مسلمو ألمانيا يؤيدون الاندماج ويرفضون التذويب

د. نديم إلياس
خالد شمت-برلين
حوّل مقتل المخرج السينمائي الهولندي ثيو فان جوخ واتهام شاب مغربي مسلم باغتياله قضية أوضاع المسلمين واندماجهم إلي قضية الساعة في ألمانيا المجاورة وتبارى سياسيون ألمان بارزون من الحكومة والمعارضة بصورة يومية في تقديم مبادرات وخطط للتعامل مع الملف الإسلامي تركز أغلبها على الجوانب الأمنية.
 
وأبدى مسؤولان بارزان في اثنتين من أكبر المنظمات الإسلامية الألمانية تحفظات على جوانب كثيرة في  المقترحات المقدمة وحذروا من احتمال تأثير الجدل الحاد المتصاعد حول هذه القضية سلبياً على مستقبل التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في ألمانيا.
 
وعبر المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا -الذي تأسس عام 1988 ويضم في عضويته عشرين من المراكز والجمعيات الإسلامية الرئيسية والمساجد التابعة لها- عن اتفاقه مع قسم كبير من خطة حملت عنوان "مكافحة الأصولية وتوطين الإسلام" طرحتها مفوضة الأجانب والاندماج بالحكومة الألمانية ماري لويز بيك، وأعرب عن تحفظه على قسم آخر في الخطة ورغبته في استيضاح قسم ثالث.
 
وتهدف الخطة المكونة من عشرين نقطة إلي تطوير إستراتيجية شاملة لمكافحة ما أسمته الأصولية والتيارات الإسلامية المتطرفة وانتشارها بين مسلمي ألمانيا وإيجاد آلية للحوار مع المنظمات الإسلامية "المعتدلة" والاعتراف السياسي بالإسلام في إطار القانون الألماني للأديان.
 
ورحب رئيس المجلس د. نديم إلياس في تصريح للجزيرة نت بدعوة المفوضة في الخطة مؤسسات الدولة الألمانية إلى صياغة سياسة تعترف بالإسلام وتضعه علي قدم المساواة مع جميع الأديان وتأسيس أقسام بالجامعات الألمانية لتأهيل وتخريج أئمة المساجد وتعميم تدريس الدين الإسلامي باعتباره مادة اختيارية للتلاميذ المسلمين في المدارس الألمانية والسماح للمسلمين بأداء شعائرهم التعبدية في الجيش الألماني وفي المستشفيات والسجون وكافة الدوائر العامة.
 
وتحفظ إلياس على استغراق الخطة في الحديث المتكرر عن أهمية إلزام المسلمين بالإعلان عن اعترافهم بالدستور ونبذهم للعنف وتعلم اللغة الألمانية، معتبراً أن هذا واقع قائم منذ فترة طويلة ونبه إلى أن المطلوب أولاً هو خلق أجواء من الثقة والارتياح المتبادلة وسن الدولة قوانين جديدة للتعامل مع المسلمين تنطلق من نفس الأرضية التي سارت عليها في تعاملها مع الأقلية اليهودية.
 
ووصف رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا معالجة أحزاب المعارضة المسيحية ومقترحاتها الحالية لقضية اندماج المسلمين بأنها انفعالية ومتجنية علي المسلمين إلى حد كبير وتبدو رسالة موجهة للمجتمع بأن المطلوب هو تشديد القبضة الأمنية والمراقبة على المسلمين ومنظماتهم.
 
وانتقد د. نديم إلياس مطالبة الأحزاب المسيحية الألمانية المعارضة للأقلية المسلمة بالخضوع للثقافة والقيم والأنماط الاجتماعية الألمانية والاعتراف بأنها الأعلى على ما سواها في ألمانيا، وأشار إلى أن هذا الطلب فهمه كثير من المسلمين على أنه دعوة مبطنة لهم للتخلي عن هويتهم الدينية والذوبان كلياً في المجتمع الألماني.
 
وأكد رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أن أي مشروع متكامل للاندماج عليه مراعاة قواعد رئيسية أولها معاملة الإسلام مثل باقي الأديان وأن يعطى له المكان اللائق داخل المجتمع من خلال السماح ببناء المساجد في أماكن مناسبة داخل المدن.
 
وثاني هذه القواعد مراجعة المناهج التعليمية في المدارس الرسمية الألمانية وتنقيتها مما يربي الأجيال الناشئة على  النظرة السلبية للإسلام ويحرضها على اضطهاد المسلمين وإتاحة الفرصة للمسلمين للمشاركة السياسية وأخذ رأيهم في القوانين المتعلقة بهم وتمثيلهم في مجالس الإعلام التي تضم ممثلين لكل الديانات باستثناء الإسلام.

 

مخاوف وأزمة ثقة
ومن جانبه قال علي كيسيلكايا رئيس المجلس الإسلامي الألماني-الذي تأسس عام 1986 و يضم في عضويته 65 ألف عضو-  إن الضجة الكبيرة المثارة حالياً بشأن اندماج المسلمين في المجتمع الألماني هي نتيجة لنقص الإرادة الحقيقية لدى المؤسسة السياسية الألمانية لسنوات طويلة في التعامل الرسمي مع الإسلام وإيجاد مكان ودور له داخل المجتمع ورفض هذا المجتمع قبول الأقلية المسلمة بوصفها جزءا منه ونظره إليها باعتبارها مشكلة أمنية وحسب.
 
undefinedوقال كيسيلكايا إن المسؤولين الألمان "نظروا إلى الإسلام في السنوات الماضية كدين غريب وافد وتمنوا رحيله يوما ما ولما لم يرحل طفت تدريجياً مظاهر عدم الثقة والمخاوف المتبادلة، وظهر خوف المجتمع الألماني من المسلمين وتخوف المسلمين من الأحاديث الرسمية اليومية من تشديد الرقابة الأمنية عليهم وعلى مساجدهم".
 
ومن جهة أخرى وصف أبو بكر ريجا رئيس تحرير صحيفة إسلاميشا تسايتونغ الإسلامية الألمانية النقاش الحالي بأنه ظاهرة صحية تكشف تيقظ المجتمع الألماني فجأة لحقيقة أن أعداد المسلمين فيه تزايدت بمعدلات كبيرة لم يتوقعها.
 
وحذر ريجا في تصريح للجزيرة نت من خطورة استمرار  المجتمع الألماني في خلط ما يحدث في العديد من الأماكن المتفجرة خارج ألمانيا بواقع المسلمين في ألمانياً، وتوقع أن يؤدي هذا الخلط إلى زيادة عدم الثقة بين شرائح المجتمع الألماني والمسلمين، ودعا ريجا الأقلية المسلمة في ألمانيا للتعامل مع الواقع الحالي بحكمة وتعقل وفتح أبواب مؤسساتها أمام الجميع وإبراز مساهماتها الثقافية بعيداً عن الأطر القومية الضيقة.

 
___________________
مراسل الجزيرة نت
 
المصدر : الجزيرة