جدَيدة عرطوز السورية.. ضحية "التطهير الطائفي"
سلافة جبور-دمشق
في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة أعوام، كان قد مضى على الشاب السوري شفيق المختبئ بين كروم الزيتون بريف دمشق أربعون يوما، وكل ما كان يعرفه هو أن قوات النظام اقتحمت مدينته "جدَيدة عرطوز" (١٧ كلم جنوب غرب دمشق) فاختبأ في البساتين خشية الاعتقال.
هذا الحدث المعتاد، يدركه تماما السوريون في الأرياف التي اعتادت حملات المداهمات، فهروب شفيق من قوات النظام كان يعني له أن الاقتحام سيؤدي حتما إلى "مجزرة"، وربما ليس على النحو المفجع الذي تلقى فيه شفيق خبر ذبح أشقائه وأبيه ودفنهم في مقبرة جماعية مع خمسين آخرين قضوا إعداما بالرصاص على مشارف البلدة مطلع أغسطس/آب ٢٠١٢.
حالة الهلع في الأيام التالية للمجزرة دفعت من تبقى من أسرة شفيق وعائلات سنية أخرى إلى مغادرة المدينة التي شكلت مزيجا لتنوع طائفي من المسيحيين والدروز والسنة والعلويين، لتصبح مع نهاية سبتمبر/أيلول ٢٠١٢ مدينة مفرغة من سكانها السنّة، إلا بضع عائلات أيدت مواقف النظام منذ اندلاع الثورة.
ويقول شفيق الذي يعيش اليوم مع سبع أسر من أبناء مدينته في مخيم خان الشيح المجاور "إن جميع القتلى الخمسين كانوا من السنة، ولم تتسن لهم فرصة العودة منذ ذلك اليوم، فقد هربت عائلات بأكملها خوفاً من الموت".
ولا تزال الأعداد الكبيرة من عناصر الجيش المنتشرة في جدَيدة عرطوز تلاحق ما تبقى من ذوي الضحايا الذين تجاوزت أعدادهم ١٤٠ قتيلا منذ اندلاع الثورة، فيما يواجه نحو ١٠٠ مفقود مصيرا مجهولا.
تطهير طائفي
ويشير عضو المجلس المحلي لمدينة جديدة عرطوز أبو أحمد إلى أن المجلس يواجه صعوبة في الوصول إلى أغلب العائلات النازحة ومساعدتها، واصفا الإجراءات التي اتخذتها القوات النظامية بحق المدنيين من ذلك الوقت إلى اليوم بعمليات "تطهير طائفي ممنهجة".
ويضيف أن عناصر النظام استولوا على ثلاثمئة من منازل النازحين السنّة بحجة أنها تقع قرب الحواجز وفي مناطق العمليات، بينما قاموا بتأجيرها لنازحين وافدين من مناطق أخرى، حيث تؤوي المدينة حاليا آلاف الوافدين من مختلف مناطق سوريا، وفيهم الكثير من أبناء الطوائف الأخرى، فيما لا يزال أهالي المدينة نازحين إلى الجوار.
وتسيطر لجان الدفاع الوطني (التابعة للنظام) على داخل المدينة، وتساندها مجموعات من الشبيحة على مجمل شؤون إدارة حياة المدينة التي تحولت إلى ثالث أكبر معاقل الشبيحة بدمشق وريفها بعد المزة وصحنايا.
ويرى أبو أحمد أن غياب العدالة وانتشار عناصر المليشيات المسلحة داخل المدينة تسببت في نزوح أغلب أبناء السنة تاركين أعمالهم وممتلكاتهم، دون أمل بالعودة في ظل الوضع القائم.
وردا على سؤال عن الوضع الأمني للمدينة حاليا، يجيب أنها "مدينة آمنة فعلا، ولكن فقط لأولئك الذين قاموا بعمليات التطهير الطائفي واتخذوا منها مقرا عملياتيا متقدما لقصف بلدتي داريا ومعضمية الشام".
سوق المسروقات
وبصورة متناقضة، يمتد بالمدينة سوق شعبي بطول ملعبي كرة قدم، وعلى جانبيها يعرض عشرات الباعة الجوالين شتى أنواع البضائع، من قطع الحلوى إلى المواد الغذائية الممهورة بأختام منظمات الإغاثة الدولية.
ويقول ناصر، وهو أحد الباعة، إنه يشتري بضاعته من عناصر حاجز (المول) على مشارف المدينة، التي تأتي غالبا مما يصادرونه يوميا من السيارات العابرة لهذا الطريق.
ويضيف ناصر الذي يعمل هناك منذ إقامته في المدينة بنهاية العام ٢٠١٣ "لقد أصبح سوقا معروفا باسم سوق الديارنة منذ بدأ عناصر الجيش ببيع المسروقات من منازل داريا في هذه الساحة".