هاشم غرايبة
أدب السجون

هاشم غرايبة.. سجن تتكئ عليه الحياة

تستضيف الحلقة طبيب الأسنان الأردني هاشم غرايبة، أمه لا تعرف متى أنجبته، ولكنها تذكر كيف طوق البيت بالشرطة وأخذ من جانبها.

– قضبان.. الزمن المفقود
– السجن.. فجوة وجودية


undefinedمذيعة: مرحبا يا خالتي.

والدة هاشم غرايبة: أهلين.. أهلين.

مشاركة أولى: مرحبا بكِ.

مذيعة: كيفكم؟

مشاركة أولى: الله يخليكِ.

مذيعة: شو ها القعدة الحلوة.

مشاركة أولى: يحلِّي أيامك يا رب حلوة بوجودكم والله.

والدة هاشم غرايبة: العاطلين عن العمل مثلي ليس لهم غير الجلوس.

مذيعة: خالتي أنتِ عارفة إن إحنا عم نعمل فيلم عن هاشم؟

مشاركة أولى: الله يعطيكم العافية وينجح لكم فيلمكم.

والدة هاشم غرايبة: آمين.

مذيعة: ما بتدري أنه عم نعمل فيلم؟

والدة هاشم غرايبة: ما أدري، اليوم جاء أخي وأراد أن يلتقط لي صورا.

مشاركة أولى: تقول لك الفيلم عن هاشم.. يعني احكِ لنا عن هاشم.

والدة هاشم غرايبة: ماذا سأقول عن هاشم؟ لقد لوَّع قلبي هاشم.

قضبان.. الزمن المفقود

والدة هاشم غرايبة: لكنني لا أذكر متى أنجبته، أعتقد في شهر واحد، يومها كانت الأغنام تملأ باحة البيت وأنا كنت أريد أن أنتهي من ترتيب الغنم قبل أن أنجبه، بعدها دخلت إلى البيت وأنجبته، الحمد لله رب العالمين، في تلك الأيام لم نكن نستصعب الولادة، أنجبته وكانت صحته جيدة ولكنني بعد ذلك مرضت ولم أعد قادرة على الإنجاب، كان يوم أسود يوم أخذوه من جانبي، يومها طوقت الشرطة البيت من الجهة الشرقية والغربية ثم أخذوه، دخلوا إلى البيت بعد أن طوَّقوه وأخذوه وضعوه في السيارة ثم انهالوا عليه بالضرب، هذا الذي جعلني حزينة طيلة عشر سنوات، طيلة فترة سجنه كان هاشم عنيدا جدا.

مشاركة أولى: لقد سمعت أنه عنيد مثل أمه.

والدة هاشم غرايبة: لا ليس كأمه، هو عنيد من نفسه.

هاشم غرايبة- الأردن: الوقت اللي بأقضيه بالشغل إحنا مهنتنا بتتطلب أنه الواحد محله يعني بدها تركيز مثل الكتابة بالضبط يعني الكتابة بدها تركيز ودقة وشغلي هون بيتطلب تركيز ودقة لكن ما بيعني هذا أبدا أنه أنا لما بأكون مشغول بالأسنان فقط مشغول بالأسنان لا بأكون بأبني بالسن وبأفكر بآخر قصة كتبتها أفكر بالرواية اللي عم بأكتب فيها.. كلها وإذا ضاعت معي فكرة بأكتبها على جنب وبس أروح على المكتب هونيك بأكملها يعني، بأعتقد أنه شغلنا أو شغلي أنا بالذات يعني الشغل اليدوي بيعمل معادل موضوعي مع الشغل الذهني، معظم الأشياء التي أحبها حصلت اليوم لكني حزين جدا لأن كل هذه الأشياء التي أحبها تعزز إحساسي بضيق السجن.

مشاركة ثانية: مبنى دار السرايا، يعود تاريخ هذا المبنى إلى عام 1886 ميلادي 1304 هجري حسب النقش اللي موجود في أعلى المبنى، بُني هذا المبنى في عهد الحاكم العثماني السلطان عبد الحميد الثاني، طبعا كان له استخدامات في أيام العثمانيين حيث إنه كان قائم مقام في مركز العجلون فكان الحاكم العثماني لما ييجي على إربد فكان هون منطقة استراحة للسلطان، طبعا بعد العهد العثماني أصبحت له استخدامات أخرى، كان مجمع للدوائر وبعديها استخدمته مديرية الأمن كسجن، بعد هيك استملكته دائرة الآثار لكون المبنى تراثي لمحافظة إربد متحف الشمال، تفضلوا.

هاشم غرايبة: بالنسبة لذاكرتي أنا شخصيا عشت في هذا المكان فترة من الزمن كسجين، هو شيء كويس أنه عملوه متحف.

مشاركة ثانية: آه.. لأنه تراثي.

هاشم غرايبة: مبنى قديم وجميل.

مشاركة ثانية: قديم وجميل فيه وحدات كمان يعني فيه ذكريات لبعض الشخصيات الموجودة لليوم..

هاشم غرايبة: كل تاريخ الأردن ابتداء من بالعرار وانتهاءً بآخر جيل يعني. أول ملاحظة لاحظتها أنه لما دخلت السجن ليش الناس بيمشوا بسرعة؟ كانوا المساجين بيمشوا بسرعة داخل ساحة ضيقة وبعدين اكتشفت أنه كل المساجين بيمشوا بسرعة لأنه شكل من أشكال الرياضة أولا، ثانيا عشان يعطي إحساس بأنه هو بيمشي عم بيمشي عم بيتحرك عم بيعيش.. الحياة حركة، شو هي الحياة؟ الحياة الحركة فكانت هاي الحركة بتؤكد حيوية الناس ورغبتهم بأنهم يكونوا أحياء رغم ضيق السجن ومتاعبه، هاي المنطقة أول ما دخلتها هاي الساحة بأتذكر كان هون فيه بركة هناك كان فيه زنازين عقوبات، أول ما دخلت المهجع الجنوبي بهذا الاتجاه، أقمت في هذا المهجع وكان للسجن عبارة عن ثلاثة مهاجع رئيسية الجنوبي والشمالي والشرقي، هذا المهجع الجنوبي المهجع الكبير كان مش أقل من مائة وخمسين إلى مائتين سجين بيعيشوا فيه أو بيناموا في هذا المكان بشكل بسيط أنه مرصوصة جنب بعضها فكان مكاني بالزاوية الجنوبية من المهجع الجنوبي وبعدين كان فيه زاوية ثانية هون أيضا بس فيه عليها الآن مرآة، كان فيه كهرباء كان مضاء بالكهرباء وبس بحكم كونه قديم وعليه كانت إضاءة يعني.. الإضاءة كانت نسبيا ضعيفة بس كان فيه إضاءة، طبعا هذا المهجع له.. اللي بيطلع منه كان غالبيته للسياسيين، اللي هون المهجع الشمالي كان لا فيه قضايا منوعة قضايا المخدرات قضايا القتل قضايا مختلفة.. تهريب كانت في المهجع الشمالي، الغضب ما بيجيني من إحساسي من أني أشوف المكان اللي كنت فيه، الغضب بينتابني كل ما شفت ظلم بيقع على حدا عنده أفكار عنده قيم بيدافع عن حقوق الإنسان بيقف مع حقوق المرأة بيدافع عن حقوق المساجين وبيقع عليه ظلم ساعتها بأشعر بالغضب وبتستيقظ ذاكرتي الحادة باتجاه ما وقع عليّ من سجن وتعب، أول مرة جئت على هذا المكان كان عمري أربعة وعشرين سنة وثلاثة شهور يعني شاب مقبل على الحياة في عز تحدياته في عز عنفوانه كان المطلوب منه حل بسيط جدا، أكتب استنكارا للحزب الشيوعي الأردني وتفضل غادر المكان واعترف على من تعرفهم في هذا الإطار وتفضل اطلع بره يعني وتفضل غادر السجن إحنا مش بحاجتك بس مسألة.. المسألة هون مش مسألة لا أيديولوجية ولا مبادئ ولا.. المسألة هون مسألة احترامك لذاتك بتشعر إنك أنت بتحترم ذاتك وتنزل.. ترتفع بذاتك فوق هذا التحدي هذا بحد ذاته شيء إحساس جميل مش إحساس رديء، أكيد لو كان هذا المكان دخلته بسبب جريمة قتل مثلاً بيجوز أكون أنفر منه ما بأعرف طبعاً بس بأكون أنفر منه ما بأحب أشوفه ولا أمر عليه، أنا لا مهادن ولا مسامح الناس اللي ظلموني في هاي التجربة بأسامحهم بعشرة سنوات؟ دول عشرة سنوات من عمري ما أسامح حدا فيهم يعني ولا أتقبل إن أحد يستهين فيّ فلذلك كل هذه التعقيدات بتخليني دائماً أحجب حينما أريد أن أكتب عن هاي التجربة وبأعتبر هذه التجربة لي شخصياً جواتي موجودة وجعها أو تجربة السجن بمرارتها موجودة بأعتبرها وشم تحت الجلد مش فوق الجلد لأتباهى فيه، أنا انحبست كمناضل في الحزب الشيوعي الأردني وسُجنت من أجل قضايا كبيرة وحلم كبير، كنت بأحلم بتحرير فلسطين وتوحيد الأمة والاشتراكية وإلى آخره وبالتالي فإن كتاباتي ستنخرط في هذا السياق وهذا المطب باعتقادي يعني كثير من النقاد المتسارعين بدل ما يبدؤوا من النص بدؤوا من الحادثة هاي أو من هذا الشعار ودخلوا على كتابتي ولووا عنق النص اللي كتبته أو الرواية اللي كتبتها أو المسرحية اللي عملتها باتجاه التفسير الطبقي الأيديولوجي اللي المفروض يتبناه واحد بهذا الاتجاه العروبي الوحدوي إلى آخره، بس حقيقة نصوصي ما كانت مسكونة بهذا الهم كانت مسكونة بهم الإنسان ببساطه، كنت بأدرك إن اللي حواليّ مش صراعي اجتماعي طبقي بمعنى الطبقي الحاد الواضح المعالم إلى آخره، كان اجتماع يعني صراعات مجتمع ينمو ويتكون ويتشكل ويبحث عن هُوية والهُوية قبل الطبقة، ما كتبته داخل السجن له خصوصيته يعني فيه كتابين كُتبوا داخل السجن اللي هما قصص قلب.. مجموعة قصص قلب المدينة وكتاب الحياة عبر ثقوب الخزان، ها دول بأسميهم الأشياء اللي بترشح من التجربة لكن الكتابات الأهم هي اللي جاءت بحكم التجربة مش بحكم السجن وخارج السجن يعني بعد السجن تجربتي أيضاً تطورت وامتدت لآفاق جديدة بس فيه نص كتبته وأنا من داخل السجن رؤية بأعتبره من أهم النصوص اللي كتبتها وجاء بعد حرب 1982 بعد دخول الجيش الإسرائيلي للبنان وبداية انكسار الحلم اللي أنا كنت بأثق فيه، الغائب والحكاية دائماً فيه بينتهم سر ما، مسألة لغة الحوار لغة إنك تحكي.. تحكي شو اللي صار معك بدي أرجع للعصور القديمة، عوليس مش غاب كثير عن دنلوب وذاق الأمرّين وهو يناضل من أجل إنه يرجع لدنلوب، يعني بدي ارجع لكي أحكي لك شو اللي صار معه، إحنا لما نفتح ألبوم الصور الشخصي ما بنشوف كل شيء بحياتنا بنشوف وقت ما تزوجت بنشوف وقت ما خلفت ولد فانتقائي تماماً والذاكرة كذلك انتقائية بتختار مثل ما بدها يعني وما بتبدأ من الأول للأخر لا بتبدأ منين ما بدها، هذه صورة قديمة بالسجن.

زوجة هاشم غرايبة: بالسجن؟

هاشم غرايبة: بالسجن هاي آه.

مذيعة: هذا مين؟ هذا هاشم.

هاشم غرايبة: لما اتصورتها كان وزني 65 كيلو تتذكر عليكِ الأيام بالخير، هايدي بالآداب.

زوجة هاشم غرايبة: هايدي بالآداب عند توقيع الشهبندر.

هاشم غرايبة: هاي صورتنا وإحنا صغار صورة أبويا وأخواتي وخواتي بس أمي مش معنا، بأتذكر حكاية إنه كلهم لابسين برجليهم ماعدا أنا لما فتحت المدرسة أخذنا أبويا من شان يشتري لنا أغراض المدرسة وصورنا فطارت أمي بالصندل من شان ما ألبسه وصار رجلي كبيرة والصندل صار صغير، خبأته للمدرسة.

زوجة هاشم غرايبة: يعني خبيت لك إياه كانت للمدرسة رحت بدون صندل.. هاي على نهر اليرموك هاي؟

هاشم غرايبة: إيه على نهر اليرموك.

زوجة هاشم غرايبة: كان مصطفى عمرة خمس سنين وجاسر أربع سنين، هاي بالسجن ولا وين؟

هاشم غرايبة: هاي بالسجن بسجن المحطة، هاي كانت بمكتبي هي بردات المكتبة كانت..

زوجة هاشم غرايبة: هذا عماد؟

هاشم غرايبة: عماد ملحم آه.

زوجة هاشم غرايبة: قد إيه كان عمره لما أتسجن عماد؟

هاشم غرايبة: عماد سُجن 18 إلا شوية.

زوجة هاشم غرايبة: وكان سنة أولى بالجامعة؟

هاشم غرايبة: استنوا عليه شهر كي يقدموه للمحكمة.

زوجة هاشم غرايبة: سنة أولى كان.

هاشم غرايبة: سنة أولى آه.

زوجة هاشم غرايبة: شو كانت دراسته؟

هاشم غرايبة: زراعة، هاي من دون الأولاد.

زوجة هاشم غرايبة: إلا ما بعد 18 سنة.

هاشم غرايبة: والله أنتِ بتحفظي أكثر مني.

زوجة هاشم غرايبة: إحنا مش 18 سنة بالضبط، إحنا 17 سنة ونص.

هاشم غرايبة: بأحسبهن دائماً عليها.

زوجة هاشم غرايبة: وبيحسبهن.. بينسى هو بس أنا ما أنساش.

هاشم غرايبة: وبعدين لما نتزاعج نقول صار لنا 18 سنة مع بعض نتفاجأ إحنا صار لنا 18 سنة.

زوجة هاشم غرايبة: شايف يدل على إن هو مبسوط لو مش مبسوط كان قاعد حاسبهم باليوم.

هاشم غرايبة: وكمان ما فيش شيء كامل.. نتهاوج ونتصالح وأوقات عصيبة وأوقات سهلة كلهم نمر فيهم.

زوجة هاشم غرايبة: أنا بأعرف عنه قبل ما يطلع من السجن يعني تعرفت عليه عن طريق كتاب هموم صغيرة كنت لسه أنا في المدرسة يعني وبأتذكر إنه وزعت له كتابه داخل المدرسة بعنا كام نسخة منه وهو كان في السجن كنت بأهديه يعني بسجن إربد انتقال كنا إحنا في الجامعة ورحنا تعرفنا عليهم في السجن بس كان يعني تعرفنا على أساس إنهم ناس أبطال وبالسجن وإن إحنا لسه طلاب ومتحمسين للقضايا الوطنية وإشى، بعد ما طلع من السجن تعرفت عليه بشكل عن قرب بس كبداية علاقة، لا بعديها بسنة يعني بس تعيشي مع معتقل وكاتب ما هين وهاشم الاثنين مع بعض يعني كاتب وكان معتقل وبندردش مع بعض بيصير هاشم الإنسان يعني أُدهش إن ها دول الاثنين الكاتب والمعتقل وبيصفي هاشم.. هاشم.. هاشم الإنسان اللي أنا بأحبه وعايشة معه يعني ما بأقعد هو إني أفكر فيه هو هون كاتب هون كان معتقل، لا الحياة يعني ليها شكلها الآخر.

هاشم غرايبة: ما بأحب أخلق أمام أبنائي بأن أنا عملت شيء أسطوري أو شيء خارق أو شيء غير عادي، بأحب يفهموني كإنسان عادي بيخطئ وبيصيب..

مذيعة: مين اللي عم بيغلب؟

ابن هاشم غرايبة: أنا غالب ثلاثة/ صفر.

مذيعة: ثلاثة صفر؟

ابن هاشم: أيوه.

مذيعة: بأضحك عليك يعني؟

ابن هاشم: وهايدي الرابع، أربعة/ صفر.

هاشم غرايبة: لما كنا عمري 25 سنة وكنت بأقاوم بشراسة وبأتصدى بجرأة وبرغم السجن كنت بأشوف الحقيقة قدامي عريضة وخلالها قوي ومغامر وهذا شيء بحد ذاته جميل سواء كان بالسجن أو خارج السجن.

مذيعة: طيب قولوا لي من فيكن قرأ كتابا لبابا؟

ابن هاشم الثاني: أنا.

مذيعة: قرأته وعجبك؟

ابنه الثاني: آه.

هاشم غرايبة: إحنا الآن بالشارع الرئيسي اللي بيودي على حوَّارة، هذا الطريق معروف تاريخياً بيسمى طريق حيفا/ بغداد اللي كان بيربط بين حيفا وبغداد وبيمر من مدينة إربد، طبعاً هاي إربد بيسموا هذا الشارع من أول الإشارة هايدي عند منتصف السوق تقريباً بيسموه شارع بغداد بعد منتصف السوق، هاي دوار الملك عبد الله بيصير اسمه شارع فلسطين لأنه بيودي على الضفة الغربية وعلى فلسطين، على مهلك شوية يمكن هون الجامع بأشوف فيه جامع بالزاوية هنا جامع قديم وصغير هيك استنى بأسأل ها الشاب، مرحبا عمي، وين الجامع القديم؟

شاب: الجامع القديم؟ خليك دُغري شايف مش العمود الأول ولا هذا الثالث على إيدك اليمين عند ها الزاوية.

هاشم غرايبة: شكراً لك.

[موجز الأنباء]

السجن.. فجوة وجودية

هاشم غرايبة: هو على الشمال.

مذيعة: إحنا هلا بحوارة؟

هاشم غرايبة: بنصف حوارة تقريبا، إحنا الآن هاداك الجامع وهذا بيتي القديم بيت جدي نحن على مشارفه، وين السيد سليمان السيد؟ أطلع بالصورة أنت..

سليمان السيد: أهلا وسهلا..

هاشم غرايبة: يعطيك العافية.. امشِ معي عشان تطلع بالصورة يا سيدي، سد الباب ورايا، هذا بيت جدي، طبعا ذكريات واسعة جدا في هذا المكان جدي وجدتي، طفولتي كتبت قصة عن البيت الكبير بيت.. اللي كان بيت قديم جدا بيت جدي والعلاقة بين الحديث والقديم والذكريات، دائما بهذا المكان بأشعر بطمأنينة بأشعر بطفولتي بأشعر بالراحة، التامة هذا البيت.. هذه الغرفة بالذات هي أقدم غرفة بالبيت هذا بيت جدتي.. جدتي لأمي طبعا وهذا بيت جدي لأمي، هذا الجزء من البيت تحديدا اللي هو الجزء الشرقي كان ملعبنا إحنا الأطفال، كان فيه طُمبر اللي هو عربية اللي بتجرها الخيل كان.. كان فيه أغنام كان فيه كل ما يلزم الفلاح من أدوات ومواشي كان موجود في هذا القسم الشرقي لكن مع التجديد هذا القسم الشرقي مثل ما أنتم شايفين يعني الآن حولناه إلى مكتبة وإلى بعض أدوات التراث احتفظنا بها في هذا المكان أيضا الصالون الداخلي، هاي صورة جدي لأمي حكيت لكم عنه قصة طريفة لأنه لما زارني بالسجن حكى أنه أنت مجنون يا جدي تقعد بالسجن هاي الفترة بس من شان تكتب كلمتين؟ قلت له أنا شخص ممكن أكون مجنون لكن الحكومة كلها مجنونة، الدولة مجنونة تسجن واحد عشر سنين من شان كلمتين؟ قال آه والله معك حق.. يعني حكومة بتسوي هيك هي المجنونة الفرد الحق على دولته مش على.. الطريف أنه هاي الأماكن المرسومة بالذاكرة بصورتها الأولى بتظل لها حرارة أكثر فالصورة الجديدة بتطغى على الصورة القديمة بالعين يعني العين بتغش، الذاكرة ما بتغش فلذلك في الأحلام بالأحلام بأشوف البيت هذا بصورته اللي بأعرفها وأنا طفل ولا مرة شفته بالحلم بشكله الحديث هذا المجدد يعني، بس إذا صادف وشفت هذا البيت بالحلم بأشوفه بشكله القديم جدا بالبوابة الكبيرة اللي فيها خوِّيخة، برائحة الغنم وقت الشتاء بالحاجز اللي كان ما بين الدار الغربية والدار الشرقية اللي نسميها أو بين الحوش.. اللي هو يعني بيوت السكن لحال وبيوت المواشي أو مكان المواشي لحال، بيت جدتي بمصطبته المصبوبة بطوب ناعم جدا وأملس، بشجرة التوت اللي كانت غربية، كل هاي التفاصيل بأتذكرها أو هي اللي بتحضر، يبدو أنه الأشياء اللي رسمت بالطفولة تظل أرسخ وأقوى من الأشياء اللي بترسم فيما بعد، أعطيني سيجارة ستي، كالعادة بأنسى سجايري، فيه سؤال كيف وسؤال لماذا؟ بأعتقد أنه مشكلة مجتمعنا أنه بيخلط السؤالين مع بعض مع أنه السؤالين بعيدات عن بعض..

مذيعة: كيف؟

هاشم غرايبة: يعني إحنا لنا كبشر كيف نعيش حياة أفضل؟ كيف نتعامل مع بعض بطريقة أفضل؟ كيف نجعل الحياة أجمل؟ كيف نبني بيتا؟ كيف نُعبِّد شارعا؟ هذا شغلنا أما لماذا ليش الله حط ها العيون الخضر على ها الصبية الحلوة وليش حط ها الطول اللي ما شاء الله على ها الشاب الوسيم وليش خلق فلان أكتع وفلان أعور هاي سؤال ما لنا فيه ليش، فمرات إحنا بنخلط الأشياء ببعضها، أنا بالنسبة لي واضحة يعني سؤال كيف هذا شغلي، سؤال لماذا مو شغلي، ليش أنا انخلقت ليش أنا وُجِدتُ بها الدنيا ليش وُلدت بحوارة ما ولدت بغير محل ما أعرف ليش، مو شغلي أعرف ليش، أما شغلي أني أعرف كيف أتعامل مع حوارة كيف أعيش ضمن هذا المجتمع اللي بأحبه وبنفس الوقت بأنتقده كيف أرتقي بها الحالة، أنه الزمن بده يمر على وجوهنا ما راح يمر من جانبنا ويتركنا بحالنا بالتأكيد بده يترك بصمته، ما بيخوفني ها التغيير ما بأشعر أنه فيه شيء خطير عم يحدث بأشعر أنه شيء منطقي منطق الحياة وإذا كان هاي الصورة أُخذت بالـ1995 شعري أسود والآن شعري أبيض مثلا أو جزء منه كبير أبيض هاي منطق الحياة وبالتالي بيتقبل التغييرات الواحد ممكن ما أقبل الوزن الزائد مثلا وأكافحه أو بأحاول أكافحه، طبيعة الزمن في السجن طريفة، مرور الدقائق والثواني على جلد السجين مريرة جدا وصعبة وثقيلة وطويلة لكن لما بتنتهي التجربة بتصير وكأنه تختصر بفترة زمنية قصيرة وكأنها حادثة وكأنها حادثة واقعة مش يعني الزمن منظوره يختلف في الذاكرة، بتصير كل حادثة السجن عشر سنين ولا خمسة ولا ثلاثة بتصير حادثة مجرد حادثة في الحياة فلذلك لما بنحكي عن السجن ما بأحكي أنه السجن داخلي ولاَّ خارجي السجن جواتي بالتأكيد يعني هاي عشر سنين تركت بصمة جواتي بهذه التجربة بهذه الحادثة تركت أثر بالتأكيد فيه أثر سلبي وفيه أثر إيجابي، فيه أثر سلبي أنه إذا بدِّي أقيس بالمقاييس المجتمع أنه هاي الفترة فترة الإنتاج.. يعني أنا لما طلعت من السجن الشباب اللي كانوا بصفي كانوا مخلفين وبانيين بيوت ورايحين على الخليج وجايبين مصاري ومش عارف إيش وأنا طالع والسماء والطارق زي ما بيقولوا مثلا، يعني ما بأحس مع عيش التجربة ما بأحس طعم الأشياء البسيطة جدا هاي متعة أنه يعني يمشي مجرد مشي هاي المتعة ما كان.. يعني ما كنت بأدرك أهميتها لولا أنه عشت هاديك التجربة فكل هاي الأشياء اللي بيمروا عليها الناس مرور عادي وبيشوفوها عادية وما بيستمتعوا فيها وبيجوز يشكو منها لا أنا بأشوف الجانب الآخر منها أنها متعة كبيرة جدا.. وأنا بتجربتي الشخصية أنه أنا ما بأكتب عن اللي بأعرفه بأكتب عن اللي بأكتشفه، اللي اكتشفه هو اللي بأكتب عنه يعني الحركة شئ أساسي بالحياة يعني مو أكثر شيء ديمومة بالحياة بشكل عام بيجوز الطريق هي اللي بترصد هاي الحركة بس أنا من خلال مشيي على الطريق أو خلال تعاملي مع الواقع من حولي دائما بتقع عيني على الأشياء الصغيرة بأرصدها يعني بأحس أني ابن بلد يعني على رأي فيروز بيضلوا يسألوك أنت من وين؟ ما فيك تكون مش من مطرح طيب أنت منين من الأردن منين؟ من حوارة ومن مدينة حوارة.. حوارة وين حوارة؟ بجنب إربد شمال الأردن ما بتعرفوها فأنا ابن هذا المكان اختصارا، أنا حاولت أكون مختلف بكتابتي .. هربت إلى عالم آخر إلى عالم الرمل والزمان والمكان مضوا في زمن ساحق حتى ما أقع في إشكاليات المواجهة، فيه جانب يُقرأ أحيانا أدب السجون أو تجربة السجن على أساس أنها جانب تعبوي والجانب التعبوي الآن ما فيه يعني جهة تعبِّي من شانها يعني من شان مين بدك تعبي الناس يعني؟ ما فيه مشروع كريم محترم يعبأ من أجله تنهض عليه الناس حتى الجانب التعبوي وفيه جانب ثاني بيتصف بالجانب الذاتي التبجحي، فيه جانب آخر اللي هو راح يُنظر له أحيانا إذا كتبت بشو اسمه إنه بها الجزء فيه جانب يُعتبر جانب مهادن للجهة اللي اعتقلتك وللناس اللي يعني أوقعوا فيك هذا الأذى، بأكتب الآن عن رواية بتدور أحداثها ما بين مجمع الباصات في إربد ومجمع الباصات في عمَّان والطريق ذهابا وإيابا إلى عمَّان وإربد ماذا يحصل في هاي المجمعات كيف يتعامل الناس مع بعضهم بعضا، الركاب، العادات، السلوكيات كل هاي الأشياء وخاصة يعني إنه إحنا بنعيش الآن فكرة عدم الاستقرار النفسي بتلاحظيها أكثر ما بتلاحظيها في التجمعات الكبيرة هناك، قبل أن يكون هناك بلديات وقبل أن تُعبَّد الطرق قبل أن يكون هناك جسور وأنفاق كان أجدادنا يقولون، إذا لم تجد الطريق عليك بالمشي.. المشي يصنع الطريق، إن لجميع مدن الدنيا أريافا لا تزال مجاريها بدائية وطرقها المُعبَّدة قليلة وأراضيها تحمل أسماءً غامضة لشعراء شعبيين ونساء طامحات وشيوخ جليلين وقتلى مجهولين لم يسمع بهم أحد خارج هذه الديار، هذه حال قريتي حوارة التي لم تكتمل بعد ولم تتخذ شكلها النهائي، لقد اعتاد الناس على هذه المناظر، صف مخازن عشوائية التكوين، شقتان غير متسقتان أو بهما أعمدة أسمنتية بُنيت على عجل وتهيأ هؤلاء أن تصير طابقا جديدا ولا تصير، ثمة أعشاب وأشجار أو مشاتل تنمو على هواها أينما وجدت فراغا، ثمة متاجر صغيرة بسيطة التكوين بدون زخارف، ثمة غرفتان بينهما ديوان على شكل قوس، ثمة عقود مبنية بالحجر البازلتي الأسود ولكنها مهملة، قناة مبنية بالحجر الأبيض غير مكتملة التهدم، ذاك هو بيت جدي، سمعت مرة قصة مثلا عن إنه فيه جنية على الطريق اللي بيودي عمَّان بتوقف لما بيكون الليل قمر بدر على شكل عروس وتأشر للسيارات، سمعت هاي الحكاية؟

سائق الباص: ها الحكاية سمعناها زمان والشيبة وما بأعرف إيش كنا نسمع حكايات كتير بالشيبة بس يعني رغم قضيت فترة طويلة سواقتي كانت بالليل طويلة فظل شجرة ظل شيء ممكن يتهيأ له كل شيء إذا كان نعسان الواحد.

هاشم غرايبة: لما كتبت شهبندر عن عمَّان صارت ضجة إنه أنت يعني مش مواليد عمَّان وأبنائها اللي عاشوا وانخرطوا فيها مو كتبوا عنها بها الطريقة أنا باعتقادي مش هاي المشكلة يعني ممكن أكتب عن باريس وأنا ما عشت في باريس يعني المسألة مسألة ما اكتشفته، ما أثارني في هذا المكان ما أثارني فهذه الشخصيات وما شفته جديد تماما فيها وحفزني إني أكتب عنها حتى لما كتبت عن حوارة أنا كنت بأعيد اكتشاف حوارة وما اكتشفته في هذا المكان وهؤلاء الناس كنت فرح فيه لدرجة إني كتبته وحبيت أشارك الآخرين في هذا الاكتشاف، فيه صداقات كان عمرها قصير بالسجن لكن ابتدت خارج السجن فترة طويلة وصداقات كان عمرها طويل في السجن ثم انتهت بعد السجن وهناك طبعا يعني الصديق الدائم والمزمن والذي لا فكاك منه يعني الصديق سعود قبيلات. أتذكر بالسجن كنا نقول إنه يعني اللي بيحمينا وبيخلينا نصمد وبيخلينا نتحمل الأدب أكثر من السياسة لأن الأدب بيساعدنا أكثر ما بتساعدنا السياسة؟

سعود قبيلات: آه طبعا الأدب.. يعني أنا بالنسبة لي بتجربتي فعلا أنا بأتفق معك أنا مثلك الأدب هو اللي حماني الحقيقة وأنت الآن تحكي نفس الحكي، أنا عاملين كان لهم دور مهم بالإضافة طبعا إلى إنه الواحد عنده قضية الأدب من جهة ودراستي لعلم النفس من جهة ثانية، أول مرة إحنا التقينا بمحطة..

هاشم غرايبة: آه طبعا وجها لوجه والتقينا قبل ذلك من خلال نعرف أخبار بعض والكتابات ونتابع مع بعض..

سعود قبيلات: أول مرة فبأتذكر إنه أنا وياك سهرنا طول الليل للصبح تتذكر؟

هاشم غرايبة: آه.

سعود قبيلات: وقعدنا عند باب الغرفة.. غرفة كان قضبانها حديدية.

هاشم غرايبة: كان باب الغرفة عبارة عن شرفة لأنه لازم الناس يعرفوا كيف كان باب الغرفة، باب الغرفة سُمك الجدار حوالي متر وباب الغرفة باتساع أكثر من متر فكنا نحط البطانية على باب الغرفة طبعا الغرفة مش مغلقة تماما قضبانها مفتوحة على الساحة فكانت زي شرفة للغرفة يعني كأننا قاعدين على البراندة.

سعود قبيلات: فكان قاعدين على هاي الباب اللي هو زي شرفة.

هاشم غرايبة: المستمع سوف يفكر فينا الإستولوجيا مثلا.

سعود قبيلات: طبعا لا، فظلينا للصبح طلعت الشمس وإحنا قاعدين نتحدث طول الليل بعدين بأتذكر كيف شفنا الشمس وهي تطلع من جهة ماركر.

هاشم غرايبة: فوق المطار.

سعود قبيلات: آه فوق المطار كانت تطلع كان منظرا بديعا يعني راح يستغربوا الناس إنه ناس يحكوا لك عن منظر بديع بالسجن.

هاشم غرايبة: يا زميلي قد إيش كانت تعطينا دافع نفسي وجمالي وإنساني.

سعود قبيلات: فبأتذكر قد إيش أنا اندهشت لما نزلت على المحطة وشفت إنه فيه ياسمينا هناك أنا اندهشت جدا ياسمينا كانت جاية قبال باب الغرفة..

هاشم غرايبة: تستند على الجدار الجامعي الغربي كانت..

سعود قبيلات: نعم فأنا هذا المنظر اندهشت منه جدا إنه كيف ياسمينا بالسجن.

هاشم غرايبة: وكانت فيه شجرة سروا جميلة وشجرة كينا كمان كان عماد ملحد بيتولى العناية بالنباتات هاي.

سعود قبيلات: أنا لحسن الحظ إنه كان غرفة جاية مقابل الباب تتذكرها؟

هاشم غرايبة: أنت كان برشك مقابل الباب وأنا كنت واخد زاوية.

سعود قبيلات: أنت واخد زاوية جوه.

هاشم غرايبة: على أساس إن الزاوية كانت شيء خطير زي اللي..

سعود قبيلات: أيوة فأنا جاي مقابل الباب فبأطلع على هذا المنظر حي الزغاتيت وكثير من اليوميات.

هاشم غرايبة: بس شوفت قد إيش تبدل المشهد أمامنا، كان حي الزغاتيت سفح الجبل الهاشمي أمامنا منور وشكله فيه ناس بسيطين أفغان على باكستانيين يمكن كيف بده يطور شوي شوي وبعدين صار كله بناء، امتلأ بناء ونحن مازلنا بالسجن.

سعود قبيلات: ونحن مازلنا بالسجن، نعم.

هاشم غرايبة: الواحد لما بيتذكر أشياء تتذكر أشياء ذكرى بتشدك باتجاهات أنت بترغبها مش بالاتجاهات اللي أنت بتحبها مع إنه الحديث عن موضوع اللقاء والصداقة بالتأكيد كنا بهاديك الليلة سعيدين جدا بلقاء بعضنا وبهذه الحميمية بالتأكيد يعني مش مسألة تلبيس المشهد ما لا يحتمل لا.