هل حقا أرادت السلطات الجزائرية تخويف مواطنيها بالإرهاب؟

A woman mourns in Bentalha, Baraki district, some 15 km from Algiers, where over one hundred people were slain, September 23, 1997. Newspapers reported that 252 people, mostly women and children, had been decapitated. REUTERS/Zohra Bensemra
سيدة جزائرية بحي بن طلحة الذي شهد مجزرة مروعة في 23 سبتمبر/أيلول 1997 (رويترز)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

"حتى لا ننسى"، هو عنوان فيلم وثائقي بثه التلفزيون الحكومي خلال الأيام الأخيرة بمناسبة الذكرى 12 للاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة الذي سمح بتسليم الآلاف من المسلحين أنفسهم للسلطات، وتسوية الكثير من ملفات فترة الحرب الأهلية في الجزائر، أو كما تسمى في الجزائر "العشرية السوداء".

وخلفت الأزمة -التي بدأت مطلع 1992 بعد إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ– نحو مئتي ألف قتيل، وخسائر قدرت بما يقارب عشرين مليار دولار، بالإضافة إلى الآلاف من حالات الاختفاء القسري والجرحى والمساجين والمطرودين من عملهم.

وعاشت البلاد في سنوات التسعينيات أعمال عنف ومجازر مروعة في أغلب المناطق، لم تنته سوى بعد الاستفتاء الأول على قانون الوئام المدني في 1999، ثم الاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة عام2005.

أشلاء وجثث
غير أن الجدل اندلع بعد بث التلفزيون الحكومي فيلما وثائقيا بعنوان "حتى لا ننسى"، تضمن صورا ومشاهد مروعة من مرحلة الأزمة، حيث يظهر جثثا متفحمة وأخرى مقطوعة الرأس وأشلاء لضحايا التفجيرات؛ وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل قوى المعارضة، أو حتى من قبل الجمهور العريض عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

 زماموش: الفيلم الوثائقي أعاد فتح الجرح الذي لا زال يدمي قلوب الآلاف (الجزيرة)
 زماموش: الفيلم الوثائقي أعاد فتح الجرح الذي لا زال يدمي قلوب الآلاف (الجزيرة)

حيث رأت الأغلبية أن الهدف هو تخويف الجزائريين، وتخييرهم بين استمرار الرئيس الحالي في الحكم أو العودة إلى سنوات الدم، لا سيما أن الفيلم يركز بشكل فني على خطابات الرئيس بوتفليقة ودوره في إرساء دعائم السلم والمصالحة.

ووصل الرفض إلى إعلان نشطاء إلى وقفة احتجاجية أمام مقر سلطة ضبط السمعي البصري، غير أن قوات الأمن منعتها بالقوة، واعتقلت الداعين إليها قبل الوصول إلى مكان الوقفة.

يقول أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة إن محتوى الفيلم الوثائقي حمل خروقا جمة لكل أخلاقيات المهنة، "حيث المساس بالكرامة الإنسانية وحرمة الأموات المقدسة".

خرق للمصالحة
وأضاف بوجمعة الجزيرة للجزيرة نت أن الفيلم الوثائقي "حتى لا ننسى" هو خرق لمبدأ الخدمة العامة ويحمل ترهيبا وتخويفا للجماهير".

وذكر أن السلطة سبق أن استخدمت هذه الإستراتيجية من أجل فرض الرئيس السابق الأمين زروال سنة 1995، ثم بوتفليقة في 1999، "وقد تفعل الأمر نفسه اليوم لفرض استمرار بوتفليقة أو تحضير من يخلفه".

عزي: ما وقع مأساة وطنية وبث صور من تلك المرحلة من مجازر شيء طبيعي (الجزيرة)
عزي: ما وقع مأساة وطنية وبث صور من تلك المرحلة من مجازر شيء طبيعي (الجزيرة)

وباعتقاد الباحثة في قضايا الإعلام فتيجية زماموش، فإن الفيلم الوثائقي "أعاد فتح الجرح الذي لا زال يدمي قلوب الآلاف من الأسر الجزائرية"، واصفة إياه "بالسقطة الإعلامية للتلفزيون الحكومي".

وترى أن الهدف من وراء بثه هو بعث رسالة مفادها "إما السلم الذي صنعته السلطة أو العودة لسنوات الجمر".

وتؤكد زماموش للجزيرة نت أن الفيلم الوثائقي يتعارض وأخلاقيات المهنة من بثه صورا ومشاهد مروعة لضحايا المجازر، وهو ما يسمى "اجترار الألم والمعاناة".

وأردفت أن المضمون خرق ميثاق السلم والمصالحة "الذي يعاقب كل من يعيد فتح دفاتر الماضي والعشرية السوداء بالكتابة أو الصورة".

سياسة تغليط
أما المحامي مروان عزي الرئيس السابق لما كانت تسمى سابقا خلية المساعدة القضائية على تطبيق ميثاق السلم والمصالحة، فيصف الجدل الدائر بأنه "عملية تغليط كبيرة" قامت بها جهات وقفت من البداية ضد سياسة المصالحة، وكانت تود استمرار نزيف الدم.

ويقول عزي للجزيرة نت إن ما وقع مأساة وطنية وبث صور من تلك المرحلة من مجازر "شيء طبيعي.

وأضاف أن الفيلم الوثائقي "حتى لا ننسى" لا يتنافى إطلاقا مع المادة 46 من ميثاق السلم والمصالحة، نافيا أن يكون الهدف تخويف المواطنين كما حاول هؤلاء الترويج له.

المصدر : الجزيرة