الكنيسة الروسية.. جدل الدين والسياسة
افتكار مانع-موسكو
وخلال اللقاء الذي جمع البطريرك الروسي كيريل وبابا الفاتيكان فرانشيسكو مؤخرا تطرق الجانبان للخطر الذي يتعرض له مسيحيو الشرق، وضرورة توفير الحماية لهم من خطر "الإرهاب"، في دعم واضح لسياسة الكرملين في سوريا.
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عانت من اضطهاد السلطات بعد قيام الثورة البلشفية، لكن انهيار الاتحاد السوفياتي شكل نقطة تحول جذرية في العلاقة بين السلطة والكنيسة، فصدرت تشريعات تضمن حرية الأديان والعبادة.
وينص الدستور الروسي على أن الاتحاد الروسي دولة علمانية ولا يجوز اعتماد أيّ ديانة كدين للدولة.
وبعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة حظيت الكنيسة برعاية خاصة، وفي المقابل حظى بوتين بمناصرة العديد من رهبان وقساوسة الكنيسة الروسية، ومن أبرز ما يمكن ذكره في هذا السياق وصف البطريرك كيريل بوتين بأنه "معجزة إلهية" أتت بها العناية الإلهية لإنقاذ روسيا.
يقول سكرتير قسم العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو الأب ستيفان إيغومنوف إن الكنيسة الروسية من أكبر الكنائس المسيحية في العالم، والبطريرك كيريل القائم عليها من أكثر القادة الروحيين نفوذاً وتأثيراً في العالم المسيحي، وبالرغم من ذلك ليس للكنيسة أي دور أو تأثير مباشر في سياسة الدولة.
وأوضح إيغومنوف أن رجال الدين يفترض بهم أن يكونوا فوق الصراعات السياسية، ودعاة للتسامح، وهذا ما تقوم به الكنيسة الأرثوذكسية جنباً إلى جنب مع ممثلي الأديان السماوية الأخرى، وخاصة الإسلام لتوجيه الجميع نحو القيم الأخلاقية والروحية.
ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى لقاء البطريرك الروسي كيريل وبابا الفاتيكان كحدث تاريخي زاد من أهميته أنه يأتي في ظل ظروف حساسة تشهدها العديد من مناطق العالم من حروب واضطرابات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. في حين أكد الزعيمان الدينيان أنه لا يوجد دين يحض على الإرهاب والتطرف، وإنما هناك إرهابيون يتسترون بشعارات دينية.
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي قسطنطين كوروتي أن الكنيسة الروسية تحولت إلى أداة طيعة بيد الكرملين، يستخدمها لإضفاء قدسية على سياساته الداخلية والخارجية مقابل منحها امتيازات هائلة لا تملكها أي مؤسسة مدنية أخرى في البلاد.
وأضاف أن السلطات في ظل التباس مفهوم الأمة الروسية وقيمها تسعى لإيهام المسيحيين الروس بأن الكنيسة هي المكان المناسب لملء الفراغ الروحي والثقافي والأخلاقي، بعد انهيار القيم الشيوعية، مع المزاوجة بين المفهوم القومي والديني للدولة.
وأوضح كوروتي أن التدخل العسكري الروسي في أكثر من جبهة يتطلب من القيادة الروسية توظيف ما لديها من أدوات لإثبات صوابية مسارها، وهذا ما دفع بوتين لإضفاء صبغة دينية لتدخلات موسكو في أوكرانيا ومن بعدها في سوريا التي شرع قساوسة وكهان الكنيسة الشرقية بمباركته، بوصفه تدخلاً لإنقاذ أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الذين يتعرضون للقتل والتهجير في سوريا.
وتحدث عن توظيف العامل القومي عبر التأكيد على ضرورة حماية الأمن الوطني والإبقاء على نافذة مطلة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهذا يستوجب قتال الأعداء في عقر دارهم.
ورأى أن تبرير الكنيسة للقرارات التي تتخذها الحكومة يظهر أتباع الديانة المسيحية الروس كأنهم داعمون دون تحفظ على هذه السياسات، وهو أمر مناف للحقيقة.