النظام في سوريا يعسكر مؤيديه

منعطف جديد تدخله سوريا التي ما زالت تعيش أزمة طاحنة خلفت عشرات آلاف القتلى ودمارا واسعا بالبلاد، يتمثل بعسكرة المجتمع الموالي للنظام وتسليح المدنيين عبر إنشاء "قوات الدفاع الوطني" أو "جيش الدفاع الوطني" يكون رديفا للقوات النظامية التي تتفرغ للمهام القتالية وفق مصدر سوري مطلع.

ويضم هذا الجيش -وفق المصدر- عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية واللجان الشعبية التي تشكلت تلقائيا مع تطور النزاع القائم في سوريا، مشيرا إلى أن افرادها سيتقاضون رواتب شهرية، وسيكون لهم زي موحد" متوقعا أن يبلغ عددهم حوالى عشرة آلاف من مختلف محافظات البلاد.

هذا الموضوع ليس جديدا في "سوريا الأسد" حيث كان الرئيس الراحل حافظ الأسد  يؤمن بفوائد عسكرة المجتمع منهجياً على الطراز الكوري الشمالي، وقام باستحداث منظمات مهمتها توجيه  الشباب نحو "عقيدة البعث" ومراقبتهم من أي أفكار "غريبة" قد تُحيد عن الخط المرسوم".

من بين هذه المنظمات "اتحاد شبيبة الثورة" بالمدارس الإعدادية والثانوية التي كانت تُخضع الطلاب لمعسكرات تدريب، إلى جانب ما يتلقونه من "معارف" المنهاج العسكري، و"اتحاد الطلبة" الذي ألزم الطلاب الجامعيين بمعسكرات تدريب عسكرية. إضافة إلى منظمة "طلائع البعث" التي لعبت دوراً حاسماً في تنشئة الأجيال الجديدة على قائد واحد، وحزب واحد، ومنظمة واحدة، وسياسة واحدة، وزرعت في نفوس الصغار حسّ الطاعة العسكرية، والولاء للقائد.

ولكي يضمن النظام  سيطرته المطلقة ذهب باتجاه عسكرة المجتمع بتشكيله بثمانينيات القرن الماضي "سرايا الدفاع" التي تشكلت من "صفوة موالية" بقيادة رفعت الأسد (شقيق الرئيس الراحل الذي انشق عن النظام منذ سنوات وعاش خارج سوريا) وتضخمت هذه السرايا، حتى باتت أقوى من الجيش نفسه الأمر الذي أخاف حافظ الأسد فتصادم مع أخيه وحُلت السرايا لترثها الشبيحة التي فاقت -وفق ناشطين- بأعمالها "القذرة" "سرايا الدفاع" بمراحل لأنها غير منظمة وليس لها قيادة واحدة.

وعن القوات الجديدة (قوات الدفاع الوطني) يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إنها ستشكل من أعضاء حزب البعث أو مؤيديه، وهم "رجال ونساء من كل الطوائف" بهدف حماية الأحياء من هجمات المقاتلين المعارضين، إنما مع توسيعها في ظل هيكلية جديدة وتدريب أفضل. لكن اللافت -وفق المرصد- أن القوات الجديدة ستضم قوات نخبة دربها الإيرانيون الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال بداية بفيلق القدس وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج).

البني: الإعلان عن قوات الدفاع بروباغندا إعلامية ليوحي الأسد بأن لديه التفافا شعبيا (الجزيرة)
البني: الإعلان عن قوات الدفاع بروباغندا إعلامية ليوحي الأسد بأن لديه التفافا شعبيا (الجزيرة)

قوات طائفية
من جانبه قال عضو الهيئة العامة للثورة السورية بحمص هادي العبد الله إن "عدد المقاتلين الموالين للنظام في المحافظة ازداد كثيرا خلال الأيام الاخيرة مع بدء عمل قوات الدفاع الوطني".

ويلخص المعارض السوري بسام جعارة أسباب تشكيل هذه "القوات الطائفية" وفق وصفه، بنقص عدد القوات النظامية، مشيرا إلى أن هذه القوات تتكون من "علويين موالين للنظام ومجرمين أطلق سراحهم، والجنود الاحتياط المطلوبين للالتحاق بالجيش" ويُدربون في معسكر "دير شميل" بحماة الذي يتبع له 28 معسكرا بقيادة مرافق بشار الأسد السابق العقيد المتقاعد فضل ميخائيل. وأوضح أن هؤلاء يحملون بطاقات تخولهم توقيف من يريدون حتى لو كان وزيرا.

وقال إن تشكيل هذه القوات مؤشر واضح على ضعف النظام ودفعه باتجاه حرب أهلية طائفية، لافتا إلى أنهم "الرديف" الحقيقي للجيش بعدما سُلموا، مدافع هاون ومدافع ميدانية، وأسلحة ثقيلة ولكن الأهم أن النظام ضامن لولائهم ومتأكد أنهم لن ينشقوا.

أما المتحدث باسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وليد البني فرأى  أن تسليح المدنيين الموالين يدفع بالبلاد إلى الاقتتال الداخلي والتصادم مع المدنيين المعارضين بالمناطق نفسها، وخصوصا مع الأقليات التي يرفع النظام لواء حمايتها.

وأكد أن النظام لم يستطع تحقيق الأهداف التي رسمها لأن هؤلاء لن يموتوا من أجل بقاء الأسد وعائلته بالسلطة ولن يقاتلوا أبناء جلدتهم من أجل "نظام مجرم" قتل الآلاف منهم، لافتا إلى أن هذه الخطة ستبوء بالفشل.

وختم أن الإعلان عن تشكيل هذه القوات "بروباغندا" وحركة بهلوانية حتى يوحي الأسد للغرب أن هناك التفافا شعبيا حوله وتحديدا من الأقليات وأن كثيرا من المدنيين يتطوعون للدفاع عنه ويقاتلون "جبهة النصرة" والقاعدة.

عبد الساتر: تشكيل هذه القوات يهدف
عبد الساتر: تشكيل هذه القوات يهدف "لتمتين" وحدة الشعب، ويعزز الوحدة الوطنية ضد "الهجمة الكبيرة" (الجزيرة)

تعزيز الوحدة
في المقابل يشير المحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر أن تشكيل هذه القوات يهدف "لتمتين" وحدة الشعب، وتعزيز الوحدة الوطنية ضد "الهجمة الكبيرة" التي تتعرض لها سوريا من مقاتلين من أنحاء العالم يريدون "الجهاد".

ونفى أن تكون تشكيلة هذه القوات من لون طائفي واحد، لأن حالة التطوع كانت من كل فئات المجتمع والمحافظات، ولفت إلى أن التجربة السورية ليست سابقة مذكرا بالتجربتين الإيرانية والعراقية، وأضاف أن الأنباء الذي تحدثت عن مشاركة الحرس الثوري وحزب الله في التدريب تفتقر للدقة والمصداقية مستدركا القول "إنه حتى لو كانت هذا الأنباء صحيحة فما العيب بذلك وخصوصا أن كل الدول الكبرى تدرب المعارضة على القتال".

واعتبر أن النظام السوري لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يجري في الداخل والمؤامرات الخارجية التي تحاك ضده، معتبرا أن تشكيل القوات لن يؤزم المشهد لأن ما يجري في سوريا حرب أهلية وطائفية ومذهبية، وعصابات مسلحة تسرق وتسلب وتنهب، وتدخلات خارجية تدفع بالمعارضة نحو تفتيت البلاد.

في السياق، أكد المحلل السياسي اللبناني غسان جواد أن جميع الدول التي تخوض حروب شوارع كالحاصل في سوريا، تحاول عسكرة المجتمع الموالي للنظام خلف الدولة، وأضاف أن الجيش كان يحارب من منطق العسكري للجيوش بينما المعارضة كان تشن حرب عصابات، فوجدت الدولة أن من واجبها إنشاء ما يشبه المليشيا الشعبية وتدريبها على حرب العصابات أولا لحماية الجيش من التورط أكثر في اقتتال أهلي وكمؤسسة وطنية جامعة سيكون لها دور سياسي في مستقبل البلاد.

وأضاف أن هذه القوات ليست خارجة عن سيطرة الدولة بل تأتمر بأوامرها ويقودها ضباط في الجيش النظامي، ولم ينف وجود مستشارين إيرانيين إلى جانب الجيش النظامي يزودونه بالخبرات اللازمة بحرب الشوارع.

المصدر : الجزيرة