الشبيحة.. انقلاب السحر على الساحر
قد تظهر المذابح الطائفية في سوريا المليشيات التي تعرف بالشبيحة وتدعمها السلطات في صورة المسخ الذي سينفر حلفاء سوريا ويدفع بالتدخل الخارجي وتمزيق أوصال البلاد، الأمر الذي سيسرع بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ولا يرى بعض المحللين منطقا عسكريا قويا يدفع دمشق لقتل عشرات المدنيين في هجومين في بلدتي الحولة والقبير في شمالي غربي البلاد وهو الأمر الذي ألهب المشاعر ضد الأسد في الخارج وفي صفوف من يؤيدونه من الأغلبية السنية في سوريا.
وقال البعض إن مسلحين من الشبيحة من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي تسلحها النخبة في دمشق ربما تشن حملة لطرد السنة لإقامة منطقة عازلة حول معقل آمن للعلويين على ساحل سوريا.
وتزيد تلك التطورات الأمنية المخيفة من خطر تفكك سوريا على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق مما سيحدث هزة في نسيج الأعراق والطوائف في منطقة الشرق الأوسط.
وقال سياسي مسيحي في لبنان الذي كان مسرحا لحرب طائفية دامت 15 عاما "هذه المذابح نوع من التطهير العرقي، إنهم يطهرون مناطقهم مثلما حدث في البوسنة".
سيناريو لبنان
وقال السياسي اللبناني -وهو على دراية بشكل الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان- إن تكرار الأساليب نفسها مثل قتل النساء والأطفال بدا أن الهدف منه هو نشر الخوف على نطاق أوسع بين السنة الذين يعيشون في مناطق قريبة من المناطق ذات الأغلبية العلوية.
وقال السياسي اللبناني إن محاولة إيجاد معقل للعلويين على الساحل الغربي لسوريا قد يكون هو التفسير الوحيد لقتل 78 من السنة في القبير بعد قتل 108 أشخاص في الحولة.
وتصاعدت وتيرة العنف الطائفي منذ شهور في سوريا حيث قتل مدنيون من السنة والعلويين أو شردوا من منازلهم لكن المذابح في الحولة والقبير القريبتين من مدينتي حمص وحماة زادت من الضغوط على حلفاء الأسد في الخارج للتخلي عنه كما عززت مخاوف إراقة دماء في سوريا على غرار ما حدث في العراق.
وقال فواز جرجس من كلية الاقتصاد في لندن إن الشبيحة أصبحوا الآن المسخ الذي يهدد حياة صانعيه وذلك بعد إثارة نفور الطبقات الوسطى من السنة في المدن والتي كانت تؤيد الأسد وترى فيه حماية للنظام في مواجهة الفوضى وكذلك استياء الغرب وغضب الدول العربية السنية من إيران التي ترعى العلويين الشيعة، على حد قوله.
وأوضح جرجس أن النظام السوري خلق الشبيحة وحركهم وسلحهم وأصبحوا الآن يمثلون كابوسا بالنسبة له وهو كابوس يدمر أركان النظام نفسه بشكل أساسي.
وألقت جماعات معنية بالحقوق باللائمة في المذبحتين على مليشيا علوية ارتكبتهما في أعقاب قصف بالمدفعية مما يؤكد وجود شكل من أشكال الموافقة على ما حدث في الأوساط الرسمية.
وقال مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، بول سالم إن حاشية الأسد ربما تخلي منطقة تقهقر لها في معقل العلويين لتفر إليها إذا ما لم تتمكن، رغم تفوقها الكبير في القوة، من الاحتفاظ بالسيطرة على كامل أرجاء سوريا.
خطة بديلة
وقال سالم إن القادة العلويين الذين أثاروا مخاوف بين الأقلية بأنها ستواجه انتقاما قويا من السنة إذا تمت الإطاحة بالأسد يعدون بالطبع لخطة بديلة وأضاف أنه إذا اضطروا للذهاب إلى هناك فقد يفعلوا ذلك.
ويعيش الكثير من العلويين الذين يمثلون 12% من السكان في سوريا ويصل عددهم إلى 2.5 مليون شخص في المنطقة بين الحدود اللبنانية والتركية بما في ذلك ميناء اللاذقية السوري الرئيسي. وكانت المنطقة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين منفصلة وتحت الحكم الفرنسي.
وكانت المنطقة لوقت طويل منطقة ريفية فقيرة يسيطر عليها مالكو أراض وتجار من السنة وعلا شأن الكثير من العلويين منذ وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد بشار إلى السلطة عام 1970.
وظهر الشبيحة على الساحة في سوريا في الثمانينيات من القرن العشرين وكانوا يديرون تجارة غير مشروعة حتى يزيدوا من ثراء أقارب الأسد. وعلى الرغم من انضمام السنة إلى الشبيحة أيضا فإن هذه الجماعات أصبحت تضم علويين بالأساس منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد قبل 15 شهرا.