فيدل كاسترو.. عقدة الولايات المتحدة
وبعد نحو سبعة أشهر، خرج الشقيق الأصغر راؤول كاسترو، الرئيس الحالي لكوبا، اليوم ليعلن وفاة القائد الأعلى للثورة الكوبية، قبل أن يختم بيانه مطلقا الهتاف الشهير للثورة: "حتى النصر دائما".
جثمان "الرفيق فيدل" سيتم حرقه بناء على رغبته، هكذا قال الرئيس راؤول في بيانه المقتضب، لكن من تابعوا العلاقات الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين يدركون أن مثل فيدل كاسترو لن يُنسى من ذاكرة العالم بسهولة، فهو واحد من أبرزالقادة في القرن العشرين.
اشتهر كاسترو بزيه العسكري الأخضر الزيتوني، وسيجاره، ولحيته الطويلة، فضلا عن قدراته اللافتة في الخطابة دون كلل أو ملل، وقدّم نفسه رمزا للكفاح ضد "الإمبريالية الأميركية"، رغم أن بلاده على مرمى حجر من الولايات المتحدة التي كانت تتسيد العالم مشاركة مع الاتحاد السوفياتي قبل أن ينهار الأخير في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، وتصبح أميركا وحدها سيدة العالم المعاصر بلا منازع.
لكن كاسترو اختار طريق التحدي للعملاق الأميركي منذ البداية، واستمر على ذلك متحديا 11 رئيسا أميركيا متتاليا، ونجح في تفادي رقم قياسي من محاولات الاغتيال تصل بها بعض التقديرات إلى أكثر من ستمئة محاولة.
كان مثيرا أن تصمد هذه الدولة الصغيرة في مواجهة العملاق الأميركي وسلسلة حملاته، بداية من عملية إنزال فاشلة في خليج الخنازير أمر بها الرئيس الأميركي جون كينيدي ثم حظر تجاري ومالي فرضه كينيدي أيضا، مرورا بحصار بحري فرضته واشنطن إبان أزمة نشر صواريخ نووية سوفياتية في كوبا، قبل أن ينتهي الأمر بسحب الصواريخ مقابل وعد أميركي بعدم غزو كوبا.
وبينما توالى سقوط دول شيوعية عديدة، منها الاتحاد السوفياتي نفسه، ظلت كوبا صامدة، وإن تأثر اقتصادها بانهيار الحليف السوفياتي حتى وجد القائد مخرجا عبر تنشيط السياحة داخليا وتدعيم العلاقات خارجيا مع حليفين جديدين: الصين وفنزويلا.
ورغم أن سجل كاسترو في المجال الحقوقي لم يكن ناصعا، مثله في ذلك مثل الكثيرين من أصدقائه وأعدائه على حد سواء، فقد كانت للقائد إنجازات مهمة بدأها بالإصلاح الزراعي ثم الرعاية الصحية للجميع ومحو الأمية.
ومع مرور سنوات من القرن الـ21 بدا أن القرن الجديد ليس قرن الرفيق كاسترو، حيث توالت عليه انتكاسات صحية أجبرته على بدء التخلي عن سلطاته تدريجيا لشقيقه راؤول، ابتداء من 2006 ثم سلمه رئاسة البلاد عام 2008، وأخيرا رئاسة الحزب الشيوعي في 2011.