تجاذب بالجزائر بشأن الاحتفال برأس السنة

شجرة الميلاد بفندق الهلتون بالعاصمة الجزائر
undefined

ياسين بودهان-الجزائر

مع نهاية عام 2013 يستعد الجزائريون للاحتفال برأس السنة وسط جدل بشأن مشروعية الاحتفال، بعد أن دعا السلفيون لمقاطعته لعدم جوازه شرعاً، وهي الدعوة التي لاقت ترحيباً من بعض الأوساط الدينية، في حين يرى البعض أن السلفيين يبالغون كثيراً في الحديث عن مظاهر إسراف ومجون تصاحب الاحتفالات.

وفي ظل هذا الجدل لا يُفَوِّت الكثير من الجزائريين هذه المناسبة التي يتحصلون فيها على عطلة رسمية مدفوعة الأجر، للاحتفال بالمناسبة وكل على طريقته ووفقاً لإمكانياته المادية.

ففي الوقت الذي يفضل فيه الأغنياء السفر إلى دول أوروبية وبشكل خاص فرنسا للاحتفال، ييمم ذوو الدخل المحدود شطر تونس، ويضطر البعض منهم للبقاء في الجزائر، والاحتفال من خلال عروض تقدمها الفنادق أو في المنزل.

وتقتصر احتفالات الصنف الأخير على شراء بعض أنواع الحلويات والشكولاتة، إلى جانب تحضير بعض الأكلات التقليدية التي يجتمع عليها أفراد العائلة ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول.

وحسب ممثلي بعض الوكالات السياحية فقد تحولت الصحراء الجزائرية، وبشكل خاص محافظة "تمنراست"، إلى قبلة مفضلة للجزائريين للاحتفال هذا العام، إلى جانب محافظات أخرى على غرار بشار "جانت" و"تيممون" وهي المناطق التي تتميز بطبيعة صحراوية خلابة.

 مسدور: الاحتفال قد يُخرج الإنسان من الملة (الجزيرة)
 مسدور: الاحتفال قد يُخرج الإنسان من الملة (الجزيرة)

سياحة الاحتفالات
يقول شريف مناصرة -نائب رئيس وكالات السفر- للجزيرة نت إن غرف الفنادق حُجزت بالكامل قبل أيام، حيث أقبلت مختلف الشرائح الاجتماعية على الحجز، مشيراً إلى أن الأحداث الأمنية التي عرفتها مؤخراً مختلف المناطق المجاورة للصحراء الجزائرية -بما فيها المتعلق منها بأعمال إرهابية لا سيما ما وقع في عين أمناس- لم تؤثر على السياحة في المنطقة من حيث إقبال الجزائريين والأجانب المقيمين بالدولة عليها.

غير أن الإشكال برأيه يكمن في عدم قدرة السياح القادمين من الخارج على الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي الجزائرية بقرار حكومي ولأسباب أمنية.

وفي حديثه للجزيرة نت يشير الدكتور فارس مسدور -أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة- إلى أن الجزائريين المحتفلين بالداخل ينفقون ما لا يقل عن خمسة آلاف مليار سنتيم (نحو 400 مليون دولار) خلال الاحتفالات.

ووفقاً لدراسة قام بإعدادها هو برفقة مجموعة من الخبراء، فإن تونس استقطبت خلال الفترة الأخيرة أزيد من عشرة آلاف سائح جزائري، أنفق كل فرد من هؤلاء 500 يورو على الأقل.

حمداش: زلة عقائدية ومعصية تعبدية (الجزيرة)
حمداش: زلة عقائدية ومعصية تعبدية (الجزيرة)

وبرأي مسدور، فإن اختيار بعض الجزائريين لأوروبا كوجهة مرتبط بالحصول على التأشيرة، في حين يختار آخرون تونس لأن الدخول إليها لا يتطلب الحصول على تأشيرة.

ويرى أن الجزائريين يفضلون السفر إلى الخارج بدل الاحتفال في الجزائر كون المجتمع الجزائري محافظا.

وحسب مسدور -الذي يعمل أيضا إماماً وخطيباً- فإن الاحتفالات برأس السنة لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية، بل قد تُخرج الإنسان برأيه من الملة، واصفاً أن الاحتفال بهذه المناسبة بأنه أمر خطير عقائدياً، "سواء كان بداعي موالاة المسيحيين، أم كان الاحتفال بداعي الإعجاب بهذه الطقوس".

زلة عقائدية
وكان السلفيون أعلنوا منذ أيام حملة لمقاطعة الاحتفالات معتبرين أن الاحتفال برأس السنة مرض ينخر جسد الأمة، وأنه تنازل عن الذات المسلمة.

بوقاعدة: السلفيون يضخمون المسألة (الجزيرة)
بوقاعدة: السلفيون يضخمون المسألة (الجزيرة)

وفي حديثه للجزيرة نت، يصف رئيس حركة الصحوة السلفية عبد الفتاح حمداش الظاهرة بأنها دليل على ضياع الأمة في مستنقع التقليد، معتبراً "التشبه بالنصارى زلة عقائدية، ومعصية تعبدية يخشى على صاحبها الكفر". واتهم بعض وسائل الإعلام بالفساد بسبب تسليطها الضوء على هذه الاحتفالات، وهو ما أدى برأيه إلى انتشارها.

ونبه إلى أنه خلال هذه الاحتفالات "ترتكب الكثير من الكبائر والمعاصي والفواحش، وتقام العلاقات غير الشرعية بين المسلمين من خلال الحفلات المختلطة والسهرات الليلية".

وبرأي حمداش "يحرم إنفاق المال في سبيل ذلك، ويحرم إجابة الدعوة لمثل هذه المناسبات، ولا يجوز بيع شيء من مواد الاحتفال من زهور وباقات وهدايا وملابس وغيرها".

لكن الإعلامي والأستاذ بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة يرى أن السلفيين بالجزائر يروجون للكثير من المغالطات المتعلقة بهذه الاحتفالات، ذلك أنهم يضخمون -برأيه- الموضوع أكثر من اللازم، من خلال الحديث عن انتشار واسع للمجون، وأن الظاهرة خطيرة ويجب مواجهتها.

وفي تقديره فإن أغلب الشعب الجزائري يعاني في سبيل الحصول على قوته في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، "فكيف لنا أن نتحدث عن إسراف وتبذير".

ويقول بوقاعدة -الذي أوضح أنه ليس في وارد تبرير الاحتفالات أو عدم تبريرها- إن هناك مواضيع أهم كان على السلفيين أن يولوها اهتماهم، وكان عليهم -برأيه- أن يتجهوا إلى محافظة "غرداية" التي تشهد منذ أيام مواجهات عرقية لحقن دماء المسلمين، بدل أن يتحدثوا عن مظاهر غير أخلاقية هي منتشرة في كل أيام السنة وليست مقتصرة على احتفالات رأس السنة فقط.

المصدر : الجزيرة