نحو المريخ.. ذلك الكوكب الأحمر

A handout photograph made avaiable on 20 May 2016 showing the plant Mars covered in clouds viewed by the Hubble Space Telescope on 12 May 2016. The image taken to show off the effects the seasons have on the red planet. This observation was made just a few days before Mars opposition on 22 May 2016, when the sun and Mars will be on exact opposite sides of Earth, and when Mars will be at a distance of 47.4 million miles from Earth. On 30 May 2016 Mars will be the closest it has been to Earth in 11 years, at a distance of 46.8 million miles. Mars is especially photogenic during opposition because it can be seen fully illuminated by the sun as viewed from Earth. EPA/NASA / HUBBLE / HANDOUT
صورة التقطها المنظار هابل للمريخ يوم 20 مايو/أيار 2016 قبل أيام من وجود المريخ بأقرب مسافة من الأرض (الأوروبية)

*هاني الضليع

يعجب الكثيرون ممن لم يعتادوا النظر إلى السماء ومتابعة حركة أجرامها وظواهرها المتكررة من أن يرى أحدهم كوكبا بالعين المجردة معتقدا أن الكواكب لا ترى إلا بالتلسكوبات رغم أن القدماء عرفوها، وأطلقوا أسماء مشهورة عليها ولم تكن عندهم هذه الوسائل البصرية.

فقد عرفت جميع الحضارات الكواكب السيارة الخمسة وأطلقوا عليها اسم سيارة أو خانسة لأنها تتحرك بين الكواكب الثابتة التي هي النجوم، فعرفوا عطارد السريع والزهرة اللامع والمريخ الأحمر والمشتري الجميل وزحل البطيء. لكنهم بالطبع لم يعرفوا أيا من الكواكب البعيدة كأورانوس ونبتون وبلوتو وما وراءها لأن هذه جميعا خافتة لا تراها العين المجردة.

واتفقت الحضارات على أن جميع هذه الكواكب متميزة بحركتها بين النجوم، فمنهم من ادعى أنها تتقمص روح الآلهة كالبابليين والهنود، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك فظنها الآلهة كما فعل الرومان والإغريق، فأطلقوا عليها أسماء الآلهة كفينوس آلهة الحب والجمال والمريخ إله الحرب. بل إن العرب أقاموا للزهرة صنما مشهورا عند الكعبة المشرفة أسموه العزى، مؤنث كلمة الأعز.

الكوكب المحتار
ولأن هذه الكواكب متحركة بين النجوم فقد كان لها بعض الخصائص الغريبة، وكوكب المريخ أكثرها لفتا للانتباه، إذ كانت العرب تراقب حركته بين النجوم من الغرب إلى الشرق ثم لا يلبث أن يقف ويقفل عائدا نحو الغرب، وبعد بضعة أسابيع يعود لسيرته الأولى نحو الشرق. وأطلق العرب على هذه الحركة اسم ظاهرة التحير تشبيها له بالرجل المحتار حين يخرج فيعود ثم يتابع سيره، وقد فشلت جميع نماذج مركزية الأرض في أن تفسر هذه الظاهرة إلى أن وضعت فرضية مركزية الشمس.

أطلق على ألمع نجم في برج العقرب اسم أنتاريس بمعنى شبيه المريخ (الجزيرة)
أطلق على ألمع نجم في برج العقرب اسم أنتاريس بمعنى شبيه المريخ (الجزيرة)

كوكب المريخ هو الكوكب الرابع ترتيبا بُعدا عن الشمس، فمتوسط مسافته عنها يبلغ 228 مليون كيلومتر، لكنها ليست المسافة بينه وبين الأرض، إذ هما يدوران في مدارين يقتربان فيهما من بعضهما ويبتعدان، ويتكرر لقاؤهما هذا مرة كل سنتين لمسافة متوسطها 65 مليون كيلومتر تستغلها الدول الكبرى لإرسال مركباتها الفضائية إلى هذا الكوكب الذي يعد أملا ومستقبلا للاستيطان بعد الكرة الأرضية.

لكن هذا الاقتراب يكون أقرب ما يمكن مرة كل 15 عاما يلتقيان فتصبح معالم سطح المريخ متاحة لأهل الأرض حتى بتلسكوبات الهواة الصغيرة، فتظهر البقعة الجليدية على القطب الجنوبي للمريخ مكونة من جليد الماء وثاني أكسيد الكربون، وتظهر معالم داكنة وأخرى فاتحة على سطحه لها أسماء لا يتوقعها الكثيرون، وأحيانا تلف الكوكب عاصفة مريخية من التراب الأحمر المكون أساسا من أكاسيد الحديد التي تكسب المريخ لونه الصدئ هذا. وقد حدث أقرب لقاء تاريخي بينهما عام 2003 على مسافة 56 مليون كيلومتر فقط.

معالم عربية
من بين تلك المعالم معلم ضخم أطلق عليه اسم الجزيرة العربية (Arabia) لشبهه بها، وهي منطقة فاتحة اللون ملاصقة لمعلم داكن اللون يدعى باللاتينية "سيرتس ميجور" (سرت الكبرى) وهو الخليج الليبي الواقع على ساحل "سدرا" الموجود في ليبيا على الأرض، ولهذا اعتُمد اسم ليبيا كأحد المعالم المدونة على خريطة المريخ وكذلك أسماء سوريا وعدن ومؤاب وسيناء.

أما إن تفحصنا الخريطة جيدا فسنجد قرى عربية منتقاة عشوائيا تم إطلاق أسمائها هناك على فوهات مريخية، هذه القرى هي: فقوع وسوف في الأردن، وضنك ومنح وطيوي في سلطنة عمان، ودخان في قطر، وحلبة وإهدن في لبنان، وحرض وليلى في السعودية، وهيت وكوت وكفري في العراق، وإرحارين ومدريسة وميله في الجزائر، وجاما وكسرة وصفاقس في تونس، وسرت والقفرة في ليبيا، واللد في فلسطين، وماري في سوريا، ومليط وشامبي وسنجه في السودان، ونعر في مصر، وسترة في البحرين، وتازة في المغرب، وأخيرا الوفرة في الكويت.

حفرة نيلي إحدى أكثر المناطق الملونة بالمريخ وتقع في منطقة
حفرة نيلي إحدى أكثر المناطق الملونة بالمريخ وتقع في منطقة "سرت الكبرى" وقد التقطت في فبراير/شباط 2016 (رويترز)

وقد اتفق الاتحاد الفلكي الدولي على تسمية الفوهات النيزكية على كل كوكب بتسميات مختلفة، ففي حين تسمى فوهات المريخ بأسماء مدن وقرى، تسمى فوهات عطارد مثلا بأسماء فنانين وممثلين، وفوهات القمر بأسماء علماء، وهكذا.

زيارات عديدة
وحيث إن المريخ يتم دورته في أقل من سنتين أرضيتين (786 يوما) فإنه يقابل الأرض مرة كل حوالي سنتين، فيشرق ناحية الشرق وقت الغروب في ظاهرة تدعى التقابل ليبقى ظاهرا في سماء الأرض ستة شهور كاملة (ابتداء من 22 مايو/أيار 2016) متألقا بلونه الأحمر القاني الذي بسببه أطلق على ألمع نجم من نجوم برج العقرب اسم أنتاريس بمعنى شبيه المريخ، وبسبب قربه من الأرض فإنه يُرى بالعين المجردة مساء كجرم أحمر ساطع فوق الأفق الشرقي الجنوبي في جميع أنحاء العالم.

ولأن للمريخ غلافا جويا أرق من قرينه الأرضي بمئة مرة، ولأنه يقع في منطقة الحياة التي تضمه والأرض، فإن العلماء يأملون أن يصبح المريخ الملاذ الآمن للبشرية بعد استصلاحه بيئيا أو من خلال بناء مستوطنات تحت سطحه تظل معزولة عن البرد الشديد الذي يلف الكوكب، فأعلى درجة حرارة يكتسبها المريخ في فصل الصيف تبلغ عشرين تحت الصفر المئوي لتتدنى في الشتاء إلى ما دون المائة وثلاثين تحت الصفر. ولأن سنة المريخ تكبر سنة الأرض بحوالي مرتين، فإن الفصل الواحد عليه يستمر قرابة ستة شهور.

مركبة الفضاء الروسية الأوروبية المشتركة
مركبة الفضاء الروسية الأوروبية المشتركة "إكزومارس" ستبلغ المريخ في أكتوبر/تشرين الأول 2016 (الأوروبية)

ولشدة اهتمام المؤسسات الفلكية والدول الكبرى بهذا الكوكب القريب، وجهت وكالات الفضاء الدولية المختلفة أربعين رحلة نحوه منها ما زاره في طريقه نحو هدف آخر مثل مارينر ودون، ومنها ما اتخذ حوله مدارا مثل أوديسي وريكونسنس ومافن، ومنها ما وصل سطحه وعددها خمس مركبات هي فايكنغ 1978، ثم باث فايندر 1997، ثم المركبات المتجولة على سطح المريخ وهي سبيريت وأوبرتشينيتي 2004، ثم فينكس 2007 ، وأخيرا كيريوستي 2011.

في الطريق للمريخ
غير أن أحلام ريادة المريخ لا تتوقف ولن تتوقف، ففي الطريق إلى هذا الكوكب حاليا المركبة الروسية الأوروبية المشتركة إكزومارس التي ستبلغه في أكتوبر/تشرين الأول 2016 حاملة على متنها المسبار شيابللي الذي سيهبط على سطحه.

تتبعها عامي 2018 و2020 سبع مركبات أخرى منها الأوروبي "إكزومارس روفر" والأميركيان "ماركو ومارس 2020" والروسي "إكزومارس بلاتفورم" والصيني "تشاينيز ميشن" والتحضيري لاستيطان المريخ "ريد دراغو") والإماراتي "مسبار الأمل أو مارس هووب".

وبذلك تصبح الإمارات أولى الدول العربية في السباق نحو المريخ، حيث سيقوم هذا المسبار بدراسة الغلاف الجوي والمناخ المريخي من مداره حول الكوكب.

غير أن ثمة 21 خطة أخرى لاستكشاف المريخ يتوقع أن يتم الموافقة عليها في بلدانها ووكالات الفضاء التابعة لها خلال السنوات من 2018 وحتى 2026 ، جميعها موجهة لدراسة الكوكب الأحمر الذي بلا شك سيكون حلم البشرية القادم.

_______________
*عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

المصدر : الجزيرة