التونسيون يركبون "الموت" لأرض الأحلام
يقول عمر والد مرتضى إن ابنه كان في الثانوية العامة عندما غرر به أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية وأقنعه بالهجرة لأوروبا مقابل ألفي دينار تونسي (1200 دولار)، رغم معارضة الأب الشديدة.
ويقول الأب للجزيرة نت إنه في مارس/آذار 2011، أي بعد شهرين من الثورة، ترك مرتضى البيت دون علم والديه بعد الاتفاق مع السمسار، الذي أستأجر قاربا انتهت صلاحيته للعمل منذ سبع سنوات وكدس فيه 46 شابا، مع أن حمولته المسموح بها -عندما كان صالحا للعمل- لا تزيد عن 15 شخصا فقط.
ويضيف الأب أن السمسار لم يوظف على القارب بحارا مختصا وإنما استعان بشخص قليل الخبرة درّب الشباب المهاجرين على تشغيل القارب، وسار أمامهم بقارب آخر حتى لاحت أمامهم أضواء جزيرة لامبيدوزا الإيطالية فقفل عائدا بقاربه، وتركهم يواجهون وحدهم تقلبات البحر.
ويقول الأب إن خفر السواحل وجدوا الهاتف المحمول لمرتضى بملابسه، فاتصلوا بأهله، حيث دفن مرتضى بأرض تونس، بينما دفنت أحلامه في البحر.
تجارة الموت
عبد الرحمن الهذيلي، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يتابع ملف الهجرة السرية بتونس، يقول إنه كان من اللافت زيادة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بعد الثورة، وبحسب دراسة أجراها المنتدى تبين أن 54 ألف شاب هاجروا من تونس عبر البحر في شهر فبراير/شباط 2011 أي بعد شهر من الثورة، يسكن معظمهم المدن الفقيرة أو المناطق المهمشة حول العاصمة.
وفسر الهذيلي زيادة إقبال الشباب على ركوب البحر للهجرة بعد الثورة بحالة الانفلات الأمني التي شهدتها سواحل البلاد، كما أن الكثير من الشباب تولدت لديهم قناعة بأن المستقبل القريب ببلادهم لا يبشر بما هو أفضل على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي.
وعزا الهذيلي زيادة عدد ضحايا الهجرة السرية بعد الثورة إلى أن صاحب القارب قبل الثورة كان يتولى بنفسه الإبحار بالمهاجرين السريين وكان يحتاط جيدا قبل السفر، وذلك بحكم خبرته بالإبحار حيث يعمل أغلب من يقوم بهذا العمل في الصيد، كما أنه كان حريصا على العودة سالما لعائلته وبقاربه مصدر رزقه.
ولكن بعد الثورة، يوضح الهذيلي أن الهجرة غير الشرعية تحولت لتجارة مربحة، وظهرت مافيات وعصابات أصبحت تشتري القوارب المتهالكة الرخيصة، التي باتت تعرف في تونس بقوارب الموت، ويتولى قيادتها أشخاص ليس لهم خبرة كافية بالبحر، كما أنهم يكدسون القوارب بأضعاف حمولتها طمعا بمزيد من الأرباح.
المخاطرة الأكبر قادمة
أما مسؤول ملف الهجرة غير الشرعية بالمنتدى نيكانور هاون فوصف الدموع التي ذرفها قادة أوروبيون قبل أسابيع على مئات الضحايا الذين ماتوا بالبحر قبالة سواحل لامبيدوزا بـ"دموع التماسيح".
وقال إنه بموجب القانون الجديد فإن "الدول الأوروبية ستعتمد على الأقمار الصناعية وتنشر سفنا لإعادة القوارب من حيث انطلقت قبل أن تصل للمياه الأوروبية".
وهو ما سيدفع أصحاب القوارب -حسب هاون- "لاعتماد طرق التفافية لتجنب الأقمار الصناعية، كأن يلجئوا لاتخاذ طريق أطول، الأمر الذي سيزيد حجم المخاطرة بحياة من على متن القارب، وسيتخلون عن الأجهزة التي ترشدهم لطريقهم بالبحر، مما سيضاعف احتمالات ضياعهم، كما أنهم سيتخلون عن حمل هواتف محمولة حتى لا يجري تتبعهم بالأقمار الصناعية".
ومما يزيد الطين بلة وجود قوانين بالدول الأوروبية تجرم أي قارب أو سفينة يمد يد العون لمهاجرين غير الشرعيين، حتى لو كانوا مهددين بالموت غرقا، ويعاقب بالسجن من يفعل ذلك بتهمة المساعدة على الهجرة غير الشرعية.
وحمل هاون الحكومة التونسية الكثير من المسؤولية، وقال إنه "يتعين عليها أن تطالب أوروبا بمعاملة التونسيين بمثل ما يعامل الأوروبي في تونس"، حيث يدخل الأوروبي تونس من دون تأشيرة، منوها إلى أن تونس تعتبر من أكثر البلاد استيرادا للبضائع الأوروبية.