مشروع الدستور الليبي بين الرفض والتأييد

قاعة جلسات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في مقرها بمدينة البيضاء – صفحة الهيئة على الفيسبوك
قاعة جلسات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في مقرها بمدينة البيضاء (مواقع تواصل)

فؤاد دياب-الجزيرة نت

يسعى الليبيون منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية مبنية على التعددية الفكرية والسياسية والثقافية، تستجيب لطموحهم وتطلعاتهم، من خلال مشروع دستور وطني يوضح حقوقهم وواجباتهم، ويضمن لهم العدالة الاجتماعية والمشاركة في الحياة السياسية.
 
وصوّت أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 29 يوليو/تموز الماضي على مشروع الدستور بــ43 صوتا من أصل 44 عضوا حضروا الجلسة، قبل أن يقتحم محتجون مقر الهيئة في مدينة البيضاء شرقي ليبيا، مطالبين بإلغاء التصويت.
 
وانتخبت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 20 فبراير/شباط 2014 في اقتراع عام، يعد الاستحقاق الانتخابي الثاني بعد الانتخابات الأولى التي أجريت في 7 يوليو/تموز 2012 لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام.
 
وتتألف الهيئة التي يناط بعهدتها صياغة دستور للبلاد من 60 عضوا، وزعوا بالتساوي بين المناطق الشرقية والغربية والجنوبية، بواقع 20 مقعدا لكل منطقة، فيما خصصت 5 مقاعد للمرأة و6 للمكونات الثقافية واللغوية (الأمازيغ والتبو والطوارق).
 
رفض ومقاطعة
ورفض ممثلا التبو المقاطعان لجلسات الهيئة التأسيسية إقرار مشروع الدستور، معتبرين ذلك مخالفا لمبدأ التوافق مع التبو، وأن الهيئة يستحوذ عليها المكون العربي الذي هيمن على تنظيم أعمالها وقراراتها، بلا أي اعتبار لقرار القوميات الأخرى، وفق بيانهم.
 
كما عبر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا عن رفضه لمخرجات الهيئة التأسيسية وعدم اعترافه بها، وفق تصريح محمد بن طالب نائب رئيس المجلس للجزيرة نت.
 
يشار إلى أن مكون الأمازيغ لم يشارك في انتخابات الهيئة، بسبب رفض المؤتمر الوطني تعديل نظام التصويت على اتخاذ القرارات المتعلقة بحقوقهم الثقافية، وإبقاء نظام التصويت بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد، وهو ما عدّه الأمازيغ إجحافا بحقهم لاعتبارهم أقليه داخل الهيئة.
 
وأعلن كذلك التكتل الاتحادي الوطني (الفدرالي) في بيان صدر بمدينة بنغازي رفضه القاطع لمشروع الدستور وعدم اعترافه به، لتجاهله الحقوق التاريخية والجغرافية والسياسية لإقليم برقة شرقي البلاد. 
‪نوح عبد السيد: حق التعبير مكفول‬ (الجزيرة)
‪نوح عبد السيد: حق التعبير مكفول‬ (الجزيرة)

وقدم عدد من الناشطين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين بالمنطقة الشرقية الثلاثاء عريضة إلى مجلس النواب، طالبوا فيها بعدم التعاطي مع مشروع الدستور، وعدم إصدار أي قرار لإحالتها للاستفتاء، بسبب انتهاء ولاية الهيئة في 24 مارس/آذار 2016 وفق المادة 52 من الاتفاق السياسي.
 
واعتبرت اللجنة العليا للإفتاء التابعة لحكومة البرلمان المنحل بطبرق، أن مشروع الدستور مخالف لجوهر الشريعة الإسلامية، فيما يتعلق بإقراره حرية التعبير والمساواة وحرية تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وحق التظاهر والمساواة بين الرجل والمرأة الذي يعد باطلا لأن الشريعة ميزت بينهما، مستدلين بنصوص قرآنية منها "وليس الذكر كالأنثى".

كذلك طالبت منظمات المجتمع المدني بمدينة البيضاء، في وقفة احتجاج الثلاثاء، مديرية الأمن بإغلاق مقر الهيئة ومنع الأعضاء من الدخول إليها.
 
الكلمة للشعب
 بدوره، رد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور نوح عبد السيد على الجهات التي أبدت اعتراضها على الدستور، إذ قال إن عليهم اللجوء إلى الإعلان الدستوري الذي نص على آلية معينة للرفض، وأوضح أن من يرفض الدستور أو يقره الآن هو الشعب الليبي من خلال الاستفتاء.
 
وأوضح عبد السيد، في تصريح للجزيرة نت، أن حق التعبير مكفول لكل مواطن ليبي، وفي حالة رفض الشعب مشروع الدستور سيعاد مرة أخرى للهيئة. 

‪صالح افحيمة: مشروع الدستور به بعض الخلل‬ (الجزيرة)
‪صالح افحيمة: مشروع الدستور به بعض الخلل‬ (الجزيرة)

من جهته عبر النائب بمجلس النواب صالح افحيمة عن وجهة نظره الشخصية كمواطن ليبي، قائلا "إن مشروع الدستور الذي بين يدينا يلبي ولو الحد الأدنى من طموحاتنا، وعلينا ألا نضيع الفرصة، لأنها الدرجة الأولى في سلم الصعود نحو بناء الدولة".
 
ويضيف افحيمة في حديثه للجزيرة نت أنه لا ينكر أن مشروع الدستور به بعض الخلل، وهذا أمر طبيعي، وليس من العقل أن يلبي كل طموحاتنا، فهذه خطوة مهمة نحو الالتفاف، فإذا أضعناها فسوف تكون البدائل كارثية.
 
أما المحامي الليبي المقيم في طرابلس صلاح طاباق فقد اعتبر مشروع الدستور متوازنا في جميع بنيانه، سواء في توزيعه للسلطات وخلق التوازن بينها، أو من خلال جملة الحقوق التي نص عليها في الباب الثاني في المادة رقم 31.
 
وبيّن طاباق للجزيرة نت أن المادة رقم 42 أتاحت دخول المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وتقديم مقترحات مشاريع القوانين للسلطة التشريعية، موضحا أن هذا الحق تقدمي، وليس مطروقا كثيرا في الدساتير الحديثة، إذ يوجد في قليل منها فحسب.
 
إنصاف المرأة
وعن وضع المرأة الليبية وحقوقها في الدستور، عبّرت غالية ساسي رئيسة منظمة "معها" لحقوق المرأة، عن استيائها لعدم إنصاف المرأة في الدستور، قائلة "لقد سمح الدستور للمرأة بالترشح في انتخابات مجالس البلدية ومجلس النواب في دورتين انتخابيتين فقط، بينما المسودة التي عرضت في عام 2016 سمحت للمرأة بالترشح في جميع المجالس المنتخبة بثلاث دورات انتخابية".
 

‪‬ طفل يرفع علم ليبيا في ميدان الشهداء أثناء احتفالات بذكرى الثورة(الجزيرة-أرشيف)
‪‬ طفل يرفع علم ليبيا في ميدان الشهداء أثناء احتفالات بذكرى الثورة(الجزيرة-أرشيف)

وتابعت ساسي في حديثها للجزيرة نت "المرأة لا يحق لها الترشح في مجلس الشيوخ إلا عن طريق العام فقط، أي لا وجود لـ "كوتة" مخصصة للمرأة".
 
وانتقدت ساسي عدم منح المرأة الليبية المتزوجة من غير الليبي أبناءها الجنسية الليبية مثل الرجل المتزوج من غير الليبية، مشيرة إلى أن ذلك يتعارض مع نص المادة رقم (7) التي تنص على أن المواطنين والمواطنات سواء في القانون وأمامه ولا تمييز بينهما. وختمت حديثها بأنها ستقول "لا" لمشروع الدستور عند طرحه للاستفتاء.
 
ويتكون مشروع الدستور من 12 بابا يندرج تحتها 197 مادة، حيث يعتبر الباب الثالث الذي يتحدث عن نظام الحكم والمادة رقم (99) التي تتحدث عن شروط الترشح للرئاسة، إضافة إلى الباب التاسع الذي يتحدث عن الثروات الطبيعية أهم ما يلتفت إليه المواطنون والساسة.
 
والجديد في نظام الحكم هو إنشاء ثلاثة مجالس، هي مجلس الشورى الذي يتكون من غرفتين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويتولى مجلس الشورى سلطة سن القوانين، وإقرار السياسة العامة والموازنة العامة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

المصدر : الجزيرة