الموافقات الأمنية تنغّص حياة الدمشقيين

من أحد الأحياء وسط دمشق
فكرة الموافقة الأمنية تعود إلى بدايات حكم حزب البعث لسوريا في ستينيات القرن الفائت (الجزيرة)

سلافة جبور-دمشق

بكل أسى، حزمت يارا أسعد أمتعتها من غرفتها الصغيرة في حي المزة غربي دمشق، واستقلت سيارة أجرة إلى منزل والديها في إحدى قرى القلمون في ريف دمشق، بعد تعذر حصولها على موافقة أمنية لتجديد استئجار الغرفة.

يارا تعيش في دمشق منذ نحو ثلاث سنوات بعد تخرجها من المعهد الهندسي وحصولها على عمل، وتعود اليوم مجبرة إلى قريتها بعد طلب إجازة مؤقتة في انتظار تمكنها من الحصول على الموافقة الأمنية التي لا يمكن استئجار منزل في دمشق من دونها.

وفي حديث مع الجزيرة نت، تستغرب يارا من التغير المفاجئ الذي طرأ على عملية استخراج الموافقة، وتقول "آخر موافقة حصلت عليها كانت الصيف الفائت، ولم يطرأ أي جديد على حياتي منذ ذلك الوقت. يبدو أن هناك المزيد من التضييق على كل من يرغب بالسكن في دمشق، وهي حصن النظام المنيع".

‪صورة متداولة على وسائل التواصل لقانون صدر عام 2015 بوجوب الحصول على الموافقة الأمنية لبيع أي عقار‬ صورة متداولة على وسائل التواصل لقانون صدر عام 2015 بوجوب الحصول على الموافقة الأمنية لبيع أي عقار
‪صورة متداولة على وسائل التواصل لقانون صدر عام 2015 بوجوب الحصول على الموافقة الأمنية لبيع أي عقار‬ صورة متداولة على وسائل التواصل لقانون صدر عام 2015 بوجوب الحصول على الموافقة الأمنية لبيع أي عقار

إجراء قديم متجدد
وتعود فكرة الموافقة الأمنية إلى بدايات حكم حزب البعث لسوريا في ستينيات القرن الماضي، إذ كان الحصول عليها مفروضاً على كل من يريد السفر في بعثة دراسية، أو الانتساب للكليات الحربية والأجهزة الأمنية، أو غيرها من الإجراءات التي تعتبر حساسة.

وتراجعت أهمية هذه الورقة الأمنية قليلا بعد استلام بشار الأسد السلطة عام 2000 لرغبته في صبغ عهده بالتحرر من القيود الأمنية السائدة في حكم والده حافظ الأسد.

لكن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت تطبيقا جديداً للموافقة الأمنية، فالكثير من المعاملات والشؤون اليومية مقرونة بهذه الورقة التي تصدر من أحد الأفرع الأمنية المنتشرة بدمشق، وقد يُرفض الطلب بحجة "الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة والحفاظ على الأمن والأمان".

ويقول الناشط عمر الشامي إن الموافقة الأمنية باتت كابوسا لسكان دمشق، فلا يمكن استئجار أي عقار أو استخراج وكالات عامة أو خاصة من شخص مقيم خارج سوريا، أو الحصول على الشهادة الجامعية، أو تنظيم أي فعالية، دون المرور بدراسة أمنية مشددة قد تستغرق شهورا.

وقد تتم هذه الدراسة الأمنية دون تقديم طلب بها، فالوكالات والشهادات الجامعية تتكفل وزارة الخارجية بدراسة وضع أصحابها، أما استئجار المنازل فيتطلب الحصول على الموافقة شخصيا من الفرع المسؤول عن الحي.

ويضيف الشامي أنه يتعين على طالب الموافقة تقديم طلب لدى مخفر الشرطة الخاص بالمنطقة يتضمن كافة المعلومات عن عائلته، ثم يستكمل المخفر الإجراءات لدى الفرع الأمني الذي يجري دراسة مفصلة عن صاحب الطلب وأقربائه، وهي دراسة يفترض أن تنتهي خلال أسبوعين لكنها قد تستغرق أربعة أشهر، ولا تنتهي بالموافقة بالضرورة.

ويقول "يكون محظوظاً من تنتهي دراسته الأمنية بشكل إيجابي"، أما من تثبت عليه أو على أحد أقربائه تهمة معارضة النظام فيعود أدراجه خائبا، فقد يكفي الانتماء لواحدة من مناطق سيطرة المعارضة لرفض الطلب.

‪أحد الأحياء السكنية المكتظة بالسكان في دمشق‬ (الجزيرة)
‪أحد الأحياء السكنية المكتظة بالسكان في دمشق‬ (الجزيرة)

باب للرشاوى
وفي حال تكرار الطلب والحصول على الرفض مرة ثانية، قد يفكر طالب الموافقة في دفع رشوة، كما هيحال معظم الإجراءات الإدارية في مناطق سيطرة النظام.

ويقول الشامي إن مبالغ الرشاوى التي تدفع لأحد الوسطاء أو مباشرة للعاملين في المخافر والأفرع الأمنية، تتراوح بين مئة وألف دولار، وذلك حسب مدى تعقيد وجدية سبب الرفض، وكذلك وفقا لمزاج متلقي الرشوة.

ويختتم الناشط حديثه بالقول "كثير من سكان دمشق وخاصة النازحين إليها من المناطق التي وقعت تحت سيطرة المعارضة باتوا يشعرون بألا مكان لهم في هذه المدينة التي تحولت إلى ثكنة عسكرية وأمنية محكومة بقبضة من حديد".

المصدر : الجزيرة