"أبو صهيب الفرنسي بأرض الحياة".. وجه آخر لتنظيم الدولة

أحمد السباعي

يتجه تنظيم الدولة الإسلامية إلى نوع جديد من البروباغندا الإعلامية بعيد عن الذبح والحرق والإعدام، قوام هذه البروباغندا الترويج "لدولة الخلافة" على أنها "أرض الحياة"، عبر قصص كان أول أبطالها رجل فرنسي ستيني يدعى "أبو صهيب الفرنسي".

الفيديو الذي تبلغ مدته أكثر من ربع ساعة يشير إلى إستراتيجية جديدة يعتمدها تنظيم الدولة في جذب الأجانب، عبر إبراز "الحياة الهانئة والهادئة" التي يعيشها القادم إلى "جنة الدولة الإسلامية".

بمشهدية ودراما ونشيد يتضمن أدبيات تنظيم الدولة، يبدأ الفيديو بأكثر من "كادر" لأبي صهيب يلخص الحياة في "الدولة الإسلامية"، فهو مقاتل ويعيش حياته بين الناس ويؤدي الصلاة في وقتها، لإرسال رسالة مفادها أنهم لا يقاتلون ولا يقتلون ولا يذبحون طيلة الوقت بل إنهم أناس عاديون يعيشون في "مجتمع ودود ومحب".

مدرسة كاثوليكية
ولكي يكون الفيديو فعليا قصة، يعود بنا "أبو صهيب الفرنسي" لطفولته وكيف أخلص "بعمر سبع سنوات صلاتي لله وحده وتركت عبادة الأولياء وما تعلمته بالكنيسة الكاثوليكية، وشعرت بنور عظيم يحيط بي وأيقنت بوجود الله".

هذه الرواية كانت كفيلة بشد اهتمام المشاهد لمتابعة الفيديو حتى النهاية، وتستمر هنا المقاطع واللقطات التي تخرج من حديث "أبو صهيب" لمشاهد من حياته اليومية وتعود ليستمر حديثه عن كيف كان يدرس في مدرسة إكليريكية كاثوليكية ليصبح قسيسا، لكنه لم يحصل على إجابات واضحة على أسئلته هناك، وختم هذا الجزء من الحوار بالحديث عن "الصعوبة البالغة في تركه للمدرسة".

وهنا بدأ المشاهد يسأل عن ماذا بعد؟ وكيف اعتنق هذا الرجل الإسلام؟ وانضم إلى صفوف تنظيم الدولة؟

ولإظهار أن وضع الرجل الاجتماعي والمادي كان جيدا، يسرد "أبو صهيب" أنه كان يعمل في شركة "حجز تذاكر"، وزار 38 بلدا وتعرف على الكثير من الجنسيات والثقافات والأديان، ولم يجد ضالته إلا في كتاب الله.

أبو صهيب يقرأ القرآن الكريم خلال أحد مشاهد الفيديو (ناشطون)
أبو صهيب يقرأ القرآن الكريم خلال أحد مشاهد الفيديو (ناشطون)

اعتناق الإسلام
وقبل الوصول إلى "ذروة الفيديو" للحديث عن اعتناقه الإسلام، يظهر "أبو صهيب" يرتاد أحد المساجد في سوريا المتواجد فيها، بحسب موقع "سايت" الأميركي المتخصص بمتابعة الجماعات الجهادية، ويقرأ القرأن الكريم.

وبتأثير بالغ يختلط فيه الصوت مع لغة الجسد، يتحدث أبو صهيب عن أنه عاد يوما ما من العمل وقال لنفسه إن "الإسلام دين عظيم وسأصلي كصلاة المسلمين"، وحين سجد شعر بفرح وخوف وخشية وسكينة وأمن، وتابع -في مشهد درامي مؤثر- أنه بدأ "بالبكاء والاهتزاز وشعر بإحساس مختلف لا يمكن وصفه".

وينتقل في الحديث عن تبعات دخوله الإسلام وهي مفارقة الأهل وانسداد الأبواب وهذا ما حصل، لكنه لم يهتم.

وبعد إسلامه وذهابه للعمرة والحج أكثر من مرة، يقول إنه "ظن أن المسلمين جميعا أبناء الصحابة ومقتدون بهم، لكنهم لم يكونوا كذلك". ويتابع أنه "التقى برجال دين كانوا يحرفون القرآن والسنة والحق ولا يتحدثون عن الجهاد ويدعون إليه"، ويظهر في حديثه هذا، أنه بدأ يشن هجوما مبطنا على خصوم تنظيم الدولة.

ولكي تكتمل الصورة يشير "أبو صهيب" إلى أنه تعرف على شخص قال له إن الجهاد موجود في سوريا، والتقى هناك "بإخوة مسلمين حقا، يتحدثون عن الجهاد كواجب وطريق يجب أن نسلكه".

أبو صهيب ستيني فرنسي يقاتل في صفوف تنظيم الدولة (ناشطون)
أبو صهيب ستيني فرنسي يقاتل في صفوف تنظيم الدولة (ناشطون)

الإيمان والميدان
ويبرر في أحد أجزاء الفيديو الاتهامات لتنظيم الدولة بتحريض وإجبار الناس على الذهاب لسوريا، مؤكدا أنه "قطع الحدود التركية السورية سيرا على الأقدام دون مساعدة أحد"، وأكد أن "الإيمان يزداد بالميدان".

وكان لا بد من مهاجمة جبهة النصرة، أبرز خصوم تنظيم الدولة، والتي انشق عنها في أغسطس/آب 2014 على رأس كتيبة تضم خمسين مقاتلاً، وبايع تنظيم الدولة، وقال إن الجبهة "لم تكن على ما أحب، وإن دار الإسلام التي هاجر إليها لم تكن تُحكم بالشريعة".

وفي الجزء الأخير من الفيديو بدأ التسويق "للدولة الإسلامية"، وقال إنه في البداية كان خائفا ولديه "صورة مشوهة عن الدولة الإسلامية وأنهم غلاة ومتطرفون"، وبعد إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة -يضيف أبو صهيب- التحق بالخلافة التي يراها "واجبة وموافقة للكتاب والسنة".

ولكي يضاف "عامل الصدق" على كلام الرجل، كانت ترافق حديثه صور عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وتُظهر "مؤسسات الدولة والنظافة"، وأشار إلى أن "هناك أطباء ومهندسين وحملة شهادات في صفوف التنظيم وجميعهم تركوا أوروبا بحثا عن الجهاد".

وعقب الانتهاء من سرد سيرته، يتحول أبو صهيب لمراسل يجول بين الناس ويتحدث معهم ويسلم عليهم، ويشرح عن أسباب إلزام الناس بالصلاة وتطبيق شرع الله في المحاكم الإسلامية.

وتأتي نهاية الفيلم بشكل تقليدي، بالتأكيد على أن "دولة الإسلام باقية وتتمدد، والدعوة لأميره البغدادي أن يعينه الله على الأعمال الجبارة التي يقوم بها مع مساعديه لتثبيت الخلافة".

المصدر : الجزيرة