تحت المجهر

ركن الخطباء

تتوسط حديقة الهايد بارك قلب لندن، وعلى جنباتها أشهر أحياء المدينة وأشدها حركة وازدحاما. ولا يهمنا هنا الحديث عن الهايد بارك، بل ما في الهايد بارك من معلم تاريخي بات أشهر مكان من الحديقة ذاتها، إنه ركن الخطباء.
مقدم الحلقة عبد القادر إمام
ضيوف الحلقة عدة ضيوف
تاريخ الحلقة 24/08/2000

undefined
undefined
undefined

عبد القادر إمام:

هذه هي لندن، واحدة من العواصم المثيرة والمتميزة في كل شيء، واحدة من القلائل التي تتنفس رئتها عبر حدائق فريدة على غاية من الجمال، وعلى غاية من السعة والرحابة، كلها معالم خضراء ابتدعها أهلها منذ زمن سحيق، وهذه واحدة منها، إنها حديقة الـ(Hyde park) تتوسط قلب لندن، وعلى جنباتها أشهر أحياء المدينة وأشدها حركةً وازدحامًا.

وما يهمنا هنا ليس الحديث عن الـ(Hyde park) بل ما في الـ(Hyde park) من معلم تاريخي بات أشهر مكان من الحديقة ذاتها، إنه ركن الخطباء (Speakers Corner) ذو الدلالات الفريدة في التاريخ السياسي المعاصر لبريطانيا.

هذا هو ركن الخطباء، هو عبارة عن برلمان مفتوح على الهواء، يتحدث فيه بعض من الناس عن كثير من القضايا التي تشغل البال والتي لا تشغل البال، من المباح إلى غير المباح، اليوم ليس هناك من يتحدث أو من يستمع، أيام الأحد فقط يلتقي الجميع. يقول الإنجليز: في هذا الركن ولدت الديمقراطية وعمت الأرجاء، وله وحده الفضل في ميلاد حركة التعبير الحر في العالم.

إذن القصة كاملة بين الحاضر والماضي، ولأول مرة عبر الجزيرة وتحت المجهر.

قصة هذا الركن تبدأ منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا، عندما بدأ بعض من المنشغلين بقضايا الإنسان ومن المنظرين يتخذون من هذه الزاوية وسيلة للاتصال بالجماهير قبل أن تكون هناك منابر أخرى للتعبير الحر والتفاعل مع قضايا الناس، وقبل أن يكون الخطاب السياسي أمرًا مسموحًا به.

جون كين:

ولد ركن الخطباء في (Hyde Park) أثناء الصراعات البرلمانية الإصلاحية خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر في لندن وكافة أنحاء بريطانيا، والنقلة الأساسية لركن الخطباء هو إصدار بيان في 1832 لتمديد حق التصويت ليشمل رجالاً من الطبقة الوسطى.

في العقد الذي سبق هذه الفترة، أي في عام 1820 كان ركن الخطباء رمزًا للحوار الحر. أهمية الحوار الحر أنه حق أساسي للمواطنين، كما أنه يضمن حق الجمهور العام أن يتجمع بسلام لمناقشة السياسة والحكومة، وللتنفيس عن مواضيع قد لا تستسيغها بعض الآذان.

لذا كان ركن الخطباء وليد صراعات الطبقة الوسطى من المصلحين، لغرض تغيير البرلمان وضمان الفوز بأصوات رجال الطبقة الوسطى في الانتخابات.

عبد الوهاب الأفندي:

هذا الركن يعتبر له قيمة رمزية عند المثقفين العرب وفي العالم جميعه، على أساس أنه يمثل قمة الحرية، هذا قد يكون وضع يعني أو تصوير مثالي لأن الـ (Hyde park corner) أو ركن المتحدثين في هايد بارك (corner)، كان دائمًا على الهامش، يعني هو يشير في واقع الأمر إلى غياب الديمقراطية بدلاً من حضورها، لأنه هو كان يتم فيه الصراع من أجل الديمقراطية في مبتدئه، ولأن المتحدثين كانوا محرومين من المنابر الأخرى، محرومين من البرلمان، محرومين من الصحف، محرومين من وسائل الإعلام المركزية، فأصبحوا يستغلوا هذا الركن كأنك أنت تدفع بهامش الحرية والتعبير إلى مداه.

خطيب عربي:

قبل 1800 النفط العربي سايح في أرض الجزيرة العربية، وهذا الغاز النار عالية، النار يسموها: النار الأزلية، هاي من الخلق، والنفط إذا بعير أو جمل أو ناقة مرضوا حطوا عليه نفط، ما يعرفوا له، ولا غلوه فهموه، لإجو الأوربيين فهموه.

عبد القادر إمام:

وربما من الأفضل لنا لو بدأنا بقليل من الحاضر على أن نعود إلى الماضي ضمن صورٍ متقاطعة ومكملة لبعضها البعض، ولتقريب الصورة هذا هو ركن الخطباء، يعج بالمتحدثين والمستمعين والمشاركين في الحوار، عن ماذا يتحدثون اليوم؟ وعن ماذا يدور الحديث؟

أحد الخطباء:

قال الله: إن الزاني لا يدخل الجنة، فمن هو الزاني الذي لا يدخل الجنة؟ الطريقة الوحيدة لدخول الجنة هو عن طريق التوبة.

خطيب آخر:

تحيا كوبا، ثورة في أمريكا.

أحد الخطباء:

اذهبوا إلى كوبا ستحبونها، وتأكدوا بأنهم سيلاحقونكم حتى في غرفكم داخل الفندق.

خطيب آخر:

اليوم في النظام المدرسي ألغوا الدين من الأنظمة الدراسية، واستبدلوه بالواقي (الكوندوم)، وماذا لدينا الآن في الأنظمة الدراسية؟ فوضى مطلقة، والأنظمة المدرسية باتت من أخطر الأماكن في العالم باستثناء شيء واحد هو كرة القدم البريطانية.

رجل من الجمهور يرد على خطيب يهودي:

أنتم أوجدتم (الهولوكوست) للفلسطينيين، إنك لم تتكلم عن مذابح (تل الزعتر)، (صبرا وشاتيلا) لِمَ لا تتكلم عن كل هذا؟ وتأكد بأني أُفَضِّل الذهاب إلى الجحيم على أن أذهب إلى جنتك.

الخطيب اليهودي:

الدين قد قيدك، هذا الرجل متعصب جدًّا.

الرجل:

لا تجعل الأمر شخصيًّا.

ريتشارد وايتمان:

لقد كان الأمر دائمًا كذلك، لأي شخص الحرية في القيام بنفسه بتحضير مقعد والتحدث عن أي موضوع يريده، وطبعًا السر لأي خطبة هو إيجاد جمهور مستمع، هذا يعتمد على الطريقة التي تطرح بها هذه المواضيع، حيث يجب أن تُوجِد بسرعة علاقة وطيدة مع جمهورك لأنك أنت تتنافس مع غيرك من الخطباء لاستقطاب أكبر جمهور.

عبد القادر إمام:

الخطاب في زاوية المتحدثين يكون في الكثير من الأحيان خطابًا ذا مضمون عميق وذا رؤية ثائرة، وهناك الكثير من يتعدى المحلية، وينبري في الدفاع عن قضايا إنسانية وسياسية مختلفة في العالم، وهذا البريطاني لا يألو جهدًا في الدفاع -وبكل قوة- عن القضية العربية الأولى.

أحد الخطباء السود:

أنا لست ضد اليهود، أنا لست ضد اليهود، وإنما ضد الصهيونية، أنا لست مؤمنًا بالصراعات الصهيونية، ولكن أنتم -اليهود- من الولايات الأفعى المتحدة، لِنَرَ، أتعتقدون بأن دولة إسرائيل تستحق الوجود؟

معارض:

نعم.

الخطيب الأسود:

لماذا؟ دعني أتفق معك، لماذا دولة إسرائيل الدولة التي ظهرت إلى الوجود فقط في عام 48 موجودة الآن؟ لأن كل شخص يستحق وطنًا، ولكن لماذا فلسطين بالذات؟ دعني أوافقك، أعتقد بأن الشعب اليهودي يستحق وطنًا، تستحقون وطنًا، لماذا؟ لأنكم اُضطهدتم في أوروبا، قتلوكم في أوروبا، الألمان قتلوا ستة ملايين منكم، الفرنسيون جمعوا يهودكم وسلموهم إلى الألمان، الروس قتلوا اليهود، البولنديون قتلوا اليهود، الإيطاليون فتحوا سجونًا لقتل اليهود، كان الأمريكيون على علم بجرائم قتل يهودكم، أنتم اليهود اُضطهدتم في أوروبا، ولكن الشعب الفلسطيني لم يضطهدكم أنتم اليهود، الآن أقول هذا: لو أردتم وطنًا دعوا فلسطين لشأنها، الفلسطينيون لم يقمعوكم، أنا أتفق معكم، أنتم تستحقون وطنًا، ولكن الألمان هم الذين اضطهدوكم، فخذوا إذن ألمانيا اللعينة، ولكن اتركوا فلسطين لحالها، وإذا لم تكونوا سعيدين في ألمانيا خذوا إنجلترا أيضًا معها، ولكن اتركوا (بريكستون) للإخوة السود، اتركوا ساوث هول South Hall للهنود، وشارع (إدوارد أود) للإخوة العرب.

أنتم لا تستحقون أرض فلسطين فهي للفلسطينيين، وقبل أن تقوم الحكومة البريطانية بمنحكم فلسطين ماذا كان اختيارهم الآخر؟ أوغندا.

عبد القادر إمام:

ركن الخطباء ليس دائمًا لطرح القضايا الجادة، بل هناك من يأتي ليخطب في الناس لأجل أن يخطب فقط، يفتعل موضوعًا ليثير السخرية والهزل، هكذا دون غاية، فقط ليصنع مشهدًا صاخبًا مثيرًا للضحك والضوضاء وللفت الأنظار إليه.

أحد الخطباء:

يسألني الناس عن ماذا أتحدث؟ أتكلم عن الحب والرومانسية، وأحيانًا أطعم الحديث بالسياسة.

معارض:

إنه شاذ، إنه شاذ.

الخطيب:

كنت شاذًّا، ولكني غيرت رأيي بعد أن رأيتك، الكثير من الرجال يأتون إلى هنا ويأملون أن أكون شاذًّا، أنا لست ضد الشذوذ لأنني أعرف هذا كحقيقة إحصائية: أن واحد من كل ثلاثة رجال هو شاذ.. واحد، اثنان، ثلاثة.

على أية حال هنالك الكثير من الجوانب الأخرى في الحياة تهمني أكثر لأكون متميزًا ومفرِقًا ضد الشاذين، أنا لا يهمني إذا أردت أن تكون شاذًّا طالما لا تحملق على.. عليَّ أن أقول لكم: أنا لست بالشاذ، ولكن كل أسبوع أضع قليلاً من الصمغ المركز لألصق به على (.. ) احتياطًا من المتفرجين الذين قد ينظرون إليَّ كمرشح محتمل لأغراض جنسية.

عبد الوهاب الأفندي:

هذا الركن فيه شيء من السخرية، يعني لا يكون جاد دائمًا، حتى السياسيين، لأنه الجماهير في ذلك الركن يأتوا صبيحة الأحد للأنس والاستمتاع، لا يأتوا -في حقيقة الأمر- لمحاضرات سياسية، فالذي يجذبهم أكثر هو الشخص الجذاب الحديث الذي يلقي بنكات أكثر، الذي.. خطيب لاذع اللسان، فتجد الجماهير متجمعة أكثر عند مثل هذا الخطيب، تجد مثلاً خطيب من السود يدعو ويقول: إن الأفارقة في هذا البلد يجب ألا يعملوا لأنه احنا عملنا بما فيه الكفاية، وأنّ البيض الآن يجب أن يخدمونا لأننا نحن خدمناهم..ف يعني نوع من هذه النكات والأقاويل.

عبد القادر إمام:

في الماضي كان ركن الخطباء ضرورة ملحة كحاجة الإنسان للهواء، إلا أن تعدد منابر التواصل مع الناس قلل تدريجيًّا من الاهتمام بركن الخطباء.

جون كين:

تغير المحتوى إذن بمرور الزمن، ولم يعد هنالك أي شيء ثابت في ركن الخطباء في عصر التليفزيون والراديو، ليس هناك أي شك بأن أحد أسباب الانخفاض في عدد الخطباء والمستمعين في ركن الخطباء، هو أن وسائل الاتصال أصبحت إلكترونية بشكل متزايد، وعلى الرغم من كل هذا يبقى ركن الخطباء رمزًا ثابتًا لضرورة التجمع العام الحر بين الناس، وحرية النقاش العام داخل نطاق أي نظام سياسي.

عبد القادر إمام:

بعض ممن أثروا في التاريخ السياسي العالمي المعاصر انطلقوا من ركن المتحدثين في الـ (Hyde Park)، وقادوا مسيرة الصراع مع النظم السياسية والمفاهيم السائدة والمسلم بها آنذاك، وعلى سبيل المثال لا الحصر الفيلسوف والمنظر الألماني الشهير (كارل ماركس) مؤسس الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية الثورية، التي أصبحت فيما بعد مفاهيم أدت إلى بناء نظام سياسي عالمي وقف مضادًّا للنظام الرأسمالي، كان دائم الاتصال مع الناس من ركن الخطباء عندما اختار لندن محطة أخيرة في حياته.

وهذا تلميذه النجيب (فلاديمير لينين) مؤسس الحزب الشيوعي في روسيا، وقائد ثورة أكتوبر الشيوعية في عام 1917 التي مكنته من السيطرة على مقاليد الأمور، ومن ثم إلى قيادة الدولة حتى وفاته في عام أربعة وعشريع وتسعمائة وألف.

وهذا أحد زعماء رابطة الإصلاح البريطانيين الشهير (أنيرين بيفان) في صورة نادرة بركن الخطباء، لقد اتخذ من الـ (Hyde Park) ساحة لمعركته مع السلطة.

وفي تلك الأيام الحالكة، ولأول مرة قادت المرأة البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر معركتها من زاوية الخطباء، مطالبة بحقها السياسي والاجتماعي، عندما كانت لا تملك أيًّا من هذه الحقوق.

هذه أشهر امرأة قادت مسيرة تحرر المرأة البريطانية، إنها (كريستبل بانكرستا)، هي هنا تتحدث في ركن الخطباء، لكنها عندما تنهي خطابها تُعتقل وتُقاد إلى السجن، وتعيد الكرة مرة أخرى.

دون سميث:

أعتقد أن المرحلة الأساسية التي كان فيها ركن الخطباء مهمًّا للمرأة هو في بداية القرن الماضي، أي في بداية القرن التاسع عشر، حيث أن المرأة في ذلك الوقت لا تملك أية استقلالية في الرأي أو وجهة النظر، كان متوقعًا من النساء أن يناهضن رأي آبائهن أو أزواجهن، ولكن لم يكن متوقعًا منهن أن يملكن رأيًا شخصيًّا.

عبد القادر إمام:

ونعود إلى واقع ركن الخطباء ورسالته المستمرة، هكذا يبدو لنا المكان سوقًا للخطباء، يتحدثون بالتزامن وفي آن معًا، هذا يتحدث عن المسيح ويدعو إلى الإيمان به، وهذا مسلم يدعو إلى الإسلام ورسالته، وهذا يهودي يُشعر العالم بذنب يقول: إنه اُقترف ضد اليهود، وهذا يشرح مزايا الاشتراكية يعتقد أنها كانت خيرًا على الشعوب، وهذا يختار الشيطان إلهًا لنفسه ويدعو إلى عبادته، وهؤلاء يدعون بصمت فقط ولا يتحدثون مطلقًا، يتفرجون على الناس والناس يتفرجون عليهم، والكثيرون لا يفهمون إلى ماذا يدعون هؤلاء.

سعد جبار:

إن الخطب بهذه الحديقة تتراوح بين الجدية والجدل، بين السخرية والفكاهة، والغضب والحماس، وفي بعض الحالات خليط بين كل هذه الصفات، وهذا الخليط أصبح من السمات الأساسية لهذا الركن التاريخي، والأكثر من ذلك أن كل هذه الخطابات يحميها القانون.

عبد القادر إمام:

المتحدث في الـ (Hyde Park) شخص في الغالب يحمل فكرًا ورؤية ناضجة حول قضية آمن بها فلا يتوانى في الدفاع عنها.

أحد الزائرين:

إن هايد بارك حديقة عظيمة، ففي هذا الركن هناك كانوا يشنقون آلاف الآلاف من الناس، والذي كان يحدث آنذاك هو أنهم قبل شنقهم يسمحون لهم بإلقاء خطاب، الكلمة الأخيرة، ومن هنا ولد تقليد الخطابة هنا، وما هو طبيعي جدًّا هو رغبتنا في التعبير عن أنفسنا، وأولئك الذين يحكمون قرروا أن هذه هي شبكة الأمان أو صمام الأمن بالأحرى، يمكنهم الالتفات ليقولوا لنا انظروا ها نحن مجتمع ديمقراطي، هنا ركن الخطباء وبإمكان الناس أن يقولوا ما يشاؤون.

عربي يعيش في بريطانيا:

إذا عاقل عاش في بريطانيا هون أو مسافر كثير، تجيب حكم عشر سنين بالمدينة كله حروب يبني عقل كامل، مستحيل مستحيل هاي أوربا بنى عقلها.

عبد القادر إمام:

للعرب أيضًا قصص مع ركن الخطباء، أحد هؤلاء طالب فلسطيني قدم إلى بريطانيا في الستينات يُدعى: ميشال عبد المسيح، اغتنم الفرصة ليستحدث له منبرًا يتحدث فيه عن القضية الفلسطينية آنذاك، هو أول عربي يمازج بين الدراسة والخطابة في الـ (Hyde Park)، إلى أن تحصل على أعلى درجة في المحاماة، ومازال يحمل في ذاكرته بعضًا من أطياف هذه التجربة.

ميشال عبد المسيح:

أول خطاب أذكر تمامًا كان تكلُّمي عن تاريخ فلسطين، إنما بطريقة تلفت نظر المستمعين، فكان رأيي -مثلاً- أن شعب فلسطين وقضيته بدون شك قضية مهمة، وقضية مهما استمع لها بدون شك يجب أن يكون له تعاطف قوي جدًّا ودعم لهذه القضية لأنها قضية حق.

فبدايةً بدأت أشرح أن هنالك شعب اسمه شعب فلسطين، كما تعلم عزيزي عبد القادر كانت فكرة اسم فلسطين وشعب فلسطين، كانت الدولة الإسرائيلية والحركة الصهيونية تنفي وجودهم، فقط حينما صعدت على المنصة التي أنا ابتدعت باختراقها، لما قلت: أنا فلسطيني، بحد ذاتها كانت هي عبارة عن تصريح سياسي في هذاك الوقت مهم.

عبد القادر إمام:

العرب يترددون كثيرًا على ركن الخطباء، بعضًا ممن التقيناهم، كانت لهم آراء مختلفة.

علي أطبيقة:

الآن استمعت إلى بعض النقاشات وهي في الحقيقة مشادات كلامية ووصلت حتى إلى الألفاظ النابية بين المتحدث والمستمعين، أنا شايف أن هذه الحديقة هي مجرد وسيلة إعلامية مثلها مثل أي صحيفة، أو مثلها مثل أي منبر إعلامي، قد تأتي بنتيجة وقد لا تأتي بنتيجة.

مصطفى والي:

هذا المكان يعبر على أن الديمقراطية الآن لازالت تُذبح في العالم، وأن هؤلاء المتحدثين هم جاؤوا لهذه الحديقة ليعبروا عن الكبت النفسي اللي يعانوه، لكن في الحقيقة هي ما هيش ممارسة حقيقية للديمقراطية، باعتبار أن هذا تعبير، والتعبير الحقيقي للديمقراطية هي الممارسة الشرعية للديمقراطية هو مسألة الحكم، أن الشعوب هي التي تحكم، إذا لم تتحقق فكرة المؤتمرات الشعبية في اعتقادي ستظل مسألة الديمقراطية مسألة مدمية، وستظل الجماهير تعبر بهذه الطريقة دون أن تصل للحكم الحقيقي أو تسيطر الجماهير على السلطة.

فؤاد إبراهيم:

اللي عم بيصير بشكل مسرحية، كأنك عم تحضر شيء على التلفاز، بيطلع واحد بيحكي مثلاً عن المسيحية، واحد بيحكي عن الإسلام، واحد بيدعي أنه إله، بالفترة الآخر الأحد مضى واحد كان يقول: أنا إله، بيحكي اللي عنده، بس ما بيسمع الناس شو عندها، وبتسأله سؤال ما بيجاوبك.. يعني ما فيه نقاش يؤدي إلى نتيجة، أنا هذا انطباعي الشخصي عن اللي شفته هون، يعني شيء حلو صح أنو يكون في ديمقراطية، وفي إنو الواحد يعبر عن رأيه، ويحكي اللي بداخله، شي مش موجود عندنا بالبلاد العربية.

عبد القادر إمام:

ليس دائمًا صحيحًا أن ركن الخطباء يرتاده فقط الذين لا منبر لهم، هذه المرأة عربية، ولها بالتأكيد إمكانية التحدث في منابر أخرى أقوى من ركن الـ (Hyde Park)، ولكنها مع ذلك فضلت أن تأتي إلى ركن الخطباء، إنها عائشة ابنة الزعيم الليبي معمر القذافي، جاءت إلى بريطانيا هذا الصيف، وأثنت على منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي، الأمر الذي أزعج البريطانيين فانتقدوها بشدة، عائشة يبدو أنها أدركت أن العظماء مروا من هنا.

سعد جبار:

ففي السبعينات مثلاً كان العرب بالحديقة يعيشون حالة إجماع أي مشاركون، خاصة تحت أو بالقرب أو في محيط الخطيب الإسرائيلي أو الصهيوني، الذي كان علم إسرائيل يرفرف على رأسه، فكان العرب هم المشاركون، لكن العرب لم يكونوا خطباء، لماذا؟ لأن العربي في تلك الفترة كان، كانت له مخاوف مزدوجة، لا يستطيع أن يكون خطيبًا خشية من بلده الأصلي، لأنه في تلك الفترة كان المتحدث الرسمي هو الحكومة ولا يجوز للمواطن أن يتحدث خارج ذلك الإطار.

عبد القادر إمام:

ومحطتنا الأخيرة من هذا البرنامج، وجهة نظر تؤكد أننا كنا السباقين في فتح ركن كهذا، وفي زمن كذاك الذي مر عنا منذ قرون.

عبد الوهاب الأفندي:

سوق عكاظ كان تقريبًا مثال لهذا الـ(Park)، باعتبار أن سوق عكاظ كان تجمع محمي بالأعراف، تعرف لأنه يعمل في الشهر الحرام في البلد الحرام، فتستطيع أن تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء ولا يتعرض لك أحد، لأنه لا يجرؤ أحد على أن يتعرض لأحد في الشهر الحرام، مهما كنت يعني، فهذا نموذج سوق عكاظ، نموذج عربي محلي، حتى سابقة للإسلام يعني، يعتبر من تراثنا العربي المهم.

فبعض الناس كان يقول يعني: نحن أهل هذا التراث، نحن السابقون بهذا، لماذا لا يكون عندنا مثل هذه المؤسسات التي كانت موجودة حتى أيام الجاهلية في العالم العربي، فلماذا لا تكون عندنا؟

فهذا القدر الإلهامي أو الناحية الإلهامية في (Hyde Park) لها أهمية كما قلت أكبر منها، أكبر من واقعها، واقعها كما ذكرت هو واقع المكان الإضافي للعناصر الهامشية، المتنفس بالنسبة للعناصر الهامشية، الملاذ الأخير.

عبد القادر إمام:

الملاذ الأخير، كان هذا ركن الخطباء، ملاذ الثائرين على الواقع، والمتمردين على التقاليد، والطامحين للتغيير، صرخة المُهمشين في باحة الحريات.