مهمة مركبة "جونو" إلى المشتري

*عدلي الحلبي

أعلنت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) أن مركبة الفضاء "جونو" تقترب من مدار كوكب المشتري في رحلة قطعت خلالها مئات ملايين الكيلومترات، وتطمح ناسا من خلال هذه المهمة إلى فهم تطور نشأة هذا الكوكب عبر مئات الملايين من السنين، إذ يعتقد العلماء أنه من أوائل الكواكب التي تكونت في نظامنا الشمسي، وأنه ولد في منطقة نائية باردة على أطراف نظامنا الشمسي قبل أن يستقر في موقعة الحالي بين حزام الكويكبات وزحل.

يعد المشتري من أهم الكواكب في مجموعتنا الشمسية نظرا لحجمه الهائل، إذ يبلغ قطرة 71 ألفا وخمسمئة كلم، ومن الممكن أن يتسع إلى 1317 كرة أرضية، ويعد الأسرع دورانا حول نفسه بين جميع كواكب المجموعة الشمسية، إذ تبلغ سرعته 45 ألفا وثلاثمئة كلم/س، حيث يتم دورة واحدة كل عشر ساعات. 

ومن أجل دراسة المشتري عن قرب فقد أطلقت مركبة "جونو" في الخامس من أغسطس/آب 2011 على متن الصاروخ أطلس 5 لدراسة الخصائص الفيزيائية والكيميائية لهذا الكوكب بدءا من غلافه الخارجي المكون من طبقات متعددة من الغيوم، مرورا بتركيبة طبقاته الداخلية، ثم إجراء مسح شامل لحقله المغناطيسي وشفقة القطبي، وذلك لفهم ديناميكية عمل حقله المغناطيسي الضخم الذي يعد الأقوى بين كواكب المجموعة الشمسية.

ويتكون المشتري من ثلاث طبقات رئيسية، الطبقة الخارجية وتتكون من الغيوم وتقبع في أسفلها طبقة من الهيدروجين السائل، وتليها طبقة من الهيدروجين المعدني الذي يمتد إلى نحو 78% من نصف قطر الكوكب، أما النواة فيبلغ حجمها تقريبا حجم كوكبنا.

ويمتلك المشتري حتى الآن 67 قمرا مكتشفا عدا الأقمار الصغيرة الكثيرة التي لم ترصد بسبب صغر حجمها، أما أشهر أقماره فتعرف بأقمار غاليليو، وأكبرها حجما هو جانيميد ومن ثم كاليستو يليه إيو وأخيرا يوروبا.

‪ثلاثة من أقمار المشتري يشاهد ظلها على سطح الكوكب كما التقطها تلسكوب الفضاء هابل‬ (رويترز)
‪ثلاثة من أقمار المشتري يشاهد ظلها على سطح الكوكب كما التقطها تلسكوب الفضاء هابل‬ (رويترز)

وللمشتري ثلاث حلقات تدور حوله كحلقات كوكب زحل، وتعرف الداخلية منها باسم "هالو"، وهي حلقة لامعة نسبيا، وتشتهر المتوسطة باسم الحلقة الرئيسية، والخارجية، وتتكون جميع هذه الحلقات من أغبرة وصخور وربما قطع جليدية هي حطام ارتطام النيازك بأقماره أو شظايا وأغبرة تصادم الكويكبات في حزام الكويكبات القريب، إذ تتخذ مدارا حول الكوكب بسبب جاذبيته العظيمة الناجمة عن كتلته الضخمة.

كما يتميز المشتري بأحزمته الملونة التي تعد أهم ملامح غلافه الجوي، وهي ناتجة عن الغازات المختلفة كسحب بلورات الأمونيا الجليدية التي تظهر باللون الأبيض وهي الأكثر برودة، وغيوم مركبات غاز بايكبريتيد الأمونيوم التي تشكل الأحزمة البنية والبرتقالية، أما السحب السفلية التي تميل إلى اللون الأزرق فتكوينها يتشكل من الغيوم المائية وذلك كدليل ناتج عن ومضات البرق المكتشفة في الغلاف الجوي للمشتري بسبب قطبية الماء التي تمتلكها هذه الغيوم.

أما أهم ملامح المشتري على الإطلاق فهي البقعة الحمراء العظيمة التي هي عبارة عن إعصار في الطبقات العليا من غلاف المشتري تقع عند خط عرض 22 درجة جنوب خط الاستواء، ويبلغ طولها أربعمئة ألف كلم، وعرضها نحو 32 ألف كلم، وهذه البقعة يمكن أن تتسع لثلاث كرات أرضية.

هذه البقعة العملاقة عبارة عن إعصار في الطبقات العليا من غلاف المشتري وهي تتسع لثلاث كرات أرضية (أسوشيتد برس)
هذه البقعة العملاقة عبارة عن إعصار في الطبقات العليا من غلاف المشتري وهي تتسع لثلاث كرات أرضية (أسوشيتد برس)

مهمة جونو
بعد خمس سنوات من إطلاق المركبة الفضائية "جونو" وخلال مدارها حول الشمس عادت في عام 2013 لتتخذ دورة حول الأرض لاكتساب تسارع مضاعف في مسارها نحو المشتري، وتعرف هذه العملية بالجاذبية المقلاعية، وذلك كي تصل إلى هدفها كما هو مخطط لها في الرابع من يوليو/تموز القادم، وبهذا تكون "جونو" قد قطعت في رحلتها مسافة إجمالية تقدر بملياري كيلومتر، لتسجل بذلك الرقم القياسي كأسرع مركبة فضائية سبرت أعماق الفضاء حتى الآن، حيث بلغ معدل سرعتها 138 ألف كيلومتر في الساعة، والتقطت "جونو" عددا من الصور لكوكبنا كتجربة أداء لبعض أجهزتها العلمية.

تحمل "جونو" على متنها مجموعة كبيرة من الأجهزة العلمية، أهمها البوصلة المرجعية لضبط دقة اتجاه المركبة، وجهاز قياس المغناطيسية لتكوين خريطة للحقل المغناطيسي للكوكب، وجهاز لقياس قوة واتجاه خطوط الحقل المغناطيسي، وجهاز لقياس أعماق الغلاف الجوي وقياس الانبعاث الحراري، وجهاز لقياس أمواج البلازما والأمواج الراديوية في الغلاف المغناطيسي ومنطقة الشفق القطبي، وجهاز يعمل بالأشعة تحت الحمراء لرسم خرائط الشفق القطبي.

ومن بين تلك الأجهزة المهمة أيضا كاميرا ملونة لالتقاط الصور حسب الضوء المرئي لأحزمة وغيوم المشتري، وجهاز يكشف عن تركيبة الكتلة الداخلية للمشتري من خلال استخدام نظام الاتصالات بترددات "إكس-باند"/ كي أي-باند" يعمل بنظام تتابع موجات دوبلر، وجهاز لتحليل تركيبة البلازما للشفق القطبي -وتوزيع الإلكترونات المكونة للبلازما في الغلاف المغناطيسي للمشتري، وجهاز لقياس الطاقة وتوزيع أيونات الهيدروجين والهليوم والأكسجين والكبريت والأيونات الأخرى في الغلاف المغناطيسي بالمنطقة القطبية للمشتري، وأخيرا، جهاز طيفي يعمل بالأشعة فوق البنفسجية للكشف عن الأطوال الموجية للفوتونات بالغلاف المغناطيسي في منطقة الشفق القطبي.

وقد وضعت بعض الأجهزة الحساسة داخل صندوق مصنوع من التيتانيوم لتفادي أي تشويش من الإشعاعات المغناطيسية القوية لهذا الكوكب، إذ تعمل التيارات الشديدة التي تنساب بالغلاف المغناطيسي للمشتري على تكوين هالة فوق قطبي المشتري بحيث تصدر موجات كهرومغناطيسية بدرجات مختلفة، مما ينتج عنها نبضات تتراوح بين 0.6 و30.0 ميغاهيرتزا.

جانيميد أكبر أقمار المشتري يظهر أسفل الكوكب الذي ستصله المركبة جونو الشهر المقبل (رويترز)
جانيميد أكبر أقمار المشتري يظهر أسفل الكوكب الذي ستصله المركبة جونو الشهر المقبل (رويترز)

وتعمل المركبة "جونو" بالطاقة الشمسية، حيث تمتلك ثلاثة ألواح شمسية على شكل مروحة، ويبلغ مجموع أطوالها عشرين مترا لتزويدها بطاقة تبلغ 486 واطا، وقد حطمت الرقم القياسي الذي أحرزته مركبة "روزيتا" التي تعمل بالطاقة الشمسية عندما وصلت إلى مدار يبعد عن الشمس مسافة 792 مليون كلم عام 2012، وتم تحطيم ذلك الرقم حينما وصلت "جونو" إلى مدار يبعد مسافة 793 مليون كلم عن الشمس عام 2015، لتكون أبعد مركبة تعمل بالطاقة الشمسية تمت صناعتها حتى الآن، علما بأن مركبة جونو سوف تصل لمدار يبعد عن الشمس مسافة 835 مليون كيلومتر.

أما الأهداف العلمية لهذه المهمة فتتلخص في تحديد معدل الأكسجين إلى الهيدروجين، ووفرة جزيئات الماء وتحديد المادة التي تشكل كتلة نواة المشتري، ثم البحث في تركيبة بنيته وخصائصه الديناميكية من خلال عمل خرائط للجاذبية ولحقله المغناطيسي، وعمل خرائط بمختلف تركيبة الغلاف الجوي من درجات الحرارة إلى فك غموض ديناميكية حركة الغيوم بضغط أعلى من مئة بار، وأخيرا عمل خرائط بتقنية ثلاثية الأبعاد لتركيبة وبنية الغلاف المغناطيسي والشفق القطبي.

ومما لا شك فيه أن مركبة "جونو" سوف تساعد العلماء على حل العديد من ألغاز هذا الكوكب العملاق، وعن تطور الكواكب الغازية عبر تاريخ نشوء مجموعتنا الشمسية، وكوكب المشتري يعد أيضا من النماذج المثالية للكواكب النجمية المكتشفة حديثا في مجرتنا بعيدا عن مجموعتنا الشمسية.

ولأهمية دراسة خصائص هذا الكوكب فقد زارته سبع مركبات فضائية كان آخرها مركبة "نيوهورايزنز" عام 2007 خلال مسار رحلتها إلى الكوكب القزم بلوتو وحزام كويبر.
 ____________
* عضو مؤسس في الجمعية الفلكية الأردنية

المصدر : الجزيرة