وضع القدس قانونيا وديمغرافيا بعد قرار ترمب

ندوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس القانون والسياسي"
جانب من المشاركين في إحدى جلسات الندوة (الجزيرة)

تناول باحثون وخبراء في ندوة أكاديمية نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "الوضع القانوني والسياسي للقدس بعد قرار نقل السفارة الأميركية" والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل والاعتبارات السياسية التي دفعت إلى اتخاذ القرار.

وتأتي هذه الندوة في سياق إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأميركية إليها.

الوضع القانوني
فقد أرجع الباحث أنيس قاسم -في الجلسة الأولى التي اهتمت بدراسة وتحليل "الأبعاد القانونية للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل"- مسألة مخالفة قرار الرئيس الأميركي نقل السفارة الأميركية إلى القدس لأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي.

وعرج قاسم على مبدأين: الأول ويجرم اكتساب أراضي الغير بالقوة، والثاني ويجرم شروع أي دولة في تنفيذ قوانين فردية لا تتماشى وأحكام ومبادئ القانون الدولي.

وعلى مستوى مواز، بينت الباحثة سلمى كرمي محاولات إسرائيل الساعية إلى تغيير الطابع الديمغرافي للقدس، كما تناولت المخالفات الإسرائيلية للقانون الجنائي الدولي، وركزت على ضرورة الاستفادة من القانون الدولي في مواجهة جرائم إسرائيل ضد الإنسانية في الأرض الفلسطينية التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بحسبها.

وضمن هذا السياق، تطرق الباحث والمحامي علاء محاجنة في مداخلته إلى الأدوات القانونية التي تستغلها إسرائيل للسيطرة على القدس ولتغيير طابعها الديمغرافي والجغرافي من خلال قراءة وتحليل لأهم القوانين الإسرائيلية، ولا سيما بعد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وأشار محاجنة إلى أن إسرائيل هدفت من القوانين الإسرائيلية إلى تغيير الميزان الديمغرافي من خلال سحب إقامات الفلسطينيين في القدس، حيث سحبت منذ عام 1967 ما يقارب 16 ألف إقامة من المقدسيين، وفضلا عن ذلك أخرجت إسرائيل بعض التجمعات الفلسطينية خارج جدار الفصل العنصري.

‪ترمب أعلن يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي‬ (رويترز)
‪ترمب أعلن يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي‬ (رويترز)

الديمغرافي والجغرافي
وناقشت الجلسة الثانية مسألة الصراع الديمغرافي والجغرافي في مدينة القدس، حيث فصلت الباحثة دانا الكرد في أنماط التعبئة الفلسطينية بالقدس ودور السلطة الفلسطينية.

ورأت أن القدس قبل توقيع أوسلو شكلت حجر الزاوية في العمل السياسي بين منظمة التحرير في الخارج والفلسطينيين، إلا أنه وبعد الانتفاضة الثانية فقدت القدس أهميتها وأهمية المؤسسات التي تعمل بها بسبب انتقال المؤسسات المقدسية إلى رام الله واعتماد المقدسيين على السلطة والمكاسب المهنية في مقابل الصالح العام.

وترى الكرد أن ممارسات السلطة أثرت في تبدل العمل الجمعي بالقدس، وتركت آثارا وخيمة في التماسك الاجتماعي بعد فترة أوسلو، مما يعني أن السلطة كان لها أثر سلبي على قدرة المقدسيين في العمل الجماعي.

وخلصت إلى أن العامل الأساسي الذي يوضح وجود مظاهرات في القدس أكثر من الضفة الغربية يعود إلى أن السلطة لها تأثير على التماسك الاجتماعي بينما في الضفة الغربية يعاني الفلسطينيون من تأثير السلطة والتي أثرت على التماسك الاجتماعي بشكل أكبر.

أما الباحث خليل تفكجي فقد قدم في دراسته أثر السياسة الإسرائيلية في القدس من خلال التغييرات الجغرافية والمتمثلة في المشاريع الاستيطانية ومصادرة الأراضي وتهويد المدينة وعزلها عن الضفة الغربية بإقامة جدار الفصل العنصري.

وأشار تفكجي إلى أن الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه التجمعات والقرى الفلسطينية تقوم على الإحاطة وتقطيع ثم تفتيت التجمعات الفلسطينية، وقد أدت هذه الانتهاكات في حق الفلسطينيين -بحسبه- إلى خلق خلل ديمغرافي يستخدم وسيلة للضغط في أي مفاوضات ضد الطرف الفلسطيني لإنجاز اتفاقيات تخدم المصالح الإسرائيلية.

 أبو ارشيد: قرار ترمب ضربة قوية للمشروع السياسي الفلسطيني (الجزيرة)
 أبو ارشيد: قرار ترمب ضربة قوية للمشروع السياسي الفلسطيني (الجزيرة)

الاعتبار السياسي
وفي جلسة "الاعتبارات السياسية لقرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس" ناقش الباحث كلايد ويلكوكس الاعتبارات الداخلية الأميركية للقرار، فقال إن الإدارة الأميركية تأمل من هذه الخطوة أن تحرف الأخبار بعيدا عن مسارات داخلية ذات صلة، مثل التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وغيرها من "الفضائح".

على الصعيد ذاته، ناقش الباحث الفلسطيني أسامة أبو ارشيد دوافع وأبعاد قرار نقل السفارة الأميركية، ورأى أن القرار يصب في اتجاه ما تسمى "صفقة القرن"، ويرتكز على أربعة أبعاد: أولا شخصي سياسي مرتبط بالرئيس دونالد ترمب، وثانيا: بزعم أن القرار يدعم مصالح الطرفين بعملية السلام، وثالثا: يتعلق بالتزامه بالوعود التي منحها ترمب لناخبيه، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية للوبي الصهيوني.

واعتبر أبو ارشيد أن هذا القرار يعتبر ضربة قوية للمشروع السياسي الفلسطيني الذي استمر سنوات عديدة والذي قام على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

راع جديد
وكشف أن الفلسطينيين الآن يعيشون واقعا فلسطينيا وعربيا صعبا، ولهذا عليهم "ألا يتوقعوا تغيير حسابات الولايات المتحدة بقرار ذاتي من قبلهم".

أما الباحث إبراهيم فريحات الذي قدم دراسة عن أثر قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فقد رأى أن القرار عقد مسار العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن جهة ثانية أعطى هامشا تفاوضيا للفلسطينيين بعيدا عن احتكار الراعي الأميركي لعملية الوساطة بين الطرفين، معتبرا أن ما حدث الآن عبارة عن كامب ديفد جديدة "لم يحصل فيها العرب على شيء".

كما تضمنت الندوة دراسة قدمها الباحث أديب زيادة عن إمكانية قيام الاتحاد الأوروبي برعاية عملية السلام بدلا من واشنطن في ضوء بحث السلطة الفلسطينية عن رعاية بديلة لعملية السلام.

وخلصت الدراسة إلى أنه من غير الوارد أن يقوم الاتحاد الأوروبي بمحاكاة الموقف الأميركي بشأن حق القدس، كما أنه من غير الوارد أن يعمل على التقدم للحلول مكان أميركا في عملية السلام.

المصدر : الجزيرة