لينا بن مهنا - ناشطة ومدونة تونسية - شاهد على الثورة 15/7/2012
شاهد على العصر

لينا بن مهنا.. شاهدة على الثورة التونسية ج2

تستضيف الحلقة الناشطة والمدونة التونسية لينا بن مهنا، لتدلي بشهادتها حول دور المدوّنين وشباب الفيسبوك والإنترنت في الثورة التونسية، ولتجيب عن التساؤلات التالية: ما أشكال حجب المواقع الإلكترونية؟ كيف تم التخطيط لحملة فلاش موب ضد الحجب؟
‪أحمد منصور‬ أحمد منصور
‪أحمد منصور‬ أحمد منصور
‪لينا بن مهنّا‬ لينا بن مهنّا
‪لينا بن مهنّا‬ لينا بن مهنّا

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج شاهد على الثورة، حيث نواصل الاستماع إلى شهادة المدوّنة التونسية لينا بن مهنا، حول دور المدوّنين وشباب الإنترنت والفيس بوك في الثورة التونسية، لينا مرحبا بك، الآن نجحتم في شهر مايو 2010، من التحول من العالم الافتراضي للمدوّنين ومتابعي الفيس بوك في تونس، إلى النزول إلى الواقع حينما دعوتم إلى أن يخرج الناس ليعبروا عن رفضهم لإغلاق المدوّنات، ونزل الناس إلى شارع الحبيب بورقيبة يرتدون القمصان البيضاء، وأزهار الياسمين معهم للتعبير عن هذا الأمر، وكان هذا نقلة بالنسبة لكم للخروج من أجواء الكمبيوتر إلى الواقع، هناك حملة أخرى قمتم بها أيضا قبل أن نصل للثورة التونسية، كانت في أغسطس 2010، فلاش موب ضد الحجب، أيضا كانت قضية الحجب قضية مؤرقة بالنسبة لكم، كيف خططتم لهذه الحملة؟

احتجاجات ضد سياسة حجب المواقع الإلكترونية

لينا بن مهنّا: تواصل الحجب وازدادت حدته في تونس.

أحمد منصور: إيه أشكال الحجب؟

لينا بن مهنّا:  يعني هي حجب المواقع.

أحمد منصور: حتى المواقع العادية؟

لينا بن مهنّا: نعم، خاصة المدوّنات والمواقع الإخبارية، الحجب أصبح يتم بصفة عشوائية، طال مواقع متنوعة، فقررنا القيام بفلاش موب ضد الحجب.

أحمد منصور: إيه معناها يعني؟

لينا بن مهنّا: فلاش موب هو، في مجموعات نقوم نفس الشيء، بحركة مشتركة، ونحن قررنا مرة أخرى الالتجاء إلى القمصان البيضاء والياسمين، قررنا أن تكون العملية في سيدي بوسعيد.

أحمد منصور: سيدي بوسعيد حي من أحياء مدينة تونس، وقريب من القصر لرئاسي في قرطاج.

لينا بن مهنّا: نعم، في الضاحية الشمالية يعني.

أحمد منصور: ضاحية الأغنياء كما يقال.

لينا بن مهنّا: نعم، قررنا أن نذهب هناك في مجموعات صغيرة وأن نلتقي هناك، أتذكر أنني ذهبت في مجموعة، وهناك من سبقنا، ولما كنا في القطار تفطنا إلى وجود بعض رجال الشرطة في الزي المدني، ووصلني اتصال هاتفي من مجموعة سبقتنا إلى هناك، وقالوا لي المكان محاط برجال الشرطة وقد أجبرونا على العودة، وفي القطار ناقشنا هل نعود أم نذهب؟

أحمد منصور: من كان معك في القطار؟

لينا بن مهنّا: كان معي الصحفي سفيان الشرابي وشخصان آخران.

أحمد منصور: مين اللي دعا لهذا؟ نفس مجموعة المدونين؟

لينا بن مهنّا: نعم نفس المجموعة.

أحمد منصور: أنتم أعدتم تنظيم نفسكم مرة ثانية ولا بقيتوا في إطار العشين مدوّن الأساسيين؟

لينا بن مهنّا: هم في الحقيقة في حملة نهار على عمار العدد أصبح أكثر من عشرين، في الحوض المنجمي يعني المدوّنة كان فيها عشرين، ولكن العدد أكبر، وكان معنا يعني الذي قام بالتنسيق للفلاش موب، وهو طارق الكحلاوي، مدوّن يعيش في أميركا ولكنه عاد إلى تونس، في تلك الفترة في الصيف، وهو أستاذ جامعي.

أحمد منصور: أنتم كنتم في أغسطس هنا، إجازة صيفية.

لينا بن مهنّا: نعم، إجازة صيفية، ولهذا اخترنا سيدي بوسعيد، الصيف، والياسمين.

أحمد منصور: سيدي بوسعيد فيها الشواطئ وفيها الأماكن، وفيها خروج الناس في الصيف.

لينا بن مهنّا: نعم، وهو في الحقيقة قبل أن نقوم بهذه الحملة حاولنا القيام بحملة أخرى اسمها رسالة إلى نائب، قمنا بكتابة رسائل إلى النواب في مجلس النواب، كل منا اختار نائب أو نائبين وقام ببعث رسالة يطالبه فيها بالكشف عن عمليات الحجب ومن يقف وراءها.

أحمد منصور: بس النواب كانوا موظفين، ليس لديهم الجرأة ليفتحوا آفاق..

لينا بن مهنّا: نعم، ولكن نحن أردنا أن نقوم بإحراجهم، ولكن الحملة لم تكن ناجحة يعني.

أحمد منصور: في المرة الثانية.

لينا بن مهنّا: هذه الحملة، رسالة إلى نائب.

أحمد منصور: آه، رسالة إلى نائب.

لينا بن مهنّا: لم يشترك بها العديد من الناس ولم نحصل على إجابات من النواب، لذلك قمنا بالفلاش موب، كما قلت لما كنا في القطار، أعلموني بوجود رجال الشرطة ولكن أنا أصريت على الذهاب إلى سيدي بوسعيد، ولما وصلنا لم نجد رجال الشرطة.

أحمد منصور: ماذا وجدتم؟

لينا بن مهنّا: يعني في المحطة كانت الأمور عادية، المواطنين ينتظرون القطار، واتجهنا إلى المقهى الذي اتفقنا على اللقاء فيه، وكنت أنتظر وصول طارق لكن طارق هاتفني ليعلمني أن منزله محاصر برجال الشرطة فبقي بالمنزل، وكانوا يقومون بمتابعة كل حركاته، كلما خرج بالسيارة كانوا يتابعونه بدراجة نارية.

أحمد منصور: هل أيضا هم لم يقبضوا عليه معه جنسية أميركية، أو جنسية أخرى أو شيء؟

لينا بن مهنّا: لا أعرف.

أحمد منصور: لا تعرفين، لكن هنا الأمن ما كانش بينهج النهج اللي كان يتبعه مع الإسلاميين مثلا، الإسلاميين يعني على طول قبض عليهم وإلقاء في السجون وتلفيق قضايا، أنتم كان في كر وفر يعني، مراقبة، تضييق، يقبض عليكم ساعات، ما كانش المجال مفتوح، هل النظام كان يخشى إنكم بتتواصلوا بسرعة وضغوط خارجية ولا في حسابات ثانية؟

لينا بن مهنّا: لا أعرف يعني.

أحمد منصور: أنتم أصبحتم سلاح يهدد النظام.

لينا بن مهنّا: نعم.

ملاحقات أمنية لمدوني الإنترنت بطريقة الكر والفر

أحمد منصور: ولم يكن في حسبان النظام، والإنترنت النظام يتحكم به، كل ما يملكه الآن هو أن يحجب المواقع، وأنتم تخرجوا تتظاهروا، تتنادوا مع المدوّنين في خارج تونس وداخلها، وتشكلوا آلية من الضغط، سلاح جديد ليس في حسب النظام أن يواجهه.

لينا بن مهنّا: لا أعرف لماذا انتهج النظام معنا هذه الطريقة، طريقة الكر والفر، ربما أيضا لأننا لم نكن في تنظيمات سياسية، على الأغلبية يعني.

أحمد منصور: أنتم بقيتم تنظيم خطير.

لينا بن مهنّا: هو ليس تنظيم قائم، ليس حزبا سياسيا أو جمعية يعني، الأشخاص قد يتغيرون قد يزيد العدد، قد ينقص، هو ليس تنظيم قائم الذات.

أحمد منصور: ماذا فعلتم في هذا اليوم؟

لينا بن مهنّا: كما قلت وصلنا هناك كانت الحالة عادية ولكن لما اقتربنا من المقهى سمعت شخص يناديني باسمي.

أحمد منصور: آه، مرة أخرى.

لينا بن مهنّا: مرة أخرى، فالتفت فوجدت أنه نفس.

أحمد منصور: نفس الشخص اللي كان هناك.

لينا بن مهنّا: نفس الشخص نعم، ونادى سفيان باسمه، ولم يكونا يعرفان الشخصان الآخران، أنه ليس من الوجوه المعروفة في عالم الإنترنت يعني، وأوقفوهم.

أحمد منصور: أكيد خفتي بقى، قلبك وقع في رجليك زي ما بقولوا بالمصري يعني.

لينا بن مهنّا: طبعا، ولكن أنا مشكلتي لما أخاف أبدا بالتصعيد.

أحمد منصور: الخوف عندك بيدفعك إلى التحدي والشجاعة، وليس إلى التراجع.

لينا بن مهنّا: أصبح عصبية وأهاجمهم بالكلام، طلبوا منا بطاقات تعريف وسألونا عدة أسئلة.

أحمد منصور: إيه سألوكم؟ قالوا لكم إيه؟

لينا بن مهنّا: يعني الواضح أنهم كانوا يعرفون كل المخطط، يعني سألونا أنتم ذاهبون للقيام بكذا وكذا وكذا، تظاهرت، قلت لهم، لا نحن أتينا لنشرب قهوة، هل شرب القهوة في مقهى عمومي ممنوع في تونس؟ وبدأت أصرخ تونس للجميع، ولنا الحق أن نتنقل حيث نريد، بدأت أصرخ بصوت عالي وأجيبهم بصوت عالي.

أحمد منصور: الناس في الشارع.

لينا بن مهنّا: الناس في الشارع كانوا يلتفتون ثم يكملون الطريق.

أحمد منصور: كالعادة يعني.

لينا بن مهنّا: كالعادة، نعم، وأجبرونا على العودة إلى محطة القطارات، وهناك دخلت معهم في نقاش لأنني كنت أريد الذهاب إلى المرسى لأنني.

أحمد منصور: أعادوكِ مرة أخرى لمحطة القطار؟

لينا بن مهنّا: محطة القطارات في سيدي بوسعيد، ليس في تونس، ولكنني دخلت معهم في نقاش حاد لأنني كنت أريد الذهاب لمدينة المرسى القريبة من سيدي بوسعيد، في الضاحية الشمالية لأنه من المفروض أنني سألتقي مدوّنين، كطارق الذي اتفقت أن أتقابل معه بعد القيام بالفلاش موب.

أحمد منصور: كده الفلاش موب فشل.

لينا بن مهنّا: نعم، كل مجموعة صغيرة كانت تصل، كانوا يقومون بإعادتها، إلى تونس.

أحمد منصور: هم يقومون بالإعادة، لا يتركوكم تجتمعوا، يجبروكم على العودة لمحطة القطار.

لينا بن مهنّا: نعم، ما وقع معي هو أنهم أجبروني على الذهاب إلى تونس وليس إلى مدينة المرسى، وطبعا كنا أربعة أشخاص صعد معنا في القطار أكثر من عشرة من رجال الشرطة بالزي المدني.

أحمد منصور: مخبرين يعني، رجال الأمن.

لينا بن مهنّا: نعم، منهم الشخص الذي كان.

أحمد منصور: صديقكم هذا.

لينا بن مهنّا: نعم، وعندما.

أحمد منصور: أحاطوا بكم يعني، واقفين مجبرينكم كأنه ينقلوكم للعودة.

لينا بن مهنّا: لأ، إحنا كنا واقفين في وسط القطار وهم واقفين.

أحمد منصور: حواليكم.

لينا بن مهنّا: في القطار، حوالينا يعني، وأنا كنت أحاول استفزازهم عندما يقترب القطار من محطة.

أحمد منصور: تحاولي تنزلي.

لينا بن مهنّا: أحاول أنزل، نعم، وعندما وصلنا إلى تونس، إلى العاصمة، وجدنا أكثر من عشرين رجل شرطة في انتظارنا، وكان فيهم رجل شرطة، هو القائد، أنا أعرفه لأنه قام بالاعتداء وبتعذيب العديد من الطلبة، وكان معي، متواجد معي في.

أحمد منصور: تعرفين اسمه؟

لينا بن مهنّا: لا أعرف اسمه العائلي، أعرف أن اسمه يسري، لكن لا أعرف.

أحمد منصور: كان رتبته إيه؟

لينا بن مهنّا: لا أعرف هو دائما، بزي مدني، ولكن دائما هو من يعطي التعليمات، واضح أنه من يعطي التعليمات وحدثني عنه الكثير من الطلبة والطالبات أيضا، عندما رأيته شعرت بالخوف وكان معي بالمجموعة أحد الطلبة الذين تم إيقافهم والذين تعرضوا للتعذيب على يديه يعني، يعرفه، يعرفان بعضهما البعض، عندما وصلنا هناك، كان يعطي التعليمات، قال لهم، أتركوا الأولاد أحتاج الفتاة فقط.

أحمد منصور: احتجزوا الفتاة فقط.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: عليكِ أنت.

لينا بن مهنّا: نعم، ولكن أصدقاء معي رفضوا الذهاب، في الأخير أجبر سفيان الشرابي والشخص الآخر على الذهاب، وتركوني أنا والطالب ودخلنا معهم في نقاشات حادة في الشارع.

أحمد منصور: إيه طبيعة النقاشات؟

لينا بن مهنّا: حتى الناس، هم كانوا يحاولون إجبارنا على الدخول في شارع مظلم وضيق، المحطة في شارع بورقيبة وكانوا يحاولون إبعادنا، وإدخالنا لكننا رفضنا.

أحمد منصور: حاولوا يجذبوكم يعني ولا بالكلام، صرختم؟

لينا بن مهنّا: حاولوا، كنا نصرخ، والطالب معي دخل معه يسري في مشادة وقال له أنت قمت بتعذيبي وكيف تطلب منا أن نترك لينا معك، وأنت جلّاد وأنا أعرفك، يعني دخل في مشادة عن تجربتهما معا، وقد حاول أحدهم تفتيش حقيبتي فبدأت في الصراخ، الناس كانوا يمرون ينظرون ثم يواصلون الطريق، لكن من حسن الحظ.

أحمد منصور: كان يؤلمك إن الناس تكتفي دائما بالفرجة.

لينا بن مهنّا: نعم، طبعا، وهم ليسوا، أو الخوف يحد من تدخلهم.

أحمد منصور: ما كانوش ينظروا إلى إنه دول ناس مدنيين بحاولوا الاعتداء على فتاة أو يأخذوا حقيبتها، أو يضربوها، أو يسرقوها.

لينا بن مهنّا: لا يهم، كانوا من الواضح أنهم رجال الشرطة، كان معه جهاز اللاسلكي للأمن، ومن حسن الحظ أن مرّ شابان نعرفهما ينتميان إلى حزب من أحزاب المعارضة، اتصلا بالهاتف أمام رجال الشرطة وتعمدا ذلك، بصوت قوي، أوضحا لرجال الشرطة أنهما يقومان بتمرير المعلومة، معلومة إيقافنا.

أحمد منصور: آه، نعم.

لينا بن مهنّا: وحتى أنهما خاطبانا وقالا: لا تخافا، عندها أعتقد أن يسري أعطى الأمر بإخلاء سبيلنا، ولكن نحن نسكن في الضاحية الجنوبية، أعطى التعليمات إلى أعوانه أن يقوموا بإيصالنا إلى محطة القطارات حتى نبتعد عن العاصمة.

أحمد منصور: وصلتِ إلى البيت؟

لينا بن مهنّا: وصلت إلى البيت.

أحمد منصور: كنتِ خائفة؟

لينا بن مهنّا: في الحقيقة لا لم أصل إلى البيت.

أحمد منصور: ماذا، أين ذهبتِ؟

لينا بن مهنّا: نعم، تمكنا من الهروب هو بعث معنا عوني أمن، قمنا بمخادعتهما وتمكنا من الذهاب إلى مدينة المرسى حيث التقينا.

أحمد منصور: آه، مرة أخرى.

لينا بن مهنّا: نعم،  التقينا بالمدوّنين، وقمنا بصور بالأقمصة البيضاء.

أحمد منصور: في هذا اليوم.

لينا بن مهنّا: في نفس اليوم.

أحمد منصور: بثّيتوها على الإنترنت.

لينا بن مهنّا: بثيناها على الإنترنت.

أحمد منصور: حتى تثبتوا نجاح اليوم.

لينا بن مهنّا: نعم، وبعد يوم اتصلت بي الجزيرة، وتدخلت على الجزيرة وتحدثت عن هذه التجربة عن طريق الهاتف، وبعد يوم، وأنا ذاهبة، كنت أعمل في الصيف، ذاهبة إلى العمل، في القطار كان معي الطالب وتفطنّا إلى وجود رجال الشرطة بالزي المدني معنا، عوني أمن طبعا، وعندما نزلنا من محطة القطارات كانا يتابعانا واختفيا فجأة وبعد ذلك تفطنا إلى وجود خمسة أعوان وراءنا، وكانوا يتابعوننا، من الواضح أنهما.

أحمد منصور: حدث مضايقة مباشرة ليكِ بعد تدخلك في قناة الجزيرة؟

لينا بن مهنّا: نعم، لما تفطنا إلى وجودهم بدأنا بالركض في وسط العاصمة واتجهنا إلى دار المحامين، وتابعونا حتى دخلنا في أزقة المدينة العتيقة.

أحمد منصور: الآن مايو، أغسطس نجحتم في الحملات، أصبح لكم وجود على الأرض، وليس فقط في العالم الافتراضي، هل خططتم لشيء قبل حادث البوعزيزي في السابع عشر من ديسمبر؟

لينا بن مهنّا: لا في الحقيقة لا.

أحمد منصور: السابع عشر من ديسمبر مثل يوم تحول هائل في تاريخ تونس الحديث، كيف تلقيتِ خبر قيام البوعزيزي بحرق نفسه؟

لينا بن مهنّا: يعني أنا كانت صدمة كبيرة، وأحسست بالإحباط لأنها ليست المرة الأولى، قبلها بأشهر شاب آخر اسمه عبد السلام تريمش قام بإحراق نفسه في مدينة المنستير بعد تعرضه لحجز عربته من قبل الشرطة البلدية، وفي البداية الأخبار كانت تقول أن محمد البوعزيزي حاصل على شهادة جامعية، حزّ الأمر في نفسي كثيرا، وكنت في منزل صديقة لي محامية، وكنا، نحن تلقينا الخبر على الفيسبوك.

أحمد منصور: في نفس اليوم؟

لينا بن مهنّا: في نفس اليوم، وشاهدنا الفيديوهات في نفس اليوم، وما قام به سكان منطقة سيدي بوزيد، وبما أنها محامية اتصلت بزملائها في سيدي بوزيد، لتتأكد من الأخبار، وأردنا الذهاب إلى سيدي بوزيد في نفس اليوم ولكن لم تكن لدينا الإمكانيات لنذهب، فبدأنا نتابع الأخبار، هي تتصل بزملائها.

أحمد منصور: إيه طبيعة الدور الآن؟ يعني دوركم الآن، أنتم الآن الدنيا بدأت تتطور، سيدي بوزيد بدأت في الاحتجاج في الأيام المتتابعة، ورقاب كذلك، وباقي المدن، إلى أن وصلت إلى القصرين وغيرها، هل كان الشباب المدونين بدؤوا يتواصلوا فيما بينهم لمواكبة هذا التغير الذي بدأ يحدث على الأرض التونسية؟

لينا بن مهنّا: في الحقيقة الأمور فاجأتنا، ولكن كان كل واحد يتحصل على معلومة يقوم بنشرها والبقية ينشرونها، عندنا ثقة في بعضنا البعض، يعني  هناك أشخاص معينين إذا قاموا بنشر معلومة يمكن تصديقهم لأننا نعرف أنهم قاموا بالتثبت من صحة المعلومة.

أحمد منصور: أنت في الوقت ده، أصبحتِ تجلسي على جهاز الكمبيوتر معظم الوقت ولا ماذا كنتِ تفعلين؟

لينا بن مهنّا: في الأيام الأولى نعم، في الأسبوع الأول نعم، بدأت أكتب خاصة على المدونة بثلاث لغات، العربية والفرنسية والإنجليزية، حتى تمر المعلومة، وبدأت أتابع، أعانتني صديقتي المحامية كثيرا، بالطبع باتصالها بزملائها هناك.

أحمد منصور: في سيدي بوزيد.

لينا بن مهنّا: في سيدي بوزيد للتأكد من المعلومات.

أحمد منصور: مدوّني سيدي بوزيد لعبوا دور أيضا، الشباب.

لينا بن مهنّا: نعم، أنا لم أكن على علاقة بهم قبل ذلك، أعرف البعض منهم على الفيس بوك، وقاموا بإنشاء مجموعة على الفيس بوك، اسمها شعب تونس يحرق نفسه يا سيادة الرئيس، وكنا نتابع الأخبار.

دور وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الثورة

أحمد منصور: كيف لعبت هذه الشبكة، الفيسبوك والإنترنت، العالم يريد أن يفهم كيف الدور الرئيسي في التأجيج والتواصل بين التوانسة في الثورة؟

لينا بن مهنّا: نعم، هي في البداية المهمة كانت نشر المعلومة قبل أن تتحول إلى تحشيد الجماهير، في البداية نشر المعلومة، كان هناك تعتيم إعلامي من قبل وسائل الإعلام التونسية، ومن النظام التونسي، ولكن الناس الموجودون على الميدان كانوا يقومون بتصوير الفيديوهات، ويقومون بنشرها، وكنا نحن نعيد نشرها.

أحمد منصور: كانت تقريبا تصل لكم شخص؟ يعني تقريبا في هذا الوقت بلغ عدد المشتركين في الفيس بوك من التوانسة مليون و800 ألف.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: يعني كانت في حدود هؤلاء ولا الإنترنت كان فضاؤه أوسع ؟

لينا بن مهنّا: هو في البداية أقل من هؤلاء، في تونس، يعني في الأيام الأولى، ما زال الخوف موجود، والناس كنا، يعني المهتمين بالشأن العام كانوا يقومون بنشر هذه الفيديوهات، ولكن بقية الناس كان، يعني عندي عدد كبير من الأصدقاء على الفيس بوك، كنت أرى من كان يواصل نشر الأغاني والأحداث الرياضية، يعني في البداية لم يشترك الجميع في هذا.

أحمد منصور: أنتِ قلتِ أسبوع، يعني لو سبعة عشر، أربعة وعشرين، سقط أول شهيد للثورة في سيدي بوزيان.

لينا بن مهنّا: في منزل بوزيان، نعم.

أحمد منصور: في منزل بوزيّان.

لينا بن مهنّا: محمد العماري، نعم.

أحمد منصور: محمد العماري، الموقف تغير هنا.

لينا بن مهنّا: نعم، هو دعني أقول أن الموقف تغير لما بدأت المجزرة في القصرين.

أحمد منصور: في القصرين.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: ثمانية وتسعة وعشرة.

لينا بن مهنّا: نعم، وأنا ما قبل تلك الفترة ما كنت أقوم به أيضا هو التواصل مع بعض القنوات التلفازية الأجنبية يعني، كما نعلم الصحفيون لم يكونوا يستطيعون الدخول إلى تونس.

أحمد منصور: صح.

لينا بن مهنّا: لمواكبة الأحداث.

أحمد منصور: لكن كانت الأنباء تتوالى، بن علي ظهر لأول مرة يوم الثامن والعشرين من ديسمبر، وألقى خطابه الذي تحدث فيه عن العصابات التي تقوم بالعمل، الملثمين وغيرها، فأعطى انتباها إلى العالم، بدأ ينتبه إلى ما يحدث في تونس.

لينا بن مهنّا: نعم، ولكن قبل أن يقوم بذلك تحركنا في العاصمة أيضا.

أحمد منصور: المحامين خرجوا، شاركتِِ معاهم؟

لينا بن مهنّا: قبل المحامين، يوم خمسة وعشرين ديسمبر أمام مقر اتحاد الشغل في ساحة محمد علي، اجتمعنا مجموعة من الناشطين، فيهم محامين طبعا، وكنت موجودة ولم يكن العدد كبير جدا، ولكن تمكنا من اختراق ثلاثة حواجز لرجال الشرطة وتمكنا من ترك الساحة، ولفتنا انتباه الناس في الشارع، استغليت الفرصة وقمت بالتصوير، ونشرت كل شيء، فيديوهات، صور.

أحمد منصور: شعرتِ إن معدل المشاهدة، المتابعة ارتفع شوية ولا كان لا زال.

لينا بن مهنّا: نعم، ارتفع.

أحمد منصور: يعني نقول بعد أسبوع من قيام البوعزيزي بحرق نفسه، بدأ التوانسة ينتبهوا إلى وجود شيء في بلادهم.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: وأيضا الخارج إعلاميا.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: إيه أهم القنوات اللي كنتِ تتواصلي معها تلفزيونيا؟

لينا بن مهنّا: تواصلت مع الجزيرة بالعربية وبالإنجليزية، وتواصلت مع فرانس فان كاتر.

أحمد منصور: فرانس 24.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: بالفرنسية والعربية.

لينا بن مهنّا: بالفرنسية والعربية والإنجليزية.

أحمد منصور: والإنجليزية.

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: خطاب بن علي يوم الثامن والعشرين، عمل تحول في المسار؟

لينا بن مهنّا: هو قبل الخطاب، المظاهرة الأولى يوم.

أحمد منصور: خمسة وعشرين.

لينا بن مهنّا: خمسة وعشرين.

أحمد منصور: المظاهرة الثانية يوم ستة وعشرين.

لينا بن مهنّا: ستة وعشرين احتجاج المحامين وكنت موجودة وقمت.

أحمد منصور: الثامن والعشرين كان.

لينا بن مهنّا: الثامن والعشرين، سبعة وعشرين، هو سبعة وعشرين أعتقد المحامين، ثمانية وعشرين مظاهرة أخرى في ساحة محمد علي.

أحمد منصور: في نفس مظاهرة المحامين ثمانية وعشرين، لأن بن علي ألقى خطابه في الليل، وأيضا الناس كانت تتجمع في بعض الساحات.

لينا بن مهنّا: أنا كنت حاضرة.

أحمد منصور: في الاثنين.

لينا بن مهنّا: في الاثنين، نعم، وكان معي المحامين، عندي عدد أصدقاء محامين، يعني في ساحة محمد علي تعرضنا إلى العنف وما زالت لدي فيديوهات.

أحمد منصور: كانت مشاهد جديدة على تونس العاصمة أن تحدث فيها هذه التجمعات، بهذا الشكل.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: ولشأن داخلي يتعلق بمطالب داخلية، فاكرة المطالب كانت إيه؟

لينا بن مهنّا: نعم، الشغل، التشغيل، الحرية، الكرامة.

أحمد منصور: كيف تطورت المطالب بعد ذلك؟

لينا بن مهنّا: يعني هي في الأيام الأولى مطالب اجتماعية، وحريات، ولكن أنا أول مرة سمعت الناس يطلبون رحيل بن علي بطريقة مباشرة كانت في القصرين.

أحمد منصور: قبل أن أذهب للقصرين أيضا، كان في حراك، أنتي من ضواحي تونس، من جنوب العاصمة، كان في حراك أيضا في الضواحي وفي بعض الأحياء.

لينا بن مهنّا: في البداية لا.

أحمد منصور: يوم عشرة وما بعدها، متى قررتِ تروحي سيدي بوزيد؟

لينا بن مهنّا: يوم ثمانية يناير.

أحمد منصور: كنتِ وحدك؟

لينا بن مهنّا: لا، ذهبت مع فريق صحفي تمكن من الدخول إلى تونس.

أحمد منصور: جنسياتهم إيه؟

لينا بن مهنّا: من فرنسا.

أحمد منصور: فرنسا.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: احكِ لنا كيف دخلتم إلى سيدي بوزيد، كانت محاصرة تقريبا.

لينا بن مهنّا: هو في الحقيقة نحن حاولنا الذهاب إلى مدينة القصرين، لكن منعنا من الدخول.

أحمد منصور: بداية حاولتم القصرين.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: القصرين بدأت تشتعل فيها الأحداث من يوم أربعة لما الطلبة بدؤوا، رجعوا المدارس مرة أخرى وأغلقت المدارس، والقصرين هي أكبر مدينة قدمت شهداء في الثورة التونسية.

لينا بن مهنّا: القصرين وتالا، نعم.

أحمد منصور: حاولتم دخول القصرين لم تتمكنوا.

لينا بن مهنّا: نعم، لم نتمكن من ذلك.

أحمد منصور: رجعتم إلى سيدي بوزيد.

لينا بن مهنّا: نعم، الحرس أخبرونا بأننا نستطيع الذهاب إلى سيدي بوزيد، ولما وصلت سيدي بوزيد فهمت لماذا سمحوا لنا بالدخول؟ المدينة كانت هادئة بسبب تواجد رجال الأمن بكثافة، كانوا في كل مكان، الأمن والجيش الوطني أيضا، نعم وصلنا هناك وعندما استعملت الإنترنت أعلنت أنني في سيدي بوزيد، وصلتني رسائل خاصة من شباب في مدينة الرقاب وأخبروني أن الشرطة تقوم بقتل الناس في مدينة الرقاب، هذا في.

أحمد منصور: يوم ثمانية.

لينا بن مهنّا: يوم تسعة، بعد يوم.

أحمد منصور: تسعة.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: يوم تسعة الرقاب قتل فيها خمس أشخاص.

لينا بن مهنّا: نعم، أنا وصلت في ساعة متأخرة نوعا ما، لم أستطع يعني، كنا مراقبين، اتصلت بنقابي ساعدني على الخروج من سيدي بوزيد إلى الرقاب من خلال طرق فرعية.

أحمد منصور: وكان معك الصحفيين الفرنسيين؟

لينا بن مهنّا: لا، لم يذهب كل الفريق، ذهب معي شخصان، والنقابي من سيدي بوزيد.

أحمد منصور: دخلتم الرقاب.

لينا بن مهنّا: دخلنا يعني في ساعة متأخرة. 

أحمد منصور: ماذا وجدت ورأيتِ فيها؟

لينا بن مهنّا: نعم، كانت المدينة تحترق وآثار التخريب في كل مكان، إطارات مطاطية تشتعل، والحجارة في الطريق.

أحمد منصور: كان معك الكاميرا صورتِ؟

لينا بن مهنّا: نعم، ذهبنا مباشرة إلى المستشفى، وجدنا طبيب واحد، ووجدت مجموعة من الشبان عرفوني لأنهم يعرفون نشاطي على الإنترنت وشاهدوني عدة مرات على القنوات التلفازية الإخبارية، الطبيب مدّني بقائمة الموتى والجرحى يعني.

أحمد منصور: عدد القتلى كانوا خمسة.

لينا بن مهنّا: خمسة نعم.

أحمد منصور: والجرحى فوق العشرين.

لينا بن مهنّا: نعم، وذهبت إلى منزل أحد الشهداء، اسمه نزار السليمي، ودخلت المنزل.

أحمد منصور: كيف كان المنظر في البيت؟

لينا بن مهنّا: يعني كان جسده مسجّى على الأرض، ووالدته تبكي وكل العائلة موجودة، يعني يذرفون الدموع، ولكن والدته كانت تصرخ، وفي حالة هستيرية يعني، فقدت ابنها، أنا بدأت في البكاء أيضا، وفي البداية لم أستطع التصوير، لم أقدر على ذلك، ولكن عندما والدته شاهدت الكاميرا في يدي وأنا أرتعش، هي طلبت مني بذلك، قالت أريد أن يرى العالم فظاعة نظام بن علي، شجعتني على ذلك، وهكذا قمت بتصوير جسده، ومدني الشاب يعني من الرقاب يعرفني، مدني بديسك فيه صور بقية الشهداء، وقد طلب منا مغادرة المكان بسرعة، الشباب الذين رافقونا وصلتهم المعلومة أن الشرطة سمعت بوجودنا وطلبوا منا أن نغادر المكان لسلامتنا يعني، وهذا ما حصل يعني، وبقيت.

أحمد منصور: غادرتِ الرقاب في المساء؟

لينا بن مهنّا: غادرت الرقاب وعندما وصلت إلى سيدي بوزيد قمت بنشر تلك الصور.

أحمد منصور: مباشرة.

لينا بن مهنّا: مباشرة، والقائمة وكل شيء، ليلتها وصلتني رسائل وإيميلات من كل العالم، صحفيين، وناس يسألون، الصور كانت فظيعة.

أحمد منصور: نمتِ في سيدي بوزيد يوم تسعة؟

لينا بن مهنّا: نعم، نمت في سيدي بوزيد، وحاولت الدخول إلى الرقاب مرة أخرى يوم عشرة لأن تدخل رجال الشرطة وعنف رجال الشرطة تواصل، لكننا منعنا من الدخول.

أحمد منصور: هذه المرة لم تتمكنوا.

لينا بن مهنّا: منعنا، نعم.

أحمد منصور: ذهبتِ للقصرين؟

لينا بن مهنّا: نعم ذهبت إلى القصرين.

أحمد منصور: دخلتِ من طرق فرعية؟

لينا بن مهنّا: في هذه المرة سمحوا لنا بالدخول، يعني كانت.

أحمد منصور: ومعك الفريق الفرنسي.

لينا بن مهنّا: ومعي الفريق الفرنسي، هو في الحقيقة معي الفريق الفرنسي الذي تحصل على رخصة ولكن الرخصة متمثلة في ورقة، ومعنا سيارة تابعة لوكالة الاتصال الخارجي.

أحمد منصور: ترافقكم.

لينا بن مهنّا: نعم، فيها شخصان، السائق، وشخص من الوكالة، وأنا لاحظت أنه لما يكون متواجد معنا نمنع من الدخول لأي منطقة، لكن الصحفيين الفرنسيين طلبوا منه، لما حاولنا دخول القصرين في المرة الأولى، قال لا الرخصة التي معكم تسمح لكم بالدخول إلى سيدي بوزيد فقط، فطلبوا منه يعني الحصول على رخصة للدخول إلى القصرين، لما ذهبنا إلى الرقاب في المرة الأولى، لم يكن معنا، حاولنا تفادي وجوده وهكذا تمكنا من الدخول، لكن أنا لاحظت لما حاولنا الدخول إلى الرقاب في المرة الثانية كان معنا، ولاحظت انه أجرى اتصالات هاتفية.

أحمد منصور: حتى تمنعوا من الدخول.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: نشر الصور، التي نشرتيها عن الرقاب، ألم يؤلب الرأي العام، النظام ما قلقش هنا، ما حاولش يمنعوكِ إنك تدخلي القصرين؟

لينا بن مهنّا: كنت مع فريق صحفي فرنسي، لم أكن وحدي.

أحمد منصور: دخلتم القصرين.

لينا بن مهنّا: والفريق معه رخصة.

أحمد منصور: دخلتم إلى القصرين.

لينا بن مهنّا: دخلنا إلى القصرين.

أحمد منصور: ماذا وجدتِ فيها؟

لينا بن مهنّا: نعم، شاهدت العديد من المباني المحترقة وحالة فوضى، ناس يركضون في كل الاتجاهات.       

أحمد منصور: هذا يوم عشرة.

لينا بن مهنّا: نعم، ولم أفهم في البداية ما يحصل يعني، لم أر رجال شرطة.

أحمد منصور: في المدينة.

لينا بن مهنّا: في المدينة، وكل شيء كان مغلقا، كل المحلات كانت مغلقة، وصلنا إلى المحكمة، ومشهد بقي.

أحمد منصور: في ذهنك.

لينا بن مهنّا: في ذهني، وفي ذاكرتي، المحامون واقفون على مدارج المحكمة، بزيهم يعني.

أحمد منصور: بالأرواب السوداء.

لينا بن مهنّا: بالأرواب السوداء، يحملون لافتات في صمت مكتوب عليها يجب أن يقف حمام الدم، يعني احتجاج سلمي، وقبالتهم كان رجال شرطة يوجهون أسلحتهم للمحامين، كان المشهد.

أحمد منصور: ذهبتِ إلى حي الزهور، ونور؟

لينا بن مهنّا: نعم، ذهبت.

أحمد منصور: ماذا رأيتِ هناك؟

لينا بن مهنّا: لما ذهبت لم تكن هناك احتجاجات، كانت بقايا المعارك بين رجال الشرطة والناس.

أحمد منصور: ذهبتِ إلى بيوت الشهداء؟

لينا بن مهنّا: لا، لم أذهب يومها إلى بيوت الشهداء، بعد المحكمة حاولت الدخول إلى المستشفى لكن لم أنجح في ذلك.

أحمد منصور: لماذا؟

لينا بن مهنّا: منعت، منعونا من الدخول.

أحمد منصور: ومنعوا الصحفيين من التصوير.

لينا بن مهنّا: منعونا، كل الفريق.

أحمد منصور: ذهبتِ إلى تالا؟

لينا بن مهنّا: لا لم أذهب إلى تالا، بقينا هناك، وبعد المستشفى ذهبنا إلى الأحياء في القصرين، وصورنا في منازل ناس يعني، يعيشون في حالة مزرية، فقر مدقع، وتحدثنا معهم وسجلنا حوارات معهم، ثم سمعنا أصوات ناس قادمين وكانت مظاهرة لأمهات الشهداء مع ناس كانوا يحملون الخبز في أيديهم، وكانوا يصرخون خبز وبن علي لا، يعني دخلت في وسطهم وشاركت في المظاهرة وكنت ألتقط الصور في نفس الوقت، وكان معي بعض المحامين، حتى أنا ابتعدت عن الفريق الصحفي، في تلك اللحظة كنت تونسية وشاركت في المظاهرة، وعندما بدأت الشرطة تحضر نفسها لاستعمال العنف، المحامين أجبروني على الخروج، وطلبوا مني مغادرة المكان بسبب وجود الفريق الصحفي الفرنسي للحفاظ على سلامتهم، وذهبنا إلى قرية صغيرة قرب القصرين تبعد ثلاثين كيلومتر اسمها تلبت، قضينا الليلة هناك، وفي الصباح عدنا إلى القصرين.

أحمد منصور: يوم الحادي عشر.

لينا بن مهنّا: نعم، عدنا كانت الأمور هادئة ومن القصرين عدنا إلى تونس.

أحمد منصور: بن علي ألقى خطابه الثاني يوم عشرة، تأثيره إيه على الوضع؟

لينا بن مهنّا: في الحقيقة أنا لم أتابع ذلك الخطاب.

أحمد منصور: إيه الحصيلة النفسية اللي رجعتِ بها من رحلتك إلى سيدي بوزيد، والرقاب، والقصرين؟

لينا بن مهنّا: يعني أنا يوم تسعة يناير لما شاهدت جسد الشهيد في الرقاب تخلصت من خوفي تماما، قلت في نفسي لا رجوع إلى الوراء، هناك ناس تموت كل يوم، يجب أن نواصل كشف هذه الجرائم في حق الشعب التونسي، وازداد حقدي على النظام التونسي. 

أحمد منصور: متى شعرتِ أن نظام بن علي سيسقط؟

لينا بن مهنّا: شعرت بان نظام بن علي سيسقط في الحقيقة في أواخر شهر ديسمبر، حتى أني أجريت حوار صحفي في يوم تسعة وعشرين ديسمبر، تحدثت عن ثورة، وقلت بما أن هذه الثورة انطلقت من الشعب، ليس فيها قادة، ثورة شعبية، الشعب قال لا، يعني لا بد أن تنتهي بسقوط النظام، ولكنني لم أتصور أن العملية ستتم بتلك السرعة.

أحمد منصور: رجعتِ إلى تونس يوم الحادي عشر، من الحادي عشر إلى الرابع عشر بدأ الحراك في تونس يأخذ شكلا آخر.

لينا بن مهنّا: نعم، مع الفريق الصحفي واصلنا التنقل في الأحياء الشعبية التي كانت مشتعلة.

أحمد منصور: كان في شهداء في تونس بدؤوا.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: بدأ هنا الشهداء في العاصمة يسقطون.

لينا بن مهنّا: نعم، دخلت إلى منزل شهيدين في حي التضامن في العاصمة، ولما كنت في منزل الشهيد كانت الشرطة تطلق قنابل.

أحمد منصور: الغاز.

لينا بن مهنّا: الغاز المسيل للدموع، وكنا نسمع إطلاق النار.

أحمد منصور: إطلاق النار لم يتوقف من يوم الحادي عشر للرابع عشر.

لينا بن مهنّا: نعم، كنا نسمع يعني، كنا نصور في المنازل ونتنقل ونسمع إطلاق النار.

أحمد منصور: إيه الأشياء اللي علقت في ذهنك في هذه الفترة، قبل يوم الرابع عشر؟

لينا بن مهنّا: الشهداء والعنف.

أحمد منصور: شفتِ شهداء آخرين؟

لينا بن مهنّا: في حي التضامن.

أحمد منصور: شفتِ أجسادهم؟

لينا بن مهنّا: نعم، وتحدثت مع.

أحمد منصور: ماذا رأيتِ؟

لينا بن مهنّا: عائلاتهم.

أحمد منصور: شفتي أجساد مين ومين؟

لينا بن مهنّا: لا أتذكر الأسماء في حي التضامن.

أحمد منصور: حالتكِ النفسية بقى شكلها إيه؟

لينا بن مهنّا: أنا كل ما أدخل إلى بيت شهيد يعني أبدأ في البكاء، هي وضعية صعبة جدا، أحاول مواساة العائلة والحديث معهم.

أحمد منصور: المدوّنين هنا كانوا ينشروا، لعبوا دور مهم في نشر الصور وقصص الشهداء، وصور الشهداء على الإنترنت وأصبحوا مصدر أساسي للمعلومة.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: كله بشكل شخصي، كل واحد شال مسؤوليته الشخصية.

لينا بن مهنّا: نعم، وفي هذه الفترة تم إيقاف مدوّنين.

أحمد منصور: قبض عليهم.

لينا بن مهنّا: ثمانية أشخاص، سليم عمامي مرة أخرى، ومعه سليم عمامي، ومدوّن آخر صغير اسمه اسكندر وحمادي كالوتشا، يعني ثمانية أشخاص، في الحقيقة لم نسمع بإيقاف الجميع، سمعنا بإيقاف سليم وعزيز وقمنا بحملة، ذلك كان، الإيقاف تم يوم ستة يناير، على خلفية يعني فريق أنانوميس لمواقع الوزارات التونسية، تم إيقاف سليم وعزيز وأشخاص آخرين، هذه العملية تمت يوم اثنين يناير، أنا يوم ثلاثة يناير، فقدت الإيميل والفيسبوك، الـ Profile، تم قرصنة كل شيء.

أحمد منصور: من على جهازك، خلاص.

لينا بن مهنّا: لا أستطيع الدخول إلى.

أحمد منصور: متى استعدته مرة أخرى؟

لينا بن مهنّا: لا، لم أستعدها، المدونة لم تتم قرصنتها، لكن الإيميل.

أحمد منصور: العناوين اللي كنتِ تتواصلي معاها.

لينا بن مهنّا: نعم.

أحمد منصور: وهذا أصعب شيء للمدوّن يعني.

لينا بن مهنّا: هو في الحقيقة المدوّنة، وعندي إيميلين، المدوّنة وإيميل نجوا من هذه العملية، الحمد لله يعني، تركوا لي بعض.

أحمد منصور: حرب.

لينا بن مهنّا: نعم، حسابي على التويتر تم حجبه ولم تتم قرصنته، ولكن على الفيسبوك تم قرصنة كل شيء، يعني أعدت بناء كل شيء من جديد.

أحمد منصور: يوم الرابع عشر، كان في استعداد كبير، دعوة للإضراب العام، كنتِ في تونس العاصمة.

لينا بن مهنّا: نعم، لكن أنا بالنسبة لي يوم الخطاب الأخير لبن علي. 

أحمد منصور: يوم الثالث عشر.

لينا بن مهنّا: نعم، يعني في الليل بعد الخطاب، أنا كنت موجودة مع الفريق الصحفي في  تونس العاصمة، ولكن قبل الخطاب شعرت بالوحدة، كنت في غرفتي وحدي، طلبت من صديقتي المحامية أن تلتحق بي لنشاهد الخطاب معا، وقدمت إلى النزل، وشاهدنا الخطاب معا كاملا.

أحمد منصور: شعرتم بإيه؟

لينا بن مهنّا: أنا شعرت بالخوف، قلت لقد تغيرت طريقة الخطاب من التهديد والوعيد إلى.

أحمد منصور: الاستعطاف.

لينا بن مهنّا: إلى الاستعطاف، شعرت بالخشية، يعني أعرف التونسيين بصفة عامة يشعرون بالتعاطف مع الأشخاص بسرعة، وبدأت في البكاء حتى، قضيت كل الليلة في البكاء، وكنا في الغرفة وبدأنا نسمع الهتاف في الشارع يعني الناس، يحيا بن علي، نزلنا إلى الشارع، صديقتي المحامية دخلت في حالة هستيرية، تذكروا دماء الشهداء، وحاولوا أن يعنفوها، وكنت أعرف أن زميلها المحامي عبد الناصر العويني صاحب الفيديو الشهير بن علي هرب، كان يسكن قريب من المكان هاتفته وطلبت منه القدوم ليعينني على إجبارها للعودة إلى النزل، وقال لها غدا سنأخذ بثأرنا، وعدنا إلى النزل وقضينا ليلة من أصعب الليالي التي عشتها يعني، بكاء وخوف، ونتابع الأخبار على الإنترنت ونقول في نفس الوقت، إنترنت ليست تونس، يعني مليون ونصف ليس تونس، ولكن في نفس، الآن على الإنترنت ما نراه كان مشجعا، الجميع غيروا صور Profile، بن علي ارحل، وكل الناس كانوا يدعون بعضهم البعض لحضور يعني.

أحمد منصور: يوم الجمعة.

لينا بن مهنّا: يوم الجمعة أمام وزارة الداخلية.

أحمد منصور: إيه اللي علق في ذهنك من يوم الجمعة؟

لينا بن مهنّا: يوم الجمعة أنا انطلقت من ساحة محمد علي، من أمام اتحاد الشغل، يعني كنا نتقدم ببطء وحتى وصلنا أمام وزارة الداخلية يعني، ما علق في ذهني هو عندما كنا نصرخ جميعا، نرفع شعار بن علي ارحل، رافعين أيدينا، وأنا هناك شيء شخصي بالنسبة لي، أنا لم أر عائلتي طوال تلك المدة، كنت أتفادى الذهاب إلى المنزل، حتى أنهم لم يعلموا بذهابي إلى سيدي بوزيد، هو إحساس الأمومة يعني، يوم ذهبت إلى الرقاب اتصل بي والدي، هي أمي أحست بقلق واتصلت بي، سألوني أين أنتِ؟ قلت لهم في الرقاب، لم يكونوا.

أحمد منصور: يتخيلوا.

لينا بن مهنّا: لم يتخيلوا أن أصل إلى هناك يعني، وظلوا يتابعونني بالهاتف، شاهدت والدي، بعد كل تلك الفترة التحق بي أمام وزارة الداخلية، وهو تعرض للتعذيب في السبعينات في وزارة الداخلية، وكان كل ما يمر أمام وزارة الداخلية يشير بيده إلى مكتب معين ويقول لي لقد عذبوني هناك، وقد فكرت حتى في رمي نفسي من الشرفة حتى لا أفشي أسرار التنظيم، يومها أحسست أنه تخلص من تلك الذكرى الأليمة، فطلب مني أن أصور ذلك المكتب، وأحسست أنه ارتاح يعني، أنا عندي تدوينة كتبتها من قبل في 2009 وعاتبني الجميع، واتصل ناس بوالدي وقالوا له ابنتك مجنونة، لم اكتب شيئا يعني، أنا لا أعتبرها خطيرة ولكن في تلك الفترة كان يعتبر خطير، كتبت تدوينة أصف فيها موقف التونسي لما يمر أمام وزارة الداخلية، الناس يحثّون الخطى، وينزلون رؤوسهم ويودون المرور بسرعة من ذلك المكان.

أحمد منصور: يوم أربعة عشر يناير داس الناس بأقدامهم على وزارة الداخلية.

لينا بن مهنّا: نعم، عندما شاهدت المحامين أمام الباب الرئيسي يلقون خطاباتهم، والشباب يرفعون الأعلام على نوافذ وزارة الداخلية، لحظة لن أنساها مدى الحياة.

أحمد منصور: بعد استعمال الغاز وتفريق الناس لم تتمكني من العودة إلى النزل وذهبتِ إلى البيت.

لينا بن مهنّا: نعم، عدت إلى البيت.

التونسيون ولحظة هروب بن علي

أحمد منصور: كيف تلقيتِ خبر سقوط بن علي وهروبه؟

لينا بن مهنّا: نعم، هي التلفزة وقتها، تونس سبعة أعلنت خبر هام، وبقينا ننتظر أمام شاشة التلفاز، عندما سمعنا بالخبر، بدأنا نهنئ بعضنا، بكينا من الفرحة في المنزل.

أحمد منصور: كيف كان وضع الإنترنت والمدوّنين؟

لينا بن مهنّا: في الحقيقة أنا في البداية كنت أتابع على التلفاز لأن حاسوبي في النزل.

أحمد منصور: آه.

لينا بن مهنّا: ليس لدي حاسوبي، ولكن بعد إعلان الخبر أعارني أخي حاسوبه، وتابعت الفرحة على تويتر والفيس بوك، والتهاني.

أحمد منصور: أنت في حادث ثاني شفتيه، شفتِ اعتداء الشرطة أيضا على شخص، حتى وصورتيه في أحد الأحياء.

لينا بن مهنّا: الشرطة، نعم، في يوم الرابع عشر، الشرطة كانت تعتدي على الجميع.

أحمد منصور: صورتِ أنت، في مشهد صورتيه، لاعتداء الشرطة بشكل.

لينا بن مهنّا: كنت أصور من بعيد، عندي بعض الصور لم أتمكن من تصوير فيديوهات، أنا أيضا كنت أركض.

أحمد منصور: كيف تنظرين إلى تونس المستقبل يا لينا؟ 

لينا بن مهنّا: أنا أعتقد أن تونس يعني، أول شيء، أهم شيء، أن التونسيين تخلصوا من الخوف، هذه خطوة مهمة، أعتقد أن تونس لن تعود للوراء، لن تعود إلى دكتاتورية، هذا شيء مؤكد الشعب التونسي واعي بما وصل إليه وتخطى حاجز الخوف، نحن الآن معا نحاول بناء تونس التي نحلم بها، حيث كل تونسي له الحق بأن يتمتع بكرامته دون أن يتعدى على كرامته أي شخص، نحن في مرحلة البناء، أتمنى أن أرى تونس تتسع لجميع التونسيين.

أحمد منصور: إيه الدور المستقبلي للمدوّنين وشباب الفيسبوك والإنترنت في إعادة بناء بلدهم؟

لينا بن مهنّا: والله في الحقيقة إلى الآن نحن نواصل نفس الدور، هو ما وقع أن رأس النظام رحل لكن ما زالت هناك بعض مظاهر الفساد، وما زالت هناك مشاكل لا بد أن نتحدث عنها وأن نكشفها، يعني حتى نتمكن من تجاوزها وإصلاح الأمور.

أحمد منصور: تشعري أن الانتماء لدى الشباب التونسي تغير بعد الثورة؟ الثورة صنعت منه شيئا آخر من شعوره بانتمائه لبلده؟

لينا بن مهنّا: نعم، أنا لاحظت الآن أن الشباب التونسي يفتخر بأنه تونسي خاصة بعد انتقال الثورات إلى عدة دول عربية، وإلى كل العالم يعني، الشباب في عدة دول من العالم انتفض، يعني التونسي صار يفتخر بأن يقول أنا تونسي، وحتى نظرة الناس في الخارج إلى التونسيين تغيرت.

أحمد منصور: هل تعتقدي بأن المدوّنين الآن بحاجة إلى نقابة وإلى جهة مهنية تنمي هذا الأمر وتحميه؟        

لينا بن مهنّا: نحن في الحقيقة ناقشنا هذا الأمر كثيرا، أنا تم تعييني في الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام وكنت أعنى بالمدونات وبالصحافة الإلكترونية، وقد ناقشت هذا الأمر كثيرا مع المدوّنين، لكننا اتفقنا على أن قوة التدوين في حريته وفي عدم وجود نقابات ولا جمعيات، فاطمة أرابيكا، وسفيان الشرابي، قاما بإنشاء جمعية ولكن لاحظت أن المدونين يحبذون التصرف والتحرك بصفة عفوية دون وجود نقابات.

أحمد منصور: لينا بن مهنّا، أشكرك شكرا جزيلا على ما أدليتِ به، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، حتى ألقاكم في حلقة قادمة مع شاهد جديد على الثورة، هذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.