ألمانيا ضد غوغل

A woman hovers a mouse over the Google and European Union logos in Sarajevo, in this April 15, 2015 photo illustration. The European Union accused Google Inc on Wednesday of cheating competitors by distorting Internet search results in favour of its Google Shopping service and also launched an antitrust probe into its Android mobile operating system. REUTERS/Dado Ruvic
ليغرين: لا أحد يجبر الأوروبيين على استخدام غوغل كمحرك بحث (رويترز)

فيليب ليغرين-لندن

تتعرض شركات التكنولوجيا الأميركية الآن لهجوم غير مسبوق من قِبَل الهيئات القائمة على التنظيم في الاتحاد الأوروبي، فقد اتهمت المفوضية الأوروبية شركة غوغل بإساءة استخدام شبه احتكارها للبحث على شبكة الإنترنت في الاتحاد الأوروبي لصالح خدمات التسوق التي تقدمها، كما أطلقت تحقيقاً في نظام تشغيل الهواتف المحمولة "أندرويد" الذي أطلقته شركة غوغل.

وكجزء من "الإستراتيجية الرقمية للسوق المشتركة" التي أعلنت عنها للتو، تدعو المفوضية إلى إجراء تحقيق شامل في الدور (الأميركي غالبا) الذي تلعبه منصات الإنترنت، مثل الشبكات الاجتماعية ومتاجر التطبيقات.

إن التصدي للممارسات المشكوك فيها من قِبَل الشركات التابعة لأي بلد لا بد أن يتم بطريقة محايدة ونزيهة، ولكن من غير المرجح أن يحدث هذا هنا. ذلك لأن الدافع الرئيسي وراء الهجوم التنظيمي الذي يشنه الاتحاد الأوروبي ليس الحرص على رفاهة الأوروبيين العاديين، بل الضغوط التي تمارسها الشركات الألمانية ورعاتها في الحكومة الألمانية لفرض تدابير الحماية.

الواقع أن الحكومة الألمانية تتباهى بالقدرة التنافسية التي اكتسبتها البلاد، ولا يتردد المسؤولون الألمان في إلقاء المحاضرات على أقرانهم في الاتحاد الأوروبي بشأن الحاجة إلى محاكاة حماستهم الإصلاحية المفترضة.

في حين تختنق الشركات الرقمية الألمانية البادئة بفِعل فرط القيود التنظيمية وضعف الاستثمار، تتولى ديناصورات العالم ما قبل الرقمي تحديد أجندة السياسات

فشل في الإنترنت
ولكن برغم أن ألمانيا تظل أكبر الدول المصدرة لصناعات مثل السيارات على مستوى العالم، فإنها غير ناجحة في عالم الإنترنت، فلا يوجد مقابل ألماني لغوغل أو فيسبوك. وبسبب الإحباط وعراقيل الروتين الحكومي وثقافة النفور من المجازفة في الداخل، فإن أكثر أصحاب مشاريع الإنترنت الألمان نجاحاً يعيشون في وادي السيليكون. وفي حين ترتفع الشركات العاملة في الولايات المتحدة إلى عنان السماء، تظل ألمانيا عالقة في الوحل.

وفي حين تختنق الشركات الرقمية الألمانية البادئة بفِعل فرط القيود التنظيمية وضعف الاستثمار، تتولى ديناصورات العالم ما قبل الرقمي تحديد أجندة السياسات. وتعرب شركات الإعلام التقليدية عن استيائها من اضطرارها إلى الاعتماد على غوغل لتوجيه حركة المرور إلى مواقعها وقدرة شركة غوغل على بيع إعلاناتها على أساس مقتطفات من محتواها.

كما تعرب شركة دويتشه تيليكوم المملوكة جزئياً للدولة عن سخطها لعدم حصولها على أي عائد إضافي عندما يستخدم الناس شبكتها لإجراء المكالمات بواسطة سكايب، وإرسال الرسائل على واتساب، ومشاهدة مقاطع الفيديو على نيتفليكس ويوتيوب. وتستشعر "تي يو آي" -وهي أكبر وكالة سفر وتنظيم رحلات على مستوى العالم- التهديد من قِبَل "تريب أدفايزر". ويخشى تجار التجزئة التوسع المتزايد لإمبراطورية شركة أمازون.

وكانت ألمانيا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تؤسس لحظر خدمات شركة "أوبر" على المستوى الوطني، في استجابة لمطالبات سائقي سيارات الأجرة الذين يخشون المنافسة. وتشعر جماعات الضغط الصناعية القوية في ألمانيا بالحنق إزاء قدرة شركات التكنولوجيا الأميركية على التهام حصتها التصنيعية.

الشركات الألمانية ليست وحدها التي تخشى المنافسة الأميركية، لكن نفوذها داخل المفوضية الأوروبية حاسم

مصالح ألمانية
وعلى حد تعبير غونثر أوتينغر، مفوض الاتحاد الأوروبي (الألماني) للشؤون الرقمية: "إذا لم نوجه القدر الكافي من الاهتمام، فقد نستثمر في إنتاج سيارات رائعة، ولكن أولئك الذين يبيعون الخدمات الجديدة المرتبطة بهذه السيارات هم من يجنون المال".

وفي حين كان نيلي كروس -سلف أوتينغر- يدافع عن الفوائد المحتملة التي قد تعود على المستهلكين وتعزيز النمو الاقتصادي بفضل التكنولوجيات الجديدة، فإن أوتينغر يروج لمصالح الشركات بلا خجل في دفاعه عن المصالح التجارية الألمانية.

والشركات الألمانية ليست وحدها التي تخشى المنافسة الأميركية، لكن نفوذها داخل المفوضية الأوروبية حاسم. والواقع أن ألمانيا لم تكن قط أكثر نفوذا من حالها اليوم في الاتحاد الأوروبي. وكانت أزمة الديون التي شتت انتباه فرنسا ونفرت المملكة المتحدة بمثابة القوة التي دفعت بألمانيا -الدائن الأكبر في منطقة اليورو- إلى مقعد القيادة الأوروبية.

إن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يدين بمنصبه لحزب الشعب الأوروبي، التجمع السياسي الذي ينتمي إلى يمين الوسط والذي يهيمن عليه الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والذي يسيطر بالتالي على البرلمان الأوروبي.

ويونكر مدين أيضاً لمجموعة أكسل سبرينغر الإعلامية، التي تنشر صحيفة بيلد، وهي الصحيفة "التابلويد" الأكثر مبيعاً في ألمانيا، والتي دعمته بقوة في الصيف الماضي عندما كانت ميركل مترددة. ويحرص رئيس مكتبه الألماني مارتن سيلماير على الاستجابة لمخاوف بلاده في المفوضية.

لا أحد يجبر الأوروبيين على استخدام غوغل كمحرك بحث، فالمنافسون على بُعد نقرة واحدة. ولأغراض التسوق، فإن الأوروبيين يتجاوزون غوغل بشكل متزايد

حملة ألمانية
في العام الماضي، مارست ألمانيا الضغوط على خواكين ألمونيا، المفوض المسؤول عن المنافسة في الاتحاد الأوروبي في ذلك الحين، لحمله على عدم تسوية نزاع مكافحة الاحتكار مع غوغل، الأمر الذي مكن خليفته مارغريت فيستاجر من متابعة الأمر.

والواقع أن التحقيق في منصات الإنترنت يأتي بطلب من وزير الاقتصاد الألماني سيغمار جابرييل. وتبدو نتائج التحقيق محددة سلفا؛ في ورقة مسربة، يقترح أوتينغر تنصيب هيئة تنظيمية قوية جديدة في الاتحاد الأوروبي لكبح جماح المنصات على شبكة الإنترنت. وقد تحدث مؤخراً عن ضرورة "تغيير محركات البحث على شبكة الإنترنت، وأنظمة التشغيل، والشبكات الاجتماعية اليوم".

الواقع أن لا أحد يجبر الأوروبيين على استخدام غوغل كمحرك بحث؛ فالمنافسون على بُعد نقرة واحدة. ولأغراض التسوق، فإن الأوروبيين يتجاوزون غوغل بشكل متزايد، فيبحثون بشكل مباشر على أمازون أو "إيباي"، أو يتصفحون خلال فيسبوك.

وعلى هذا فإن غوغل لا تسيطر على هذا المشهد السريع التطور، ناهيك عن أن تحتكره. والمتسوقون لم يعانوا قط، ولكن حين يركز قانون منع الاحتكار في الولايات المتحدة -عن حق- على تعرض المستهلكين للضرر من عدمه، فإن سلطات المنافسة في الاتحاد الأوروبي تنظر أيضاً في ما إذا كانت الشركات المنافسة قد خسرت بوابات التسوق العتيقة الطراز، مثل "لادينزيلي" التي يملكها أكسل سبرينغر.

في حين تستفيد كل شركة أميركية بادئة في مجال الإنترنت من السوق المحلية الضخمة، فإن مثيلاتها في أوروبا مقيدة بفِعل التنظيمات المحلية ومحدودة بالأسواق المحلية الأصغر حجما

سوق رقمية مشتركة
إن إنشاء سوق رقمية مشتركة أمر منطقي. ففي حين تستفيد كل شركة أميركية بادئة في مجال الإنترنت من السوق المحلية الضخمة، فإن مثيلاتها في أوروبا مقيدة بفِعل التنظيمات المحلية ومحدودة بالأسواق المحلية الأصغر حجما.

ولكن من المؤسف أن مقترحات المفوضية الأوروبية لا تركز على تمكين الإيطاليين من الشراء من مواقع بريطانية أو فتح سوق تتألف من 500 مليون أوروبي للشركات البادئة الإسبانية. ويبدو أن الهدف الرئيسي لهذه المقترحات يتلخص في تقييد المنصات الرقمية الأميركية.

وعلى حد تعبير غابرييل في خطاب أرسله إلى المفوضية الأوروبية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "فإن الاتحاد الأوروبي لديه سوق مشتركة جذابة والعديد من السبل السياسية اللازمة لهيكلتها؛ ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضع هذه العوامل في الحسبان من أجل فرض نفسه في مواجهة الأطراف الأخرى المشاركة على المستوى العالمي".

بدلاً من التآمر لتقييد وعرقلة المنافسين الأميركيين، وخنق الإبداع، وحرمان الأوروبيين من الاستفادة بشكل كامل من الإنترنت، يتعين على ألمانيا أن تمارس ما تعظ به وأن تركز على الإصلاحات الصعبة التي تحتاج إليها لتعزيز مصالحها. وينبغي لها أن تعمل على تيسير بدء وتوسيع المشاريع على الإنترنت.

كما ينبغي لها أن تعزز الاستثمار في البنية الأساسية لاتصالات النطاق العريض والتكنولوجيات الرقمية. ولا بد أن تلقي بكل ثِقَلها لإنشاء سوق مشتركة رقمية في الاتحاد الأوروبي، يستفيد منها المستهلكون وتعمل على تمكين الشركات البادئة من الازدهار، بدلاً من الاعتماد على سياسة صناعية مستترة تحابي الشركات الرقمية الفاشلة في ألمانيا.

_________________
فيليب ليغرين كبير زملاء زائر لدى المعهد الأوروبي التابع لمدرسة لندن للاقتصاد، والمستشار الاقتصادي الأسبق لرئيس المفوضية الأوروبية.

المصدر : بروجيكت سينديكيت