جدل بالأردن بشأن منح الملك صلاحيات جديدة

epa03934253 King of Jordan Abdullah II ibn Al-Hussein, gives an opening speech at the Parliament of Jordan, in Amman, Jordan, 03 November 2013.
التعديلات منحت الملك حصرا حق تعيين قادة الجيش وجهاز المخابرات العامة (الأوروبية)

الجزيرة نت-عمان

أثار إعلان الحكومة الأردنية المفاجئ نيتها طرح تعديلات جديدة على الدستور تمنح الملك عبد الله الثاني صلاحيات حصرية بتعيين قادة الجيش والمخابرات جدلا بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة تعبر عن خوف لدى مؤسسة العرش في حال وصل إلى سد الحكومة رئيس وزراء تنتخبه الأغلبية النيابية بدلا من أن يعينه الملك.

وكشفت مصادر سياسية قريبة من القصر الملكي للجزيرة نت أن حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور لم تكن تعتزم تقديم هذه التعديلات.

وبحسب المصادر، فإن الحكومة علمت برغبة الملك في تقديمها عشية تسريبات أمنية للإعلام المحلي زعمت اعتزام رئيس الوزراء طرح التعديلات المذكورة، وعقد دورة استثنائية لمجلس الأمة (النواب والأعيان) لمناقشتها وإقرارها.

وأصدر ملك الأردن أمس الخميس مرسوما يدعو مجلس الأمة للانعقاد اعتبارا من بعد غد الأحد.

وكان الملك بعث الأربعاء رسالة إلى رئيس الوزراء وجهه فيها إلى بدء العمل لتفعيل وزارة الدفاع، وهي حقيبة غير مفعلة تسند عادة إلى رئيس الوزراء أثناء تشكيل الحكومات الأردنية.

ولم تمضِ ساعات حتى سارع النسور للرد على الرسالة، مستأذنا الملك بتقديم تعديلات دستورية تسند إليه صلاحية تعيين القادة العسكريين والأمنيين.

مصادر تحدثت عن أن حكومة النسور لم تكن تعتزم تقديم التعديلات (الجزيرة نت)
مصادر تحدثت عن أن حكومة النسور لم تكن تعتزم تقديم التعديلات (الجزيرة نت)

إرادة الشعب
وأثار رد النسور استياء متقاعدين عسكريين اعتبروا أن التعديلات "تكشف تراجعا صارخا واعتداء على الدستور وتحديا لإرادة الشعب".

وقالوا في بيان صدر أمس الخميس إن "الاستمرار بهذه الخطوات غير الدستورية إنما يعني مزيدا من تفكيك الدولة"، على حد وصفهم.

لكن بيانا آخر لمتقاعدين عسكريين آخرين أثنى على التعديلات، واعتبر أنها خطوة لتحييد المناصب العسكرية والأمنية عن التجاذبات السياسية قبيل البدء بتشكيل حكومات برلمانية.

وتباينت الآراء بشأن أسباب التعديلات المقترحة، وأثرها على الحياة السياسية في البلاد، عوضا عن توقيتها غير المتوقع.

واعتبر مراقبون أن التعديلات تهدف إلى تقوية الأرضية الدستورية لإزالة أي قلق مستقبلي يتمثل في إمكان نشوب نزاع بين الملك والحكومة المنتخبة على قيادة الأجهزة السيادية.

رحيل الحكومة
ورأى هؤلاء أن الإسراع بإرسال التعديلات إلى دورة استثنائية مستعجلة، وعدم التمهل لحين انعقاد الدورة العادية المقررة بداية نوفمبر/تشرين الثاني يشيان ربما بقرب رحيل حكومة النسور، وسعي صاحب القرار إلى بدء تكليف حكومات برلمانية تُنتزع منها المؤسسات العسكرية والأمنية.

لكن ثمة من يرى أن هناك حلقة مفقودة تقف وراء التعديلات وتوقيتها لا يعرفها أحد إلا الملك.

وينص الدستور الحالي في مواده على أن مهمة تنسيب قادة للجيش والمخابرات منوطة برئيس الوزراء، فيما يصادق الملك على الاختيار فقط.

لكن مراقبين يرون أن هذه المواد ظلت شكلية، إذ لا تتدخل الحكومة مطلقا بقرارات المؤسستين العسكرية والأمنية أو بتعيين قادتهما.

خالد الكلالدة:
ديمقراطيتنا ناشئة لا تحتمل تسييس المناصب الحساسة، والتسريع بإنجاز التعديلات يؤكد أننا نسير باتجاه حكومات تشكلها الأغلبية الحزبية، ولا نريد لذلك أن يتأخر

مبررات التعديل
ويقول زكي بني إرشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين للجزيرة نت إن "الجماعة تدرس موقفها إزاء التعديلات المقدمة بعناية، والسبب غياب المعلومات حول مبررات التعديل".

وتساءل بني إرشيد عما إذا كانت للتعديلات علاقة بالتغييرات التي تشهدها المنطقة، أو إذا كان مطبخ القرار يهدف من وراءها "لاتخاذ خطوات تعيد رسم منظومة العلاقات الداخلية والتموضع في العلاقات الخارجية".

لكن وزير التنمية السياسية خالد الكلالدة قال للجزيرة نت باقتضاب إن "ديمقراطيتنا ناشئة لا تحتمل تسييس المناصب الحساسة".

وتابع أن "التسريع بإنجاز التعديلات يؤكد أننا نسير باتجاه حكومات تشكلها الأغلبية الحزبية، ولا نريد لذلك أن يتأخر".

ومن طرف المراقبين والمحللين، يرى الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان أن التعديلات "تستلهم النموذج التركي، بمعنى وجود دور لمؤسسة العرش بحماية النظام السياسي".

فلسفة الحكم
وقال للجزيرة نت إن "الملك يريد الإمساك بالأجهزة السيادية، فيما تُترك للحكومات المقبلة القضايا الداخلية والاقتصادية".

لكنه اعتبر أن التعديلات المقدمة "تتناقض مع فلسفة الحكم في الأردن التي تنص على أنه نيابي ملكي وراثي".

وأشار إلى أنها "تمثل منح دستورية لمراكز القوى في الدولة، مما يعني خدشا لمفهوم الولاية العامة للحكومة".

وذهب أبو رمان إلى أن التوقيت "يشي بأن التعديلات أصبحت ناجزة، وأنه لا داعي لتأجيلها، حتى إذا أقيلت حكومة النسور -وهو أمر متوقع قبيل الدورة العادية- تكون الأجواء مهيأة لإعلان حكومة على أسس برلمانية".

ويرى مراقبون وسياسيون أن الأسئلة في شأن التعديلات وتوقيتها ستبقى مفتوحة، كونها لم تفاجئ الرأي العام الأردني فقط، بل الطبقة السياسية القريبة من مؤسسة الحكم أيضا.

وتأتي هذه التعديلات بعد ثلاثة أعوام فقط من إجراء تعديل واسع على الدستور الأردني على وقع الربيع العربي طال 42 مادة، لكنها لم تمس صلاحيات الملك في تعيين الحكومات وإقالتها أو إقالة البرلمان، وهو ما جعل المعارضة -خاصة الإسلامية- تعتبرها غير كافية.

المصدر : الجزيرة