التجنيد الإلزامي في دمشق كابوس لا ينتهي

أحد حواجز الجيش النظامي في الحي
جيش النظام يقيم حواجز كثيرة بدمشق من بين مهامها البحث عن المطلوبين للتجنيد الإلزامي (الجزيرة)
سلافة جبورـ دمشق

كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث التي تصف العاصمة السورية "بمدينة النساء" وهي أقاويل، وإن كانت تروى على سبيل المزاح فإنها لا تخلو من الحقيقة حيث تعبر بسخرية مُرة عن واقع الحال.

فحملات التجنيد الإلزامي المستمرة في دمشق، والتي يحاول من خلالها إلحاق أكبر عدد ممكن من الشباب في صفوف جيش النظام والتشكيلات المقاتلة إلى جانبه، هجّرت آلاف الرجال هربا من الانخراط في حرب لا يرون طائلا من ورائها.

ورغم اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار والذي يسري منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الفائت، والجهود السياسية التي تشهدها الساحة الدولية لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا، لا يزال شباب دمشق يعيشون كابوس الاعتقال بشكل يومي في شوارع وأزقة مدينتهم.

‪إحدى الأسواق وسط العاصمة دمشق تبدو شبه خالية من مرتاديها‬ إحدى الأسواق وسط العاصمة دمشق تبدو شبه خالية من مرتاديها (الجزيرة)
‪إحدى الأسواق وسط العاصمة دمشق تبدو شبه خالية من مرتاديها‬ إحدى الأسواق وسط العاصمة دمشق تبدو شبه خالية من مرتاديها (الجزيرة)

حواجز وملاحقة
"بات البقاء في المنزل أكثر أمانا، حيث قد يتحول الخروج منه إلى مغامرة لا تحمد عواقبها وربما تنتهي بالاعتقال والسوْق للخدمة الإلزامية أو خدمة الاحتياط".

بهذه الكلمات، تحدث خليل البالغ من العمر 35 عاما للجزيرة نت، واصفا حياته في دمشق خلال الآونة الأخيرة بأنها كالسجن الذي لا يعلم متى سيتحرر منه وفق تعبيره.

وقد باتت الحواجز المؤقتة التابعة لـ الجيش السوري أو قوات الأمن أو الشرطة العسكرية (والتي يطلق عليها السوريون اصطلاحا الحواجز الطيارة) منتشرة بشكل عشوائي وغير مسبوق في معظم أنحاء دمشق، ولا يكاد ينجو أحد من المارة بالسيارات أو سيرا على الأقدام من التعرض للتوقيف والسؤال عن الهوية والمعلومات الشخصية.

ويضيف الشاب أنه لم يشهد حملات تجنيد مكثفة كهذه من قبل، حيث كان معتادا على التحرك في محيط عمله الملاصق لمنزله في منطقة ساروجة مستفيدا من "معرفتي بعدم وجود اسمي على لائحة المطلوبين لخدمة الاحتياط" قبل أن تتغير الأحوال مؤخرا.

ويضيف أنه يتعرض منذ أيام لمضايقات من عناصر تابعين للشرطة العسكرية "ومحاولتهم إيهامي بأنني معرّض لخطر السوْق لتلك الخدمة كي أدفع لهم بعض الرشى جعلني أفضّل التوقف عن الخروج ما أمكن كي أتجنب التعرض لمواقف مشابهة".

ويرى خليل أن استمرار النظام في هذه السياسة سيفرّغ دمشق من كوادرها العاملة والمتعلمة، حيث يفضل كثيرون السفر والهجرة، حتى وإن كان ذلك نحو المجهول وفق تعبيره.

عناصر من جيش النظام في إحدى الجبهات بمدينة حلب 
عناصر من جيش النظام في إحدى الجبهات بمدينة حلب 

البدل الداخلي
ويروي الشاب الدمشقي سعيد لـ الجزيرة نت خشيته من أن يضطر قريبا لمغادرة البلاد، بعد أن فشلت كل محاولاته لتأجيل استدعائه للخدمة العسكرية الإلزامية.

ويقول "أنهيت دراستي بكلية الاقتصاد منذ حوالي عامين، ومنذ ذلك الحين وأنا أدفع مبالغ طائلة كي أتجنب الالتحاق بصفوف القوات النظامية المقاتلة بعد أن استنفذت كافة فرص التأجيل الدراسي. إلا أن حملات التجنيد المكثفة الأخيرة باتت مصدر رعب بالنسبة لي، حيث أخشى من أن يدرج اسمي فجأة على لائحة المطلوبين للخدمة الإلزامية كما حصل مع كثير من زملائي".

ويأمل سعيد بتطبيق سياسة "البدل الداخلي" والتي تروج لها وسائل إعلام مقربة من النظام الأيام الأخيرة كحلّ بديل لمن لا يرغب بأداء الخدمة العسكرية ويفضّل البقاء داخل البلاد، حيث سيتوجب عليه دفع مبلغ معين بعملة أجنبية مقابل الإعفاء من تلك الخدمة.

وكانت صحيفة الوطن السورية قد أوردت اقتراح أمين سر غرفة تجارة دمشق هذا الحل بهدف "المساهمة في عودة الخبرات إلى البلاد والحفاظ على من بقي ورفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي".

ووفق سعيد، قد تكون هذه السياسة الملاذ الأخير له وللآلاف ممن يرفضون القتال ويفضّلون البقاء داخل دمشق، وذلك "بالرغم من أنها سياسة ذات أهداف مادية بحتة، وستساهم دون شك في تقوية شوكة النظام ووضعه الاقتصادي".

المصدر : الجزيرة