أتراك ألمانيا.. بين دعوات أردوغان وفشل الاندماج

Picture taken on September 7, 2017 shows an election campaign poster of the 'Alliance of German Democrats' (ADD) party depicting Turkish President Recep Tayyip Erdogan in Cologne, western Germany.The text reads 'Friends of Turkey - stand with them! Vote for them! Grow with them!'. The posters offer a clue to which alternatives Erdogan may have had in mind when he urged German Turks last month to vote against Merkel's conservatives and other 'enemies' of Turkey. / AFP PHOTO / dpa / Henning Kaiser / Germany OUT (Photo credit should read HENNING KAISER/AFP/Getty Images)
ملصق دعائي لأردوغان نشره "تحالف الديمقراطيين الألمان" بكولونيا يدعو الناخبين الأتراك للتصويت للتحالف (غيتي)
محمد النجار-الجزيرة نت
تشكل الدعوة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجالية التركية في ألمانيا -بعدم التصويت لما وصفها الأحزاب التي تعادي بلاده- قمة هرم الأزمة ليس بين أنقرة وبرلين فحسب، بل أزمة اندماج هذه الجالية التي تشكل أكبر مجموعة من المهاجرين بألمانيا بعد نحو ستة عقود من بدء وصولها للدولة الأوروبية.
وكان أردوغان قد دعا الشهر الماضي الأتراك الذين يحق لهم التصويت بألمانيا إلى عدم التصويت للأحزاب الكبرى، بما فيها حزب المستشارة أنجيلا ميركل خلال الانتخابات التشريعية المقررة هذا الشهر.
وقال أردوغان في تصريح صحفي على خلفية التوتر بين أنقرة وبرلين "أقول لجميع مواطنيّ في ألمانيا لا تدعموا المسيحيين الديمقراطيين ولا الحزب الاشتراكي الديمقراطي ولا حزب الخضر، إنهم جميعا أعداء تركيا".
ويعيش في ألمانيا نحو ثلاثة من ذوي الأصول التركية من أصل 15 مليون مهاجر، وهو ما يجعلهم يشكلون المجموعة الأكبر من بين المهاجرين بالبلاد، ومن بين هؤلاء نحو 27% له وجود منذ ثلاثين عاما أو أكثر، إضافة لـ 5% يعيشون بألمانيا منذ حوالي عشرة إلى ثلاثين عاما.

ألمان من أصول تركية يحتفلون في برلين بنجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي دعا لها أردوغان 
ألمان من أصول تركية يحتفلون في برلين بنجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي دعا لها أردوغان 

فشل الاندماج
وتكشف تقارير ودراسات عدة عن أزمة مركبة يعيشها "أتراك ألمانيا" تعود أسبابها لفشل سياسة الاندماج الألمانية للمهاجرين الذين قدموا مطلع ستينيات القرن الماضي للمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية فيما عرف وقتها ببرنامج "العمال الضيوف" والذين شكلوا نواة الجالية الأكبر من المهاجرين بألمانيا.

ومن بين ثلاثة ملايين تركي يعيشون بألمانيا، يحق لنصفهم تقريبا الاقتراع في الانتخابات الألمانية، مما يدفع الأحزاب الألمانية لمحاولة استقطابهم والفوز بأصواتهم.
ويعود الاهتمام الرسمي التركي بالجالية بألمانيا إلى أن نحو 1.4 مليون منهم يحق لهم الاقتراع بالاستحقاقات الانتخابية في بلادهم، وهو ما يضعهم في المرتبة الرابعة من حيث وزن التجمعات الانتخابية بعد إسطنبول وأنقرة وإزمير، عوضا عن قوتهم الاقتصادية حيث ذكرت مجلة Wirtschaftswoche الألمانية الاقتصادية المتخصصة أن الأتراك بألمانيا حولوا نحو ثمانمئة مليون يورو لبلادهم عام 2016.
وتضع وسائل الإعلام ومراكز البحث الألمانية الجالية التركية تحت مجهر التحليل والبحث، لا سيما بعد أن صوتت لصالح حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البلدية الأخيرة، إلى جانب تصويت نحو 63% ممن اقترعوا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التركية في أبريل/نيسان الماضي لصالح التعديلات التي اقترحها أردوغان، وهو ما شكل صدمة في ألمانيا التي تعيش أزمة معلنة ومتفاقمة مع تركيا منذ أكثر من عام.
وأزمة الأتراك الألمان تعود إلى أن برلين لم تضع برامج لدمج المهاجرين في مجتمعها عندما استقدمت آلاف العمال الأجانب للعمل مطلع ستينيات القرن الماضي، وكانت تهدف لاستبدال هذه العمالة بين الفينة والأخرى، لكن أرباب العمل نجحوا بالحصول على عقود طويلة الأجل للعمال المستقدمين حتى يتخلصوا من التدريب واستبدال العمالة بين مدة وأخرى.
تمييز ضد الأتراك
ويقول تقرير لوكالة أسوشيتد برس -نشر قبل عامين- إن الأتراك في ألمانيا يعانون من تمييز بمجالات التعليم والإسكان والتوظيف.
ويمكن للمهاجرين أن يتمتعوا بإقامة شرعية ولكن لا يحق لهم التقدم لطلب الجنسية قبل مضي 15 عاما من الإقامة، وبرغم تخفيض هذه المدة فإن كثيرا منهم لم يستطع الحصول على تعليم جيد أو وظيفة مجزية، وذلك بسبب عدم إجادة الألمانية بطلاقة.
ونتيجة لهذا الشروط، فإن المهاجرين الأتراك يبقون الأقل اندماجا بالمجتمع الألماني، وذلك وفق معهد برلين للسكان والتنمية.
ويلقي بعض النقاد والمراقبين باللائمة على المهاجرين الأتراك والعرب في عدم الاندماج بالمجتمع الألماني وذلك بسبب زواجهم من نفس الجالية، ويرى مراقبون آخرون أن الحكومات المتعاقبة أهملت سياسات دمج المهاجرين، وتلكأت في مواجهة التمييز العنصري الذي يواجهه الأجانب بألمانيا.
وبدأت ألمانيا السنوات الأخيرة بوضع برامج لمواجهة التمييز ضد المهاجرين بالبلاد، كما بدأت بتطبيق برامج لتعليم الألمانية، وقامت بتسريع عملية الحصول على الجنسية.
 

احتفالات في يوليو/تموز 2017 أمام سفارة أنقرة في برلين بالذكرى السنوية الأولى لفشل الانقلاب العسكري في تركيا
احتفالات في يوليو/تموز 2017 أمام سفارة أنقرة في برلين بالذكرى السنوية الأولى لفشل الانقلاب العسكري في تركيا

 
تعقيدات الجنسية

وعلى عكس ما تفعله الولايات المتحدة، فإن ألمانيا لا تمنح الجنسية للذين يولدون على ترابها بالرغم من إقامة والديهم فترة طويلة، كما رفضت المستشارة أنجيلا ميركل طلبات للسماح بازدواجية الجنسية تقدم بها أتراك ومهاجرون من أصول أخرى.

وفي ذات الإطار، ذكر تقرير دايتن 2016 -الصادر بعنوان "التقرير الاجتماعي للجمهورية الفدرالية الألمانية" أن 36% من الأتراك بألمانيا يعيشون تحت خط الفقر مقارنة بـ 25% من المهاجرين من البلقان وأوروبا الجنوبية الغربية، كما يبين أن الأتراك لديهم تحصيل تعليمي أقل من المجموعات المهاجرة الأخرى الموجودة بألمانيا.
ويمكن تلخيص أزمة الجالية التركية بقول الباحث بعلم الاجتماع بجامعة مونستر الألمانية ديتليف بولاك -في تقرير نشره موقع DW بالعربية في أبريل/نيسان الماضي- إن تسليط الضوء على هذه الجالية من قبل الإعلام والسياسيين بألمانيا لا يتم إلا بالأوقات العصيبة، في وقت تستمع فيه هذه الجالية للرئيس أردوغان وهو يتحدث عنهم دائما بشمل إيجابي، وهي النتيجة التي تكشف عمق أزمة الاندماج لجالية تشكل 20% من حجم المهاجرين بألمانيا.
المصدر : الجزيرة