عاصفة "الفساد" تطيح بخصوم ولي العهد السعودي

Saudi Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman waves as he meets with Philippine President Rodrigo Duterte in Riyadh, Saudi Arabia, April 11, 2017. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY.
ولي العهد محمد بن سلمان يرأس لجنة مكافحة الفساد التي أصدرت قرارات باعتقال العشرات من الأمراء والوزراء (رويترز)

يهز ولي العهد محمد بن سلمانأركان البيت السعودي في جميع الاتجاهات. ففي الاقتصاد والسياسة والدين والمجتمع تصدم قراراته المتسارعة المجتمع السعودي المحافظ ونخبه، وجاءت القرارات الأخيرة التي عرفت بـ"مذبحة الأمراء" في سياق  إجراءات سابقة  تقرب ولي العهد أكثر من العرش.

فقد أكدت وسائل إعلام سعودية أن لجنة مكافحة الفساد -التي تم تشكيلها بأمر ملكي أمس ويرأسها محمد بن سلمان- قد أمرت باعتقال 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين.

وتزامنت هذه التوقيفات مع صدور أوامر ملكية بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله من منصبه.

‪الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني المعزول (يمين) مع الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق‬ (مواقع التواصل الإجتماعي)
‪الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني المعزول (يمين) مع الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق‬ (مواقع التواصل الإجتماعي)

حملة تطهير
ولا يجادل معظم السعوديين في موضوع محاربة الفساد، لكن الكثير منهم يتحفظ على مسألة استدعاء هذا الملف من قبل ولي العهد وطريقة تنفيذه بعد سويعات من إعلان تشكيل لجنة مكافحة الفساد، التي يرأسها بنفسه وتوظيفه في إقصاء الخصوم، خصوصا وأن من بين الشخصيات التي اعتقلت شخصيات عرفت بأنها مناوئة له، أو مختلفة معه في بعض القضايا وبينها حصار قطر وملف العلاقات الخارجية.

فالبعض رأى أن الفساد كان ينخر المؤسسات السعودية بما فيها أجهزة السلطة مما يستدعي إصدار قرارات كهذه، فيما رأى آخرون أن القرارات الأخيرة لا تعدو أن تكون نتاج نزعة للتفرد بالسلطة وتصفية كل المناوئين.

وفي رد فعله على القرار، قال الكاتب جمال خاشقجي إنه "إيمانا بمذهب الواقعية والتدرج فما حصل البارحة عظيم جدا"، لكنه أشار إلى أن المحاسبة الانتقائية عدالة ناقصة"، كما قال إن ما حصل يدخل في تصنيف تغيير قواعد اللعب، وفق تغريدة على تويتر.

وأبدى المعارض السعودي ورئيس منظمة "القسط" لحقوق الإنسان يحيى عسيري تحفظه على القرارات، وقال للجزيرة إن على السلطات السعودية إذا كانت جادة في مكافحة الفساد، أن تشرك المجتمع في محاربته عبر برلمان منتخب.

واعتبرت الكاتبة المعارضة مضاوي الرشيد أن ما حصل في الواقع "تصفية لأمراء قد ينافسون محمد بن سلمان، وإيقاف بعض الوزراء تغطية وتمويها"، مشيرة إلى أن أسهل طريقة  للتخلص من الأمراء المنافسين "سجنهم في قضايا فساد".

وشبهت الرشيد وضع المملكة بوضع الاتحاد السوفييتي لحظة وفاة ستالين، "مؤامرات وتصفيات داخل الحلقة المغلقة".

واعتبر المعارض سعد الفقيه من جهته -في إحدى تغريداته- أن قرارات الاعتقال تعبر عن حالة صدام داخل العائلة المالكة، مؤكدا أن إعفاء الأمير متعب بن عبد الله أخطر من بقية الحملة.

‪ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتخذ قرارات لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية‬  (أسوشيتد برس)
‪ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتخذ قرارات لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية‬  (أسوشيتد برس)

طريق العرش
وتشير هذه المواقف إلى أن حملة الاعتقالات التي نفذت ليل الأحد أكثر من قضية مكافحة الفساد، بل يراها معارضون سعوديون أشبه بالانقلاب الناعم، وتثبيت نهائي لأركان سلطة محمد بن سلمان قبل انتقال العرش إليه.

وقال المعارض غانم الدوسري إنه "من السخف أن نعتبر تصفية الحسابات محاسبة"، في إشارة إلى تصفية بن سلمان لحساباته مع خصومه ومناوئين له عبر ملف الفساد.

وتأتي إقالة الأمير متعب بن عبد الله، الذي شغل منصب وزير الحرس الوطني منذ عام 2010 وله نفوذ قوي داخل هذه المؤسسة الأمنية -التي تدرج فيها منذ عام 1990- كعملية إزاحة لآخر العقبات في المؤسسات الأمنية في وجه محمد بن سلمان لاستلامه العرش، وقد تمت أيضا إزاحة قائد القوات البحرية عبد الله السلطان وإحالته على التقاعد، حيث ترى الكاتبة مضاوي الرشيد أن إزاحة الأمير متعب جاء خوفا من انقلاب الحرس الوطني على ولي العهد.

ويسعى بن سلمان -الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع- لضمان الولاء الكامل لمؤسسة الحرس الوطني من خلال تعيين أحد رجاله وإزاحة خصمه.

وتعد إزاحة متعب بن عبد الله بن عبد العزيز تتمة لما بدأ قبل أشهر، حيث أُقصي محمد بن نايف من ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017 ووضِع تحت الإقامة الجبرية، وتولى محمد بن سلمان المنصب. وأشارت تسريبات إلى أن اعتقال  الملياردير الوليد بن طلال جاءت على خلفية مطالبته بإطلاق سراح محمد بن نايف، وأنه هدد بسحب أمواله واستثماراته من السعودية.

ومن خلال السيطرة على الحرس الوطني، يمتد نفوذ ولي العهد محمد بن سلمان إلى كل مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية الاقتصادية والدينية، فهو يرأس المؤسسة العسكرية كوزير للدفاع ومجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كما يمتلك مجموعة استثمارية ضخمة، تسعى للسيطرة على شرايين الاقتصاد بالضغط على منافسيها عبر ملفات فساد.

وقالت صحيفة "فينه مينوت" الفرنسية إن حجم "هذا التطهير" الذي لم يسبق له مثيل -في إشارة إلى  حملة الاعتقالات والإقالات- سيمكن ولي العهد الشاب محمد بن سلمان من تعزيز قبضته على السلطة.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

مشروع سلطة ودولة
ويمكن فهم موجة الاعتقالات والإقالات الجارية في السعودية ضمن السياق العام الذي أطلقه محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد وضمن "رؤية 2030"، وهو بعد وليا للعهد إذ يطرح نفسه كإصلاحي يقترب من درجة "الثورية"، ويمحور كل الدولة حول شخصه، عبر الإمساك بكل خيوط  السلطة والدولة.

وفي ذلك يقدم نفسه للولايات المتحدة والغرب بشكل عام على اعتبار أنه رجل التحول الكبير في السعودية، ويسعى إلى تحديث المجتمع السعودي، وإعادة تشكيل النظام السياسي عبر تقليص سيطرة المؤسسة الدينية على الدولة أو نزعها والتحول بالمملكة إلى نموذج مختلف تحت قيادته.

ولعل منح المرأة حق قيادة السيارة، وتقليص نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعادة تشكيل "هيئة كبار العلماء"، واعتقال عدد كبير من علماء الدين والشيوخ، والانفتاح على الفنون في مجتمع تحكمه النزعة الدينية، وإعلان مشروع "نيوم" وقبله "مشروع البحر الأحمر"، تأتي كلها في سياق تقديم أوراق اعتماده لدى الغرب، كرجل "علماني مستنير".

ويتماهى مشروع بن سلمان على الصعيد الخارجي أيضا مع مطالب الولايات المتحدة، فهو يطرح نفسه كعدو لإيران وحائط صد لمشروعها، ولا يرى مانعا من إدماج إسرائيل في المنطقة سياسيا واقتصاديا.

وهذا التماهي مع المشروع الأميركي والترتيبات التي تهيأ  للمنطقة، تتطلب أولا تلك الخطوات السريعة التي  يقوم بها بن سلمان على الصعيد الداخلي والضربات الخاطفة التي يوجهها لخصومه للاستيلاء على الدولة وتثبيت رؤيته للنظام السياسي.

غير أن  لدى الأميركيين -كما لدى السعوديين أنفسهم- شكوكا في وصول رؤية بن سلمان بشكلها الحالي وبأدواتهاالحالية إلى بر الأمان، حيث تخشى واشنطن "حدوث اضطرابات وفوضي وانهيار في بنية المملكة" بحسب موقع شبكة  "أن بي سي نيوز" الأميركية.

وتشير صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن اعتقال العدد الكبير من الأمراء، وخاصة الأمير الوليد بن طلال، من شأنه أن يسبب موجة من الصدمات على المستوى الداخلي، وكذلك في عالم المال على المستوى الدولي وفق تقديرها.

وإذا كان بن سلمان قد نجح في تفادي الكثير من ردات الفعل الداخلية في القرارات السابقة التي اتخذها، فإن هذه الحملة على ضخامتها، وهي التي طالت رموزا في عالم السياسة والمال والأعمال تنثر أسئلة كثيرة حول تداعياتها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي