رئيس علماء الصومال يفند أفكار وسلوك "الشباب"
إذا بدأنا من التطور الأخير اتهمت حركة الشباب بمحاولة اغتيالك فما أسباب استهداف حركة الشباب للشيخ بشير ولغيره من رموز السلفية في الصومال؟
في الحقيقية هذا سؤال مهم وهو سؤال يدور في أذهان الكثير من الناس في الداخل والخارج. إن حركة الشباب لا تستهدف العلماء والسلفيين فحسب، بل تستهدف الشعب كله، والرموز القيادية لكافة شرائح المجتمع الصومالي، سواء في المجال الاقتصادي السياسي والعلمي والديني، وحتى زعماء القبائل والعشائر. وهذا ينطلق من فكر هذه الجماعة، وهو فكر يهدف إلى التخلص من كل شخص يمكن أن يشكل منافسا لهم، أوعائقا أمام برامجهم وتوجهاتهم.
وهو فكر الخوارج الذي استهدف كبار الصحابة والخلفاء الراشدين بوصفهم -حسب رأيهم- مشكلة في المجتمع المسلم. وهؤلاء أيضا الذين يسيرون على نهجهم ويكررون ما كانوا يقومون به من قتل لكبار العلماء والدعاة بغية التخلص من هذه الرموز حتى تكون الساحة خالية لهم، فيتصرفون في مصير الأمة كما يريدون.
هل هناك خلافات بين قيادات حركة شباب المجاهدين فيما يتصل بالتصفيات الجارية في الصومال؟
في الحقيقية هذه الحركة سرية وكثير مما يجري في داخلها ليس واضحا أو مكشوفا لمن هو خارجها. كنا نسمع كثيرا عن الخلافات في هذه الحركة حول بعض تصرفاتها، ولكننا لم نسمع أن شخصا من قيادات هذه الحركة ينكر هذه التصفيات, كل ما نسمعه هو بعض من يهمس أو ينقل تعازيه، لكن هؤلاء الأشخاص ليسوا من المؤثرين على قرارات الحركة.
لماذا تستبعدون وجود أطراف أخرى تقف وراء اغتيال العلماء والمثقفين والأعيان في الصومال؟
في الحقيقية لا يستبعد أن تكون هناك أطراف أخرى، لكن نحن ننظر للأمر من ناحيتين، الأولى أن حركة الشباب هي التي سنت هذه السنة السيئة، وفتحت هذا الباب، وجعلت دماء المسلمين رخيصة تستباح وتنتهك، ووفرت غطاء لكل من يريد أن يعبث بدماء الشعب المسلم المنكوب، وهم يتحملون وزر كل من يغتال. ومعروف أن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
أما الناحية الثانية، فإن هذه الجماعة هي التي تجهر وتعلن عداءها للعلماء، وتصفهم بالخيانة والعمالة والكفر والردة وغير ذلك. فإذا كانوا يحكمون على العلماء بالكفر والردة فهذا دليل على أنهم يستبيحون دماء العلماء. ولا نستبعد أن تكون هناك أياد أجنبية تستغل بعض هؤلاء الشباب لتصفية الدعوة السلفية في الصومال. والكثير من الحركات السرية مخترقة وأعضاؤها غير معروفين, فهذا هو السبب الذي يجعلنا نحمل هؤلاء المسؤولية عن جميع الاغتيالات.
كيف تردون على اتهام حركة شباب المجاهدين للكثير من العلماء بالتخلي عن الفكر الجهادي ومهادنة الأعداء؟
أصلا مسألة الجهاد والتعامل مع الأعداء تتعلق بالسياسة الشرعية، وينبغي أن يتولاها العلماء الراسخون، وتتولاها الإدارة التي تختارها الأمة وتفوض أمورها إليها, وهي أمور قابلة للأخذ والرد، والتقديم والتأخير، فيمكن للأمة أن تقاتل وتحارب مرة، وتسالم مرة أخرى وتقدم عدوا على عدو, فكان ينبغي لهذه الجماعة أن تنضم إلى صف الأمة ورؤية كبار العلماء وأهل الحل والعقد.
فقرار حركة الشباب استهداف دولة ما لا يلزمنا, وعليهم العودة إلى فتوى العلماء، لأن مواجهة عدو ما تحتاج إلى فتوى شرعية وقرار صادر من جهة مختصة، وما داموا هم ليسوا أهل فتوى فجميع اجتهاداتهم وتصرفاتهم تقع خارج الوصف الشرعي.
لذلك نحن لم نداهن الأعداء ولم نتنازل عن مبادئنا، ولم نفرط في مصير أمتنا، وإنما نحن نقرر ما نراه هو المصلحة والأنفع لأمتنا. وتشهد لنا الأمة بذلك، وهي معنا بعلمائها وبكبار مفكريها ومثقفيها، وهؤلاء الشباب مجموعة قليلة تتصرف بعيدا عن إجماع الأمة.
بماذا تفسر إذن استقطاب حركة الشباب للكثير من شباب الصحوة؟ وهل يمكن اعتبار هذا فشلا للحركات التي توصف بالاعتدال؟
حركة الشباب استفادت من فرص كثيرة، منها أن البلد كان مدمرا ولم تكن فيه إدارة قوية، وكان مرتعا خصبا للتدخلات الخارجية والتأثيرات الإقليمية والعالمية، فاستطاعوا أن يسلطوا الضوء على هذه الأمور، ويجندوا الكثير من الشباب بناء على أن البلد تحت الاحتلال ومستهدف، كما استفادوا من عدم وجود برامج تستقطب الشباب، وتوفر لهم ما يحتاجونه من وظائف وتعليم، مع انتشار البطالة والجهل.
هل يمكن القول إن التيار السلفي في الصومال يعيش في أزمة؟
يمكن القول إن الصومال كله في أزمة، والسلفيون والدعاة عموما يعيشون مع الشعب الذي يعاني من أزمات داخلية وخارجية بسبب انهيار النظام في البلد. ويمكن القول إن السلفيين نجوا من الأزمات السياسية، وتمكنوا من المحافظة على مقدرات الأمة ومكتسباتها ومقومات وجودها في مجال الدعوة والتعليم والاقتصاد. والكثير من الخدمات الاجتماعية كان يوفرها إسلاميون.
وفي الحقيقة فإن هذا المجتمع الذي عاش عقدين من الزمن دون حكومة فاعلة، تجنب الكثير من المشاكل بفضل الدعوة الإسلامية. إن السلفية في الصومال مستهدفة من قبل الكثيرين داخل البلاد وخارجها، حيث تسلط عليها الأضواء وتوصف بأوصاف غير لائقة، وينسب إليها ما لا علاقة لها به, وأخيرا جاءت هذه الهجمة الشرسة من قبل حركة الشباب على الدعوة السلفية وعلمائها.
إذا انتقلنا إلى محور آخر باعتبارك رئيس هيئة علماء الصومال ما هو موقف هيئة العلماء من التطورات الجارية في الصومال خاصة السياسية منها؟
إن هيئة علماء الصومال قامت لكي تكون منبرا علميا ودعويا للشعب الصومالي الذي كان يعاني من غياب الكثير من المؤسسات الضرورية، ودائما كانت الهيئة تعبر عن وجهة نظرها فيما يدور من ألأحداث داخل البلد.
أما الموقف السياسي فالهيئة عبرت عن تأييدها واستبشرت خيرا بقدوم الحكومة الجديدة. ونحن دائما مع قيام دولة في هذا البلد تحاول أن تعيد له وجوده وتبحث عن مقوماته وتجمع شتاته. ومعها أيضا بالنصح والتذكير، وتأييدها فيما توفق فيه، ونصحها فيما تخطئ فيه كما يقتضي منهج أهل السنة والجماعة. كما نؤيد الحكومة في سعيها لإقامة دولة صومالية قوية تخدم البلد.
ما هو موقف هيئة علماء الصومال من القوات الأجنبية وهي إحدى القضايا الرئيسة التي تثيرها حركة الشباب؟
إن وجود القوات الأفريقية هو جزء من المشكلة, ونحن كنا طرحنا مبادرة مؤداها أن تحل هذه المشكلة وأن تعطى الدولة الصومالية فرصة لكي تكون جيشها، حتى تستغني عن وجود هذه القوات الأجنبية.
ولكن هذه الفرصة لم تتح لنا ولا للحكومة الصومالية, وأصبحت حركة الشباب سببا رئيسيا لوجود هذه القوات واستقدام أخرى, لأن من يعلن حربا إقليمية وعالمية لا يمكن أن يستنكر إعلان العالم الحرب عليه. فوجود القوات الأجنبية يعتبر استغلالا لنهج حركة الشباب في إعلان الحرب وجعل البلد مفتوحا للتدخلات الخارجية بشتى المبررات، ومن بين تلك المبررات وجود تنظيم القاعدة فيه.
هناك قضية أخرى حولها جدل في الساحة الصومالية هي قضية الفدرالية فما هو موقفكم منها؟
هذه قضية إدارية ولا تعتبر من القضايا الرئيسة التي نركز عليها. ومن أركان دعوتنا أن الشعب الصومالي شعب واحد, ولكن كيفية إدارته وجعلها مركزية أو لا مركزية، واقتسام الخيرات هي أمور إدارية سهلة في نظرنا إذا حسنت النوايا, هدفنا أن تتألف قلوب الصوماليين وتجتمع من جديد تحت مظلة الشريعة الإسلامية، والمحافظة على وحدة الصومال.
حركة الاعتصام بالكتاب والسنة دعت مؤخرا إلى مؤتمر يناقش قضية التكفير وفكر حركة الشباب فما هي فرص نجاح مثل هذا النوع من المؤتمرات لمعالجة هذه الظاهرة؟
هذا المؤتمر هو جزء من رؤية جماعة الاعتصام لحل هذه المشكلة التي أصبحت تشكل الرقم الصعب في الأزمة الصومالية، لأن العناصر الأخرى اختفت أو قل تأثيرها. لذا فإنه لا بد من أن نعطي هذه الظاهرة ما تستحقه من الاهتمام، وأقل شيء هو أن يجتمع الصوماليون للمناقشة وتقديم المقترحات، ووضع الحلول، والنظر إلى هذه القضية من جميع الزوايا، وأن نستشير الخبراء في داخل البلاد وخارجها، والعلماء والمثقفين والمهتمين بهذه القضية.
وكذلك أن نستفيد من الدول الإسلامية التي لها خبرة في معالجة مثل هذه القضية… ونحن نريد حلا وعلاجا للخروج من هذه المشكلة، وأن يساهم الجميع في طرح أفكاره وتقديم آرائه بخصوص هذه الظاهرة الخطيرة، حتى لا نبقى ندور في حلقة مفرغة.
ما هي رؤية حركة الاعتصام لمعالجة هذه الظاهرة وهل ترون أن الحل أمني أم فكري؟
في الحقيقية هذه القضية قضية فكرية وتحتاج إلى حل فكري ومواجهة فكرية ونقاش علمي، وينبغي أن تتهيأ له الفرص, وأيضا للمسألة جانب أمني، لأنه إذا لم يكن هناك علاج أمني فإن ذلك لن يفيد. فينبغي استخدام جميع الوسائل، وأن نطرق جميع الأبواب، فهناك من يقنعه الفكر، وهناك من تردعه القوة.
أخيرا كيف تقيم تجربة الإسلاميين وصورتهم لدى المجتمع الصومالي, هناك من يرى أن تصرفات الإسلاميين ساهمت إلى حد كبير في تشويه صورتهم لدى المجتمع الصومالي؟
لا نقول تصرفات الإسلاميين، بل نقول تصرفات حركة الشباب, لأن الإسلاميين في الحقيقية -كما تقدم في كلامي- قدموا خدمات جليلة للشعب الصومالي في أكثر من مجال، لكن حركة الشباب وتصرفاتها، وما قامت به خلال سنوات قليلة أساء لإنجازات الدعوة الإسلامية في الصومال.
إضافة إلى أن كثيرين من أعداء الأمة يسلطون الأضواء على هذه الأخطاء، ويريدون استغلالها لسحب البساط من الإسلاميين لتكون الساحة جاهزة للأفكار العلمانية، بدعوى أن الإسلاميين فعلوا كذا وكذا.
اقتنع الشعب أو الكثير منه بأن هؤلاء لا يمثلون الدين الإسلامي، وأنه بفضل دعوة العلماء استطعنا أن نجعل تصرفات الشباب بعيدة عن الدعوة الإسلامية, وإن كان هناك الكثير ممن يريدون إحداث تلازم بين تصرفات الشباب والدعوة الإسلامية ليكون مصير الإسلام في الصومال مرتبطا بمصير حركة الشباب، التي هي الآن في طريقها إلى الزوال أو الاضمحلال.