قضايا الساعة

دبلوماسية الشوارع في مواجهة دبلوماسية المدافع والمنافع

الشارع الغربي يتحرك ضد طبول الحرب الأميركية المحتملة على العراق في حين يتململ الشارع العربي بين رهبة القمع ومشاعر الإحباط، تساؤلات عن سبل تحريك دبلوماسية الشوارع في مواجهة دبلوماسية المدافع والمنافع.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

د. مصطفى كامل السيد: أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة – القاهرة
محمد صوالحة: رئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا – لندن

تاريخ الحلقة:

19/01/2003

– الدوافع الحقيقية وراء المبادرة التركية لحل الأزمة العراقية سلمياً
– حركة الشارع ضد الحرب على العراق ومدى تميزها عن حركة الحكومات


undefinedمحمد كريشان: الشارع الغربي يتحرك ضد طبول الحرب الأميركية المحتملة على العراق فيما يتململ الشارع العربي بين رهبة القمع ومشاعر الإحباط، تساؤلات حول سبل تحريك دبلوماسية الشوارع في مواجهة دبلوماسية المدافع والمنافع.

السلام عليكم. لا للحرب على العراق، نعم لتعاون بغداد الكامل مع قرارات الأمم المتحدة، عنوان عريض تصطف تحته رسمياً كل الدول العربية والإسلامية وعدد غير قليل من دول العالم، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، فإن أغلب هذه الدول إما لا تملك أو لا ترغب في تقديم تصور محدد لطبيعة العمل الدبلوماسي المطلوب لتفادي العمل العسكري، المبادرة الوحيدة المطروحة حالياً هي المبادرة التركية التي تريد عقد قمة لدول الجوار العراقي لدعم التسوية السلمية وتجنب الحرب، غير أن مثل هذه المبادرة يلفها من التساؤلات الكثير ليس فقط حول النجاعة المرجوة بل وكذلك حول الدوافع الحقيقية، زياد بركات والتقرير التالي.


الدوافع الحقيقية وراء المبادرة التركية لحل الأزمة العراقية سلمياً

تقرير/ زياد بركات: على إيقاع صبر الرئيس الأميركي الآخذ في النفاذ تجاه الرئيس العراقي صدام حسين تتحرك الدبلوماسية الشرق أوسطية وخصوصاً التركية لإيجاد حلٍ سلمي للأزمة، ففي الوقت الذي اكتفى فيه الزعماء العرب بإسداء النصيحة تلو الأخرى لبغداد حول ما ينبغي وما لا ينبغي فعله لتجنب ضربة شبه مؤكدة بادرت أنقرة إلى قيادة عربة الدبلوماسية الإقليمية دافعها إلى ذلك مخاوف حقيقية من أن تؤدي الحرب المحتملة على العراق إلى فتح ملف أكرادها على أوسع أبوابه، ورغم أن المنظومة العربية أكثر تضرراً من تركيا من الحرب التي يرى محللون أن العد التنازلي لها قد بدأ، إلا أن غالبية الزعماء العرب لم تبادر للحيلولة دون وقوعها، مكتفية بالحديث عن مبادرات يكتنفها الغموض، ومؤخراً تردد أن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في صدد تقديم عدة أفكار ومقترحات لحل الأزمة العراقية، تنص على الرفض القاطع لأي عدوان خارجي غير مشروع على أية دولة عربية وأن تقف الدول العربية موقفاً موحداً إزاء من يستخدم القوة ضد دولة عربية أخرى، غير أن الانتظار إلى آذار/مارس المقبل لاعتماد هذه الأفكار كمبادرة عربية في قمة المنامة يفقدها أي قدرة فعلية على درء الخطر الوشيك المحدق في المنطقة، كما أن هذه الأفكار لا تتوجه إلى الجهة الحقيقية التي تملك قرار الحرب والسلام، في المقابل لم تكتفِ أنقرة بالحديث، بل تجاوزته إلى التحرك الفعلي، فرئيس وزرائها عبد الله جول جال في عدة عواصم عربية بهدف واحد ووحيد وهو التنسيق بين هذه الدول لمنع الحرب قبل وقوعها، ومؤخراً قامت الخارجية التركية بتسليم سفراء مصر والسعودية وسوريا والأردن وإيران دعوات لزعماء هذه الدول للمشاركة في قمة تُعقد في أنقرة للبحث عن مخرج سلمي للأزمة، وتردد أن أنقرة أعدت فعلاً بياناً ختامياً من المأمول في حال انعقاد القمة أن يقوم الزعماء المشاركون فيها بالتوجه إلى بغداد وتسليمه إلى الرئيس العراقي أو أن يقوم بهذه المهمة رئيس الوزراء التركي نيابة عنهم.

وتزامنت هذه التحركات مع تسريب تقارير صحافية تتحدث عن مبادرة عربية تركية لإقناع الرئيس العراقي بالتنحي واللجوء إلى المنفى الاختياري لتجنيب بلاده ويلات الحرب وهو ما نفته الرياض وأنقرة معاً.

ويثير الغموض الذي يكتنف ما يسمى بالمبادرة التركية ومعها الأفكار السعودية تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها، فبعض المحللين يرى أن التحركات التركية الأخيرة دافعها مخاوف أنقرة من أن تؤدي الحرب المحتملة إلى تمهيد الطريق لقيام دولة كردية في شمال العراق، ما يعني فتح ملف الأكراد في تركيا على نحو تخشاه أنقرة، بل إنها قد تكون على استعداد لخوض حرب مدمرة لإغلاقه ويرى هؤلاء المحللون أن تحركات أنقرة هي في حقيقتها رسالة إلى واشنطن مفادها أنها قادرة على خلق تكتل إقليمي مناوئ لمشاريع واشنطن العسكرية ما لم تأخذ الإدارة الأميركية بعين الاعتبار مخاوف تركيا إزاء الملف الكردي.

أما التحركات العربية الخجول فيرى البعض أنها لا تستهدف سوى إبراء ذمة بعض الأنظمة أمام شعوبها وربما التخلص من الشعور بالذنب إزاء التخلي عن الشقيق العراقي في هذه الحقبة السوداء.

محمد كريشان: المعضلة في الملف العراقي أن بعض الريبة أو كثيرها يلف على حدٍ سواء غياب التحرك الدبلوماسي أو وجوده. لمناقشة هذا الموضوع معنا من القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد (أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز دراسات وبحوث الدول النامية بجامعة القاهرة).

دكتور، لماذا كل هذه الشكوك حول التحرك التركي؟

د. مصطفى كامل السيد: هذه الشكوك تحيط بالتحرك التركي، لأن تركيا تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأميركية، تركيا عضو في حلف الأطلنطي، المؤسسة العسكرية التركية تميل دائماً إلى تأييد الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ولكن أعتقد أن هذه الشكوك غير مبررة لأن الحكومة التركية يقودها حزب العدالة والتنمية وهو حزب إسلامي التوجه، كما أن الرأي العام التركي في غالبيته يرفض أي عمل عسكري أميركي ضد العراق، ولهذا السبب لا أعتقد أن هذه الشكوك مبررة، ولكن نظراً لطبيعة العلاقة الخاصة بين تركيا والولايات المتحدة فهناك من يرى حتى أن هذه التحركات تتم بعلم من الإدارة الأميركية التي لا شك أنها تواجه موقفاً صعباً فيما يتعلق بالرأي العام العالمي بل وقسم مهم من الرأي العام الأميركي الذي يرفض هذه الحرب، ومن ثَمَّ فإن المخرج السلمي قد يبدو انتصاراً للإدارة الأميركية وتساعدها تركيا على ذلك…

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم إذا.. إذا كنت تتحدث عن وجود تنسيق معين أو اتصالات معينة بين أنقرة وواشنطن في هذه الحالة لا شك بأن ملامح الحل أو.. أو المخرج سيكون يعني مطبوخ مع واشنطن تحديداً.

د. مصطفى كامل السيد: أعتقد أن الحل السلمي لهذه الأزمة سوف يبدو انتصاراً للإدارة الأميركية لأنه يمكن أن تقول هذه الإدارة أنه بسبب الضغوط التي تمارسها في مواجهة العراق عسكرياً ودبلوماسياً فإن العراق اضطر إلى أن يقبل حرية تنقل مفتشي الأمم المتحدة وأن يكشف كل ما لديه وربما يخرج الرئيس صدام حسين، هذا يبدو أفضل بالنسبة للرئيس بوش من مواجهة حملة عسكرية تواجه باعتراضات قوية من الرأي العام العالمي، ولهذا السبب يرى البعض أن المبادرة التركية قد تكون بعلم وبتنسيق مع واشنطن، هذا هو أحد الاحتمالات.

ولكن الاحتمال الآخر هو أن هناك خوف لدى القيادات السياسية التركية، بل والقيادات العسكرية أيضاً من نتائج عمل عسكري أميركي قد يؤدي ليس إلى استقلال إقليم كردي في شمال العراق، ولكن إلى حصوله على نوع من الاستقلال الذاتي، هذا الاستقلال الذاتي يبدو خطراً بالنسبة لتركيا لأنه سوف يثير أيضاً مطالب مماثلة من جانب الأكراد الأتراك، ولهذا السبب لا أرجح أي الاحتمالين وإن كنت أميل إلى أن التفسير الثاني ربما يكون أقرب إلى الصواب.

محمد كريشان: إذن في هذه الحالة يصبح التحرك هو محاولة لترجمة التهديد بالقوة عوض استعمال القوة.

د. مصطفى كامل السيد: نعم، في ظل هذه الظروف الحكومة التركية تتصور أنه يمكن الحصول من العراق على تنازلات قد تجنب المنطقة كلها أخطار هذه الحرب، وتجنب الحكومة التركية الغضب من جانب الرأي العام التركي، وتجنبه أيضاً خطر ظهور دولة تتمتع أو إقليم يتمتع بالاستقلال الذاتي في شمال العراق يحكمه الأكراد.

محمد كريشان: نعم، هذا بالنسبة للجانب التركي، بالنسبة للجانب العربي البعض يرى في التحرك ولو بالتنسيق مع أنقرة نوع من محاولة تبرئة الساحة أو تبرئة الذمة، فضلاً عن التخوف من دور إقليمي معين لتركيا، كيف تنظر إلى الأمر؟

د. مصطفى كامل السيد: القيادات العربية في الحقيقة مواجهة بثلاث مخاطر من ناحية هي تواجه خطر غضب الرأي العام ولا شك أن الرأي العام في كل البلاد العربية بلا استثناء يرفض هذا العمل الأميركي.

الخطر الثاني هو: أن تسوء علاقاتها مع الولايات المتحدة التي تبدو باعتبارها صديق لهذه الحكومات.

الخطر الثالث هو: ما قد سيحدث في المدى المتوسط والبعيد، لأن الحكومة الأميركية أبدت تذمرها من كل النظم العربية على الأقل من ناحية الخطاب الرسمي للخارجية الأميركية ودعوتها إلى الديمقراطية، ومن ثم فإن ما سيحدث في العراق هو مقدمة لما قد سيحدث في بلدان عربية أخرى ليس بالضرورة عن طريق التدخل العسكري، ولكن مطالبة هذه الأنظمة بإدخال تحولات ديمقراطية فيها.

هذه المآزق الثلاث تفسر شلل القيادات العربية يضاف إلى ذلك إدراكها أن الولايات المتحدة عازمة على توجيه عمل عسكري ضد العراق، وإدراكها أن الجهود التي بذلتها، في السابق ذهب الرئيس حسني مبارك وذهب الأمير عبد الله، وذهب الملك عبد الله إلى واشنطن وشرحوا للإدارة الأميركية الأخطار التي يمكن أن تنجم عن هذا العمل، ولكن لم تستجب الإدارة الأميركية لمواقفهم، ومن ثم فكل هذه المأزق تسبب هذا الشلل وتفسر أيضاً ترحيب كل هذه القيادات بالمبادرة التركية التي تبدو إنقاذاً للوجه في هذه الظروف.

محمد كريشان: نعم، ولكن دكتور، يبدو أيضاً أن هناك نوع من التجاذب العربي التركي حتى قبل تبلور هذه المبادرة بين اجتماعات دمشق واجتماعات أنقرة، كيف.. كيف ترى الأمر؟

د. مصطفى كامل السيد: بأعتقد بأن الأطراف العربية…

محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني أقصد.. يعني عفواً أقصد هنا يعني اقتراح دمشق باحتضان اجتماع للوزراء قبل اجتماع القمة في أنقرة أو اسطنبول.

د. مصطفى كامل السيد: نعم، أفهم.. أفهم ذلك نعم.. نعم.. نعم، ما هي الشروط التي يمكن أن تقبلها العراق وتقبلها الولايات المتحدة في نفس الوقت؟ أعتقد أن هناك تردد بالنسبة لصياغة مثل هذه الشروط، ولهذا السبب فقد لا تكون هناك قناعة كافية لدى الأطراف العربية بأن مثل هذا التحرك سوف تكون له نتائج، ولهذا السبب تريد هذه الأطراف العربية أن تستوضح الأمر قبل عقد القمة، بل ويريد بعضها أيضاً التنسيق مع واشنطن قبل الذهاب إلى أنقرة، لا أظن أن هناك شكوك فيما يتعلق بموقف تركيا، ولكن هناك شكوك في نجاح أي مبادرة سلمية في الوقت الحاضر نظراً للاستمرار في حشد القوات الأميركية في المنطقة، من ناحية أخرى القيادات العربية تحرص على رضاء الولايات المتحدة وهذا أمر يؤسف له، ولذلك تريد أيضاً توضيح الأمور مع واشنطن قبل أن تذهب إلى أنقرة.

محمد كريشان: نعم، دكتور، باختصار لماذا لا تترك الحكومات العربية الشارع يتحرك حتى تدعم موقفها؟

د. مصطفى كامل السيد: قلت أن أحد المخاطر التي توجهها الدول العربية هي خوف الرأي العام.. خوفها من الرأي العام وسبب الخوف من الرأي العام ليس فقط هو موقف المهادنة تجاه الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الخوف من أن الاحتجاج على سياسة الولايات المتحدة سوف يكون الخطوة الأولى، وسوف تلي ذلك خطوات من جانب الرأي العام العربي بالاحتجاج على سياسات هذه الحكومات والتي تسبب الضيق من النواحي الاقتصادية والسياسية الداخلية، ولهذا الحكومات العربية تخشى من الرأي العام، لأن الاحتجاج ضد التدخل الأميركي سوف يعقبه الاحتجاج ضد هذه الحكومات أيضاً.

محمد كريشان: نعم، دكتور مصطفى كمال السيد شكراً جزيلاً لك.

للتحركات الدبلوماسية الحالية حول العراق حساباتها الخفية قبل المعلنة، لكن لتحركات الشارع العربي والغربي دلالات أكثر شفافية.

بعد الفاصل: نظرة في حركة الشارع ومدى تميزها عن حركة الحكومات.

[فاصل إعلاني]


حركة الشارع ضد الحرب على العراق ومدى تميزها عن حركة الحكومات

محمد كريشان: مسيرات ضخمة ومتعددة شهدتها عواصم غربية هذه الأيام قد يصبح بمقدورها إذا ما استمرت وتصاعدت أن تؤثر بشكل أو بآخر في صناعة القرار المتعلق بالحرب على العراق، أما الشوارع العربية فقد بدأت في التحرك هي الأخرى وإن ببعض الخجل الذي تتعدد تفسيراته، حازم غراب رصد حركة الشارع هذه والمؤمل منها لإبعاد شبح الحرب.

تقرير/ حازم غراب: يتطلع الشارع العربي والإسلامي إلى تحركات وتظاهرات الأحزاب والقوى الشعبية والمنظمات الأهلية لعلها تستطيع أن تلعب دوراً ما مع تحركات نظرائهم الأجانب للضغط على دعاة الحرب في كل من واشنطن ولندن، وتتضاعف الكوارث المتوقعة للحرب المزمعة على العراق أمام ما جرى في حرب الخليج الثانية وفي أفغانستان، فحسب خبراء دوليين سوف يتم استخدام 1600 طن من اليورانيوم المنضب مقارنة بـ 300 بحرب الخليج الثانية، وسوف يسقط نصف مليون قتيل حال استخدام الأسلحة التقليدية، وأربعة ملايين إذا استخدم سلاح نووي، وستقع كارثة بيئية شاملة جراء حرائق حقول النفط العراقية.

ولا يزال أكثر من مليون و700 ألف طفل عراقي يعانون من الآثار المختلفة لحرب الخليج الثانية خاصة اليورانيوم المنضب الذي استعملته القوات الأميركية والبريطانية فيما لم يتم بعد حصر كل آثار القنابل الأميركية زنة الألفي رطل على الأفغان، وقد تحركت قاذفات B52 لمناطق قريبة من العراق بالفعل، ناهيكم عن الخسائر الاقتصادية التي ستحيق بدول غير قليلة من الحرب.

وقد نشطت ومازالت منظمات غربية عديدة في حشد مظاهرات كبيرة للضغط على صناع القرار في بريطانيا والولايات المتحدة ذاتها، وقامت منظمة أميركية أواخر الأسبوع الماضي بحملة تليفزيونية تذيع فيها إعلاناً مدفوعاً لرفض الحرب في العديد من الولايات الأميركية.

ورغم أن الغضب يستبد بالجماهير العربية والإسلامية الأكثر قرباً وتضرراً من الحرب المحتملة إلا أنها لا تستطيع في معظم الأحوال أن تعبر بنفس مستوى مثيلاتها في الغرب عن رفضها لتلك الحرب. حقاً حاولت بعض الأحزاب والحركات الإسلامية والمنظمات غير الحكومية الخروج إلى الشارع العربي والإسلامي احتجاجاً على حجافل الحشود العسكرية المتدفقة على المنطقة، ولكنها لا تسلم من القمع الأمني، ولا يزال بعض رموز تلك المنظمات في غياهب السجون بتهمة التحريض على التظاهر، ويؤدي الإصرار الرسمي والعربي على منع أو تقييد التظاهر ضد الحملة الأميركية إلى شك الجماهير الغاضبة فيما يصرح به المسؤولون صباح مساء من أنهم ضد الحرب على العراق، ومن ثَمَّ تصبح الحكومات مقطوعة الصلة بالإرادة الشعبية بدلاً من أن تدعم مواقفها بضغوط الجماهير الهادرة.

محفوظ عزام (نائب رئيس حزب العمل المصري): إذا تحركت الشعوب العربية فهي التي ستكون مؤثرة ومنتجة، أما هذه الحكومات فهي حكومات تخضع للضغوط الأميركية و.. وهي بعضها مشبوه.

أسامة سعد (رئيس حزب التنظيم الشعبي الناصري بلبنان): في الواقع لا نتوقع شيئاً من حركة المسؤولين العرب مهما كانت، نحن نراهن على الشارع العربي وعلى قدرة هذا الشارع لفرض إرادته لمواجهة العدوان الأميركي الصهيوني الذي تتعرض له أمتنا في هذه المرحلة.

حازم غراب: وتستطيع الحكومات ضمان سلمية حركة الشارع بالاتفاق مع قادة الحركات والأحزاب والمنظمات الأهلية، كما تستطيع الشرطة حماية التظاهرات بشكل حضاري تماماً كما يحدث في لندن وغيرها من العواصم العالمية، إن المواقف الرسمية السلبية تجاه حركة الشارع العربي والإسلامية تحد من قدرة القوى والمنظمات الأهلية العربية على التعاون والتنسيق مع نظيراتها الأجنبية بهدف مضاعفة الضغط على دعاة الحرب في واشنطن ولندن.

محمد كريشان: في كل مرة تتحرك فيه الشوارع العربية في قضايا مثل فلسطين أو العراق يثار أكثر من تساؤل حول مدى التجذر الشعبي لهذه التحركات وقدرتها على الاستمرار والتأثير، كما يجب التساؤل عن إمكانيات التنسيق بينها وبين التنظيمات المماثلة في الغرب من أجل إثراء تجربتها التنظيمية وتعزيز فعاليتها وتأثيرها.

لمناقشة هذه القضية معنا من لندن محمد صوالحة (رئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا). سيد صوالحة، نريد أن نفهم في البداية، ما الذي يحرك الشارع في الغرب في قضية مثل العراق؟

محمد صوالحة: الحقيقة هناك مجموعة من العوامل تدعو الشارع الأوروبي بشكل عام وبما فيه طبعاً الجاليات العربية والإسلامية ذات البعد الواسع تدعوه للتحرك، أهم هذه القضايا أن هناك حرية للكلمة، حرية لممارسة العمل السياسي في العالم الغربي، هذا.. هذا مفقود في العالم العربي بشكل عام.

القضية الثانية: أن هناك.. أن المواطن في العالم الغربي يشعر أن هناك نتائج لتحركه، إذا تحرك فبإمكانه أن يصنع أو أن يؤثر في السياسة.. سياسية بلاده.

القضية الأخرى: أن الخطاب الأميركي غير مقنع بالنسبة للإنسان الأوروبي، بمعنى الحديث الدائم.. الحديث الأميركي الدائم عن أن المطلوب أو المقصود من هذه العملية من الحرب هو تفكيك أسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى العراق وإزالة الديكتاتورية من.. من.. من هذا البلد، هذا الكلام غير مقنع نهائياً للإنسان.. للإنسان الغربي، الإنسان الغربي يدرك تماماً أن الأنظمة القمعية والديكتاتورية في العالم الثالث كلها مدعومة من طرف الولايات المتحدة، الإنسان الغربي يدرك.. يرى ذلك النفاق عندما ينظر مثلاً إلى طريقة تعامل أميركا مع العراق ثم في نفس الوقت طريقة تعاملها مع.. مع كوريا، إذن الخطاب الأميركي والبريطاني الرسمي غير مقنع مبررات الحرب غير مقنعة، في المقابل هناك إمكانية للعمل والتغيير يجد الإنسان الأوروبي أن.. أنه بإمكانه أن يحققها بهذا التحرك.

محمد كريشان: ولكن إلى.. إلى جانب هذه العوامل الثلاث ألا يوجد أيضاً هناك تقاليد للعمل الجمعياتي والتحرك على نطاق واسع في قضايا مختلفة بيئية وسياسية واجتماعية وغيرها؟

محمد صوالحة: نعم، ولكن أيضاً المواطن الغربي يشعر الآن أن هذه هي يعني مرحلة تاريخية، أنتم تحدثتم في التقرير قبل قليل عن عدد الضحايا الذين يمكن أن يسقطوا في حال حدثت هذه الحرب سواءً استعملت الأسلحة التقليدية أو استعملت الأسلحة غير التقليدية، هذا.. هذا معناه أن هناك يعني مرحلة جديدة من الصراع بين الحضارة.. بين الشرق والغرب يمكن أن يصل إليها الوضع لاحقاً إذا حدثت هذه الحرب، الإنسان الغربي يدرك وهناك مجموعة كبيرة من المثقفين الآن يتحدثون عن هذا الأمر أن الحرب في حال حدثت ستخدم مصالح فئة ضئيلة جداً من أصحاب شركات البترول العملاقة، ولكن في.. في نفس الوقت هذا التأثير السلبي الذي يمكن أن تحدثه الحرب سيتأثر به كل.. كل.. كل المجتمع الغربي، أيضاً ردود الفعل يعني الإنسان المسحوق هذا الذي سيضرب في العالم الإسلامي سيشعر أيضاً أن.. أن العنف هذا والظلم والعدوان الغربي لا يمكن رده إلا بنفس الطريقة، إلا بالطريقة.. بطريقة العنف أيضاً، بالتالي العالم الغربي عنده شعور أو المثقفين الغربيين عندهم شعور أن الكل سيكون في حالة خسارة في حال حدثت الحرب.

محمد كريشان: نعم، ولكن يعني كيف نفسر أنه في الغرب عندما تخرج مثل هذه المظاهرات تشارك فيها جمعيات البيئة والمتقاعدين والحيوانات وغيرها، بينما في الدول العربية أي تحرك من هذا القبيل هو أساساً تحرك نشطاء سياسيين وقد يكونون في هذه الأيام أساساً إسلاميين؟

محمد صوالحة: كما قلت هناك طبعاً مجموعة يعني فيه اختلاف كبير بين الواقع العربي والإسلامي للأسف وبين يعني الوضع في العالم الغربي، سقف الحريات هائل، أيضاً العالم العربي، الجماهير هذه التي نراها في العالم العربي هادئة في تصوري أنها في حقيقة.. في حقيقة الأمر يعني هي تغلي كبركان من الداخل، ولكن هناك مجموعة من العوامل أيضاً يعني أثرت على وضع المواطن العربي، من أهمها أن يعني كما.. أيضاً كما ذكر التقرير قبل قليل هناك عدد كبير من النشطاء السياسيين في السجون ليس لسبب إلا لأنهم يعني أعربوا أحياناً عن رأيهم أو خرجوا في مظاهرات أو غيرها، أو جلسوا مثلاً جلسة تنظيمية من أجل تنظيم مظاهرة أو غير ذلك، هناك أيضاً حالة إحباط تعم الشارع العربي، سبب ذلك طبعاً أن هناك تجربة قريبة حدثت يعني مع بداية الانتفاضة تحرك الشارع العربي حركة واسعة جداً، هذه الحركة.. هذه الحركة قوبلت بقمع من الطرف الرسمي العربي، ثم بعد ذلك لم تصل إلى نتيجة، بالتالي يشعر الإنسان العربي أن حركته هذه محكومة إلى حد كبير.. إلى حد كبير بالفشل، معنى.. ولذلك وجدنا أن هناك أحداث كثيرة حدثت في العالم العربي يعني أخذت الشكل.. الشكل العنيف بمعنى آخر استبدل الإنسان العربي طريقة التعبير السلمي هذه بطريقة أخرى وهي مواجهة أو.. أو ضرب المصالح الأميركية في أكثر من بلد عربي.

محمد كريشان: نعم، سيد صوالحة، هل هناك مجال للتنسيق بين التحركات في الغرب وبين مثيلاتها في الدول العربية حتى يتم تشكيل رأي عام عالمي مناهض للحرب بشكل عام؟

محمد صوالحة: يعني طبعاً من الناحية النظرية نعم، هذا.. هذا يمكن، وأنا أعتقد حتى عملياً إلى حد كبير يمكن أن يحدث ذلك، على سبيل المثال إحنا في.. في العالم الغربي هنا في.. في بريطانيا وفي أوروبا وحتى الآن حديثاً دخلت أميركا على الخط هناك تنسيق واسع بين كل المؤسسات العاملة في هذا المجال التي تتصدى لهذه الحرب سواءً في.. في بريطانيا وفي كل دول أوروبا ويعني خلال يعني هذا.. نهاية الأسبوع الماضي كان هناك مجموعة مظاهرات في مختلف أنحاء أوروبا، أيضاً نحن الآن نخطط لمظاهرة أخرى كبرى في الخامس عشر من شهر فبراير القادم وهذه ستكون في معظم العواصم الأوروبية في نفس الوقت، إذن من الناحية العملية في أوروبا هذا واقع موجود و.. أما.. أما في.. في مع مثيلاتها في العالم العربي والإسلامي فالأمر ليس إلا.. يعني ليس بحاجة إلا إلى نوع من الحركة من هذه التنظيمات وهذه المؤسسات العربية والإسلامية للاتصال بمثيلاتها في العالم الغربي من أجل أن يكون.. يعني من أجل أن نخلق نوع من الحركة العالمية في كل أنحاء العالم لمواجهة الحرب.

محمد كريشان: هل يمر هذا التنسيق -الذي أشرت إليه- على صعيد أوروبا بين الجمعيات العربية والإسلامية وبين نظيراتها الغربية، هل يمر ببعض الحرج على أساس أن ما يجري قد يكون نوع من الدفاع عن نظام سياسي معين، وهذا قد لا يريده الغربي بشكل عام؟

محمد صوالحه: أنا أعتقد إنه صار هناك نوع من الوضوح عند الناس جميعاً، يعني حتى نحن كمسلمين وكمؤسسات إسلامية في البداية رأينا من يقول إن هذا نوع من الدفاع عن نظام صفته كذا وكذا، نحن حسمنا الموضوع بشكل واضح، نحن لا ندافع عن أنظمة، نحن ندافع عن شعب يراد له أن يباد وعن منطقة يُراد أن.. أن تتغير تركيبتها السياسية ويراد لها أن تستعمر بشكل مباشر، نحن لا نتحدث.. نحن نتحدث عن مبادئ، نحن ندافع عن مبادئ، نحن ندافع عن قيم والإنسان الغربي نفسه يدرك جيداً أنه يدافع عن قيم ولا يدافع عن.. عن أنظمة، نحن نريد لهذه المنطقة، نحن جميعاً نقف ضد مواجهة الهيمنة في.. في مواجهة الهيمنة الأميركية التي يراد فرضها على العالم.

محمد كريشان: نعم، في النهاية باختصار، بعضهم يتحدث عن لهث المواطن العربي وراء لقمة العيش لتبرير عدم التحرك، ولكن لقمة العيش أيضاً موجودة في الغرب.

محمد صوالحة: والله أنا أعتقد بإنه ليس هذا هو السبب، السبب.. السبب الحقيقي أن الحريات في العالم العربي سقفها منخفض جداً، أن المؤسسات العاملة .. المؤسسات والأحزاب السياسية قبلت بالسقف الواطئ الذي فرضته عليها الأنظمة، بالخطوط الحمر التي فرضتها عليها الأنظمة، أنا أدعو الحقيقة جميع هذه المؤسسات إلى أن ترفع هذا السقف وأن تتضامن وتكون مع المؤسسات العربية والإسلامية والغربية في.. على الأقل في مسيرتها القادمة.. في.. في.. في يوم الحملة الكبرى للوقوف في وجه الحملة الأميركية في الخامس عشر من الشهر القادم.

محمد كريشان: سيد محمد صوالحة، شكراً جزيلاً لك.

وبهذا نصل إلى نهاية حلقتنا لهذه اليوم، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.