طريقة جديدة مبهرة لرؤية الكواكب البعيدة

epa05476386 A meteorite of the swarm of meteorites Perseida burns up in the atmosphere above San Miguel de Aguayo village, in Cantabria, northwest Spain, early 12 August 2016. The Perseid meteor shower is seen every August when the Earth passes through a stream of space debris left by Comet Swift-Tuttle. EPA/PEDRO PUENTE
الوهج الساطع للنجوم يغطي على أي كواكب قد تكون تدور في فلكها مهما كانت هذه الكواكب كبيرة (الأوروبية)
في ليلة صافية، تمنحنا النجوم منظرا خلابا يخطف الأنفاس، مئات بل آلاف النقط البيضاء تغطي أرجاء الأرض كما لو كانت لحاف أو ثوب متلألئ، لكن ماذا عن الكواكب؟

تقول عالمة الفلك في جامعة كاليفورنيا بسانتاكروز هنريت شوارز  التي تدرس الكواكب خارج نظامنا الشمسي إن النجوم يمكن أن تكون مصدر إزعاج بالنسبة إلى الفلكيين الذين يحاولون رصد الكواكب البعيدة.

فالنجوم ألمع بملايين إلى مليارات المرات من الكواكب التي تدور حولها، ووهجها الساطع يطغى تماما على ضوء الكواكب الخافت.

حتى أصغر الكواكب عمرا، التي لا تزال تتوهج بسطوع إثر حرارة تكويناتها، يكون ضوؤها أكثر خفوتا بملايين المرات من نجومها.

منذ اكتشاف أول كوكب خارج نظامنا الشمسي في تسعينيات القرن الماضي، عثر الفلكيون على آلاف الكواكب الخارجية في مجرة درب التبانة التي ننتمي إليها، من كواكب غازية عملاقة بنفس حجم كوكب المشتري إلى كواكب صخرية تبلغ كتلتها عشرة أضعاف كتلة الأرض. إلا أنه عُثر عليها من خلال وسائل غير مباشرة، حيث يرصد التلسكوب كوكبا ما خارج المجموعة الشمسية من خلال تأثيرات الكوكب على نجمه الأم الذي يدور حوله، مثل التعتيم الخافت أثناء مروره أمام النجم، أو التذبذب والتمايل الطفيف للنجم بينما ينجذب الكوكب إليه.

ولم يُرصد سوى عدد قليل من الكواكب الخارجية بطريقة مباشرة. وذلك لأن النجوم ساطعة للغاية.

ودائما ما يتبادل الفلكيون الأفكار حول طرقٍ جديدة لمراقبة ورصد الكواكب الخارجية، ووجدت شوارز وزملاؤها الباحثون مؤخرا سبيلا إلى ذلك بطريقة ذكية جدا، وذلك عن طريق جعل النجوم تختفي.

جمّع الفريق بقيادة جينس هويميكرز، وهو عالم فلك في جامعة برن في سويسرا، صورا أرشيفية التقطها تلسكوب "ألما" العملاق في تشيلي، لنجم يدعى بيتا بيكتوريس الواقع على بُعد حوالي 63 سنة ضوئية عن الأرض. ويدور حول هذا النجم كوكب تتجاوز كتلته عدة مرات كتلة كوكب المشترى، يُدعى بيتا بيكتوريس بي.

التقطت عمليات الرصد بالتلسكوب الضوء المنبعث والآتي من نظام بيتا بيكتوريس وذلك من خلال طريقة يُطلق عليها اسم التحليل الطيفي، يقسم فيها علماء الفلك هذا الضوء إلى أطوال موجية مختلفة، وهي الطريقة نفسها التي يحلل بها المنشور الضوء إلى ألوان الطيف. ويمكن لهذه العملية أن تكشف عن كل أنواع الخصائص والصفات الخاصة بمصدرٍ ما، بما في ذلك تركيبه الكيميائي.

قارن الفريق الصور الأرشيفية وفحصوا كل نقطة فيها بدقة بالعلامات والدلائل المعروفة لأربعة أنواع من الجزيئات، وهي: أول أكسيد الكربون، والماء، والميثان، والأمونيا، وأشارت النتائج إلى وجود أحد الجزيئات المقترحة في النظام الخاص بالنجم.

 

 يعج الكون بمليارات المجرات والنجوم التي يمكن رصدها بالتلسكوبات، لكن رصد الكواكب مسألة أخرى أكثر تعقيدا (رويترز)
 يعج الكون بمليارات المجرات والنجوم التي يمكن رصدها بالتلسكوبات، لكن رصد الكواكب مسألة أخرى أكثر تعقيدا (رويترز)

عندما بحث علماء الفلك عن الميثان والأمونيا، ظل كوكب "بيتا بيكتوريس بي" غير مرئي، وهو ما يشير إلى أن هذه الجزيئات ليست موجودة في غلافه الجوي، لكن عندما بحثوا عن الماء أو أول أكسيد الكربون ظهر الكوكب للعيان.

واستنبط علماء الفلك من ذلك صورة مباشرة لكوكب خارج نظامنا الشمسي لم تكن مُشكَّلة من الضوء، بل من تلك الجزيئات الهائمة في الغلاف الجوي للكوكب.

يقول هويميكرز "كنت أتفحص الصور، وفجأة ظهر الكوكب"، ونادرا ما يكون هذا هو الحال مع بيانات الكواكب الخارجية، مضيفا "عادة ما تكون جميع الإشارات والعلامات التي بحوزتك متناهية الصغر، ويجب عليك بذل الكثير من الجهد لاستنباطها من البيانات، ستكون محظوظا إذا رأيت شيئا. لكن في هذه الحالة، كان الأمر واضحا تماما، كان جليا".

في جميع السيناريوهات الأربعة، لم يُظهر النجم أي دليل على وجود أي من الجزيئات الأربعة، ما يعني أنه لا يزال غير مرئي. عند ذلك، أضاف الباحثون علامة على شكل نجمة تشير إلى موقعه، بينما كان الجرم السماوي المجاور الذي يظهر باللون الأحمر عندما يُنظر إليه من خلال أول أكسيد الكربون، ويظهر باللون الأزرق من خلال منظور الماء، هو الكوكب.

"اختفى النجم تماما! هذا حقا مذهل"، حسبما يقول ماثيو نورثي، وهو عالم فلك في مرصد لايدن بهولندا، الذي لم يشارك في الدراسة التي نشرت تحت عنوان "خرائط الجزيئات" في مجلة "علم الفلك والفيزياء الفلكية" هذا الصيف.

بالإضافة إلى الصور الجميلة، فإن هذه التقنية تكشف عن بعض المعلومات حول ظروف وأوضاع الكوكب. ويعني غياب جميع الجزيئات الأربعة في نظام بيتا بيكتوريس أن درجة حرارة النجم شديدة بحيث لا تسمح بوجود هذه الجزيئات.

وبتطبيق طرق القياس نفسها، توصل العلماء إلى أن درجة حرارة بيتا بيكتوريس عالية جدا للإبقاء على الميثان والأمونيا، ولكنها باردة بما يكفي لوجود أول أكسيد الكربون والماء. بالطبع كلمة بارد هنا نسبية. وبناء على هذه المعلومات، يقدر الفلكيون أن درجة حرارة الكوكب تصل إلى 1700 درجة مئوية.

لا يمكن استخدام هذه الطريقة إلا إذا كان الكوكب والنجم الذي يدور حوله مختلفين في تركيبهما الكيميائي. يمكن لبعض النجوم أن تكون معتمة بما فيه الكفاية لدعم وجود بعض الجزيئات التي يمكن العثور عليها في الأغلفة الجوية للكواكب. ولا تعمل هذه التقنية إلا لتمييز وتحديد خصائص الكواكب الخارجية، لا للكشف عن كواكب جديدة.

ولا بأس بذلك فقد وجد الفلكيون بالفعل أكثر من 5000 عالم محتمل وتحققوا من وجود نصفها تقريبا، بما في ذلك ثلاثين كوكبا بنفس حجم الأرض تدور داخل المنطقة الصالحة للحياة والسكن الخاصة بنجومها.

ما يحتاجه علماء الفلك الآن هو التلسكوبات القوية والتحليلات البارعة التي يمكن أن تُخفي ضوء النجوم وتكشف عن خصائص بعض هذه العوالم. ربما سنتمكن يوما ما، بواسطة التكنولوجيا الملائمة، من رؤية ما يطفو ويوجد في أغلفتها
الجوية، أو سنتمكن من السباحة في بحارها، أو سنتنقل مسرعين على أراضيها.

____________
مقال مترجم للكاتبة مارينا كورين مساعدة تحرير رئيسية في مجلة "ذي أتلانتيك"

المصدر : مواقع إلكترونية