اغتيال خاشقجي.. الحسابات الخاطئة لبن سلمان وفريقه

سعود القحطاني محمد بن سلمان
كومبو يجمع بين محمد بن سلمان وسعود القحطاني (الجزيرة)

يقول أستاذ القانون الدولي بالجامعات الأميركية ستيفن راتنر إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخطأ هو وفريقه الحساب في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إذ قللوا من شأن القانون الدولي وفوجئوا برد فعل دولي قوي.

وأشار راتنر إلى أن بن سلمان يبدو قد اعتقد أن الغرب أعطاه الضوء الأخضر لشن هجمات جوية وحشية في اليمن، وانتهاك حقوق الإنسان داخل المملكة نفسها، بسبب حاجة الغرب للنفط والمال السعوديين، بالإضافة إلى وجود رئيس يعد الأكثر توافقا مع الرياض على الإطلاق داخل البيت الأبيض، وأن الغرب سيغض الطرف عن مقتل أحد الصحفيين الناقدين.

لكن الواقع أثبت عكس ذلك، واتضح أن الغرب، على الأقل في الوقت الراهن، عبّر عن غضب أكبر تجاه مصرع خاشقجي مقارنة ببقية الانتهاكات.

وأضاف أن التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام قد فشلت في تسليط الضوء على جانب رئيسي للخطأ الذي ارتكبه ولي العهد، وهو جانب سيجعل رد الفعل العالمي على جريمة قتل خاشقجي في إسطنبول مفهوما، وهو الاستهانة السعودية بقاعدتين أساسيتين من قواعد القانون الدولي؛ الحظر المفروض على إنفاذ قوانين أو سياسات الدولة خارج حدود الوطن، ومتطلبات الاستخدامات القانونية للبعثات الدبلوماسية.

حماية الدول
ويقول الكاتب إن هذه القواعد طورت بغية حماية الدول من القيام بأعمال غير قانونية بعضها تجاه بعضه، وهي قواعد أساسية لاستقرار نظام الدولة، إذ إن الدول تحظى بالتزام أعمق يتجاوز اهتمام الدول بحقوق الإنسان أو بالقانون الإنساني الدولي. ورغم أنه من الممكن أن تُفلت هذه الدول من العقاب عند انتهاكها لهذه القوانين فإنه يجب تطبيق القانون ومحاسبتها.

وتحظر القاعدة الأولى على الدول إرسال وكلائها إلى إقليم دولة أخرى من أجل تطبيق قوانينها أو سياساتها الخاصة. ويُستمد هذا الحظر المتعلق بإنفاذ دولة ما للقوانين أو السياسات خارج الحدود الإقليمية من القواعد الأساسية للقانون الدولي المتعلق بالولاية القضائية.

ويمضي راتنر قائلا إن تطبيق دولة ما لقوانينها أو سياساتها داخل تراب دولة أخرى من دون الحصول على إذنها يعد مخالفا للقانون. لذلك يعد اغتيال أحد المعارضين المقيمين في الخارج بمنزلة خرق واضح لهذه القاعدة.

العمليات الخارجية ليست جديدة
ومع ذلك لا تعد الانتهاكات المتعلقة بالحظر المفروض على الإنفاذ غير المسموح به لدولة ما للقوانين أو للسياسات خارج الحدود الإقليمية أمرا جديدا، فقد غفرت الدول بعضها لبعض عمليات الاختطاف التي تمت خارج الحدود الإقليمية وطالت مجرمين مشتبها بهم، فقد تصالحت إسرائيل والأرجنتين في غضون أشهر بعد عملية اختطاف أدولف أيخمان التي وقعت خلال سنة 1960. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك.

لكن اغتيال خاشقجي، كما يؤكد أستاذ القانون الدولي، ليس مجرد عملية قتل تقع داخل الأراضي التركية، بل كانت خرقا لقاعدة أساسية ثانية من القانون الدولي تتمثل في وجوب استخدام البعثات الدبلوماسية والقنصلية لأغراض رسمية محددة، وذلك مقابل منح الدول المستقبلة للسفارات والقنصليات الحصانة الدبلوماسية أو القنصلية للمباني وللموظّفين.

وأشار راتنر إلى أن هذه القاعدة تظهر في كل من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963. وبموجب الاتفاقية الخاصة بالعلاقات القنصلية تعد أول وظيفة مدرجة في القنصلية هي "حماية الدولة المستقبلة لمصالح الدولة الموفدة ومواطنيها، والأفراد والهيئات الاعتبارية، ضمن الحدود التي يسمح بها القانون الدولي". كما يجب على المسؤولين "احترام القوانين واللوائح" التابعة للدولة المستقبلة.

مقتل خاشقجي قوض القاعدة
وتضمن هاتان القاعدتان أمن الدول، بحيث لن تشعر الدولة المستقبلة بالقلق إزاء إقدام عملاء أجانب على ارتكاب جرائم على أراضيها، بما في ذلك تنفيذ عمليات بحق بعض المواطنين الأجانب الذين ينحدرون من الدولة الموفدة، وستكون على يقين بأن الدبلوماسية ستكون الخيار الوحيد حتى إن كانت العلاقات بين البلد المستقبل والبلد الموفد متوترة، ولكن مقتل خاشقجي مثّل تقويضا لهذه الصفقة.

في ظل التنديد بمصير خاشقجي برزت المخاوف بشأن حقوق الإنسان بوضوح، فقد استقطبت هذه القضية الاهتمام الدولي، لأنها شملت عملية قتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والإخفاء القسري، وتمثل العمليات الثلاث أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يمكن تخيلها، بالإضافة إلى الهجوم على الصحافة وحرية التعبير.

ومع ذلك لا تفسر هذه المخاوف بمفردها الغضب الذي اندلع على خلفية هذه العملية عندما نقارنها بالانتهاكات السعودية داخل البلاد.

تشجيع المخالفين
وقال راتنر إنه وفي نهاية المطاف يعد مقتل خاشقجي وردود الفعل المنبثقة على خلفية ذلك سيفا ذا حدين في القانون الدولي؛ فمن جهة تشير عملية القتل بحد ذاتها إلى أن الدول قد تجد حوافز ودوافع لخرق القواعد الأساسية حتى لو أخطأت في حساباتها، ومن جهة أخرى يحيل رد الفعل الدولي القوي حتى الآن إلى إعادة التأكيد على وجود القواعد وضرورة إنفاذها.

ولذا ستكون الأسابيع والأشهر القادمة مهمة للغاية إن التزمت الدول بتنفيذ هاتين القاعدتين.

لكن في حقيقة الأمر إذا احتويت موجة الغضب الحالية من أجل الحفاظ على العلاقات مع المملكة العربية السعودية فسيكون ذلك بمنزلة تشجيع للمخالفين المستقبليين.

ويعد رد الفعل الأميركي مهما للغاية في هذا الصدد، ومن شأنه أن يلعب دورا أساسيا في مسار القضية، علما بأنه وحتى بالنسبة للإدارة الجديدة لا بد أن تدرك ما ينطوي من فوائد وراء هذه القواعد، ويجب العمل على تعزيزها.

المصدر : مواقع إلكترونية