هوكينغ وعوالمه الموازية

LONDON, ENGLAND - OCTOBER 31: Stephen Hawking attends the Pride Of Britain awards at the Grosvenor House Hotel on October 31, 2016 in London, England. (Photo by Chris Jackson/Getty Images)
هوكينغ أصيب بمرض تسبب تدريجيا بالعجز عن الحركة منذ سن الـ 21 (غيتي)

هاني الضليع-الأردن

رحل عملاق الفيزياء النظرية ستيفن هوكينغ، الرجل المقعد الذي أصيب بشلل العصبون الحركي فمنعه منذ شبابه عن الحركة والكلام سوى عبر جهاز خاص، إلا أن إرادته جعلته يقدم للعالم نموذجا في العطاء والإيجابية، كما أرسى مفاهيم جديدة حول الكون والثقوب السوداء.

ذاع صيت هوكينغ بعد وضعه لكتاب "موجز تاريخ الزمن" الأكثر مبيعا في العالم، فقد بيعت منه عشرة ملايين نسخة، وترجم إلى أربعين لغة عالمية، ووصف الفلكي كارل ساغان صاحب "برنامج البحث عن حياة عاقلة في الكون" هوكينغ بأنه معجزة خارقة، إذ استطاع رغم إعاقته التواصل مع كبار علماء الكونيات والاطلاع على أحدث الأفكار، بل واللعب بالمعادلات الرياضية المعقدة والخاصة بنظرية النسبية العامة لينتج للعالم أفكارا لا يفهمها إلا العباقرة. فالبعض يصنفه بأنه خليفة العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين لأنه وظف نظرية الكم التي رفضها أينشتاين في فهم الكون.

ولد هوكينغ في مدينة كامبردج عام 1942 والتحق بأوكسفورد عام 1959 لدراسة الفيزياء، وبعد إصابته بمرضه الذي ظن الأطباء أنه لن يبقيه حيا لأكثر من سنتين، تغلبت إرادته على هذه المعضلة، فأكمل الدكتوراه من جامعة كامبردج وبرع في تخصصه حتى فاق أقرانه وأصبح علما يذكر. 

أثبت هوكينغ رياضيا احتمال خروج إشعاعات من الثقوب السوداء فسميت بإشعاعات هوكينغ

بدأت رحلته العلمية حين تعاون عام 1970 مع عالم الرياضيات الفيزيائية النظري روجر بنروز، فأثبتا أن معادلات النسبية العامة التي وضعها أينشتاين تقود بالضرورة إلى أن الكون بدأ مما يعرف بنقطة التفرد، وهي نفس حالة الثقب الأسود، حيث (توجد) فيها المادة وراء أفق الحدث أو ما يعرف بجدار الثقب الأسود، وهو الحد الذي لا يستطيع الضوء بعده أن يهرب من قبضة جاذبية الثقب الأسود العظيمة، فكل ما داخل ذلك الجدار يوصف بأنه في حالة تفرد لا تعرف الفيزياء كنهها ولا تعريفا لها، أو بعبارة أخرى تفشل قوانين الفيزياء الكونية أن تفسرها.

الثقوب السوداء
وفي عام 1974 أشارت الحسابات البحثية التي وضعها هوكينغ إلى أن الثقب الأسود لا يظل أسود على الدوام، بل إن ثمة إشعاعات يمكن أن تهرب من قبضة جاذبية المطبقة، ودعيت هذه الإشعاعات باسم إشعاعات هوكينغ. ويترتب عليها أن الثقب الأسود يمكن في النهاية أن يتبخر تماما ويتلاشى بعد زمن طويل. ولذا انتشرت حكمة بين الفيزيائيين تقول "إذا شعرت بأنك داخل ثقب أسود فلا تفقد الأمل، فثمة طريق ستقودك للخارج".

وأما مؤلفاته، فقد وضع هوكينغ عدا كتابه "موجز تاريخ الزمن" مجموعة كتب منها: كتاب "الكون في قشرة جوز" وأجاب فيه عن الأسئلة المتعلقة بالثقوب السوداء والانفجار العظيم من خلال جولة في أرجاء الكون، يستعرض فيها أحدث نظريات الفيزياء الكونية بأسلوب يحاكي قدرة القارئ العادي. وكتاب "الثقوب السوداء والأكوان الناشئة" وهو مجموعة مقالات ومحاضرات تتحدث بشكل عام عن ماهية الثقوب السوداء وإشعاعات هوكينغ. وكتاب "مفتاح جورج السري للكون" وكتاب "مختصر حياتي" وكتاب "على أكتاف العمالقة".

وبناءً على طلبه، شارك هوكينغ في تجربة الشعور بانعدام الوزن (زيرو غرافيتي) عندما طارت به شركة بوينغ عام 2007 في طائرة من طراز بوينغ 727، حيث أوقفت الطائرة محركاتها بعد بلوغها سرعة وارتفاعا محددين. والشعور بانعدام الوزن لا يعني فقدان الجاذبية كما يتبادر إلى أذهان البعض، لكن السقوط الحر يعطي شعورا بانعدام الوزن.

أما على الصعيد الفكري، فقد ترك هوكينغ جدلا فكريا واسعا بين متابعيه، لا سيما تصريحاته بشأن عدم إيمانه بوجود إله ولا حياة أخرى بعد الموت، وقد أوضح رأيه هذا في كتابه "التصميم العظيم" الذي وضعه بمشاركة الفيزيائي ليوناردو ملودينو، وقد تناولا فيه فرضيات تحاول تأييد الإلحاد.  

وقد رد عليه العديد من علماء الكونيات، ومنهم البروفسور العراقي محمد باسل الطائي الذي أثبت أن فلسفة الطبيعة تقوم على فكرة أن الحوادث لا بد لها من مُحدث.

وأخيرا، كانت لهوكينغ مواقف سياسية وإنسانية عادلة، وعلى رأسها موقفه من القضية الفلسطينية، حيث أيد حركة مقاطعة إسرائيل، كما كانت له مقولات مشهورة، ومنها نصيحة قدمها لأصدقائه قائلا "تذكروا أن تنظروا إلى النجوم وليس إلى أقدامكم، لا تستسلموا ولا تيأسوا من العمل، وإذا كنتم محظوظين بالعثور على الحب المناسب فلا تهملوه أو ترموه بعيدا".

المصدر : الجزيرة