خيارات موريتانيا في قضية السنوسي

صور للرئيس العام لجهاز الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي المقرحي
undefined

أمين محمد-نواكشوط

لم تحدد موريتانيا بعد أي خيار ستعتمده في التعامل مع قضية رئيس الاستخبارات الليبي السابق عبد الله السنوسي المعتقل لديها. فهي تواجه طلبات بتسليمه من ليبيا وفرنسا والمحكمة الجنائية الدولية, وهناك تساؤلات عن شروط وتوقيت التسليم إذا تقرر بالفعل تسليمه.

وكانت السلطات الموريتانية أعلنت عن اعتقال السنوسي بعد قدومه من المغرب بجواز مالي مزور, ولا يزال الرأي العام الداخلي والخارجي متعطشا لمعرفة خفايا رحلة فرار السنوسي وتخفيه حتى وصوله نواكشوط, فضلا عن نوايا السلطات الموريتانية وخياراتها في التعاطي مع هذا الملف الذي يوصف بالحساس أمنيا وسياسيا وقانونيا.

ويوصف السنوسي بأنه "صندوق أسود" لنظام العقيد الراحل معمر القذافي، وتلاحقه اتهامات بالضلوع في قتل مئات الليبيين والأجانب.

ولا يكتنف الغموض طريقة تعامل الحكومة الموريتانية مع ملف السنوسي فقط، بل إن دوافع اعتقاله بعد "نجاته" من شباك الأمن المغربي، تبدو مثيرة للانتباه خاصة أن جهات عديدة ظلت تتهم النظام الموريتاني بدعم نظام القذافي حتى اللحظة الأخيرة.

وفي ظل الصمت الرسمي, تتضارب التحليلات والتفسيرات بين من يُصدق الرواية الرسمية الموريتانية، وبين من يؤكد أن الأمن المغربي تعمّد ترك السنوسي يمر بصمت نحو الجار الموريتاني بهدف إحراجه، أو كان ذلك بتنسيق مع الفرنسيين القادرين على ضمان تسلمه من النظام الموريتاني الحليف لهم, والذي لا يرتبط في المقابل بعلاقات "قوية" مع السلطات الليبية الحالية.

[imageleft:ba9f501a-

9144-4b53-95fe-c8c19049cd9b]

خيار التسليم
ويقول المحامي والخبير القانوني الموريتاني إبراهيم ولد أبتي للجزيرة نت إنه ليس أمام موريتانيا سوى تسليم السنوسي لإحدى الجهات الثلاث التي تقدمت أو ستتقدم بطلبات رسمية لاستلامه, وهي ليبيا وفرنسا والمحكمة الجنائية الدولية التي كانت أصدرت مذكرة باعتقاله قبل أشهر من سقوط النظام.

فبخصوص المحكمة الجنائية, ورغم أن موريتانيا ليست موقعة على اتفاقية روما المنشئة لها، فإن ذلك لا يعطي الحكومة الموريتانية الحق في التنصل من طلبات هذه المحكمة خاصة أن مهمة متابعة المسؤولين الليبيين أحيلت إليها بموافقة رسمية من مجلس الأمن.

ويشير ولد أبتي إلى أنه يمكن للمحكمة الجنائية أيضا أن تمرر بطاقة جلب عبد الله السنوسي عن طريق الشرطة الدولية (إنتربول) التي تتمتع بتفويض دولي يلزم جميع دول العالم بالاستجابة لطلباتها.

أما بخصوص السلطات الليبية, فيشير الخبير الموريتاني إلى أنها ترتبط مع موريتانيا باتفاقية الرياض الموقعة في 1983, التي تلزم البلدان العربية بتسليم المطلوبين في القضايا ذات الطبيعة الجنائية، كما يمكن لطرابلس أن تستعين بالإنتربول في جلب السنوسي المتهم بجرائم ضد الإنسانية.

وتوقع أن تصرّ فرنسا على تسلم السنوسي من نواكشوط خاصة أنها ترتبط معها باتفاقية تعود إلى  1962 تقضي بتسليم المطلوبين في جرائم الحق العام.

السنوسي محكوم عليه في فرنسا بالسجن المؤبد بعد إدانته بالضلوع في تفجير طائرة ركاب فوق صحراء النيجر, وهو ملاحق في ليبيا بالضلوع في قتل معارضين في سجن أبوسليم وغيره, في حين أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال ضده بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية 

وكان القضاء الفرنسي حكم غيابيا في سبتمبر/أيلول 1999 على السنوسي بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بالضلوع في تفجير طائرة تابعة لشركة يوتا أسفر عن مقتل 170 راكبا بينهم 54 فرنسيا في سبتمبر/أيلول 1989 فوق صحراء النيجر.

ورقة سياسية
ولا يستعبد الكاتب الصحفي الحافظ ولد الغابد في تصريح للجزيرة نت أن تستجيب موريتانيا لمطالب التسليم خاصة إذا كانت راغبة في ما سماه "غسل عار" دعم نظام القذافي والتأخر عن دعم الثورة الليبية.

ويعتقد ولد الغابد أن مصلحة موريتانيا عامة, والنظام الحاكم خاصة, تكمن في تسليمه لطرابلس كي تتخلص من "الإرث السيئ" في دعم نظام القذافي، وتفتح صفحة جديدة مع سلطات ليبيا الجديدة.

وأبدى الكاتب الصحفي الموريتاني خشية من أن تغلّب السلطات الموريتانية المصلحة الضيقة للسنوسي نفسه فتسلمه للمحكمة الجنائية الدولية بالنظر إلى سابق الود بين الطرفين.

ورغم ترجيحه تسليم عبد الله السنوسي إلى السلطات الليبية, فإن ولد الغابد لا يستبعد استخدامه كورقة سياسية تقدم للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في وقت هو أشد ما يكون حاجة إلى ما يرفع اسهمه ويقوي فرصه في الانتخابات الرئاسية القادمة مقابل ضمانات بدعم فرنسي قوي في وجه التهديد المتزايد من المعارضة الموريتانية بالإطاحة بالنظام.

المصدر : الجزيرة