مصر.. ما الذي جرى في الواحات؟

عبد الرحمن أبو الغيط

ما الذي جرى في الواحات؟ وكيف تمكنت مجموعة من المسلحين من نصب كمين محكم لقوات النخبة في وزارة الداخلية؟ ولماذا تجاهلت الدولة ضحايا الحادث؟ وما الجهة التي تقف وراء الهجوم؟ هذه الأسئلة وغيرها تدور في عقل المواطن المصري بعد مقتل 55 من عناصر الشرطة المصرية خلال مواجهات الجمعة الماضية مع مسلحين مجهولين في طريق الواحات البحرية بمحافظة الجيزة.

ورغم مرور يومين على الحادث، ظل يسيطر الغموض والتجاهل الرسمي والارتباك الإعلامي على المشهد، وسط تضارب للمعلومات حول حقيقة ما جرى وحول أعداد ضحايا الشرطة، في ظل دعوات رسمية لوسائل الإعلام إلى نشر الرواية الرسمية وعدم نشر أي معلومات إضافية حرصا على معنويات الشعب وقوات الأمن.

الرئيس عبد الفتاح السيسي كان أبرز الغائبين عما يجري، فالرجل لم يصدر أي بيان أو تعليق أو إدانة للحادثة حتى كتابة هذا التقرير، كما لم يسارع لعقد اجتماع مجلس الأمن القومي كما اعتاد أن يفعل مع كل عملية تستهدف قوات الجيش في سيناء، ولم يشارك كذلك في جنازة ضحايا الشرطة، وفضّل المشاركة في احتفال بالذكرى الـ75 لمعركة العلمين التي دارت أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية عام 1942.

التجاهل الرسمي وفداحة الحادث دفعا عددا من ضباط الشرطة إلى التعبير عن غضبهم وامتعاضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم الضابط أحمد أسامة الذي نشر تدوينة على موقع فيسبوك أبرز ما جاء فيها "أنا كضابط، ماذا سأستفيد من هذا الضغط المهول؟ وهل ما جرى عجز إمكانيات أم نقص في الخبرات أم حرب عصابات، أم أن الداخلية أضحت واجهة تتحمل الفشل، وكلما يُقتل واحد نقول قضاء وقدر.. خذوا الأوسمة والسلاح فأنا أتنازل عنها إن كان هذا سيجعلني أعيش مثل عامة بني آدم".

تضارب المعلومات
لا أحد يعرف على وجه التحديد ما الذي جرى في الواحات وسط تضارب البيانات، فبينما تصرح وزارة الداخلية بأن 16 فقط من قوات الشرطة -بينهم 11 ضابطا- قتلوا في اشتباكات الجمعة وأصيب 13 آخرون، وأنها لا تزال تبحث عن ضابط مفقود، ذكرت مصادر أمنية وتقارير صحفية مصرية أن عدد قتلى قوات الأمن في هجوم منطقة الواحات بلغ 55.

وذكر بيان لوزارة الداخلية المصرية أنها تلقت معلومات عن وجود من سمتهم عناصر إرهابية في إحدى المناطق بالعمق الصحراوي بالكيلو 135 في طريق أكتوبر-الواحات، حيث اتخذوها "مكانا للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات".

وأضاف البيان أن قوات الأمن توجهت إلى المكان، وأن تلك العناصر اشتبكت معها لساعات واستخدمت "أسلحة ثقيلة من كافة الاتجاهات"، وأنها قتلت وأصابت خلال الاشتباكات 15 من العناصر المسلحة، وأنها تجري مطاردات بمشاركة قوات الجيش لعناصر مسلحة على مسافة تتراوح بين 25 و30 كلم داخل الصحراء من نقطة تجمع القوات على طريق الواحات.

وبغض النظر حول ما جرى في الواحات، فقد كشف الحادث -وفق خبراء أمنيين- عن مشاكل كبيرة في طريقة عمل وزارة الداخلية، بداية من سوء التخطيط وسهولة الاستدراج واختراق عدد من التنظيمات المسلحة لقوات الأمن، وصولا إلى غياب التنسيق بين قوات الجيش والشرطة. وقد وصف الخبير الأمني محمود قُطري الحادث بأنه ضربة موجعة تصل إلى حد الفاجعة، حيث لم يسقط مثل هذا العدد من قبل في تاريخ الشرطة المصرية، مؤكدا في اتصال مع الجزيرة وجود تقصير وتقاعس وتخاذل كبير في التخطيط الأمني بوزارة الداخلية.

وتساءل قُطري عن غياب المعطيات الكافية لدى الشرطة بشأن عدد المسلحين وتسليحهم وأماكن اختبائهم، كما تساءل عن السبب في غياب الدعم الجوي منذ بداية العملية الأمنية وعدم استخدامه في استكشاف المنطقة، خاصة أن هناك معلومات سابقة عن وجود المسلحين في هذه المنطقة.

ارتباك إعلامي
ومع الغموض الأمني والسياسي، ساد الارتباك في الأوساط الإعلامية المصرية، فقد اختلفت تلك الوسائل حول طبيعة ما جرى وأعداد قتلى الشرطة، كما اختلفت في تحديد المسؤول المحتمل عن الاشتباكات التي وقعت بمنطقة الواحات بين تنظيمات "المرابطين" و"ولاية سيناء" و"حسم".

الصحفي أحمد عبد القوي علق على الارتباك الإعلامي قائلا "لا توجد فضيحة للإعلام المصري أكبر من أن حادث مقتل قوات الشرطة في الواحات حصل في مصر، بينما المصادر التي ينقل عنها الإعلام العالمي الخبر هي وكالات أجنبية مثل رويترز والفرنسية، وهذا بسبب أن الداخلية لم تعلن عن التفاصيل.. إعلامنا مجرد نشرة علاقات عامة لبيانات الداخلية والجيش".

الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) وجهت احتجاجا شديد اللهجة إلى كل من وكالة "رويترز" وشبكة "بي.بي.سي" حول حادث الواحات، وقالت إن "إعلان تلك الوسائل الإعلامية أن عدد الشهداء من قوات الشرطة قد بلغ 52 شهيدا -منهم 23 ضابطا- استنادا إلى مصادر أمنية لم تحددها؛ لا يليق من الناحية المهنية باثنتين من كبرى وسائل الإعلام في العالم".

لكن الإعلامي المقرب للنظام أحمد موسى أذاع خلال برنامجه "على مسؤوليتي"، تسجيلا صوتيا لطبيب بمستشفى العجوزة، ينقل من خلاله شهادات مصابي هجوم الواحات الذين قدموا العلاجات للضباط الجرحى، مؤكدا أن ما بين 10 إلى 12 مسلحا فقط نجحوا في السيطرة على القوة التي كانت مكونة من نحو سبعين ضابطا وجنديا، وأنهم كانوا يقتلون الضباط ويكتفون بإصابة الجنود.

وقد سارعت وزارة الداخلية في بيان رسمي إلى نفي صحة التسجيل، معتبرة أن نشر مثل هذا التسجيل على هذا النحو يهدف إلى إحداث حالة من البلبلة والإحباط في أوساط وقطاعات الرأي العام، ويعكس عدم مسؤولية مهنية. كما سارع مجلس نقابة الإعلاميين إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمناقشة ما أسماها التجاوزات والخروقات التي حدثت خلال برنامج موسى في حلقته بشأن حادث الواحات، وسط توقعات بإيقاف بث البرنامج.

لغز الواحات
ورغم ارتفاع عدد ضحايا الشرطة في حادث الواحات فإن تلك المنطقة الصحراوية تشهد منذ ثلاث سنوات مواجهات مفتوحة بين قوات الجيش والشرطة ومسلحين مجهولين، كما تعد مسرح عمليات لتنظيمات مسلحة من أبرزها تنظيم "المرابطين" التابع لتنظيم القاعدة، الذي يقوده ضابط الجيش السابق هشام عشماوي.

ففي 19 يوليو/تموز 2014 تعرض كمين أمني تابع للجيش بمنطقة الفرافرة لهجوم استخدمت فيه أحزمة ناسفة وقنابل يدوية وقذائف آر.بي.جي. وبحسب مصادر أمنية فقد قتل في الهجوم 21 من قوات حرس الحدود. وفي 14 سبتمبر/أيلول 2015 لقي 12 شخصا مصرعهم، وأصيب 10 آخرون -بينهم سياح مكسيكيون- عن طريق الخطأ، أثناء ملاحقة قوات مشتركة من الشرطة والجيش بعض المسلحين في منطقة الواحات بالصحراء الغربية.

ورغم قلة أعداد المنتمين لتنظيم المرابطين فإنه يستمد قوته من وجود عدد من الضابط والجنود السابقين بالجيش والشرطة، من أبرزهم قائد التنظيم الرائد السابق بسلاح الصاعقة هشام عشماوي، والنقيب بالصاعقة عماد الدين عبد الحميد اللذان فصلا من الجيش لدواع أمنية إثر تبنيهما للفكر الجهادي.

وكان عناصر التنظيم ينشطون ضمن جماعة "أنصار بيت المقدس" في محافظة شمال سيناء، قبل أن ينفصلوا عنه عقب إعلان الجماعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية وتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء".

المصدر : الجزيرة + وكالات