الرقيب المصري يتستر على فساد حكومي

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

رغم أن مقص الرقيب كان بالمرصاد لتحقيق صحفي يتناول شبهات فساد مالي في جهات حكومية سيادية فإن التحقيق وجد طريقه لمواقع التواصل الاجتماعي وانتشر كالنار في الهشيم.

وقد تداول الناشطون في تلك المواقع صور الصفحة الأولى من صحيفة الوطن قبل وبعد حذف التحقيق، وهو أمر يدل على حرص السلطات في مصر على منع أي شبهات بالفساد من الوصول للرأي العام.

وكان التقرير قد أعد للنشر في صحيفة الوطن التي تعد موالية للنظام وسبق أن أيدت بشدة غلق قنوات وصحف محسوبة على التيار الإسلامي في الثالث من يوليو/تموز 2013، أي بعد أيام قليلة من الانقلاب الذي أطاح بـمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

وقد عرفت الصحيفة بانتقاد الرئيس المعزول مرسي بصورة مستمرة وقت حكمه وبعده، إلا أن ذلك لم يشفع لها في تجنب مقص الرقيب حيث فوجئ قراؤها بحذف تحقيق عن فساد حكومي من طبعتها الأولى أول أمس الأربعاء، ليوضع تقرير عن مؤتمر اقتصادي في الطبعة الثانية. 

وتضمن التحقيق المحذوف الكشف عن امتناع 13 جهة سيادية -منها وزارتا الدفاع والداخلية وكذلك جهاز المخابرات ورئاسة الجمهورية- عن دفع ضرائب موظفيها، مما يكلف الدولة خسائر تقدر بحوالي ثمانية مليارات جنيه مصري.

وقد صرح عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد البلشي بأن مفاوضات قد جرت بين الصحيفة وجهة سيادية -لم يكشف عنها- أفضت إلى حذف التحقيق وتغيير ثلاث صفحات بالصحيفة قبل إعادة طبعها بعد ذلك. ولم يصدر عن الصحيفة أي بيان أو تعليق رسمي على الموضوع.  

‪مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر أطيح به في انقلاب منتصف 2013‬ (غيتي/الفرنسية)
‪مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر أطيح به في انقلاب منتصف 2013‬ (غيتي/الفرنسية)

إدانة
وإضافة إلى ما تحمله الواقعة من دلالات على وجود نزعة حكومية لاستهداف حرية الرأي إلا أنها تكشف جانبا جديدا من الفساد المالي في مؤسسات الدولة.

بدورها، أدانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -ومقرها العاصمة المصرية القاهرة- وقف جهات أمنية طباعة جريدة الوطن.

وقالت الشبكة في بيان لها إن "ما حدث مرفوض شكلا وموضوعا، ويهدر مبدأ حرية الصحافة ويطعن في مقتل مواد الدستور التي حظرت بنص صريح مصادرة الصحف وفرض الرقابة عليها".

وكتب أيمن الصياد المستشار السابق لرئيس الجمهورية عبر صفحته على فيسبوك "في مجتمع تنقصه الشفافية لا أعرف مدى دقة تفاصيل واقعة مصادرة عدد الوطن، ولكن أعرف أن المادة 71 من الدستور الحالي تمنع ذلك، كما تمنعه المادة الخامسة من قانون تنظيم الصحافة".

أما حركة شباب 6 أبريل فقد اعتمدت مبدأ ما قل ودل واكتفت بنشر صور للتحقيق المحذوف، مذيلة بجملة "أزهى عصور الحرية". 

عصابات فساد
من جهة أخرى، اعتبر مراقبون واقعة قص الرقيب تحقيقا صحفيا في صحيفة الوطن بمثابة حلقة جديدة من مسلسل حملة الثالث من يوليو/تموز على الإعلام.

وفي هذا الصدد، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري "إن مرحلة 3 يوليو نسفت كل مكتسبات حرية الإعلام التي حققتها ثورة 25 يناير، فتحولت المؤسسات الصحفية إلى مكاتب للأجهزة الأمنية".

ويرى خضري أن ثقة المجتمع في وسائل الإعلام المحسوبة على النظام انهارت بعد الانقلاب العسكري، واعتبر التحقيق الخاص بتهرب الجهات السيادية من الضرائب بأنه ليس مغامرة صحفية للبحث عن المصداقية المفقودة، ولكنه صراع بين الجهات المشاركة في أحداث 3 يوليو. 

ويرى الكاتب الصحفي أحمد القاعود أن حذف تحقيق عن فساد الدولة يبرهن على رغبة السلطة في حماية ما سماها عصابات الفساد المحلية وتنفيذ أجندات خارجية.

ورأى القاعود أن السلطة التي استمرأت القتل لن تتورع عن قمع الحريات وإنعاش الفساد والسرقة.

ويربط القاعود في حديثه بين الفساد المالي والسياسي، وقال "الرجل الفاسد سياسيا في أحيان كثيرة إن لم تكن جميعها فاسد ماليا، وبشكل عام فالجريدة المذكورة تابعة للأجهزة الأمنية وتحقيقها نشر وسحب بأوامر من جهات معينة".

القاعود اتهم السلطات بحماية عصابات الفساد المحلية(الجزيرة)
القاعود اتهم السلطات بحماية عصابات الفساد المحلية(الجزيرة)

شبهات فساد
يذكر أن شبهات الفساد في الأجهزة الحكومية المصرية قد تطرقت لها شخصيات رسمية من قبل، مثل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينه الذي قال في تصريحات صحفية إن الفساد تجذر في كافة مؤسسات الدولة لأكثر من ثلاثين عاما، وهناك من يحمون الفساد تحت ستار مقاومته.

وأضاف أن بعض الجهات الأمنية لها أذرع بمؤسسات الدولة وتحاول استخدام شبكة الفساد. 

ورغم تطرق البعض لشبهات الفساد تلك فإن هناك مسؤولين مصريين يستمرون بالدفاع عن ما يسمونها جهود الحكومة في مكافحة الفساد، مثل وزير التنمية الإدارية السابق هاني محمود الذي أشاد في حوار صحفي بجدية دور حكومة المهندس إبراهيم محلب في مكافحة الفساد.

ووصف محمود عهد محلب بأنه شهد وضع أول إستراتيجية واضحة لمكافحة الفساد، إلا أنه لم ينكر في الوقت نفسه صعوبة محاربة الفاسدين المنتشرين بأجهزة الدولة منذ عقود.

المصدر : الجزيرة