الأمازيغية بالمغرب والتطبيع الإسرائيلي

أنس بن صالح

مغاربة يتظاهرون تعبيرا عن رفضهم للتطبيع مع إسرائيل (الجزيرة-أرشيف)

أبرزت ورقة بحثية بعنوان "الأمازيغية في المغرب: جدل الداخل والخارج"، نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الجدل الذي أثاره نزوع التيار الأمازيغي الراديكالي نحو التطبيع مع إسرائيل والاستقواء بالخارج، لممارسة المزيد من الضغوط على الداخل، بعد أن فشل هذا التيار في إقناع الرأي العام المغربي بخطابه السياسي والعرقي.

وقد انطلق الباحث المغربي محمد مصباح في ورقته -التي قاربت المسألة الأمازيغية في المغرب، انطلاقًا من المسار الذي طواه عموم مطالب الحركة الثقافية والحقوقية الأمازيغية منذ عام 1990 حتى الآن- من الدراسة الصادرة في شهر أغسطس/آب 2010، للباحث الإسرائيلي في مركز موشي ديان، بريس وايتزمان.

وقد أثارت هذه الدراسة جدلاً حول دعم إسرائيل للتيار الراديكالي داخل الحركة الأمازيغية في المغرب، واعتباره مدخلاً من أجل التطبيع مع إسرائيل، في محيط يتجه الرأي العام فيه إلى رفض إقامة أيِّ علاقات معها.

واعتبر وايتزمان أن رعاية فاعلين في الحركة الأمازيغية بالمغرب، هو جزء من السياسة الخارجية لإسرائيل في المنطقة، لمواجهة القوى التي تصنفها على أنها عدائية، مقابل أخرى تصنفها على أنها معتدلة.

وأشار إلى أن إسرائيل حاولت المراهنة على توظيف فاعلين في تيار راديكالي داخل الحركة الأمازيغية، من أجل "تحسين صورتها" في المنطقة، والتأسيس لقَبُولٍ اجتماعِيٍّ لها.

الدغرني اعتبرمسألة العلاقات مع إسرائيل
الدغرني اعتبرمسألة العلاقات مع إسرائيل "إحدى وسائل الدفاع عن النفس" (الجزيرة-أرشيف)

وسائل الدفاع
واستحضرت الورقة تصريحًا لأحمد الدغرني -مؤسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المحظور- الذي اعتبر أن مسألة العلاقات الأمازيغية مع الجانب الإسرائيلي هي "إحدى وسائل الدفاع عن النفس، ضد الاستهداف الذي يتعرض له أمازيغ المنطقة المغاربية من القوميين العرب ومن بعض المتطرفين الإسلاميين".

وبعد عرضه لأهم محطات الحراك الأمازيغي المغربي، تناول الباحث المغربي موقف الدولة الذي عرف تغيرًا إزاء المسألة الأمازيغية بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، والذي أرجعه إلى رغبة الملك الجديد في إرساء وتثبيت ملكه، والعمل على حل جميع الملفات المتعلقة بالتركة التي خلفها والده الملك الحسن الثاني.

وقال إن ذلك جعل الملك الجديد يدشن عهده بعدد من المبادرات، مثل: تأسيس "هيئة الإنصاف والمصالحة" وإنشاء "ديوان المظالم"، وإقامة "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري".

الورقة رأت أن  تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية جاء في سياق احتواء الأمازيغية (الجزيرة)
الورقة رأت أن  تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية جاء في سياق احتواء الأمازيغية (الجزيرة)

احتواء الأمازيغية
وفي هذا السياق الاحتوائي والاستباقي، تم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أواخر سنة 2001 من طرف محمد السادس، وجعل على رأسه شخصيات مقربة من الملك، وعلى هذا الأساس تم استثمار القصر لبعض المطالب الأمازيغية وإدماجها ضمن عمل المعهد.

لكن جهود القصر الاحتوائية لم تمنع من تنامي توجهات جديدة داخل الحركة الأمازيغية، في اتجاه تدويل المسألة الأمازيغية، والضغط على المغرب من الخارج بهدف تحقيق مطالبها.

وقد تجسدت هذه الإستراتيجية من خلال مظاهر متعددة، سواءٌ عبر المشاركة في ندوات ومحاضرات دولية حول حقوق الشعوب الأصلية ومحاربة التمييز العنصري في الأمم المتحدة أوغيرها من المنظمات الدولية، أومن خلال عمل عناصر من بعض الناشطين في الحركة الأمازيغية، على ربط علاقات مع إسرائيل من أجل الدفاع عن مطالب الحركة الأمازيغية.

التيار الراديكالي الذي يغلب عليه الطابع السياسي والحقوقي، ينتقد المعهد وطريقة إخراجه، ويتجه نحو تبني مقولات ومواقف تحاول عزل المغرب عن محيطه العربي والإسلامي

المعتدل والراديكالي
ويذكر مصباح أن الحركة الأمازيغية المغربية، تتكون عمومًا من جناحين أساسيين: أولهما التيار المعتدل المؤلف أساسًا من المكون الثقافي الأمازيغي، الذي تم احتواء أغلبه في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وثانيهما التيار الراديكالي الذي يغلب عليه الطابع السياسي والحقوقي، وينتقد المعهد وطريقة إخراجه، ويتجه نحو تبني مقولات ومواقف تحاول عزل المغرب عن محيطه العربي والإسلامي.

ويختم الباحث بتأكيده على أن النجاح في تدبير المسألة، رهينٌ بالإرادة السياسية وجهود القوى المجتمعية المعتدلة، في إطار العمق الإستراتيجي العربي والإسلامي للمغرب، والذي لا ينفي خصوصياته الثقافية واللغوية والإثنية.

ويضيف أن ذلك لن يتم إلا من خلال ديمقراطية تعطي للأفراد داخل المجتمع، الحق في التعبير عن أفكارهم واختيار ممثليهم، ضمن جهوية تفوض للجهات صلاحياتٍ واسعةً في تدبير قضاياها السياسية والاقتصادية والثقافية.

المصدر : الجزيرة