باحثون يناقشون تاريخ وتحديات مسيحيي المشرق العربي

اختتام أعمال ندوة "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير"
عشرون باحثا وخبيرا ناقشوا الوجود التاريخي للمسيحيين العرب في المشرق (الجزيرة)

ناقش عشرون باحثا وخبيرا الوجود التاريخي للمسيحيين العرب في المشرق وما ارتبط بذلك من عوامل البقاء وأهم التحديات التي تواجههم وعلى رأسها الهجرة والتهجير.

وعلى مدار يومين، ناقش المشاركون في ندوة "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير" التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة الموضوع بالتركيز على محاور أبرزها واقع المسيحيين العرب قبل الدولة الوطنية وأوضاعهم السياسية والقانونية وأسباب هجرتهم من المشرق مع التعريج على بعض النماذج ومنها مسيحيو سوريا والعراق بالإضافة للمسألة المسيحية في الخطاب الإسلامي المعاصر.

هجرة وتهجير
تناول القس الفلسطيني الدكتور متري الراهب موجات الهجرة الفلسطينية المسيحية الرئيسية في النصف الأول من القرن العشرين وبالتحديد الهجرة لدول أميركا اللاتينية بداية القرن العشرين، إذ يمثّل الجيل الرابع من هؤلاء اليوم قرابة نصف مليون لاتيني أميركي من أصول مسيحية فلسطينية.

ورأى في ورقته البحثية أن نكبة فلسطين عام 1948 كانت نكبة مسيحية بكل المعايير، وسلط الضوء على واقع وهجرة المسيحيين من فلسطين في السنين العشر الأخيرة.

وفي النموذج السوري، تساءل المؤرخ عبد الله حنا عن أسباب هجرة مسيحيي سوريا داخليا وخارجيا حيث اعتبر أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية الجارية في سوريا بعد الاستقلال ساهمت في عملية دمج السكان، إذ بدأت حينها معالم الدولة الحديثة التي أقامها الانتداب الفرنسي تتضح وأخذت تساهم في ظهور دولة وطنية مركزية عاصمتها دمشق.

وعاش المسيحيون في ظل الدولة الوطنية في منتصف القرن العشرين حالة من السلم والأمن. ولكن الظواهر السلبية التي ظهرت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين مع انحسار مرحلة النهوض الوطني، أدت -بحسب المؤرخ السوري- إلى انبعاث المشاعر العشائرية والطائفية والمذهبية، وأصبحت هي المهيمنة في مستهل القرن الحادي والعشرين، مما قاد إلى اهتزاز مواقع المسيحيين وبدء ظهور تراجع دورهم السابق.

وناقش الباحث السوري سمير سعيفان تأثير مناخات الثورة السورية منذ آذار/مارس 2011 في هجرة المسيحيين السوريين إذ ساهمت إستراتيجيات النظام -ومن بينها تخويف الأقليات وعلى رأسهم المسيحيون- في مغادرتهم سوريا إضافة إلى تأثير "تأسلم" الثورة وخلق الريبة بل الخوف من المعارضة في أوساط المسيحيين.

وأضاف أنه مع مرور السنوات كانت قناعات المسيحيين تتسع كل يوم بأن سوريا لن تعود كما كانت. لافتا إلى أن برامج استقبال اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية وكندا وأستراليا قامت بدور مهم في تشجيع المسيحيين على الهجرة.

‪جانب من اليوم الأول لندوة
‪جانب من اليوم الأول لندوة "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير‬ (الجزيرة)

المسيحيون بالعراق
وتطرق الباحث العراقي يحيى الكبيسي إلى موضوع الديموغرافيا المسيحية في العراق بين الواقع والتسييس، مبرزا أن الأقليات الطائفية كانت الأكثر استهدافا في عملية التهجير القسري حيث اضطر المسيحيون على اختلاف طوائفهم للنزوح والهجرة غير مرة نتيجة استهدافهم بوصفهم أقليات دينية، أو استخدامهم أوراقا سياسية في الصراع بين الجماعات الطائفية الرئيسية في العراق.

وبلغ عدد المسيحيين في العراق -بحسب المتحدث- على اختلاف طوائفهم في إحصاء عام 1947 ما يقارب 149 ألف نسمة، وارتفع في عام 1957 إلى أكثر من 206 آلاف، وارتفع هذا الرقم في عام 1977 إلى 256 ألف نسمة بنسبة نمو تقريبية تقدر بـ 2.14%.

وبالاستناد إلى نسبة النمو المذكورة، فإن التوقعات لأعداد العراقيين المسيحيين في عام 2003 تضعهم في حدود 600 ألف نسمة، ويبين هذا الرقم إذا ما قورن بأعداد العراقيين المسيحيين في الوقت الراهن وهن الأحاديث عن وجود هجرة عارمة للعراقيين المسيحيين نحو الخارج.

وقدّم الباحث العراقي روبين شموئيل نبذة تاريخية عن الآشوريين المسيحيين في العراق وبيّن الأصول التاريخية لهذه الجماعة بوصفهم من أقدم الشعوب في العالم التي اعتنقت المسيحية. كما طرح الباحث لاحقا دور الآشوريين ومساهمتهم في تطوير الدولة والحضارة الإسلاميتين.

حمّل أفرام الغرب مسؤولية الوجود المسيحي من خلال زعزعة بنى الدول العربية واحتلال فلسطين مما أدى إلى تهجير المسيحيين والمسلمين

مسيحية مشرقية
أما قضية انتماء مسيحي الشرق، فقد عالجها رئيس الرابطة السريانية في لبنان حبيب أفرام الذي رأى أن المسيحية مشرقية بالأساس وليست غربية، وبحسب رأيه يجب ألا يكون لها مشاريع وهمية تتعلق بالأساس باستبدال الوطن بالهجرة.

ودعا المسيحيين العرب إلى أن يدافعوا عن وجودهم بوصفهم من صلب تكوين الشرق وجزءا من تاريخه ومستقبله، وعليهم أن يرفضوا معالجة القضية المسيحية بمنطق الأقلية والأكثرية فالمسيحيون بحسب رأيه مواطنون قبل كل شيء.

وركز أفرام على المسؤولية العربية والإسلامية، إذ حث المفكرين والمثقفين العرب لإيجاد حلول للتصدي إلى موجة "الأصوليات الإلغائية التكفيرية" التي تريد إنشاء دول دينية.

كما حمّل الغرب مسؤولية الوجود المسيحي من خلال زعزعة بنى الدول العربية واحتلال فلسطين مما أدى إلى تهجير المسيحيين والمسلمين. وقد أكد أن الغرب ليس لديه ما يقدمه لمسيحيي الشرق الذين لا يمثلون حاجة إستراتيجية بالنسبة إليه.

المصدر : الجزيرة