اليمين المتطرف سلاح روسيا لإضعاف الغرب

Russian President Vladimir Putin meets with Marine Le Pen, French National Front (FN) political party leader and candidate for the French 2017 presidential election, in Moscow, Russia March 24, 2017. Sputnik/Mikhail Klimentyev/Kremlin via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY.
الرئيس الروسي استقبل زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا مارين لوبان في موسكو (رويترز)
هشام أبو مريم-باريس

فتح القضاء الفرنسي تحقيقا في ملابسات تعرض حملة الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون لهجمات إلكترونية، بعدما تم تسريب مئات المراسلات الإلكترونية عشية الجولة الثانية للانتخابات. كما أن الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند استنكر الحادثة وقال إنها "لن تبقى دون رد".

وتأتي هذه الهجمات بعد أيام فقط من نشر نتائج تقرير أجرته مؤسسة "ترند ميكرو" اليابانية المتخصصة في الأمن المعلوماتي، التي أكدت أن قراصنة روسا تحت اسم "باون ستورم" كانوا وراء الهجمات التي تعرضت لها حملة ماكرون في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وهذه المجموعة هي نفسها التي قرصنت الحملة الانتخابية لمرشحة الحزب الديمقراطي الأميركي هيلاري كلينتون للانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد اتهمت وكالة المخابرات المركزية الأميركية المخابرات الروسية بإدارة مجموعة "باون ستورم".

حرب المستقبل
وفي تصريح للجزيرة نت، قال شمس عكروف الخبير في أمن المعلومات والذكاء الصناعي، والخبير السابق لدى أجهزة المخابرات العسكرية الفرنسية، إنه ما من شك في أن من يقف وراء عمليات القرصنة دول رائدة في هذا المجال وعلى رأسها روسيا المعادية للأنظمة الليبرالية الأوروبية، لكن سيكون من الصعب إثبات ذلك لأنها تستخدم شبكات دولية خارج أراضيها.

وأوضح عكروف أن روسيا متقدمة على فرنسا في مجال القرصنة الإلكترونية، إضافة إلى أن أجهزتها المخابراتية لا تترد في الاستعانة بعصابات متخصصة لضرب المصالح الغربية، مؤكدا أن الحروب في المستقبل ستكون حول البيانات الإلكترونية وستتحول إلى "عملة المستقبل"، وبالتالي فإن من يسيطر عليها سيبسط نفوذه اقتصاديا وسياسيا في العالم.

شمس عكروف: روسيا متقدمة على فرنسا في مجال القرصنة الإلكترونية (الجزيرة)
شمس عكروف: روسيا متقدمة على فرنسا في مجال القرصنة الإلكترونية (الجزيرة)

يذكر أن الحكومة الفرنسية استحدثت قبل ستة أشهر "كتائب إلكترونية" لحماية الأمن القومي للبلاد. وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أوضح بداية العام الجاري أن بلاده تعرضت لـ24 ألف هجمة إلكترونية، بعضها استهدف مواقع إستراتيجية.

سياسة الابتزاز
وكانت عدة دول أوروبية من بينها ألمانيا وبريطانيا والدول الإسكندنافية إضافة إلى فرنسا، قد اتهمت صراحة روسيا بشن هجمات إلكترونية ضدها من أجل التأثير على الانتخابات لدعم أحزاب اليمين المتطرف، من أجل إضعاف أوروبا.

وعبرت المفوضية الأوروبية عن استنكارها بعدما استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان في موسكو قبل أسابيع فقط من الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، واتهمته بالسعي لتقسيم أوروبا.

وكانت لوبان قد تعهدت بتطبيع العلاقات مع روسيا ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، إضافة إلى استعادة ما أسمتها "السيادة الوطنية" عبر الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (ناتو) والخروج من الاتحاد الأوروبي في حال فوزها.

وفي تصريح للجزيرة نت، أوضحت مديرة البحوث في المعهد العالي الفرنسي للدراسات العليا، والمتخصصة في العلاقات الأوروبية الروسية فرانسواز دوسيه أن موسكو لم تستسغ اندلاع الثورات في شرق أوروبا في كل من جورجيا وأوكرانيا، واعتبرها بوتين مؤامرة غربية وبداية لتفجير الأوضاع في روسيا، الأمر الذي دفعه لدعم التيارات اليمينية المتطرفة في عدد من الدول الأوروبية للضغط عليها وليّ ذراعها.

هيلاري كلينتون اتهمت الروس بقرصنة حملتها الانتخابية للتأثير على الانتخابات (رويترز)
هيلاري كلينتون اتهمت الروس بقرصنة حملتها الانتخابية للتأثير على الانتخابات (رويترز)

كما تعتقد دوسيه أن موسكو حاولت ممارسة سياسة الابتزاز وكثفت من هجماتها ضد المصالح الأوروبية، بعدما ضمت شبه جزيرة القرم وردّ الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية قاسية ضدها.

رهان
من ناحية أخرى، يرى أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة ليل الفرنسية الدكتور يونس بلفلاح أن روسيا تستثمر في أحزاب شعبوية معادية للعولمة والوحدة الأوروبية؛ من أجل إضعاف الاتحاد الأوروبي والمراهنة على انهياره، لتصبح أكبر قوة اقتصادية وسياسية في أوروبا.

كما أن موسكو لم تستسغ انضمام عدد من دول شرق أوروبا -مثل بولندا وأوكرانيا- إلى الاتحاد الأوروبي وتبينها النظام الليبرالي، وسماحها بفتح قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، وهو ما تعتبره تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وتحجيما لنفوذها في هذه المنطقة.

 ويرى الدكتور بلفلاح أن إضعاف الاتحاد الأوروبي سياسيا سيسمح لروسيا بالمطالبة باستعادة أراضيها التاريخية -مثل أوكرانيا- كما فعلت مع القرم، إضافة إلى فرض شروطها في عدد من الملفات الدولية.

المصدر : الجزيرة