ما الذي أخرج مسعود البارزاني عن صمته؟

Iraqi Kurdish faction Kurdistan Democratic Party (KDP) leader Massoud Barzani thoughtfully walks through the martyrs cemetery in Sulaimaniya September 10 after this northern Iraqi town was captured by the KDP troops and ousted rival Kurdish faction PUK supporters. KDP leader Barzani has issued an amnesty to Talabani's Patriotic Union of Kurdistan (PUK) forces and said new elections must be organised as soon as Talabani admits defeat.
البارزاني اعتبر إنقاص موازنة إقليم كردستان ظلما مبيتا للأكراد (رويترز-أرشيف)

 محمد العلي

توارى مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني وآخر رئيس لإقليم كردستان العراق عن المشهد منذ هزيمة مشروعه للانفصال عن العراق عبر الاستفتاء يوم 24 سبتمبر/أيلول 2017 على يد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي استعاد السيطرة بالقوة العسكرية على كركوك والمناطق المتنازع عليها يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017.

ومنذ ذلك الحين لم يظهر البارزاني إلا في مقابلة يتيمة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية يوم 18 يناير/كانون الثاني 2018 قال فيها إنه غير نادم على ذهابه إلى الاستفتاء. وأرجع سقوط كركوك إلى خيانة جهات كردية لم يحددها بالاسم، مشددا على أن "كركوك محتلة" وأن "استمرار فرض الأمر الواقع (فيها) غير مقبول".

ما الذي أخرج البارزاني عن صمته ودعاه إلى مناشدة القوى الكردية التوحد مجددا؟  

دلالة التوقيت
الإجابة تأتي في الدلالة الرمزية لتوقيت رسالة البارزاني والقضية التي استدعت توجيهها. فقد اختار البارزاني أن يكون حديثه متزامنا مع ذكرى الانتفاضة الكردية ضد الحكومة المركزية في بغداد يوم 5 مارس/آذار 1991 والتي سهلت للأكراد فرصة إنشاء سلطة أمر واقع برعاية دولية إثر توافق الدول الكبرى في مجلس الأمن على إنشاء منطقة حظر طيران فوق مناطقهم. ومكن هذا القرار أكراد العراق من إدارة مناطقهم لنحو عقدين قبل خضوع العراق برمته للاحتلال الأميركي عام 2003.

المساعي الكردية ليست معزولة -حسب مراقبين- عن ذيول معركة 16 أكتوبر/تشرين الأول ومساعي الحكومة المركزية لوضع يدها من جديد على المنافذ الحدودية (البرية والجوية) التي ما زالت حتى الآن في يد حكومة الإقليم إلى جانب إعادة البشمركة إلى حدود عام 2003

لكن القرار الدولي مثل في المقابل فرصة للفصائل المعارضة لحكم الرئيس الراحل صدام حسين من العمل انطلاقا من الإقليم الكردي لتقويض النظام في بغداد الذي كان خاضعا لحصار دولي، وهو ما سهّل لها القفز لاحقا لتسلم السلطة ببغداد برعاية ودعم من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

أما الظرف فيتصل بانفراد الكتلتين الحزبيتين الشيعية والسنية العربية في البرلمان العراقي أمس بإقرار موازنة العام 2018 بغياب كتلة النواب الأكراد التي قاطعت الجلسة جراء رفض الغالبية منح حكومة الإقليم الكردي 17% من الموازنة وفق ما كان معمولا به لغاية عام 2014 واستبدالها بـ12% استنادا إلى عدد سكان الإقليم من إجمالي سكان العراق.

زحزحة العبادي
ومعلوم أن الخلاف على حصة الإقليم الكردي من الموازنة كان سببا للقاءات متعددة أجراها رئيس حكومة الإقليم نيجرفان البارزاني مع حيدر العبادي في بغداد، إلا أن تلك اللقاءات لم تنجح في زحزحة العبادي عن موقفه. كما أن المساعي الكردية ليست معزولة -حسب مراقبين- عن ذيول معركة 16 أكتوبر/تشرين الأول ومساعي الحكومة المركزية لوضع يدها من جديد على المنافذ الحدودية (البرية والجوية) التي ما زالت حتى الآن في يد حكومة الإقليم، إلى جانب إعادة البشمركة إلى حدود عام 2003 ، وهو ما يعني ضمنيا نزع سيطرة حكومة إقليم كردستان عن مدينة كركوك الغنية بالنفط.

لذا فإن عودة البارزاني- الذي أودع صلاحياته إلى حكومة الإقليم وبرلمانه بعد تنحيه- إلى الظهور معترضا على موازنة العام الحالي واعتبارها "خرقا للشراكة والتوافق والتوازن والدستور" و"ظلما مخططا له ضد الشعب الكردي" لم تكن مجرد تسجيل موقف. كما أنه لم يكن محاولة لجمع القوى الكردية المشتتة والمتناحرة، بل كان أقرب -بحسب مراقب للشأن العراقي- للجوء إلى السلاح الأخير في وجه ضغوط بغداد المتواصلة على أكراد العراق.

المصدر : الجزيرة