريل لوماً على الشعب العربي المقموع المقهور، ويدعم ذلك بقوله: "كما تكونوا يولَّى عليكم" هذا يجب أن يكون صحيحاً في حالة واحدة هي أننا اخترنا ولاتنا بحرية، متى تم هذا في الظروف الحالية؟ لعل ما ينطبق علينا هو أن "الناس على دين ملوكهم"، يعني هي قضية إن ما فيش شعب اختار بحرية حاكمه حتى يكون هذا إفرازاً للشعوب، أريد أن أقف عند ما أشار إليه الأخ فارس محمد، عملية التفكيك وإعادة البناء.

د. محمود جبريل: طيب، التفكيك وإعادة التركيب -أستاذ أحمد- هو بدأ الآن فعلاً، بس للأسف بدأ بأيادي غريبة عنا، الولايات المتحدة دخلت الآن.. بدأت استراتيجيتها بعد 11 سبتمبر مرحلة أولى التواجد اللي هي بدأته في أسيا، ثم التواجد في منطقة الخليج، التواجد القادم في منطقة شمال إفريقيا وقد يكون في ليبيا والمغرب، لأن ليبيا (drop shot) خطة (drop short) من سنة 57 مرشحة مرة أخرى، هذا التواجد لاحتواء مبكر لأوروبا لأسباب عديدة ليس هناك مجال لخوضها.

المرحلة الثانية: استمرارية التواجد، تغيير بعض الوجوه حتى يستمر التواجد في وجوه حكام، هيطلع نوع من الحكام إحنا بنسميه الـ (WOG)، (Western Oriented Gentleman)) اللي هم بيفكروا أميركاني ويلبسوا أميركاني.

المرحلة الثالثة وهي الخطيرة هي التفكيك وإعادة التركيب لكن بيمارسوه الأميركان، يجري تفكيك المؤسسة التعليمية في بعض الدول -بدون ذكر أسماء- ويُعاد صياغة المناهج بشكل آخر بحيث إن الطفل لا تكون لديه شرعية في العالم إلا الشرعية الأميركية، تفكيك للمؤسسة الدينية وغربنة لها في بعض الدول العربية، فما ندعو إليه إحنا من منظور تفكيك وإعادة التركيب كمدخل للنهضة يتم الآن بأيدي أميركية كمدخل لترسيخ الوجود الأميركي ليصبح وجوداً شرعياً، فالخطر أصبح خطر مضاعف أمامنا، ليه؟ إما أن ننتبه ونفكك مؤسساتنا لنصنع.

أحمد منصور: نحن.

د. محمود جبريل: فكراً يستطيع أن يدرك ما يحدث وأن يتعايش معه وأن يطور آليات التعامل معه لخلق التقدم، وإلا سيُفعل بنا أن تتحول هذه الأمة وتخلُّفها إلى حالة سرمدية لا فكاك منها، المؤشرات واضحة الآن في دول عديدة، بدون ما نذكر اسمها، بعض مناطق تعليمية في بعض الدول العربية أقيلت بالكامل واستبدلت أخرى اللي هي قابلة لهذه المناهج الجديدة، (بوش) نفسه في خطابه عن منطقة الشرق الأوسط المنطقة الحرة، قال إحنا هنجيب مناهج وندرس بها الناس عشان يعرفوا أهمية الاقتصاد وأهمية الديمقراطية و.. و، لكن لم ينكر ذلك.

أحمد منصور: لكن إحنا الآن نستطيع أن نقوم نحن بعملية التركيب أو التفكيك وإعادة البناء.

د. محمود جبريل: نستطيع إن لم تستطع الحكومات نستطيع أن نمارس ضغوطاً من خلال.. لكن لدينا دوائر أخرى زي دائرة الأسرة ودائرة العمل ودائرة ودائرة، نستطيع فعل الكثير داخل هذه الدوائر.

أحمد منصور: باختصار شديد لم يبق إلا نصف دقيقة، الآن جمعية الأفق القادم تضم مجموعة أو نخبة من المفكرين والسياسيين وغيرهم ممن يسعون لعملية التغيير وهي جمعية نفع عام، ممكن باختصار لأن الكثيرين يسألون عن كيفية الاتصال بكم، كيف الاتصال بكم؟

د. محمود جبريل: الاتصال بنا في القاهرة مش عارف أنا ممكن أخلي العنوان مع حضرتك؟

أحمد منصور: لا قول للناس، أنا ملايين الناس هيدوشوني، قلهم مباشرة.

د. محمود جبريل: جمعية الأفق القادم ممكن مراسلتنا بريدياً الآن على 24 شارع أحمد أبو العلا -المقر الموقت للجمعية- مدينة نصر، 24 شارع..

أحمد منصور: فيه تليفون؟

د. محمود جبريل: آه، اللي هو 2741178 أو 2743291

أحمد منصور: فيه إيميل؟

د. محمود جبريل: آه فيه إيميل بس مش متذكره

أحمد منصور: هيتصلوا عليكم على التليفون ما حدش يتصل عليَّ، الدكتور قال العناوين، أشكرك يا دكتور شكراً جزيلاً.

د. محمود جبريل: الله يبارك فيك شكراً.

أحمد منصور: وأعتذر للذين لم أتمكن من أخذ مداخلاتهم وأتمنى أن تكون هذه الحلقة قد قدمت لكم رؤية مفيدة، آملين أن تكون بداية لتغيير حقيقي وخروج من حالة العجز والإحباط التي نعيشها جميعاً.

في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من القاهرة والدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من القاهرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.