تقلب الموقف الروسي من الربيع العربي

صور الكرملين


خلصت دراسة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة إلى أن مواقف روسيا من الثورات العربية كانت مبنية أساسا على نهج براغماتي بحت يقيم الوزن لحسابات الربح والخسارة، ولذلك ظهرت موسكو "مستعدة للاعتراف بالثورات دون التخلي عن الأنظمة التي قامت ضدها".

ويوضح الدكتور عاطف معتمد عبد الحميد، الذي أعد الدراسة، أن حسابات روسيا في موقفها من "الربيع العربي" لا تراعي تأثيرها فقط على صفقات السلاح التي عقدتها مع بعض الأنظمة العربية التي ثارت شعوبها ضدها وتبعاتها على اقتصاد روسيا، ولكن أيضا إمكانيات انتقال عدوى الثورة لأراضيها.

ويعزو الباحث ذلك إلى عاملين رئيسين أولهما طبيعة النظام الروسي الشمولي المغلف بديمقراطية صورية، والعامل الثاني التركيبة العرقية والسكانية للاتحاد الفدرالي الروسي والنزعات الانفصالية لعدد من العرقيات بأقاليم بعيدة عن مركز موسكو وأغلبها من المسلمين.

السياسة الخارجية الروسية حيال الربيع العربي تبنّت موقفا شكّل صدمة لكثير من الشعوب العربية حين اصطفت موسكو إلى جانب النظم العربية رافضة للثورة والحرية

منهج براغماتي
ويوضح عبد الحميد أن السياسة الخارجية الروسية حيال الربيع العربي تبنّت موقفا شكّل صدمة لكثير من الشعوب العربية حين اصطفت موسكو إلى جانب النظم العربية رافضة للثورة والحرية.

غير أنه بمضي الأحداث، اضطُرَّت روسيا إلى تغيير مواقفها تكتيكيًا لصالح نهج آخر أكثر مرونة -يجمع بين الشيء ونقيضه- تؤكد فيه روسيا حرصها على "استقرار" الأنظمة العربية، لكنها "ترحب" بالتعاون مع قوى المعارضة الثورية.

ولقد جلبت روسيا بهذا الموقف انتقادَ المراقبين من داخلها قبل خارجها.

وتعجّب كثيرون من تقلب ومراوغة المواقف الروسية تجاه ما يجري بالعالم العربي. وربما هذه أول مرة بتاريخ العلاقات الروسية العربية تطالب فيها بعض الشعوب العربية بمقاطعة موسكو اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بعد أكثر من نصف قرن من التقدير العربي لمواقف روسيا المساندة لقضايا العرب.

نظام دولي جديد
ويلفت الباحث الانتباه أيضا إلى عامل آخر ساهم في تحديد الموقف الروسي من الربيع العربي، وهو سعيها الجهيد لإعادة صياغة شكل النظام الدولي الجديد الذي اتخذ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث أصبحت الولايات المتحدة قطبه الأوحد.

ويشير الباحث هنا إلى أن رجال الدولة بروسيا يعتبرون أنه إذا لم تكن الثورات العربية مؤامرة أميركية فإنها على الأقل قد انطلقت على صهوة الجواد الأميركي الجديد المتمثل بمواقع الإنترنت التي ساهمت في نجاح تلك الثورات.

ويضيف إلى سلة العوامل المحددة للموقف الروسي أن موسكو لا ترغب في أن ينتهى ربيع العرب بظهور قوى إسلامية (أصولية) تخلق بيئة اجتماعية واقتصادية تفرخ "الإرهابيين" إلى تخومها في القوقاز وآسيا الوسطى.

ويرى الباحث أن روسيا في تعاطيها مع الثورات العربية تأخذ بعين الاعتبار الوزن الديمغرافي والاقتصادي والثقافي لمسلمي روسيا الذين يمثلون نحو 17% من إجمالي السكان.

المصدر : الجزيرة