تحت المجهر

صفارة الحكم

سلطت حلقة (12/11/2014) من البرنامج الضوء على ظاهرة “الألتراس” في مصر، وهم شباب تصدروا الصفوف الأولى إبان الثورة المصرية، لكنهم تعرضوا للاعتقالات والاتهامات وحملات التشويه العنيفة.

الألتراس..حكاية لا تنتهي

عصر 25 يناير/كانون الثاني 2011، كان المشهد في ميدان التحرير مهيبا، عشرات الألاف من المصريين احتلوا الميدان، و بدأت قوات الأمن المركزي المحتشدة فى شارع محمد محمود بإلقاء قنابل الغاز تجاهنا، فكانت تلك بداية علاقتنا بالغاز الخانق. في البداية ركضت مع الراكضين هربا من الغاز الكثيف، لكننا تكيفنا مع الوضع سريعا واستطعنا الصمود في قلب الميدان.

كانت هناك مجموعة من الشباب المنظم، يعرفون بعضهم البعض جيداً، يتقدمون الصفوف حماية للمتظاهرين، يلقون بالحجارة على الجنود، بل ويترقبون قنابل الغاز لالتقاطها بأيديهم أو ركلها بأقدامهم لتعود ناحية من قذفها. تسقط القنبلة على الجانب الأخر، فتتعالى هتافات الشباب محتفلين.. كانوا يغنون للحرية وينادون بإسقاط وزير الداخلية وقتها، حبيب العادلي، في إيقاع واحد.. تحولت الهتافات بعد دقائق لتطالب بإسقاط النظام.

لم أشهد، للأسف، لحظات فض الميدان بعد منتصف الليل. يحكي من عاش تلك اللحظات الفارقة كيف أغارت قوات الأمن بمنتهى العنف على الميدان فتم إخلائه من المتظاهرين في ثوان معدودة، تبعتها حملة مطاردة من الجنود للنشطاء في شوارع وسط البلد لإلقاء القبض عليهم. عدد من المتظاهرين تطوعوا للدفاع عن المطاردين وتهريبهم عبر متاهات الشوارع الجانبية وحاراتها، وهم يحملون الشماريخ في استعداد للدخول في معارك حامية مع الجنود إن هم  اقتربوا.. من هؤلاء؟ كان السؤال ملحا، وكان الجواب: الألتراس طبعا!

فيما بعد سيحفظ المصريون اسم الألتراس جيدا، هؤلاء الذين تركوا بصماتهم واضحة في المعارك التالية.. معركة كوبري قصر النيل، موقعة الجمل، أحداث محمد محمود، أحداث مجلس الوزراء.. وجاء الانتقام في مذبحة بورسعيد في محاولة يائسة لإسكاتهم، لكنهم ازدادوا حماساً وقوة، واستطاعوا فرض سيطرتهم على شوارع العاصمة مطالبين بالقصاص لشهدائهم.

بعد مذبحة بورسعيد، قررت كصانع أفلام البحث عن هؤلاء "الألتراس" لمعرفة من يكونون؟ وما الذى جعلهم ينتقلون من المدرج إلى "الميدان"؟ حملت كاميرتي وانطلقت أول مرة إلى عزاء النادي الأهلي المخصص لشهداء المذبحة، حيث قابلت هناك، لأول مرة، شباب الألتراس دامعا باكياً، وسمعت عشرات القصص المأساوية من الناجين.. هكذا قررت صناعة فيلم عاطفي مثير يخلد بطولة هؤلاء الشباب.

مثلت قصص شهداء الألتراس هو الحجر الأساس لهذا الفيلم. كنت، بالمناسبة، شاهداُ على استشهاد واحد من أبطال القصص التي سنرويها. قتل الفتى عمرو حسين الذى اقتنصته رصاصات الغدر على أسوار نادي الزمالك، لتنتهي المسيرة الحاشدة التى انطلقت فيها مع ألاف من شباب ألتراس الزمالك نهاية دامية.

كان لقاؤنا مع أسر الشهداء عاطفياً ، حاولنا مساندتهم لينطلقوا في حكي قصص شهدائهم دون أن تغلبهم دموع وأشجان الفراق. منهم سمعنا القصص والحكايات ومعهم استعرضنا صور الأبناء، لكن ما من قصة انتهت  دون  دموع أب جريح أو أم مكلومة ، ما وضعنا أمام مسؤولية كبرى.. المسؤولية تجلت في أن نقدم هذه القصص بما يتناسب مع ما تنتظره الأسر المكلومة وأصدقاء الشهداء وزملاؤهم في روابط الألتراس، وهم بمئات الألوف في كل أنحاء مصر وخارجها، بل ما ينتظره الملايين من شباب روابط الألتراس العربية والعالمية، ليقفوا على  "خصوصية" روابط الألتراس المصرية.

يمثل هذا الفيلم لنا، كفريق عمل، خطوة مهمة في مشوارنا المهني. نتناول فيه قضية من قضايا الساعة فى مصر. هو حكاية شباب فرضوا أنفسهم على ساحات الرياضة فى مصر قبل الثورة، واستطاعوا بعدها أن حماية الثوار في أبرز معاركهم. مجدهم الإعلام وتعاطف معهم المصريون عقب المذبحة.

واليوم، يشوه نفس الإعلام صورهم ويتهمهم بالبلطجة، بل و"الإرهاب" أيضا.. وبالرغم من الاعتقالات والاتهامات وحملات التشويه العنيفة لا يزالون على مواقفهم ثابتين .. قد نتفق أو نختلف مع مواقفهم وتحركاتهم الميدانية، لكننا لا نملك غير الانحناء تقديرا لشهدائهم.