الصين.. رأسمالية بغلاف اشتراكي
ورغم محاولات صبغ كل أجنبي بطابع صيني فإن الصين، على الأقل بما تبدو عليه عاصمتها، تشهد بالفعل تحولا اقتصاديا وثقافيا كبيرين تحت مظلة نظام اشتراكي يديره حزب واحد هو الحزب الشيوعي الصيني.
ففي صين القرن الجديد حلت سيارات "بي أم دبليو" و"مرسيدس" الألمانية و"شيروكي" الأميركية وبقية الماركات العالمية، محل الدراجات التي ارتبطت بهذا البلد، بل إنها انزوت حتى خصص لها طريق ضيق أو مسار جانبي مع المشاة من شوارع واسعة تسع ثلاث سيارات في الاتجاه الواحد.
ومن واجهات المباني العالية ذات الطراز المعماري الحديث تتزاحم لافتات الإعلانات في كل المجالات خاصة المنتجات البصرية والسمعية من هواتف نقالة ومشغلات أقراص وتلفزيونات وألعاب فيديو وغيرها، فيما اختفت صور زعماء الصين الاشتراكيين لتبقى محصورة داخل المؤسسات الرسمية وأوراق العملة الوطنية.
النمو الاقتصادي
وبنمو اقتصادي ظل مستقرا فوق معدل 9% سنويا على مدى سنوات، ومنتجات غلب عليها طابع العولمة يبدو أن "الثورة الثقافية" التي اجترحها مؤسس الاشتراكية الصينية الزعيم ماو تسي تونغ قبل نحو نصف قرن، تتراجع اليوم على الأقل في بعدها الثقافي والسياسي.
مظاهر الثقافة الغربية يمكن ملاحظتها بسهولة في شوارع بكين، فرؤية المارة في الشوارع تكشف أن اللباس الصيني التقليدي يكاد يتلاشى، في حين انتشرت مطاعم الوجبات السريعة الغربية واللغة الإنجليزية، بل إن أدوات الأكل التي تسمى بالصينية (كوايتزه) اختفت أو تكاد من المطاعم الكبيرة لتحل محلها نظيرتها الغربية.
والصين اليوم تبدو ملتزمة اقتصاديا أكثر منه سياسيا، فالشركات العالمية العملاقة في كل المجالات دون استثناء اتخذت لها فروعا هنا تعتمد عليها كثيرا نظرا لرخص العمالة الماهرة والمدربة، مما يقلل تكاليف الإنتاج مقارنة مع الدول الصناعية الكبرى.
خطوات محسوبة
العقيدة الاشتراكية التي كانت في الماضي تكن عداء مطلقا للنظام الرأسمالي، تبدو في حالة تزاوج وتمازج لا تخطئه العين لمن يزور الصين.
فدولة الرفاه للجميع غدت بعد سنوات الاشتراكية الطويلة، تميل للفردية وحرية التملك، وهو أسلوب، حسب ما يرى المهتمون بالشؤون الصينية هنا، جنبها مصير جارها العملاق سابقا الاتحاد السوفياتي.
كما أن خلافها الأيدولوجي معه والمصير الذي آل إليه الأخير، جعل الصين لا تحس فقط بأنها تسير في الطريق الصحيح، بل أيضا بالانتصار بعد أن اتهمت بالخروج عن "ملة الماركسية" حينها.
إذن في ظل نظام رأسمالي بغلاف اشتراكي تقدم الصين اليوم نفسها للعالم، لتقول إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية حتى وإن كانت بحجم الخلاف الرأسمالي–الاشتراكي الذي قسم العالم إلى معسكرين منذ ظهور الماركسية في الفكر السياسي بداية القرن الماضي.