إثيوبيا وابن سلمان.. قصة ملياردير سعودي

صورة الملياردير السعودي الإثيوبي المعتقل في السعودية محمد حسين العمودي
السلطات السعودية ما زالت تحتفظ بالملياردير العمودي رغم إطلاقها سراح غالبية المعتقلين (رويترز)
أمين محمد حبلا

تسلل أول بصيص أمل لعائلة وأنصار الملياردير السعودي الإثيوبي المعتقل محمد حسين العمودي (71 عاما)، بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي
آبي أحمد علي أن السلطات السعودية ستفرج عنه في أقرب وقت، بعد زيارته إلى الرياض الخميس الماضي ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وجد الملياردير العمودي نفسه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يقاد -ربما لأول مرة في حياته- إلى سجن الأمراء ورجال الأعمال بفندق الريتز كارلتون. وبعد شهور من الترقب والانتظار والتحقيقات المستمرة، غادر أغلب الرفقاء، وبقي العمودي في انتظار لحظة الخلاص التي لا يعلم هو ولا غيره متى تأتي، كما لا يعلم الكثيرون مكان احتجازه بعد نقله من الفندق، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

ويعتبر العمودي المولود في إثيوبيا عام 1946 لأب سعودي من أصل يمني، أحد أبرز رجال الأعمال السعوديين، وقدرت ثروته بنحو 13.5 مليار دولار، وصنف ثاني أغنى رجل عربي حسب مجلة فوربس الأميركية عام 2008.

وفي سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية، قبضت السلطات يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أكثر من مئتي شخص، منهم 11 أميرا وأربعة وزراء على رأس عملهم حينها، وعشرات سابقين، ورجال أعمال بتهم فساد، واحتجزتهم في فندق الريتز كارلتون، قبل أن تطلق سراح معظمهم.

ولكن ما الذي جعل السلطات السعودية تحتفظ بالعمودي بينما أطلقت سراح غالبية الموقوفين بتهم تتعلق بالفساد وغسيل الأموال؟ وما الذي جعل إثيوبيا تدخل على خط الأزمة وتضغط من أجل الإفراج عنه؟

منافع ودوافع
لا توجد معلومات دقيقة حول الأسباب والدوافع الحقيقية لاعتقال العمودي بداية ومواصلة الاحتفاظ به ثانية بعد الإفراج عن غالبية المعتقلين، باستثناء ما تتحدث عنه السلطات السعودية من شبهات فساد. ولا يستبعد البعض أن تكون لثروة الرجل الكبيرة وعلاقاته "السياسية" دور في استمرار بقائه سجينا.

وفي المجمل، لا يمكن إغفال العوامل التالية ضمن تحليل أزمة اعتقال العمودي:

– بريق الثروة: كثيرا ما أكدت صحف غربية أن الدافع الأول لاعتقال رجال الأعمال السعوديين هو الحصول على نصيب من ثرواتهم الهائلة. وكانت السلطات السعودية قد أكدت بعد الإفراج عن عدد منهم أنها حصلت ضمن التسويات التي قامت بها على نحو أربعمئة مليار ريال (نحو 107 مليارات دولار).

وإذا كانت معظم دوافع الاعتقالات مالية بالأساس، فالرجل لديه ثروة هائلة تقدر بنحو 13.5 مليار دولار، وهو أغنى رجل في إثيوبيا وثاني أغنى سعودي بعد الأمير الوليد بن طلال بحسب فوربس. كما يعتبر أثرى رجل أسود البشرة في العالم، وأكبر مستثمر في إثيوبيا والسويد، ويملك إمبراطورية واسعة توظف أكثر من 70 ألف شخص في العالم، بحسب نيويورك تايمز.

– علاقات متعددة: رغم عدم وجود الكثير من التفاصيل الدقيقة حول كيفية تمكن الرجل من جمع تلك الثورة الهائلة، فإنه يمكن الإشارة -حسب نيويورك تايمز- إلى تمكنه من تكوين علاقات مؤثرة مع أوساط داخل العائلة السعودية الحاكمة، من أهمها الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي شغل منصب وزير الدفاع وولي العهد قبل وفاته عام 2011.

وكانت وكالة رويترز للأنباء قالت في بداية حملة الاعتقالات التي استهدفت الأمراء ورجال الأعمال إنها شملت أفرادا من أسرة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. وأوضحت مصادر للوكالة أن عددا من الذين طالتهم أحدث عمليات الاعتقال في السعودية هم أشخاص تربطهم صلات بأسرة الأمير سلطان.

كما أن بعض المشاريع التجارية العملاقة التي أطلقها العمودي تحظى بدعم من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مثل شركته المسماة "سعودي ستار"، وهي عبارة عن مشروع زراعي يقع على أرض واسعة في إثيوبيا، أنشئ خصيصا لتزويد السعودية بجزء من حاجاتها الغذائية.

وطالت الاعتقالات أيضا بعض أنجال الملك عبد الله والسائرين في فلكهم، مثلما طالت أشخاصا تربطهم صلات بأسرة الأمير سلطان بن عبد العزيز.

– صلات مع خصوم ترامب: وعلى مستوى العلاقات الدولية يعرف عن الرجل دعمه لمؤسسة كلينتون التي تبرع لها بملايين الدولارات، وقدّم طائرته الخاصة لتنقل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى إثيوبيا عام 2011، الأمر الذي أثار جدلاً داخل المؤسسة الأميركية وفقا لنيويورك تايمز، وهو أمر لن يكون محل ترحيب في أوساط الإدارة الأميركية الحالية الحليفة للسلطات السعودية رغم أنه لا يمثل في الغالب سببا مباشرا لتوقيف الرجل.

– ممول وداعم لسد النهضة: والعمودي أحد أبرز رجال الأعمال الإثيوبيين الداعمين للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الحاكمة، وأحد رجال الأعمال الذين يضطلعون بدور فعال في تمويل سد النهضة الإثيوبي الذي أشعل خلافا متواصلا منذ بداية إنشائه مع مصر وبدرجة أقل مع السودان.

– الموقف الإثيوبي من الأزمة الخليجية: وقفت إثيوبيا موقفا محايدا في الأزمة الخليجية وزارها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما زار رئيس وزرائها السابق الدوحة، ورفضت ضغوط دول الحصار وتمسكت بحل الأزمة سلميا. ولا يستبعد البعض أن يكون الاستمرار في اعتقال الرجل ذي المكانة الكبيرة في إثيوبيا رسالة ضغط غير مباشرة على الإثيوبيين لدفعهم أكثر نحو موقف دول الحصار، تماما كما حصل مع دول أفريقية أخرى.

"فخر" إثيوبيا
لم يكن رئيس الوزراء الإثيوبي يتحدث من فراغ حين زف بشرى قرب الإفراج عن العمودي إلى الإثيوبيين، قائلا إن "احتجاز الشيخ العمودي يتصدر اهتمامات كل الإثيوبيين"، قبل أن يضيف وسط حشد شعبي "تقدمنا بطلب ونحن واثقون بأنه سيطلق سراحه في وقت قريب جدا".

يحظى الرجل بمكانة خاصة في إثيوبيا، فإضافة إلى استثماراته وعلاقاته التجارية القوية والمتشابكة في السعودية وخارجها، التي ربما تكون أحد أسباب توقيفه، يحتفظ بشبكة تجارية أوسع وأرسخ في إثيوبيا مسقط رأسه، وله استثمارات ضخمة في قطاعات البناء والزراعة والتعدين فيها، ويملك عشرات الشركات والمؤسسات العاملة في مختلف المجالات، التي ينضوي أكثر من 30 منها تحت مجموعة ميدروك إثيوبيا للاستثمار.

وأكدت وثائق لوزارة الخارجية الأميركية سربتها لويكيليكس أن شركاته حصلت على امتياز أغلب المشاريع في ذلك البلد، وتغطي أنشطتها مجالات عديدة بداية من القهوة وحتى السياحة منذ عام 1994.

وسبق أن أعلن الرجل عن تبرعه بـ88 مليون دولار لصالح بناء سد النهضة الذي يشارك في إنشائه من خلال مصنعي إسمنت في إثيوبيا، يتم توريد معظم إنتاجهما لإنشاء السد.

وفي المجمل، ينظر إلى الرجل السبعيني الثري باعتباره "شخصية داعمة للمشروع الوطني والإنساني في البلاد" كما ذكر رئيس الوزراء، ولأجل ذلك خفقت قلوب الكثير من الإثيوبيين بعد تأكد خبر اعتقاله في السعودية، وسط خشية من تضرر الاقتصاد الإثيوبي بحكم ضخامة الاستثمارات والمشاريع التي تعود للرجل والتي يعمل بها عشرات آلاف الموظفين.

كان رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد يأمل أن يعود إلى بلاده ومعه الملياردير المحتجز هدية لشعبه، ولكن السلطات السعودية اختارت تأجيل إطلاق سراحه "بسبب الإجراءات"، بعدما تم الاتفاق على إطلاق سراحه ومغادرته مع آبي، حسبما ذكرته وكالة الأنباء الإثيوبية.

ما الذي جعل السلطات السعودية تغير وجهة نظرها في آخر لحظة وتحتفظ بالملياردير؟ هل يتعلق الأمر بإجراءات مؤقتة أم ببقاء طويل وإلى أجل غير مسمى؟

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الأميركية + مواقع إلكترونية