منتدى الجزيرة يناقش أزمة الدولة في العالم العربي

مجدي مصطفى-الدوحة

بين الأمل والرجاء والخوف والتشاؤم، تفاوتت آراء المشاركين في الجلسة الأولى لـ"منتدى الجزيرة الحادي عشر" الذي انطلق صباح اليوم السبت في العاصمة القطرية الدوحة تحت عنوان "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط".

وتعود قيمة الآراء المطروحة في النقاش -الذي يمتد على مدار يومين- إلى تنوع خبرات ومواقع أصحابها من أكاديميين ومؤرخين إلى سياسيين أصحاب تجارب في العمل السياسي في دولهم، مما أضفى على الجلسة حيوية من نوع خاص، خصوصا أن الموضوع يأتي في صدارة اهتمامات الشعوب العربية.

ففي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، حملت كلمة نائب رئيس الوزراء القطري أحمد بن عبد الله آل محمود آمالا واسعة بحل الأزمات في عالمنا العربي، من واقع خبرة ميدانية امتدت لسنوات هي أشبه ما يكون بجراحة معقدة لأزمة إقليم دارفور خاضها الرجل بكل تفاصيلها المحلية والإقليمية والدولية.

وبعد عرضه للملامح الرئيسية لتلك التجربة والصعوبات التي اكتنفتها محليا وإقليميا، عرض آل محمود الدروس المستفادة، مؤكدا إمكانية حل المشاكل العربية أيا كانت درجة صعوبتها، شريطة توفر عدد من العناصر يأتي في مقدمتها بناء الثقة والمصداقية وتكريس قيمة الحوار الداخلي.

كما نبه المتحدث إلى أهمية الصبر والحكمة للتغلب على العراقيل التي تقوم بها جهات وصفها بـ"المغرضة"، كذلك تحديد آلية واضحة للتنفيذ يرضى بها جميع الأطراف، منبها إلى عدم السماح بوساطة تؤدي إلى انقسام أية دولة إلى كيانات تحت شعار حق تقرير المصير.

وأشار نائب رئيس الوزراء القطري إلى أنه "كلما استطعنا أن نحل مشاكلنا نستطيع أن نصل إلى مرحلة للبعد عن التدخلات الكبيرة".

وشكل موضوع تحدي التدخلات الخارجية الذي أشار إليه آل محمود باعتباره أصعب التحديات، أبرز النقاط التي تحدث عنها رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق المنسق العام للهيئة العامة للمفاوضات.

وعرض حجاب في كلمته لـ"استدعاء النظام السوري روسيا وإيران في إبادة شعبه الذي هبّ سلميا قبل ست سنوات، مطالبا بالحرية والخروج من ربقة نظام فاسد جاثم على مقدراته منذ عقود، وحوّل الدولة إلى دولة أمنية بوليسية محكوم عليها بالفشل".

وبعد تحذيره من خطورة السلوك الروسي والإيراني العدواني والمشروع الإيراني التوسعي، دعا حجاب إلى ضرورة الحزم في تطبيق القانون الدولي والوقوف بحزم في مواجهة التطرف والهمجية والاستبداد لأن أنصاف الحلول لا تنفع.

الإرث القرطاجي
بهذا العنوان الجانبي السابق، وصف أستاذ التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا يوسف الشويري حال الدول العربية، مشيرا إلى الصراع التاريخي بين تونس وروما بعد صراع توالى فيه النصر والهزيمة للجانبين، إلى أن انتصرت روما أخيرا وقررت محو قرطاجة من الوجود ثم أعادت بناءها على مقاييسها الخاصة.

‪المشاركون في الجلسة الأولى لمنتدى الجزيرة‬ (الجزيرة)
‪المشاركون في الجلسة الأولى لمنتدى الجزيرة‬ (الجزيرة)

ويرى الشويري أن نشأة الدول العربية كانت مشابهة، وأن تجربة قرطاجة التاريخية تكررت وتتكرر، مستشهدا في ذلك بالدولة المصرية إبان حقبة محمد علي، وكذلك الحركة المهدية في السودان وما شهدته من تفكك داخلي وخارجي.

كما يرى الشويري أن الدولة العربية أصبحت عالة على نفسها وعلى المجتمع الدولي، منتقدا الربيع العربي باعتبار أن كل واحدة من دوله تصرفت كأنها دولة قائمة بذاتها.

ومرورا بتشخيص الحالة على لسان المتحدثين، يرى رئيس الوزراء السوداني الأسبق زعيم حزب الأمة الصادق المهدي أن الدولة الوطنية العربية "مأزومة وهشة والحكم فيها خارج نطاق التاريخ".

ويؤكد المهدي أنه لا جدوى من الحكم ما لم يحقق الأمن والشفافية وسيادة القانون، وأنه لا بد من صحوة فكرية تسترد حقوق الشعب وتستصحب المعارف.

وكان لافتا في حديث المهدي دعوته للتخلي عن شعارات مثل إقامة الخلافة والحاكمية وتطبيق الشريعة وولاية الفقيه، معتبرا ذلك "ثيوقراطية مقننة".

الولادة القيصرية
تعبير "الولادة القيصرية" هو ما أطلقه أستاذ التاريخ في مركز التربية والتكوين في المغرب محمد جبرون على نشأة الدول العربية، ومن ثم يرى أن هذا صاحب الأزمات التي عاشتها وتعيشها على مدار نصف قرن.

وأشار المتحدث في هذا الصدد إلى أزمة الشرعية والديمقراطية، حيث "ترى الشعوب في دولها أنها دولة إكراه، ودولة سلطوية لم تنشأ نشأة مستقلة عن الإرادة الأجنبية".

ودعا جبرون إلى ضرورة تأمين العبور من الدولة القسرية إلى دولة عربية حديثة شرعية، وأقلمة الدولة مع الشعب والمواطنة، وإقرار مبدأ المسؤولية والمحاسبة لضمان العبور الحتمي بطريق سلمي وآمن للحفاظ على الدولة.

وعبر الأقمار الصناعية من العاصمة الفرنسية باريس، تحدث وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق في مصر محمد محسوب، مشيعا جوا من التفاؤل بنجاح الربيع العربي وإعادة صياغة وسائله رغم قتامة المشهد الراهن.

وبعد أن قدم محسوب لمحة تاريخية مكثفة عن طبيعة نشأة الدول العربية القُطرية على وقع مخططات التقسيم، سواء سايكس بيكو أو اتفاق لوزان، يرى أن الدولة القُطرية استسلمت لذلك الحال وضيعت فرص الخروج منه.

وبعد وضعه مفهوم المؤامرة فيما يرى أنه مكانه المناسب من دون تهوين أو تهويل، مضى محسوب في حديثه مؤكدا أن العالم العربي يملك إمكانية الخروج من شرك أي مؤامرة، كما قال إن الربيع العربي هو السفينة التي تستطيع حمل العالم العربي لمعالجة عيوب الدولة العربية القُطرية.

المصدر : الجزيرة