سنة جديدة للسريان والآشوريين وتراث في خطر

جورج كدر-هولندا

كعادتهم مع حلول فصل الربيع وفي الأول من أبريل/نيسان من كل عام احتفل أبناء القومية السريانية الآشورية والكلدانية في أنحاء العالم بعيد رأس السنة الـ6766 المعروف بعيد "الأكيتو" حسب تقويهم المتوارث منذ الحضارة السومرية والبابلية.

وفي مدينة هينغلو بمقاطعة أوفرآيسل بشرق هولندا أقامت الجالية السريانية والآشورية احتفالاتها السبت، بحضور عدد كبير من أبناء الجالية وسط أنغام أغانيهم السريانية ودبكاتهم الفلكلورية إضافة إلى إقامة معرض فني ومعرض للكتب حول التاريخ والأدب السريانيين.

والأكيتو، كما تشرح الباحثة التركية السريانية مايا تشاشان -التي تدرس الأدب السرياني والحضارة الميزوبوتامية (بلاد ما بين النهرين) في جامعة ليدن في هولندا- هي كلمة قديمة تعود للحضارة السومرية وتعني "بذر الأرض"، وهو عيد سومري وأكادي وآشوري وفارسي وسرياني تحتفل به شعوب الشرق الأوسط القديمة منذ آلاف السنين ولا يزال هذا التقليد مستمرا.

وتضيف تشاشان في حديثها للجزيرة نت أن الاحتفال بهذا العيد يتم في نهاية العام القديم وبداية عام جديد على مدى 12 يوما كي يكون عاما مليئا بالخير والعطاء، إذ إن معتقدات الأجداد تشير إلى أنه إذا كان البذار جيدا فإن المحصول سيكون جيدا وهذا يعني أن الطعام سيكون وفيرا للشعب.

‪عدد كبير من أبناء الجالية السريانية والآشورية والكلدانية حضروا الاحتفال‬ (الجزيرة)
‪عدد كبير من أبناء الجالية السريانية والآشورية والكلدانية حضروا الاحتفال‬ (الجزيرة)

ذاكرة الشرق
وشارك الباحث والفنان التشكيلي السوري السرياني المقيم في هولندا يوسف كورية في المعرض الفني المقام على هامش الاحتفال، واعتمد في أعماله على أحد المواد الأولية التي استخدمها السريان في طقوس الموت والحياة وهي قرون الحيوانات البيضاء كالعاج والقرون السوداء كقرون الغزلان والثيران. 

ويرى كورية أن الفنان عندما يعود إلى البعد الإنساني في موروثه التاريخي الحضاري بعيدا عن الحروب والمجازر فإنه يستعيد منه الجوانب الجمالية كالموسيقى والأدب الفن، والحضارة السريانية كانت رائدة في هذه الفنون ولا تزال آثارها إلى اليوم حاضرة في الحياة اليومية لكل شعوب المنطقة.

ويقول كورية للجزيرة نت كان لقرون الحيوانات علاقة وطيدة بالتراث السرياني القديم فقد استخدموها في سوريا والعراق وفلسطين لصناعة كؤوس شرب الخمور في الأفراح والأعراس والانتصارات كما استخدموها أدوات موسيقية يعزف عليها في الحروب والجنائز.

ويعتبر السريان والآشوريون والكلدان من الأقليات التي تعرضت للتهجير القسري من ديارهم على مدى مئات السنين في سوريا والعراق وتركيا ويتحدث أبناء هذه القوميات عن مجازر كثيرة ارتكبت في حقهم وشردتهم في بقاع الأرض، لذلك نجد اليوم أعدادا كبيرة منهم تستقر في أستراليا وأوروبا وأميركا وكندا.

ولا توجد أرقام موثقة حتى لدى الكنيسة السريانية عن أعداد من بقوا منهم في سوريا والعراق وتركيا أو أعدادهم في دول الشتات واللجوء، لكن بعض الخبراء يقدر من بقي منهم اليوم في سوريا بأنه لا يتجاوز 200 ألف نسمة أغلبهم يتركز في منطقة الجزيرة بشمال شرق سوريا، ولهم وجود أقل في العراق وبضعة آلاف منهم في تركيا.

وكان الباحث السوري عيسى المهنا قد حذر في دراسة له من ظاهرة خطيرة تتفاقم في منطقتنا، وهي ظاهرة هجرة الثقافات بكل ما تحمله من تاريخ وتراث ولغة وعادات وتقاليد، ومنها هجرة أكثر من 500 ألف سريانيّ وآشوريّ وكلدانيّ من الشمال السوري والعراقي، واستقرارهم في السويد وهولندا وألمانيا ودول أخرى.

كما أشار إلى هجرة أكثر من 126 ألفا و300  كلداني عراقي إلى الولايات المتحدة من تل فائق بشمال العراق قرب مدينة نينفة القديمة (مقرّ الآشوريّين والبابليّين).

‪الباحث في الفلكلور السوري القديم جورج قرياقوس بزي فلكلوري‬ (الجزيرة)
‪الباحث في الفلكلور السوري القديم جورج قرياقوس بزي فلكلوري‬ (الجزيرة)

تراث في خطر
ويقرع الباحث المعروف في الفلكلور السوري القديم جورج قرياقوس المقيم في ألمانيا، ناقوس الخطر قبل أن يندثر تاريخ السريان على حد قوله.

يقول للجزيرة نت إن التراث السرياني اليوم يحتضر، ولم يعد هناك إلا عدد قليل من الخبراء المتخصصين الذين يعرفون هذا التاريخ ويشكلون ذاكرته لكن للأسف لا أحد يهتم بهم أو يسأل عنهم ومنهم من يجلس اليوم بعد تهجيره من سوريا في مخيمات اللجوء كالموسيقار السوري السرياني الكبير نوري إسكندر الذي يعتبر الذاكرة الوحيدة الباقية للموسيقى السريانية في العالم.

ويقول قرياقوس إنه بذل جهودا كبيرة بعد اندلاع الحرب في سوريا لتهريب كنزه الثمين الذي يملكه إلى لبنان، فهو لم يخش على نفسه ولا على عائلته بقدر خشيته على الذاكرة التي يملكها في "الأزياء الفلكورية السريانية" التي يبلغ عددها أكثر من سبعين زيا ولم يبق منها اليوم إلا 17 نتيجة الإهمال.
ويعمل قرياقوس اليوم على أرشفة أكثر من 120 وشما خاصا بأبناء القومية السريانية وثقها عبر سنوات من ذاكرة كبار السن والمعمرين، وهو يعمل أيضا على تأسيس مدرسة لتعليم الرقصات الفلكلورية السريانية والآشورية في ألمانيا.

ويبدي قرياقوس أسفه على إهمال الآباء لتعليم أبنائهم اللغة السريانية، إذ إن هناك بحسبه جيلا كاملا لا يعرف لغة أجداده ولا يعرف شيئا عن تاريخ شعبه.

ويدعو قرياقوس رجال الأعمال السريان وزعماء الكنيسة والسياسة إلى توحيد جهودهم لحفظ التراث السرياني الآشوري المهدد بالانقراض ونبذ خلافاتهم التي تشغلهم عن الأمور الجوهرية وهي الحفاظ على "ذاكرة الشعب السرياني" فوطن بلا ذاكرة هو وطن ميت على حد تعبيره.

المصدر : الجزيرة