مراسلو الجزيرة

موضوعات مختلفة

آثار الصراعات في الأطفال وكيف يذهبون وقودا للحروب وهم أحوج للرعاية، والمسلمون في صربيا والحكم الشيوعي، وجوهانسبيرغ مدينة الأغنياء والفقراء تبحث عن هوية، وتعدد الزوجات في دول عربية وإسلامية هروب من واقع إلى آخر أم استخفاف بالقيم الأسرية والدينية أم حق مشروع؟

مقدم الحلقة:

محمد البوريني

تاريخ الحلقة:

26/01/2002

– أطفال السودان في ظل النزاعات
– أحوال المسلمين في بلجراد

– جوهانسبرج بين الفقر المدقع والغنى الفاحش

– تعدد الزوجات في العالم العربي ومسلسل الحاج متولي


undefinedمحمد خير البوريني: أهلاً بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة هذا الأسبوع من (مراسلو الجزيرة).

نشاهد من السودان تقريراً يتحدث عن الأطفال في ظل النزاعات ونرى كيف ذهب آلاف الأطفال وقوداً للحرب بعد أن تم تجنيدهم للقتال في سن من المفترض ألا يسمح لهم فيه بحمل السلاح، في سن هم أحوج ما يكون فيها إلى الخبز والحليب والكراسة والقلم واللعبة وحنان الأمومة والأبوة والتربية السليمة وثقافة نبذ العنف.

ومن العاصمة اليوغسلافية (بلجراد) نستعرض تقريراً يتحدث عن أحوال المسلمين هناك، ونرى كيف أنهم لم يتعرضوا للاضطهاد في أداء شعائرهم خلال الحكم الشيوعي، ولكنهم لم يجدوا من يمد لهم يداً من الدول الإسلامية، كما نرى حالهم ونلفت الأنظار إليهم بعد أن ظن كثيرون أنهم وصلوا إلى حالة انقراض.

وتقرير من مدينة (جوهانسبرج) في جنوبي إفريقيا مدينة مناجم الذهب والساعين إلى الثراء السريع في أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين، ويتحدث التقرير عن مدينة تبحث عن هوية تعيش فيها أكثر الناس غنى وأكثرهم فقراً ويهيم فيها كثيرون على وجوههم.

ونتناول في هذه الحلقة موضوعاً من مصر يتحدث عن تعدد الزوجات وفيه أمثلة قد تنطبق على بعض ما يجري في العديد من الدول العربية والإسلامية، ويتحدث فيه بطل مسلسل "الحاج متولي" الذي يؤكد أن المسلسل عرض حالة مثالية لا تتوفر على أرض الواقع.

أهلاً بكم معنا إلى أولى فقرات هذه الحلقة.


أطفال السودان في ظل النزاعات

الأطفال هم الأكثر تضرراً على الإطلاق في المجتمعات التي تعاني من النزاعات والحروب، مئات الآلاف منهم في السودان راحوا ضحايا الحروب والنزاعات والاقتتال الذي مضى عليه ما يزيد على عقدين من الزمن لاسيما الحرب الدائرة في جنوبي البلاد، قضية الضحايا من الأطفال في السودان لا تقتصر على قتل طفولة عشرات الآلاف منهم من خلال زجهم في آتون الحرب كجنود يحملون السلاح، وإنما من خلال تسبب الحرب في مقتل ذوي العديد منهم الذين يجدون أنفسهم مشردين أو متسولين على قارعة الطرق بدون مأوى أو تعليم أو رعاية صحية وإنسانية من أي نوع كان، منظمات دولية أشارت إلى أن الجيش الشعبي لتحرير السودان جنَّد آلافاً من الأطفال المقاتلين، بينما تؤكد جهات مختلفة أن آلافاً من الأطفال ذهبوا وقوداً للحرب وآخرين قتلوا خلال عمليات التدريب التي لا تقوى الأجساد الغضة على تحملها، أضرار الحروب على الأطفال تتعدد وتتنوع ويصعب التعبير عنها في كلمات مهما وصلت البلاغة.

تقرير الطاهر المرضي من السودان.

الطاهر المرضي: هذا الطفل الذي يكاد يتمزق فؤاده من البكاء فقد أمه برصاص الهجوم على مدينة (راجا) بجنوبي السودان، فالتقطته زينب عندما وجدته يصرخ بجوار جثة أمه ليوقظها فحملته عطفاً لأنها تدرك أن طلبة غير مستجاب.

زينب عبد الله (مواطنة سودانية من راجا/ بحر الغزال): بالليل شاف الزلمة يبكي كده، ما كان منه يبكي كده أنا لازم بيقول لنا الناس يفوتوا يقولوا خلونا أنا … هنا لحد ما، يجي يشرب بعدها يرتاح ويقوم يشيل اللي شافه بالطريقة دي لحد ما وصلنا إلى المحطة، لأي محطة نوصل فوقه بنفس هذه السهولة، لحد ما وصلنا التمساح.

الطاهر المرضي: كما أن هذا الطفل النازح من مناطق الحرب الأهلية في السودان لا مكان له إلا بين الأقدام وسط العاصمة الخرطوم، مشهد يتكرر يومياً حتى ألفته العين، وربما يكون أحد أسباب رزق أسرته في ممارسة التسول لكسب عطف المارة، كل هذا كان نتاج الحرب الأهلية في السودان التي يقال إنها أودت بحياة أربعة ملايين شخص وشردت عدداً مماثلاً يمثل الأطفال منهم 50 % دفعوا الثمن غالياً.

محمد صالح (منطقة كسلا): يعني الحالة بقت حالة صعبة وتشوف يعني اتشردوا من المدارس وما قدروا يتعلموا وما قدروا يقروا.

مواطنة سودانية: السنة دي… البيوت دي نقول هسه ذات لقينا نعمة الدنيا دي كلها، ليه؟ من الصعب تشوفها.

الطاهر المرضي: ومما يفاقم الأمر لجوء الحركة الشعبية لتحرير السودان لتجنيد الأطفال قصراً وإجبارهم على ممارسة الجندية.

فاروق صالح (مسؤول سابق في الجيش الشعبي لتحرير السودان): أنا كشاهد عيان وكنت في مراكز التدريب للجيش الأحمر والأطفال اللي هم ملقبين بالجيش الأحمر الفترة بتاعة التدريب ماتوا فيها ما لا يقل عن 300 ألف طفل معاناة من القسوة بتاعة التدريب وقوة التحمل والجوع والعطش.

الطاهر المرضي: وتشير تقارير برنامج "شريان الحياة" الذي يعمل في مجال الإغاثة بجنوبي السودان إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تقوم بتجنيد أعداد كبيرة من الأطفال وإنه قد تم في الأشهر الماضية تسريح قرابة الثمانية آلاف طفل منهم ونقلوا جواً من مناطق بحر الغزال.

ويقدر عدد الأطفال النازحين إلى الخرطوم والذين فقدوا الأسرة والمأوى بأكثر من مليون ونصف المليون طفل، بينما تضم معسكرات ولايات السودان الأخرى ما يزيد عن ثلاثمائة ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين العام والخمسة أعوام.

توماس أكسل (مدير منظمة اليونيسيف/ الخرطوم): العديد من الأطفال منخرطون في الحرب بشكل مباشر، هناك نحو سبعة آلاف طفل يعملون كجنود مقاتلين في السودان، جميع الأطفال المذكورين هنا تحت الخامسة عشرة ومعظمهم في سن الثامنة والتاسعة، جميعهم يشاركون في القتال وفي الحرب، أقول هنا: إنه لا يجب أن يكون هناك مكان للأطفال في أي جيش كان، فهذا ليس مكانهم.

الطاهر المرضي: علماء النفس يقولون إن طبيعة الأطفال النفسية لا تتحمل المناظر البشعة للقتل والتعذيب حتى في الصور والأفلام، ناهيك عن مشاهدة حقيقية يتعرض لها الأطفال في الحرب الدائرة في جنوبي السودان هذا يخلق للطفل شخصية غير متوازنة نفسياً.

فاروق صالح: من صوت الدانة فيه ناس أصيبوا بالخرس، الطرش، العمى، ده كله كان الأطفال اللي حصلت لهم، فكانوا بيشيلوا السلاح بيضعوه في عمق رأسهم ويضربوا نفسهم على أساس إنه ينتهوا من الدنيا دي بأسهل الطرق، فيه البعض منهم تشردوا وسط الغابات، بيتعرضوا لأكل الوحوش، يتعرضوا للأمراض، يتعرضوا للجوع يتعرضوا لأشياء كثيرة جداً.

الطاهر المرضي: وأدى فقدان عدد كبير من الأطفال للأب والأم لوجود ظاهرة الأطفال المشردين، فالإحصاءات الأخيرة في سجلات المحاكم أوضحت أن الأطفال المشردين يرتكبون جرائم غريبة الأطوار يغلب عليها العنف في كثير من الأحوال وربما القتل، وهنالك أخطار أخرى.

منال محمد عبد الحليم (جمعية متعاونات السودانية): أكبر نسبة من الأطفال بتعرض للقوانين هم الأطفال المشردين وبالذات المشردين والجايين من مناطق الحرب، فبيرتكبوا جرائم، لذلك ولما يمشوا المحكمة حتى دي ما بتكون معاها ذويهم يحضروا المحاكم وبيكون معظمهم جزء في الإصلاحية والجزء التاني بعد يطلع تاني بيعيد ويكرر الجريمة ويرجع تاني للإصلاحية، فدي بتشكل كارثة كبيرة جداً لأطفال السودان.

عثمان محجوب (محامي جرائم الأحداث): نسبة كبيرة جداً من الأطفال في المحاكم وفي الحراسات هي نسبة حوالي 70 % من خلال إحصاءات عندنا والتقارير الموجودة عندنا، 70% من هؤلاء الأطفال في تعارضهم مع القانون جم من مناطق النزعات المسلحة والحرب الأهلية في الجنوب.

الطاهر المرضي: كما أن بروز ظاهرة اختطاف الأطفال بسبب الحرب الدائرة في جنوبي السودان وازدياد عدد المعوقين منهم والمشردين وسط مجتمع يعاني الفقر يفاقم الأمر وينذر بواقع أكثر مرارة ويفرز مجتمع يسوده الإحباط، ويعكس أوضاعاً أكثر مأساوية هي حصيلة حرب أهلية رامت أكتر من ربع قرن لا طائل من ورائها سوى هذا الدمار والخراب.

الحرب المدمرة لا تفرق بين صغير وكبير، الأطفال هم أول ضحاياها تتحول آمالهم إلى بؤس وشقاء في مأساة يطول عمرها من جيل إلى جيل.

الطاهر المرضي – مراسلو الجزيرة – ولاية كسلا.


أحوال المسلمين في بلجراد

محمد خير البوريني: فتح العثمانيون العاصمة بلجراد في بداية القرن الخامس عشر الميلادي، تطورت القرون الماضية جعلت البعض يعتقد أن المسلمين هناك انقرضوا ولكنهم لا يزالون في تلك البلاد، سمير حسن كان في بلجراد، وأعد التقرير التالي.

سمير حسن: الموقع الاستراتيجي لبلجراد جعل السلطان سليمان القانوني يهتم بها لمواصلة الفتوحات العثمانية خارج البلقان باتجاه وسط أوروبا، فقاد بنفسه جيشاً ضخماً فتح به بلجراد في أغسطس عام 1521 ميلادية بعد محاصرته لهذه القلعة التي مازال الصرب يطلقون عليها الاسم التركي "ميدان قلعة" ومنها ارتفع أول آذان في اليوم التالي من الفتح، ومن بلجراد وصل العثمانيون إلى أسوار (فيينا) وتحولت خلال الحكم العثماني من قلعة إلى واحدة من أكبر المدن في أوروبا الشرقية، ونشأت حولها مدينة جديدة ازدهرت كنموذج للمدينة الإسلامية حيث بنيت فيها المساجد التي بلغ عددها مائتين وسبعة عشر، وترتب على ازدهار عمارة المساجد انتشار شبكات المواسير لتوفير المياه النظيفة التي تصلح للوضوء في المسجد أو للاغتسال في الحمامات العامة أو في البيوت، أو للشرب في الطريق العام، كما انتشرت المكتبات وأبراج الساعات ودور تحفيظ القرآن، لكن مع بدء الاحتلال النمساوي لبلجراد بدأ القضاء على رموز الحضارة الإسلامية تدريجياً، ولم يبق من المساجد إلا مسجد البيرق، ومن الآثار الإسلامية إلا مقبرة أحد المتصوفين استشهد في حرب فتح بلجراد.

الشيخ/ حمدي يوسوفيتش (مفتي بلغراد): بكل ثقة وبكل قوة بحمد الله -سبحانه وتعالى- الآن نحن موجودين في كل مدينة في مدينة صربيا، ليس هناك مدينة صربيا إلا وفيها مسلمون لكن هؤلاء المسلمون أفقر الناس، ليس لدينا المساجد كما ينبغي، وليس لدينا المدارس الإسلامية كما ينبغي كما لغيرنا، وليس لنا التنظيم ولا المساعدات، العالم الإسلامي كان يظن أن الإسلام في صربيا قد انتهى حتى إخواننا في بوسنة وهرسك كانوا يعتبرون عدم وجود المسلمين في صربيا من سنة 1912م.

سمير حسن: وصمد المسلمون الذين يصل عددهم في بلجراد إلى مائتي ألف مسلم في عقر دار الحكم الشيوعي اليوغسلافي.

الشيخ/ حمدي يوسوفيتش: الدولة طبعاً كانت دولة شيوعية لا.. لا تريد أي دين مهما كان، لكن في الواقع هم لم يمنعوننا من أداء الشعائر الدينية، كنا نستطيع أن نصلي، كنا نستطيع أن نبني، لكن ما كان لدينا.. لدينا الأموال، لأن الأوقاف أممت يعني بسنة 1868م يعني، وراحت الأوقاف المسلمة في بلجراد كلها، وفي صربيا أيضاً بعد 1912م لم يبق شيئاً من أملاك المسلمين هنا.

الحاج/ ثاقب (أقدم رواد جامع البيرق في بلجراد): لم يمنعني أحد من الذهاب إلى الجامع، لكن المتطرفين لم يتركوننا في حالنا، وضيقوا على كثير من المسلمين وأشاعوا الرعب في نفوسهم، ونأمل الآن أن تهدأ الأمور.

سمير حسن: وعاش مسلمو صربيا ردحاً آخر تحت سطوة نظام (سلوبودان ميلوشوفيتش) عانوا فيه من مرارة التعصب القومي الذي يعترف به الصرب أنفسهم.

ميلان رادولوفيتش (صحفي صربي): المصالح التجارية يمكن أن تجمع الناس، لم يعد مكان في أوروبا للمتطرفين القوميين، أنا كصربي لا أحب أن تعرفني أوروبا باللحية والسكين كما عرفوا الصرب خلال العشر سنوات الماضية.

الشيخ/ حمدي يوسوفيتش: أحوالنا صعبة جداً، ولكن أصعب ما كان علينا أن العالم الإسلامي ما كان يمد يده لنا، نعم نشكر العالم الإسلامي الذي ساعد إخواني في بوسنة وهرسك، وفي كوسوفا، لكن يؤلمنا شديداً أن العالم الإسلامي نسوا المسلمين في بلجراد وفي صربيا ولم يساعدونا، فلم يقفوا معنا كانوا فاكرين أننا قد انتهينا من زمن بعيد.

سمير حسن: ورغم قلة إمكانية نصف مليون مسلم في صربيا فإن لهم طموحات كبيرة، ومنها بناء أول مدرسة إسلامية لأبناء المسلمين، ومنها شراء البيوت لاستخدامها كمساجد للمسلمين الذين يقيمون في القرى النائية، ومنها التخطيط لإنشاء هيئة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين، لكن ذلك تموله تبرعات الفقراء وزكاة الأغنياء، ولذلك يتطلعون إلى العالم الإسلامي، ولهم رجاء.

الشيخ/ حمدي يوسوفيتش: نرجو من العالم الإسلامي أن يمد يده للمسلمين في صربيا حتى نحافظ على ديننا، حتى نبني مساجدنا، حتى ننهي بناية المدرسة لتخريج الأئمة والخطباء عند.. عند البيراق، جامع حتى يمنحوننا منح الدراسية لأولادنا لأن عدد كبير من أولادنا يريدون أن يتعلموا اللغة العربية والقرآن الكريم، يريدون أن يدرسوا في الأزهر، ويريدون أن يدرسوا في أم القرى في مكة المكرمة وفي مدينة المنورة.

سمير حسن: وهكذا رأى سفراء العالم الإسلامي من العلماء والشيوخ مسلمي صربيا.

الشيخ/ محمد عمارة (زائر من وزارة الأوقاف المصرية): وجدنا الناس يعني متشوقين لسماع القرآن وسماع العلم، عايزين يسمعوا، وعاوزين ناس تقول لهم، بس طبعاً هم لهم لغة وإحنا بنتكلم بالعربي وهم بيتكلموا باللغة بتاعتهم، فإحنا مش قادرين يعني نوفق فكان الشيخ.. الشيخ معمر اللي هو المفتي كان إحنا نقرأ وهم.. وهو يفسر لهم وهم يستمعون.

سمير حسن: الحاج ثاقب أحد الشيوخ الذين يجسدون الوجود الإسلامي في بلجراد، فمازال يحافظ على دينه في بيته وخارجه، ولكن في هدوء في قلب العاصمة الصربية بلجراد التي انطلق منها قبل عشر سنوات مشروع صربيا الكبرى الذي استهدف تطهير مناطق يوغسلافيا السابقة من المسلمين.

الحاج/ ثاقب: إذا لم نصبح مسلمين أقوياء فإننا سندمر لن يدمرنا أحد، بل سندمر أنفسنا، ولا نلوم الصرب بل نلوم أنفسنا، لأننا إذا كنا مسلمين حقيقيين فسيحترمنا الآخرون.

سمير حسن: ورغم كبر سنه إلا أن الحاج ثاقب يعلم أحفاده أمور دينهم ويشجعهم على حفظ القرآن الكريم، ويريد حازم تحقيق حلمه جده بالسفر إلى سوريا.

حازم (حفيد الحاج ثاقب): أحاول دراسة العلوم الشرعية، حاولت العام الماضي في جامعة أبو النور في سوريا وأتمنى أن يقبلوني هذا العام، وأتمنى بعد أن أتخرج أن أكون إماماً لمسجد بلجراد.

سمير حسن: ويأمل المسلمون في تحسن أوضاعهم في ظل النظام الجديد.

الشيخ/ حمدي يوسوفيتش: ونؤمن بأن هذه.. هذا النظام السياسي الجديد "الديمقراطي" يسموه قد يكون أكتر ديمقراطية حتى مع المسلمين إن شاء الله، نحن نستطيع نقول بأننا في أثناء الحرب في بوسنة وهرسك، كنا نقف مع إخواننا المسلمين في بوسنة وهرسك لكن كنا في الواقع قبل الحرب اتفقنا مع الأرثوذكس مع الكنيسة الأرثوذكسية على أن لا نضرب بعضنا بعضاً.

الحاج/ ثاقب: عندما جاء المفتي الشيخ حمدي إلى هنا كان الجامع مجرد بناء أثري قديم، لم يكن له أي وظيفة، فقط كبار السن يحافظون على صلاة الجمعة ولا شيء غير ذلك، الآن الجامع نشط وازدهر هذا الازدهار وله متطلبات للاستمرار وليس لنا مصادر للوفاء بمثل هذه المتطلبات.

سمير حسن: لقد مضت الشيوعية وحل (ميلوشوفيتش) عن السلطة وبقيت منارة الإسلام عالية في بلجراد.

وهكذا تحول المسلون في صربيا إلى ثلة من المستضعفين والمنسيين، لكنهم مازالوا يأملون في أن يرد لهم النظام الحاكم الجديد حقوقهم، وأن يمد العالم الإسلامي إليهم يد العون والمساعدة.

سمير حسن – الجزيرة – بلجراد.

محمد خير البوريني: وإلى الردود على رسائلكم التي نتواصل من خلالها معكم، ونتابع فيها مقترحاتكم وملاحظاتكم التي تتعلق بالبرنامج.

البداية برسالة فاكس وصلت من المشاهد جعفر صالح محمد من البحرين ضمنها مجموعة من الملاحظات التي تتعلق بالجزيرة وسأل في نهاية الرسالة عن الجديد في إمكانية سماح البحرين بتعيين مراسل الجزيرة على أراضيها حتى يتمكن البرنامج من إعداد موضوعات من هناك؟

نقول: بالنسبة للملاحظات المتعلقة بالجزيرة فقد قمنا بتحويلها إلى الجهات المعنية ونعتذر عن الخوض فيها هنا، لأننا نجيب فقط وكما نوهنا مرراً في هذه الفقرة على الرسائل المتعلقة بعمل البرنامج، أما ما يتعلق بموضوع مراسل أو مكتب (للجزيرة) في البحرين فليس هناك من جديد ونرجو أن نسمع أخباراً طيبة في وقت قريب، حيث نرجوا أن نتمكن من إعداد تقارير خاصة لهذا البرنامج (مراسلو الجزيرة) من هناك.

ومن بيروت في لبنان وصلت رسالة فاكس أخرى موقعة باسم شخص اختار أن يطلق على نفسه أسم أحد اللاجئين ولم يوضح أي نوع من اللاجئين هو، فهناك الكثير من اللاجئين في لبنان حسب علمنا قدموا من مناطق مختلفة، هناك اللاجئين الفلسطينيين، وهناك لاجئين من العراق، وهناك لاجئين من السودان والصومال ودول أخرى، يقول المشاهد في الرسالة: نحن كلاجئين غير معترف بنا من قبل الدولة اللبنانية، الأمر الذي يؤدي إلى إلقاء القبض علينا وترحيلنا وذلك يضعنا بين مطرقة الأمن العام وسندان الترحيل القصري إلى المجهول، علماً أن هناك الكثير من اللاجئين يقبعون داخل السجون ولا يعرف مصيرهم حتى الآن، يتابع المشاهد: تفشى في الآونة الأخيرة بشكل كبير موضوع المحسوبية بين بعض العاملين في مكتب الأمم المتحدة حيث أنه يوجد سماسرة لقبول اللاجئين في دول مختلفة حتى لو لم تتوفر فيهم الشروط وذلك مقابل مبلغ من المال.

شكراً على الرسالة التي لم يترك فيها المشاهد عنواناً محدداً له، على أي حال الموضوع يحتاج إلى بحث وتقصي قبل أن يطرق بأي شكل من الأشكال، ما ورد في رسالتك يشكل اتهامات لجهات محددة أو أشخاص لم تحددهم ولا نعلم إلى ماذا تستند في ذلك، ما طرحت هو وجهة نظرك الخاصة حتى يثبت العكس، وسوف نعمل على طرح قضية اللاجئين في لبنان في وقت قريب.

ومن الجهراء في الكويت بعث تاجر عفر رسالة طلبها فيها تقريراً من عائلات الأسرى الكويتيين في العراق وقال إن عائلات هؤلاء الأسرى مازالت تنتظر عودتهم منذ عشر سنوات.

نشكر المشاهد على الرسالة، نقول بداية فك الله أسر الأسرى في كل مكان، أنت تعلم أن هذا الموضوع لا يزال خلافياً بين العراق والكويت، حيث يطلق العراق على المعنيين بالأمر أسم المفقودين، أي أنه لا يقر بوجود أسرى كويتيين لديه ويقول: إنهم ربما فقدوا خلال حرب الخليج الثانية، ويعلن في المقابل عن وجود ضعف هذا العدد أو يزيد من المفقودين العراقيين خلال تلك الحرب، ويطالب بفتح تحقيق لمعرفة مصيرهم، إذن الأمر يحتاج إلى سماع الجانبين، أي إلى علاج من ناحتين، هذا في الوقت الذي تجرى فيه المساعي لمحاولة حل هذه القضية المعقدة من خلال الجهات المعنية من مختلف الأطراف، على أي حال سوف نقوم بدراسة إمكانيات تحقيق ما طلبت على ضوء ما توفر من وجهات نظر الجانبين المختلفة وأهلاً بك على الدوام.

ومن الجزائر بعث محمد بو مدين رسالة طلب فيها إعداد موضوع عن مشكلات الشباب الجزائري في ولاية أسعيدة.

شكراً للمشاهد على الرسالة ونحن على استعداد لتلبية طلبك ومئات الطلبات الأخرى التي تصل من الجزائر، ولكن بعد سماح السلطات الجزائرية لنا بالعمل هناك، إذ مازلنا بانتظار الموافقة بهذا الشأن، وليس هناك من جديد حول هذا الموضوع.

ومن الدنمارك أرسل نور الدين الحاج موسى وهو لاجئ فلسطيني وصل.. فلسطيني وصل إلى هناك من مخيم عين الحلوة في لبنان، أرسل نور الدين يطلب تقريراً عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، يشير نور الدين في رسالته إلى احتمال رفض السلطات الدنماركية الاعتراف به لاجئاً على أراضيها، ويقول لو توجهت إلى جميع السفارات العربية فإنها سوف ترفضني رفضاً قاطعاً لأنني فلسطيني حسب تعبيره.

نجيب بالقول: لقد سبق للبرنامج وأن عرض تقريراً مفصلاً حول أوضاع مخيمات اللاجئين في لبنان، ولكن لا بأس من تناول الموضوع مرة أخرى من جوانب مختلفة ربما هذه المرة.

ومن السعودية بعث عبد المحسن الهرشي يطلب تقريراً عن جمهورية أرمينيا وعن حال المسلمين في تلك البلاد.

سنحاول أن نلبي ما طلبت في وقت قريب.

ومن السعودية أيضاً وصلت رسالة باسم بُرقة أو بَرقة بفتح الباء، وللأسف لا نستطيع أن نحدد ما إذا كان الاسم لذكر أو لأنثى نطلب، أو يطلب برقة من البرنامج تسليط الضوء على الإنشاد الديني في بلاد الحرمين الشريفين شكراً على الرسالة وسنقوم بتنفيذ الطلب وغيره من موضوعات مهمة أخرى كثيرة عندما نتسلم –إن شاء الله- موافقة السلطات السعودية بوجود مراسل معتمد لنا هناك، نؤكد أن هناك العديد من الموضوعات التي تستحق تسليط الأضواء عليها من بلاد خاتم الأنبياء والمرسلين.

ومن المدينة المنورة في السعودية أيضاً أرسل محمد عبد الكريم خميس أو خميس النعيمي يطلب من البرنامج إجراء دراسة حول بادية "الحماد" الذي.. التي تمتد عبر حدود 4 دول عربية هي سوريا والعراق والأردن والسعودية، والتي تمثل بادية الشام.

شكراً على الرسالة ونرجو أن تكون الإجابة على الرسالة السابقة بمثابة رد على رسالتك.

وياسر بياتي من هولندا بعث يطلب منا في البرنامج أن نفعل شيئاً بخصوص اللاجئين العراقيين في هولندا، حيث يقول: إن هولندا بدأت سياسة خاصة تجاه اللاجئين العراقيين تحديداً، وبدأت بطردهم وإرجاعهم إلى العراق، ويشير المشاهد إلى أن اللاجئين العراقيين في هولندا يعيشون في أشباه معتقلات.

نرجو أن تحل محنة العراق في أقرب وقت ممكن، كما نرجوا أن نتمكن من البحث في الموضوع الذي طرحت في وقت قريب أيضاً، وأهلاً بك.

وسلامة موسى محمد وهو أردني يعيش في قطر بعث إلى البرنامج طالباً إجراء دراسة حول ما قال إنه ارتفاع معدل حالات السرطان عامة في الأردن، ويقول المشاهد إن هناك ارتفاعاً في معدل الإشعاعات النووية في مناطق معينة من الأردن وتحديداً في المناطق الأقرب إلى مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي.

لم يذكر المشاهد الكريم طبيعة عمله وإن كان يتعلق بالموضوع الذي طرحه في رسالته، كما أنه لم يذكر مصادر معلوماته. القضية تبقى في إطار الإشعاعات ولا يمكن أن نتحدث عنها بدون التحقق الكامل مما ورد في رسالتك من جهات علمية متخصصة كون الموضوع علمي، سوف نقوم بدراسة إمكانية إعداد تقرير للبرنامج بهذا الشأن، ولكن على ضوء معلومات صحيحة إذا ما توفرت وأهلاً بك.

مشاهدينا الكرام نكتفي بهذا القدر من الردود على رسائلكم حسب ما سمع به الوقت في هذه الحلقة ونعود لمتابعة البرنامج.


جوهانسبرج بين الفقر المدقع والغنى الفاحش

جوهانسبرج مدينة معروفة في جنوب إفريقيا أنشأت قبل نحو قرن من الزمان، يعيش في هذه المدينة أكتر الناس غنى وأكثرهم فقراً لاسيما من السود الذين استخدمهم المستعمرون البيض عمالاً في مناجم الذهب مقابل أجور زهيدة منذ تأسيس المدينة، تقرير وضاح خنفر أعده من هناك.

تقرير/ وضاح خنفر: تعيش جوهانسبرج رحلة بحث عسير عن الهوية، إذا تتعدد وجوه الحياة فيها وتتمايز، فهي للبيض مدينة غربية الشكل والروح، وللأفارقة مدينة أفريقية الطابع والضمير.

يطلق عليها رجال الأعمال مدينة الذهب، ويعتبرها السياسيون أهم مركز اقتصادي في البلاد، إذ تساهم بخمسة وثلاثين بالمائة من الدخل القومي، وهي قبلة للمغامرين والباحثين عن فرص جديدة من مختلف أنحاء أفريقيا، كما أنها من أكتر المدن خطورة في العالم وهي موطن لأغنى الأغنياء ولأفقر الفقراء.

يزيد عمر مدينة جوهانسبرج على مائة عام، ويرجع تاريخها إلى مهاجر أسترالي عثر في هذا المكان على خامة الذهب، وسرعان ما أوفدت الحكومة البيضاء رجلين لدراسة إمكانية بناء بلدة لإيواء عمال المناجم، وأطلق الرجلان على المدينة اسميهما الذي كان يشتركان فيه، فولدت جوهانسبرج مدينة للحالمين بثراء سريع، وبعد أعوام ثلاثة صارت أكبر مدينة في جنوب أفريقيا، ولكي يتمكن أصحاب المناجم من الوصول إلى الذهب في أعماق الأرض أجبروا الآلاف من الأفارقة على الهجرة إلى جوهانسبرج، ومنذ ذلك الوقت ولدت المدينة وترعرعت في ظل خطيئة القهر والاستغلال، فقد أخذ البيض الذهب وبريقه، ولم يكن للأفارقة منه نصيب إلا غبار ترابه وقسوة العمل في مناجمه.

فيصل دواجي (صحفي): لقد مات عدد كبير من الأفارقة بسبب العمل في المناجم، وعلى ضوئهم تأسست المدينة وازدهرت وصارت أشهر المدن في إفريقيا، بدأ تُعرف بغنى أسطوري، فهي المدينة التي تفيض شوارعها ذهباً وأصبحت مقصداً للجميع.

وضاح خنفر: يحكي وسط المدينة قصة تحول من ماضٍ بغيض إلى مستقبل مجهول العواقب ترتفع فيه المباني الكبيرة ويُطل تمثال المستعمر الأبيض على مدينة لاكا التي عهدها النظام العنصري فوجوه المارة هنا تكاد تخلو إلا من سحن أفريقية أما البيض فقد هجروا وسط المدينة ورحلت عنها شركات الذهب والبنوك إلى أماكن أكثر أمناً وأكثر بُعداً عن الأفارقة.

كان وسط المدينة مركزاً للاقتصاد في أفريقيا أيام النظام العنصري، وموطناً لأهم المؤسسات المحلية والعالمية، ولم يُسمح للأفارقة بالسكن أو امتلاك عقارات فيه، وبعد انتهاء النظام العنصري، أمَّ المدينة آلاف الأفارقة وافترش الكثيرون طرقاتها لكسب القليل من المال وارتفعت نسبة الجريمة، وبعد أن كان من العسير أن تجد الشركات مكاتب للأجرة هنا ترتفع اليوم على معظم المباني لافتات تعلن عن حاجة المبنى للمستأجرين، لقد انخفضت أسعار العقارات في وسط المدينة حتى بيع هذا المبنى والذي يعتبر الأطول في القارة السمراء بثمن يقل عن %10 من قيمته الحقيقة.

فيصل دواجي: لم تكن الحكومة البيضاء تهتم بمناطق السود، لم يكن هناك مخصصات كافية من مجلس بلدية جوهانسبرج للأحياء الأفريقية، ولأن الحكومة الحالية حاولت أن تعطي أولوية للأحياء الفقيرة فقد وجهت المخصصات إليها وعلى حساب المدينة، وهكذا صارت المدينة تعاني من تراجع الخدمات فهجرتها الشركات الكبيرة.

وضاح خنفر: أما حي (هلبرو) القريب من وسط المدينة والذي كان أرقى الأحياء البيضاء فقد صار بالكامل حياً أفريقيا ينتمي % 80 من سكانه إلى جنسيات من شرق وغرب أفريقيا، واكتسب الحي شهرة واسعة على أنه أخطر أحياء جوهانسبرج إذ صار مركزاً لعصابات المخدرات والمهربين، سارعت الشركات البيضاء إلى الفرار من وسط المدينة وكان آخرها انتقال سوق جوهانسبرج للأوراق المالية، إذ تحول إلى مبنى جديد في حي (سانتون) الذي يبعد سبعة كيلو مترات عن وسط المدينة، والذي صار أشهر أحياء جوهانسبرج وأكثرها غنى وأعلاها قيمة، ومعظم سكان (سانتون) من البيض، فشوارعه وأسواقه ومبانيه توحي بانتمائه الأوروبي، ولعل السمة الوحيدة التي تذكر سكان بموقعهم الجغرافي هي هذه الأسلاك الكهربية الشائكة التي تحمي منازلهم من اللصوص والمجرمين.

رواد هذا السوق معظمهم من البيض وليس للأفارقة فيه نصيب إلا بعض العاملين، إذ ليس بمقدور الأفارقة أن يبتاعوا منه لسببين، الأول: ارتفاع أسعاره، والثاني: أنهم مازالوا يعيشون في ذات الأماكن التي خصصها لهم أصحاب مناجم الذهب منذ أن تأسست المدينة. وعلى بُعد خمسة عشر كيلو متراً من وسط المدينة يقع حي (سويتو) وهو مأوى لمليونين من الأفارقة معظمهم وفدوا إلى المدينة ليعملوا في مناجمها ومصانعها، وأجبرهم النظام العنصري على البقاء هنا حتى يبقى وسط المدينة خالصاً للبيض، كانت (سويتو) مركز التحرر الوطني الأفريقي، ففي هذا الحي بدأ (نيلسون مانديلا) ورفاقه العمل ضد العنصرية البيضاء وهو شهير بانتفاضته الكبيرة عام 76 والتي فجرت غضباً إفريقياً لم يهدأ إلا بعد أن نُصِّب مانديلا رئيساً للبلاد عام 94. في صبيحة كل يوم ينتقل مئات الألوف من سكان (سويتو) إلى أعمالهم في المدينة وهم لا يقطعون بضعة كيلو مترات تفصلهم عن المدينة فحسب، بل إنهم ينتقلون كل يوم من عالم ثالث إلى عالم أول، وفي المساء يعودون أدراجهم إلى عالمهم الثالث في (سويتو)، كاري موظفة في أحد البنوك الكبيرة، وهي من سكان (سانتون) وتسافر بشكل دوري إلى لندن لقضاء عطلتها السنوية، وعندما سألناها فيما إذا كانت قد مرت بسويتو؟ أجابت.

كاري: لا، لم أذهب إليها أبداً، ربما علينا أن نذهب، ولكن البيض خائفون من الذهاب إلى هناك.

وضاح خنفر: أما إفيلين التي قضت أعوامها السبعين في (سويتو) فلم تزر سانتون قط، بل إنها لم تسمع بها.

إفيلين: لا، لا أعرف أين هي.

وضاح خنفر: الكثير من سكان (سانتون) مدركون لعمق الهوة بين نمط الحياة التي يعيشون وتلك التي يحياها الأفارقة، ويُلقون باللوم على النظام العنصري، ويعتقدون أن الوقت قد حان للتكفير عن سيئات الماضي.

جيفي كليفيد (مدير تسويق بشركة طيران): لقد بدأت الحواجز بين البيض والأفارقة تتكسر، وبدأت طبقة أفريقية متوسطة بالظهور بشكل ملحوظ، يبدو أن السياسات التفضيلية قد بدأت تؤتي ثمارها وما كان في الماضي مقصوراً على البيض بدأ يتغير.

وضاح خنفر: أما سكان (سويتو) فليسوا متفائلين بمستقل أكثر إشراقاً، فقد مضى على التحول الديمقراطي سبع سنوات ويرون أن الأمور تزداد سوءاً.

أبراهام بلايكس (سائق تاكسي):في الوقت الراهن حكومتنا لا تفعل لنا شيئاً، لقد انتخبناهم وهناك الكثير مما يجب عليهم عمله، لقد وعدوا الناس بأشياء كثيرة كالمساكن والوظائف، ولكننا لم نرى أي شئ.

وضاح خنفر: أما هموم سكان (سانتون) و(سويتو) فتبدو واحدة.

كارول (معلمة مدرسة): الجريمة هي أكثر ما يقلقني، أخاف على أمن أولادي.

أبراهام بلانيكس: ما يحدث الآن ليس صحيحاً، الناس يموتون كل يوم بسبب الجريمة، إذا لم يكن لديك عمل يمكنك من الحياة فسوف تأخذ شيئاً من شخص آخر وهذه ليس حياة.

وضاح خنفر: وعلى الرغم من أن السلطات في جوهانسبرج قد بدأت بإعطاء (سويتو) أولوية في بناء الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، إلا أن الفجوة ما زالت هائلة، بل يرى الكثيرون أنها تزداد بُعداً فالأغنياء يزدادون غناً ويزداد الفقراء فقراً.

تحكي جوهانسبرج قصة ماضٍ أليم وحاضر يعوزه العدل والإنصاف وتقف المدينة شاهداً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ويبدو أن محاولتها التعرف على ذاتها ستحتاج عقوداً من الزمن، وحتى ذلك الحين سيستمر المخاض عسيراً. وضاح خنفر – لبرنامج (مراسلو الجزيرة) – جوهانسبرج.

تعدد الزوجات في العالم العربي ومسلسل الحاج متولي

محمد خير البوريني: قصص لا تنتهي حول تعدد الزوجات في دول العالم الإسلامي، معظم ما نرى ونسمع حول قصص تعدد الزوجات لا يسر بالاً، ولا يُفرح خاطراً، ولا يُبشر بمستقبل أفضل للمعنيين مباشرة بهذا النوع من الارتباط أو لأبنائهم، الجدل لا ينتهي بهذا الشأن، ولكنه يخبو أحياناً ويتصاعد أحياناً أخرى بين مؤيد ومعارض، بعض حالات التعدد مفهومة والبعض الآخر قد لا يكون مفهوماً أو مبرراً من النواحي الاجتماعية أو الأخلاقية أو حتى الدينية التي يستند إليها كثيرون، إذا يستغل البعض ما سمح به الشرع لقضاء مآرب شخصية وذاتية دون اعتبار للآثار الاجتماعية التي قد تكون مدمرة في الكثير من الحالات، لعلنا نذكر قصة المواطن المصري ميسور الحال الذي قيل إنه احتفظ بخمس نساء على ذمته في آن واحد وأنه انتهى خلف القضبان، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تبين أنه تزوج من عشرات النساء خلال سنوات وأن بعض زيجاته لم تدم أكثر من يوم واحد فقط أو حتى ساعات معدودة حتى أُطلق عليه اسم "شهريار العصر"، كما نذكر قصة المسلسل التليفزيوني الحاج متولي الذي شغل العالم العربي لفترة من الوقت، المسلسل الذي قال بطله إن قصته ليست سوى أنموذج مثالي يستحيل أن تتوفر على أرض الواقع، أي أنه مجرد وهم وأضغاث أحلام وليس كما اعتقد كثيرون من الجنسيين في العالم العربي.

تقرير حسين عبد الغني من القاهرة.

حسين عبد الغني: مسلسلان في الحياة وعلى الشاشة الصغيرة، بطلان أحدهما وراء القضبان والآخر أمام الكاميرا، صار المثل الأعلى الشرقي لمعظم الرجال في مصر والعالم العربي، وصار -وهذا هو الأهم- الحلم والجنة الموعودة للكثير من النساء، أو الجحيم ومصب اللعنات للنساء الأخريات، الحاج سيد السويركي الإسلامي السلفي صاحب أحد أنجح شركات تجارة التجزئة في مصر، الذي تزوج خلال سبعة عشر عاماً من سبع عشرة امرأة، وقادته آخر زوجة منهن إلى المحكمة مدعية علية أنه تزوجها في الوقت كانت في ذمته أربع زوجات شرعيات، وقرينه التليفزيوني النجم نور الشريف، أو الحاج متولي تاجر القماش الغني المتزوج من أربع نساء، فجر من خلال المحاكمة ومن خلال المسلسل أكبر جدل اجتماعي تشهده مصر وحتى البلاد العربية بعد إذاعة الدراما في جميع التليفزيونات خلال شهر رمضان المنقضي.

مواطنة مصرية 1: لو هو زي اللي في المسلسل ده O.K مفيش مشاكل، يعني ما هو بقدر الإمكان يعني بيعدل بينهم، مش محسس كل واحدة إنه بيحب دي أكثر من دي، لو هو هيحسسني بكده أنا ما عنديش أي مشاكل.

مواطنة مصرية 2: أنا لو تقدم لي واحد طبعاً متجوز وكده طبعاً أوافق، بس لو عنده الإمكانيات (…) بتاعته يعني بتتوافق إن هو يعدل بين زوجاته طبعاً أوافق.

حسين عبد الغني: السؤال الذي طرحته المحاكمة وجرف المسلسل الرأي العام معه هو: هل تعدد الزوجات واقع معاش بعد أن كان قد انقرض تماماً قبل ما يقرب من 25 عاماً بسبب التعليم، والصناعة، وعمل المرأة ومشاركتها السياسية، أم أن زوجات السويركي الحقيقي والسويركي التليفزيوني هي دعوة رجعية لا علاقة لها بالوا قع مارسها في الحياة ممثلون متعطشون للمتعة يفسرون حق التعدد على هواهم وصاغها في الدراما مؤلفون وممثلون يبيعون وهم السعادة والحكم الفردي للبسطاء؟

فريدة النقاش (ناشطة في مجال حقوق المرأة والإنسان): هو يقدم وهم كبير للأجيال الشابة، للعمال الذين يتقاضون أجوراً بسيطة، لصبية الدكاكين، للبائعين، للعمال في ورش السيارات للموظفين، الصغار أن يكونوا ثروة بسرعة عن طريق الزواج من الأرامل.

نور الشريف: بيع الحلم للفقراء، إنك ممكن تبقى غني، إنك ممكن تحل كل حاجة لوحدك، إحنا هنا ما عملناش ده، إحنا جايبين نموذج نناقش من خلاله.. نموذج مستحيل توافره بهذه الشروط، مستحيل توافره بهذه الشروط، وبناقش من خلاله علاقة المرأة بالرجل في المجتمع العربي فقط لا غير، لكن لا رجعية ولا تقليل من قيمة المرأة.

حسين عبد الغني: السويركي الحقيقي الذي لا يتزوج عادة إلا صغيرات السن والفقيرات هو نتاج فهم نصي أو حرفي للشريعة خاصة في مجال التعدد، ونتاج اتساع في ظاهرة التدين عموماً وتدين النساء خصوصاً يجعلهن أكثر قبولاً لفكرة مشاركة أخريات في أزواجهن.

سيد السويركي (مليونير يحاكم بتهمة الجمع بين خمس زوجات): أتزوج حلال وأطلق حلال (وما توفيقي إلا بالله).

أنا في مادة 5 إن شاء الله هتوضع ذلك كله أن الطلاق على مال بفضل الله وده.. وده كلام المحامين، لأن أنا طبعاً بأتجوز على الفطرة بيني وبين ربي وبقول العلماء، ما بأعملش حاجة إلا لازم أسأل عالم فيها حلال أم حرام.

حسين عبد الغني: السويركي الحقيقي الذي لا يتزوج عادة إلا صغيرات السن والفقيرات هو نتاج فهم خاص للشريعة، خاصة في مجال تعدد الزوجات ونتاج اتساع في ظاهرة التدين عموماً وتدين النساء خصوصاً يجعلهن أكثر قبولاً لفكرة مشاركة أخريات في أزواجهن.

سمية الخشاب (ممثلة في مسلسل الحاج متولي): والله موجودة، هي موجودة بس مش منتشرة قوي، يعني أكيد فيه رجالة متجوزين 3 و4 ده موجود النموذج ده في مجتمعنا العربي بشكل عام.

رانيا يوسف (ممثلة في مسلسل الحاج متولي): تحت الظروف الاقتصادية اللي الدنيا كلها بتمر بها مش إن مصر بس اللي الدنيا كلها بتمر بها لأ، أنا عندي إنه يبقى فيه جواز تاني وتالت أحسن ما يبقى فيه حاجات غير شرعية.

هند محمد (أخت الزوجة السابقة للمليونير السويركي): إداها كل حاجة، إداها.. هو إداها فلوس، وجاب لها.. وقال لها اشتري الشقة وإداها العفش، وإداها كل حاجة، كل مستحقاتها إداها لها، وإداها فلوس كمان، إداها فلوس مالياً لها هي، وقال لها: كل إما تكوني عايزة حاجة أنا هأجيب لك، كل إما تحتاجي حاجة قولي لي وأنا أجيب لك.

حسين عبد الغني: الوضع الاقتصادي بما خلقه أيضاً من روح استهلاكية ورغبة في الترف جعل حتى قطاعات من الجيل الجديد ومن الشرائح العليا والمتعلمة تنضم إلى فكرة قبول الزوج المتزوج ما دام سيوفر كل مظاهر الراحة والترف، ساعد على ذلك النموذج شبه المثالي الذي قدمه المسلسل لزوج قادر على توفير رغد العيش والعدل لثلاث أو أربع نساء في وقت واحد.

الهجوم على المسلسل واتهامه بالرجعية وإهدار مكتسبات المرأة العربية في قرن بأكمله لم يمنع الكل من الاعتراف بأن ظاهرة تعدد الزوجات التي أبرزها المسلسل هي ظاهرة واقعية وموجودة، وأن شرائح طبقية وثقافية كانت تعادي هذه الظاهرة بشكل تام حتى سنوات قليلة باتت تتقبلها وتمارسها.

الكرم مع الزوجات وأقاربهن بسبب الغنى الزائد والقدرة المالية هو الذي يفسر التعاطف المذهل الذي يصل إلى حد الرغبة في دخول القفص والسجن بدلاً منه؟، أو استعداد الأبناء أنفسهم لتزويج أبيهم كما هو الوضع في حالة السويركي، وهو الذي يفسر تحول الحاج متولي في المسلسل إلى سي السيد أو ما يشبه البطل الشعبي بالنسبة لكثير من الرجال، أو رجل الأحلام بالنسبة للعديد من النساء.

ماهر فتح الباب (والد زوجة السويركي الحالية): كل واحد بيقدر على شئ بيجيبه بالمال لمؤاخذة، يعني مثلاً هو جه يتجوز بنتي، أنا ما شرطش معاه على حاجة، أنا ما قلتلوش حاجة.

محمد السويركي (نجل المتهم بالجمع بين خمس زوجات): ولو أنا أقدر أجيب له زوجة ترضيني أنا طبعاً هأبحث عن دوت لسعادته ولتحقيق شرع ربنا يعني في إن هو لا يسعى إلى شئ يغضب ربنا سبحانه وتعالى.

حسين عبد الغني: الحركة النسائية المصرية، بل والقطاعات المستنيرة في المجتمع المدني هاجموا بشدة سلوك المزاج عند السويركي ويترقبون الحكم في قضيته بصبر نافذ، ولكنهم هاجموا المسلسل بضراوة أكبر، باعتبار أن تليفزيون الدولة هو من إذاعة بما ينافي سياسة الدولة المصرية تجاه المرأة وتجاه الأسرة، لكن المدافعين عن السويركي في القضاء، والمدافعين عن الحاج متولي في الدراما يرفضون الاتهامات ويطلبون من الجميع احترام الواقع وعدم إخفاء الرأس في الرمل كالنعامة.

مصطفى محرم (مؤلف مسلسل الحاج متولي): قيمة هذا المسلسل الحقيقة في أنه حرك المياه الراكدة، حرك المياه الساكنة، حرك عقول كانت جامدة، كشف عن أشياء كان يغطيها النفاق في كل المجتمعات.

سامح عاشور (نقيب المحامين المصريين/ محامي السويركي): لا إحنا مش هنحاكم لحساب الحركة النسائية لأن تبقى.. تبقى كارثة أيضاً إنه.. إنه.. إنه ترتب المحاكمات الجنائية والعقوبات من أجل إرضاء الحركة النسائية في مصر أو في غيرها، زي بالضبط الحديث حول مسلسل تليفزيوني شهير اسمه الحاج متولي، أو عائلة الحاج متولي بيتناول العلاقات الزوجية المتعددة، لكن هذا واقع اجتماعي موجود.

حسين عبد الغني: الحكم في قضية السويركي قد يقضي بإدانته أو براءته، وإدانته المثقفين للمسلسل لم تمنع من تبرئة المشاهدين له بمتابعتهم الشغوفة له، لكن المجتمع العربي هو الذي سيدخل قفص الاتهام، المجتمع الذي خلق ظروفاً اقتصادية وأنماط قيم واستهلاك تعيد ظاهرة قيد استخدامها المفرط مشرعون مستنيرون منذ القرن قبل الماضي، كما خلق ظروفاً اجتماعية تتفادى الاعتراف بصراحة وشجاعة بأن الظاهرة موجودة ويجب الحديث عنها وتحليل أسبابها.

محاكمة السويركي أو "شهريار العصر" كما وصفته بعض وسائل الإعلام بتهمة تعدد الزوجات ومسلسل "الحاج متولي" العمل الدرامي الذي يحاكي الواقع والمحاكمة لم يفعلان في الواقع شيئاً سوى الكشف عن التغير الاجتماعي الخطير الذي لحق بالمجتمع المصري، التغير الذي حاول الجميع أن يخفيه، التغير الذي سمح للزواج الثاني والزواج الثالث وحتى الرابع أن يعود بقوة بعد عقود من الانقراض تحت وطأة الظروف الاقتصادية وارتفاع سن الزواج وتركز الثروة والاقتدار المالي في يد كبار السن.

حسين عبد الغني – (الجزيرة) – لبرنامج (مراسلو الجزيرة) – القاهرة.

محمد خير البوريني: مشاهدينا الكرام نهاية حلقة هذا الأسبوع من البرنامج، يمكنكم مشاهدة تفاصيل هذه الحلقة بالصوت والصورة والنص من خلال موقع (الجزيرة) على شبكة الإنترنت والعنوان هو:

www.aljazeera.net

كما يمكنكم مراسلة البرنامج أيضاً عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي:

Reporters @ aljazeera.net

أو من خلال العنوان البريدي على صندوق بريد رقم23123 الدوحة، قطر، وكذلك من خلال الفاكس على رقم: 009744860194.

في الختام هذه تحية من المخرج صبري الرماحي وفريق البرنامج، وهذه تحية أخرى منِّي محمد خير البوريني، إلى اللقاء.