قضايا الساعة

استجواب العلماء العراقيين بالخارج

البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية من التفتيش في المصانع والمزارع إلى التنقيب في الأدمغة والعقول.. تساؤلات عن مبررات الحاجة إلى مقابلة العلماء العراقيين ودوافع الإلحاح الأميركي على استنطاقهم في الخارج.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

د. ناظم عبد الواحد الجاسور: أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد
ديفد ألبرايت: رئيس معهد العلم والأمن العالمي – واشنطن

تاريخ الحلقة:

02/02/2003

– تعقيدات مشكلة استجواب العلماء بين التخوف العراقي والإصرار الدولي
– دوافع الإلحاح الأميركي لاستجواب العلماء في ظل التفسيرات المتناقضة للقرار


undefinedمحمد كريشان: البحث عن أسلحة التدمير الشامل العراقية من التفتيش في المصانع والمزارع إلى التنقيب في الأدمغة والعقول، تساؤلات حول مبررات الحاجة لمقابلة العلماء العراقيين ودوافع الإلحاح الأميركي على استجوابهم في الخارج.

السلام عليكم. عمليات التفتيش عن أسلحة التدمير الشامل العراقية المفترضة متواصلة، لكن دون العثور على أي شيء يُدين بغداد التي مازالت متهمة مع ذلك بعدم التعاون الكامل مع القرارات الدولية، وقد تجد بعض المشاكل العالقة حَلَّها في الزيارة المنتظرة لكل من البرادعي وبليكس الثامن من الشهر الجاري، ولعلَّ أكثر هذه المشاكل تعقيداً تلك المتعلقة باستجواب العلماء العراقيين الذين عملوا في مجال أسلحة التدمير الشامل والذين يتراوح عددهم ما بين 5 و1000، 500 و1000 أو يزيد، القرار الدولي المتعلق بمهمة المفتشين يمنحهم حق إجراء مقابلات مع أي مسؤول أو عالم أو خبير عراقي ممن يفترضون أن لديهم دراية مفيدة في الكشف عن برنامج التسلح العراقي، غير أن المقابلات التي أجريت حتى الآن مع العلماء وهي قليلة أفرزت مشكلة معقدة يستعرض بعض جوانبها ماجد عبد الهادي من بغداد.


تعقيدات مشكلة استجواب العلماء بين التخوف العراقي والإصرار الدولي

تقرير/ ماجد عبد الهادي: من بين ما يزيد عن 500 عالم عراقي وردت أسماؤهم في اللائحة التي كان قدمها العراق إلى هيئة الأمم المتحدة مازال عدد الذين استجوبتهم فرق التفتيش الدولية أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يعود سبب ذلك بالطبع إلى زهد المفتشين في المعلومات المتوفرة لدى صانعي برامج التسلح العراقية السابقة، بل إلى الخلاف الناشب بين الجانبين حول مسألة حضور شاهد عراقي من هيئة الرقابة الوطنية أو غيرها لكل عملية استجواب.

صباح عبد النور (عالم عراقي): اقترح الرجل ممثل اللجنة أن يكون لقاء منفرد أنا اعتذرت وطلبت منه إنه يكون أحد الأعضاء الرقابة الوطنية موجود وأبلغته إنه هذا أفضل إلي وإله لأنه تثبت المواقف ويثبت الكلام.

ماجد عبد الهادي: وبرغم أهمية هذه المسألة إلا أنها لا تشكل في نظر الكثيرين هنا غير القشرة الظاهرة لخلاف فيه من التفاصيل والمحاذير والألغام ما لا يصرح بها أي من الجانبين وإن كان الحديث عنها يتجاوز كل حد في الأوساط الشعبية كما على صفحات الجرائد، فالعراقيون يعتقدون بأن إصرار فرق التفتيش على استجواب العلماء بشكل منفرد ينطوي على أخطار ليس من بينها كشف برامج تسلحية باتت مكشوفة وإنما هم يخشون من تقويل هؤلاء ما لا يقولون كما حدث مع العالم كاظم مجبل الذي قال المفتشون إنهم حصلوا منه على معلومات جديدة عن برنامج تسلحي قد يدل على وجود نشاط نووي ثم سرعان ما تراجعوا بعدما اتهمهم بتحريف أقواله.

كاظم مجبل (عالم عراقي): أنفي هذا الشيء بشدة، والحقيقة أنا منزعج جداً من البارحة إلى اليوم، يعني من الخميس الحقيقة أنا تم الاتصال بي على هذا الموضوع، أنا يومين ما نايم ومنزعج لهيتشي التصريحات ولهيتشي التلفيقات لأنه لا تمت للحقيقة بأي صلة.

ماجد عبد الهادي: ولئن كان من الطبيعي أن تشكل واقعة كهذه أبرز المؤشرات المعلنة على أزمة الثقة بين الجانبين فإن الأمر تفاقم أكثر فأكثر عقب حديث المسؤولين العراقيين عن أسئلة استفزازية واستخبارية يطرحها المفتشون على مدراء المنشآت والمصانع، ثم بلغ ذروته عندما تحدث العالم فالح حسن عن عرض قدَّمته له مفتشة من لجنة الأمم المتحدة (أنموفيك) لعلاج زوجته المريضة في الخارج نظير تعاونه معهم.

فالح حسن (عالم عراقي): للحظات اختلت بي قالت لي: دكتور حمزة Do you Think of Alternative? هل تفكر بخيار آخر؟ قلت لها: What قالت لي: زوجتك مريضة، شوف الابتزاز أيش لون، يعني بالذات يمنعون الأجهزة الطبية عن البلد ويمرضون الناس، شنو نشوف يعني حتى أوريكم حجم ابتزاز، قالت لي دكتور حمزة Do you Think of Alternative? قلت: what alternative?

قالت لي: زوجتك مريضة وعندها حصوة بالكلية وارتفاع ضغط الدم، إحنا متمكنين we are Capable أن نأخذها خارج القطر ونعالجها، Plus أنت أيضاً زائد أنت تقدر ترافقها، يعني دعوة مبطنة لأخذ العلماء العراقيين.

ماجد عبد الهادي: وقد أسهمت كل تلك الوقائع في إثارة التساؤل هنا حول ما إذا كان هدف المفتشين الحقيقي هو نزع أسلحة العراق أم نزع أدمغته كما يُقال نزولاً عند ضغط الولايات المتحدة التي طالما سعت إلى استجواب العلماء العراقيين في الخارج تحت حجة تحريرهم من ضغط وتهديد سلطات بلداهم وهو ما كرر هؤلاء نفيه مرات عدة، مؤكدين أن موقفهم الرافض للاستجواب المنفرد هو موقف شخصي نابع من قناعتهم بسوء نوايا المفتشين.

وإذ يبرر العراق موقف كلٍ من علمائه إزاء قضية الاستجواب بوصفه موقفاً شخصياً وثيق الصلة بحقوق الإنسان فإن الولايات المتحدة لم تكف عن محاولة اعتبار هذا التبرير خرقاً للقرارات الدولية وأحد العوامل الرئيسة التي قد تسهم في إشعال فتيل الحرب.

ويُشار أخيراً إلى أن معظم العلماء العراقيين الذين شاركوا في برامج التسلح السابقة قد تفرغوا بعد حرب عام 91 للعمل في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية المختلفة وهم يعيشون وفق ما اتضح لدى تفتيش بيوت البعض منهم في مستوى حياتي لائق نسبياً وليس فيه -على الأقل- ما قد يوحي بإمكانية تجاوبهم مع أيه إغراءات مادية أو غير مادية.

محمد كريشان: العراق إذن في وضع حرج وعليه أن يتعاون مع المفتشين لإيجاد تسوية تقنع المفتشين باطمئنان العلماء إلى كشف ما يعرفون دون خوف على مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم، فهل لدى الحكومة العراقية تصور جديد تقدمه لبليكس والبرادعي في امتحان الفرصة الأخيرة؟

لمناقشة الموضوع معنا من بغداد الدكتور ناظم عبد الواحد الجاسور (أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد). دكتور، أولاً لماذا يرفض العلماء العراقيون الجلوس مع المفتشين دون حضور موظف من هيئة الرقابة؟

د. ناظم عبد الواحد الجاسور: أعتقد إن الجميع يعرف أنه في العرف القانوني عندما يُتهم شخص بقضية من القضايا فيجب عليه أن يوكِّل محامياً يحضر معه كل مسارات التحقيق، وهذا العرف القانوني قد أكدت عليه الكثير من القوانين الوطنية أيضاً والأميركية بشكل خاص وكذلك القانون الدولي الذي أُطِّر في ميثاق الأمم المتحدة ولائحة حقوق الإنسان، وأعتقد ليس هناك رفضاً عراقي في عملية استجواب العلماء العراقيين، وعندما قرر العراق تنفيذ كل متطلبات القرار 1441 فإنه قبلها كاملة، ولا أعتقد إنه هناك أي موقف رافض لهذه النقطة، ومن مصلحة لجنة الأنموفيك والطاقة الذرية أن يتم عملية استجواب العلماء العراقيين من خلال مصادر توثيقية كأن تكون لجنة الرقابة الوطنية العراقية أو أي مصدر آخر تختاره اللجنة وأعتقد إن هناك كثير من الوسائل والمجالات التي يمكن أن تحل هذه الإشكالية إذا كانت هذه النقطة هي نقطة خلاف كبيرة، ولا أعتقد إن هي نقطة خلاف كبيرة، وممكن تسويتها والتوصل إلى حل إلها واستجواب العلماء العراقيين بالشكل الذي ثبته القرار وما تريده لجنة الأنموفيك وما يريده العراق من إنه خالي من أسلحة التدمير الشامل، وليس هناك مجالات محظورة يمكن أن يتم الإنتاج فيها، أو يمكن البحث فيها.

محمد كريشان: نعم، ولكن دكتور يعني هل يمكن التوصل إلى حل وسط في هذا.. في هذا المجال؟

د. ناظم عبد الواحد الجاسور: أعتقد إن الحل الوسط هو بيد لجنة أنموفيك وبيد مجلس الأمن، لأن مجلس الأمن عندما فوض بموجب الفقرة 34 من القرار 1441 ومن مقاصد الأمم المتحدة، إذن كان هناك نيات حسنة يمكن أن تؤدي إلى حل الأزمة، فأعتقد إن مسألة التوثيق أو إنه أطراف محايدة ربما تختارها الأمم المتحدة أو الجامعة العربية ممكن أن تؤدي إلى تسوية هذه الأزمة وحل الإشكالية القائمة.

محمد كريشان: ولكن.. ولكن دكتور يعني عفواً واشنطن تقول: إن العلماء العراقيين مرعوبون ولا يشعرون بالأمان بدون.. بدون هذه.. يعني لا يشعرون بالأمان في.. في نهاية الأمر يعني.

د. ناظم عبد الواحد الجاسور: لا أعتقد إن هذا الكلام دقيق لأن الأسئلة التي تطرح من لجنة الأنموفيك على العلماء العراقيين والإجابة التي يحصلون عليها لا يمكن أن تؤدي بأن هناك تلكؤ أو رعباً من العلماء العراقيين، وأعتقد إن من مصلحة العراق ومن لجنة الأنموفيك أن يكون هناك مصدر محايد يكون جالساً في عملية التحقيق وفي عملية المساءلة، لأنه هذه نقطة ضرورية ولا أعتقد لجنة الأنموفيك ممكن أن ترتكب خطأً يؤدي بدماء 22 مليون عراقي في رقاب لجان التفتيش من خلال إمكانية تشويه وإمكانية تزوير الوثائق إذا لم يكن هناك.. وأعتقد إن تجربة الملف العراقي الذي سُلِّم إلى مجلس الأمن وسرقته الولايات المتحدة كان درساً بليغاً إلى لجنة الأنموفيك ويجب أن تتعظ به.

محمد كريشان: نعم، ولكن يعني.. نعم، ولكن دكتور واشنطن تقول بأن العلماء يخافون على أهاليهم إن هم أدلوا بإفادات مهمة في هذا المجال.

د. ناظم عبد الواحد الجاسور: أعتقد إن عمليات الاستجواب التي جرت إلى عدد من العلماء، قد أكدت ذلك، وليس هناك خوفٌ على أهاليهم أو على أقاربهم والمسألة هي ليست فقط إنه عملية استجواب أو عملية.. المسألة هي بيد مجلس الأمن ويستطيع مجلس الأمن أن يحل هذه الإشكالية ولا أعتقد إن هناك أي رفض أو.. من جانب أي عالم عراقي بعملية الاستجواب، العالم العراقي فقط يريد أن يثبِّت ويوثِّق ما يقوله للحقيقة والتاريخ ويجب ألا يقع تحت طائلة التزوير أو التشويه، هذه النقطة هي ضرورية، وهذه النقطة لا أعتقد إنه يختلف عليها اثنان، وبالتالي فإذا كانت هناك نيات حسنة ونيات صادقة لطي ملف هذه الأزمة والتوصل إلى نتائج إيجابية وأعتقد إن الموقفين الألماني والفرنسي يصبون في طاحنة الحل السلمي وليس هناك من سياسة الغطرسة والقوة في هذا العالم الذي بدأت تداعياته تنتج آثاراً سلبية على المنطقة وعلى العالم.

محمد كريشان: دكتور.. دكتور ناظم عبد الواحد الجاسور (أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد) شكراً جزيلاً لك.

الحكومة العراقية في ورطة بين واجب التعاون مع المفتشين وحق العلماء في اختيار شروط استجوابهم وتحيُّن واشنطن الفرصة لإعلان الحرب.

بعد الفاصل: نظرةٌ في القرار الدولي وتفسيراته ولعبة الشد والجذب بين أطرافٍ متناقضة المصالح.

[فاصل إعلاني]


دوافع الإلحاح الأميركي لاستجواب العلماء في ظل التفسيرات المتناقضة للقرار

محمد كريشان: موضوع إجراء المفتشين الدوليين مقابلات مع العلماء العراقيين يخضع نظرياً لقرار مجلس الأمن رقم 1441 غير أن تفسير القرار وتوظيفه يخضع لوجهات نظر تلونها السياسة والمصالح، فبينما لا يزال المفتشون يبحثون عن تسوية مُرضية للطرفين الدولي والعراقي يدعو الأميركيون إلى نقل العلماء المعنيين إلى الخارج، كما أن الكونجرس الأميركي أعد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قانوناً يسمح بمنح الإقامة وبإغراءات أخرى لكل عالم يقدم معلومات هامة تدين الحكومة العراقية، عن موقف القانون الدولي من مضمون القرار وطرق تفسيره ومن صاحب الحق في تفسيره وتطبيقه وواجب الحكومة العراقية مقابل حقوق العلماء كأفراد، يوضح المحامي والمحلل السياسي سعد جبار.

سعد جبار (محامي ومحلل سياسي – لندن): إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441 يعطي الصلاحية إلى المفتشين الدوليين حول كيفية أو تحديد كيفية ومكان مقابلة أو استجواب العلماء، وبالتالي فهذا الأمر يقع في الاختصاص الحصري للمفتشين ولا علاقة له بأية دولة أخرى بما في ذلك أميركا، وفي حالة حدوث خلاف حول الطريقة والمكان الذي يجب أن يستجوبوا فيه العلماء أو أي أمر من هذا الشأن يجب أن يُحال الأمر مرة إلى.. مرة أخرى إلى مجلس الأمن وبالتالي قرارات مجلس الأمن موجهة إلى الدولة العراقية أو الحكومة العراقية ولا تتعلق بالفرد مباشرة، بل أن الحكومة العراقية في هذه الحالة مطالبة بتشجيع وتسهيل اللقاء أو استجواب العلماء، بمعنى لا يحق لها أن تعرقل مجرى الاستجواب أو اللقاءات وإن قامت بذلك فتكون قد خرقت قرارات مجلس الأمن الدولي، بينما هنالك إشكالٌ حقيقي إشكال قانوني وإشكال عملي، ماذا لو أن الفرد رفض أن يتحدث خلال هذه الاستجوابات أو اللقاءات أو أن يرفض اللقاءات؟ فهنا الفرد ليس ملزماً تحت طائلة القانون الدولي أن يستجيب أو يتعاون مع المفتشين الدوليين، هنا يجب أن نذكر أنه طبعاً للقانون الأميركي أو التعديل الدستوري رقم 5 في أميركا يجوز للفرد ألا يتحدث أو يُجيب على أسئلة السلطات العامة لئلا يُجرم نفسه أو أن يضع نفسه في ضرر، وكذلك بالنسبة للقانون البريطاني، وفي هذه الحالة هنالك فعلاً إشكال قانوني بالنسبة لإلزام مجلس الأمن أو الأمم المتحدة للفرد أن يتحدث من الناحية العملية يمكن أن يضع هذا الأمر الحكومة العراقية في مشكلةٍ لأنه يمكن أن تفسر الأمر على أن العراق لم تلزم الفرد أن يستجيب لمطالب المفتشين.

ولذلك فأنا أستغرب، لماذا لا تُحل هذه المشكلة عن طريق حضور مراقبين من جامعة الدول العربية لكي يتم التأكد أن العالم العراقي أو الفرد العراقي الذي يجري معه الاستجواب لا يخضع للابتزاز أو للإرغام، وأنه يتحدث فقط طواعية وبحرية تامة، لأن القانون الدولي في حد ذاته أو قوانين حقوق الإنسان تحمي الفرد من تجريم نفسه حتى في حالة مشاركته في الجريمة، وأنا أعتبر أن المفتشين الدوليين مسؤولون عن حماية العلماء العراقيين ويجب أن يبعدوهم من طائلة الابتزاز أو الإرهاب أو إجبارهم عما لا يريدون قوله أو عما لا يريدون اختياره.

محمد كريشان: إذن القضية يجب أن تكون في أيدي مفتشي أنموفيك لا غير، والولايات المتحدة تنتهك القانون وإن شكل غير مباشر بحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال، لكن العراق في المقابل هو الذي يدفع الثمن، لأنه يجد نفسه في وضعٍ شبه مستحيل، فهو إن فرض على العلماء تعاوناً غير مشروط يكون قد انتهك حقوقهم وعرَّض مصالحه لأخطار محتملة، ولكنه إن لم يفعل يتهم بعدم التعاون وانتهاك القرار الدولي.

لمناقشة الموضوع معنا من واشنطن السيد ديفد أولبرايت (رئيس معهد العلم والأمن القومي بواشنطن وعضو فريق التفتيش الدولية السابقة في العراق)، سيد أولبرايت أولاً: لماذا كل هذا الإلحاح على استجواب العلماء؟ ما أهمية ذلك؟

ديفد أولبرايت: إن أهمية استجواب العلماء هي الوصول إلى الحقيقة، وأعتقد أن هنالك عدد من البيانات التي تمت من خلال الاستجوابات السابقة فكانت لا أحد.. فكانت تتعلق بأن العمليات لم تكن اعتقال للعلماء بل هي ولا انتهاك لحقوقهم، بل لن يتم اعتقال أي عالم أو اتهامه بأي شيء من الأمم المتحدة، بل الأمم المتحدة ترغب بالتحدث إلى هؤلاء الأشخاص دون وجود أي شخص من الأمن العراقي، وبالتالي السماع لما لديهم.. لوجهة نظرهم فإذا كان هنالك أي شيء ضد مصلحة الحكومة العراقية أو لصالحها فهذا ما نريد أن نسمعه منهم.

محمد كريشان: ولكن المشكلة هنا: ما الذي يمكن أن يضمن نزاهة محضر الجلسة في هذه الحالة ولا وجود لشهود، يعني يمكن أن يقع التلاعب فيها خاصة وأن هناك أزمة ثقة أصلاً قائمة بين الجانبين؟

ديفد أولبرايت: إن المفتشين سيحفظون بسجل هذه الجلسات قد يكون مسجلاً ويُفرغ إلى مادة مكتوبة أو إلى شريط فيديو، وبالتالي ستسجل جميع.. وتوثَّق جميع المعلومات التي يحصلون عليها من خلال هذا الاستجواب، لكن عما يبدو إن هنالك تهديد من الحكومة العراقية على موظفيها وهنالك كثير من الأمثلة فكان العلماء يخشون من.. من كثير من الأمور فكانوا يخشون من الإجراءات العراقية وهنالك حالات.. حالات من العلماء الذين كانوا يجدون أنفسهم يخضعون لهذه المخاوف من اتخاذ إجراءات من الحكومة.. من.. ضد الذين لا يستجيبون مع أوامر الحكومة.

محمد كريشان: ولكن سيد أولبرايت، ألا يمثل هذا قراءة في نوايا العلماء وليس استنتاج عملي واضح؟

ديفد أولبرايت: كلا، بل أعتقد أن هذا الأمر عملي جداً، فالمشكلة في عمليات التفتيش في العراق هي أننا سمعنا كثير من الأكاذيب أو حقائق منقوصة من الحكومة العراقية، فكثير من المسؤولين.. كثير من المسؤولين في الحكومة العراقية أدركوا وأقروا بأنهم أعطونا معلومات غير دقيقة، وواجهنا في حالات كثيرة حصلنا فيها على حقائق غير كاملة، فهنالك قرار من مجلس الأمن وشعور قوي بأننا بحاجة للحديث مع العلماء دون وجود أي أحد من الحكومة، ونرى ماذا يحدث بعد ذلك، فلن يتم ملاحقة العلماء في أي محكمة أو اتهامهم بأي شيء، فهم يجب أن يقولوا ما يريدون أن يقولونه دون أي تهديد، وللأسف ما نقوله هو أن الحكومة العراقية يبدو أن لديها ما تخفيه، وبهذا مؤسف جداً لأن إذا كان لم.. ليس لديهم أي شيء يخفونه، فمن المؤسف أن ندخل هذه الحرب بسبب سوء الفهم أو سوء التفاهم هذا، وأعتقد أن من صالح الحكومة العراقية أن تسمح فوراً لهؤلاء العلماء بأن يتم استجوابهم دون وجود أي شهود، لأننا لسنا نرغب بالدخول إلى هذه الحرب بسبب سوء الفهم.

محمد كريشان: ولكن لدينا تجربة محددة مع أحد العلماء الذي قوَّلوه ما لم يقل حول موضوع تخصيب اليورانيوم مثلاً واضطرت الأمم المتحدة لنفي ما.. ما قالته، يعني أصلاً هناك إشكال منذ البداية.

ديفد أولبرايت: لم أفهم هذا السؤال، نعم.. الكثير من العلماء وأقروا أن لدى العراق كان من الثمانينات كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب، وعن أسرارهم بالنسبة لبرنامج تخصيب اليورانيوم وهذه.. وأيضاً طرق غير قانونية في الحصول على هذا اليورانيوم، وأيضاً تم اتهام أحد العلماء بالخيانة، بسب انتهاكه لكثير من القوانين وتم نقاش كثير بالنسبة لبرامج تخصيب اليورانيوم في العراق منذ زمن طويل.

محمد كريشان: سيد أولبرايت الكشف الذي قدمته بغداد إلى الأمم المتحدة يتضمن أسماء 200.. 207 شركات، وواحد وعشرين دولة تعاونت من بينها ألمانيا وبريطانيا والهند وفرنسا، وهناك علماء أيضاً من هذه الدول، لماذا لا يقع مثلاً التركيز على علماء هذه الدول، والتركيز فقط على علماء العراق؟

ديفد أولبرايت: نعم، لقد قالوا بذلك وقد قاموا بمقابلتهم بشكل مكثف وحصلوا منهم عن أمور كثيرة ومعلومات كثيرة إذا كانوا فعلاً قد زودوا العراق بمواد في التسعينات أو قبل ذلك، وكثيراً منهم تعاونوا مع الحكومة العراقية وهذا مهم جداً أن يتعاون العراقيين في هذا الإطار، لأنه للمؤسف فالعراق لم ترغب بالإجابة على الأسئلة التي طرحتها.. طرحها المفتشين في التسعينات بالنسبة لنشاطات العراق في مجال الأسلحة، وبالتالي عدم التعاون العراقي في هذا الصدد.. الصدد منذ عام 98 أعتقد أنه مستمر والوقت بدأ ينفذ، وبالتالي نحن لا نريد أن نرى الحرب، لكن هذه العملية يجب أن تبدأ بشكل.. أن تستمر بشكل صحيح وبتعاون متزايد من العراق بالسماح للمفتشين بإجراء المقابلات مع.. مع العلماء دون وجود مسؤولين عراقيين وإلا فإننا سننتهي بأمر مؤسف.

محمد كريشان: في.. في نوفمبر الماضي الكونجرس الأميركي سَنَّ قانوناً يعرف بقانون هجرة العلماء العراقيين عبر تقديم حق الإقامة الدائمة وبعض الإغراءات الأخرى، هل هذا أيضاً يعطي انطباع بأن الغرض هو استقطاب هؤلاء وليس البحث عن الحقيقة في نهاية المطاف؟

ديفد أولبرايت: كلا، هذه مسألة بسيطة جداً، فنحن لا نتحدث عن هذا الجزء من القرار، لكنني أضيف ذلك، فإذا تم استجواب العراقيين خارج العراق مثلاً في قبرص ولا يريدون هؤلاء العلماء العودة إلى العراق، إذا لم يرغبوا بالعودة فإنهم بحاجة أن يتوجهوا إلى أي دولة، فالأمم المتحدة لا توفِّر اللجوء السياسي، بالتالي فمن.. من مسؤوليتنا أن نقول: نعم، الولايات المتحدة ستقدم لهم المأوى وسترحب بهم في المعيشة في الولايات المتحدة وأن يتم مساعدتهم في ذلك، وبالنهاية سيكون.. يعود الأمر للعالم العراقي الذي يتم استجوابه ليتخذ هذا القرار إذا أراد اللجوء السياسي فليس بالأمر الذي يفرض على.. من خلال المفتشين، فالمفتشين لديهم رأي آخر وهو أن هذه العملية تتم وتتقدم للأمام واستجواب العلماء بدون وجود أي مسؤولين عراقيين وأخذهم إلى قبرص وهذا ليس من مصلحتهم أن يوفروا اللجوء السياسي لهم في أي مكان آخر.

محمد كريشان: لماذا.. لماذا لا تترك واشنطن هذا الأمر يسير بشكل طبيعي ويترك الأمر لتقييم المفتشين ولا تقحم نفسها في تقييم الأمر قبل حتى انتهاءه؟

ديفد أولبرايت: نحن.. إنهم لا يقحمون أنفسهم، بل هنالك أعضاء بمجلس الأمن قرروا بإجماع أن على العراق أن يسمح للعلماء بأن يتم استجوابهم داخل أو خارج العراق دون وجود أي شخص مسؤول من العراق فهذا يجب أن يتم دون أي مخاطرة، أو تعريض العلماء للمخاطرة، فإذا كان هذا الأمر أو هنالك تخوف من العلماء وكانوا يخفوا.. أو كانوا يخفون معلومات عن المفتشين، أعتقد أن هذه المسألة يجب أن تحسم خلال اليومين القادمين، فكما قلت سابقاً فإن مجلس الأمن بدأ ينفد صبره بالنسبة لعدم التزام ووفاء العراق لالتزاماته، فكيف لهم أن يقدموا تقريراً ويقولوا أن العراق لا يتعاون، ويبدو أن كما ذكر (هانز بليكس) في رسالته الأساسية وهي أنه إذا أبدى العراق تعاوناً كاملاً وفي حالة عدم التعاون في مسألة العلماء فهي من الأمثلة العديدة التي تؤكد عدم التعاون.

محمد كريشان: إذا سيَّرنا المنطق الأميركي الذي يقول: إن العلماء يشعرون ربما بالخوف على أهاليهم وعائلاتهم ولابد من استجوابهم في الخارج صحبة هذه العائلة، من يعرف المجتمع العراقي هو مجتمع قبلي وعشائري يعني العالم حتى إن استطاع فَرَضَاً أن يُؤمِّن زوجته وأبناءه لا يستطيع أن يؤمن بقية العائلة وبالتالي الاستجواب في الخارج ليس هو الحل من هذا المنطق.

ديفد أولبرايت: نعم، هذا.. الأمر الذي يمكن أن يحدث هو أن يستمر المفتشين بزيارة أعضاء الأسرة الممتدة فيأخذون هذا الموضوع بمحمل الجد وأن يقابلوا أفراد الأسرة الممتدة وليس فقط العائلة المباشرة للعلماء، فبالتالي قد تتعرض الحكومة العراقية لهؤلاء الأفراد ويتأكد المفتشون إذا كان فعلاً هذا يحدث أم لا، فإذا بقي الشخص عالم.. إذا بقي شخص من أقارب العالم العراقي وتعرض لأي عملية تهديد أو للقتل فسيكون هذا ذو عواقب وخيمة على العراق.

محمد كريشان: سيد ديفد أولبرايت، شكراً جزيلاً لك.

وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.