"الفوضى الخلاقة" تمتد إلى دول الساحل

French soldiers patrol in a VAB (Vanguard Armoured Vehicle) during the regional anti-insurgent Operation Barkhane in Tin Hama, Mali, October 19, 2017. Picture taken October 19, 2017. REUTERS/Benoit Tessier
أوريان 21: عملية برخان لم تجلب خيرا على الإطلاق لدول الساحل (رويترز)

 لا تحتاج دول الساحل لإرسال مزيد من الجيوش إليها أو بناء المزيد من القواعد العسكرية الغربية على أراضيها بقدر ما تحتاج إستراتيجية مشتركة، محليا وإقليميا تهتم بحل مشاكلها السياسية والأمنية والاقتصالدية.

هذا ما عبر عنه الكاتب عبد القادر عبد الرحمن في مقال له بصحيفة أوريان 21، قائلا إن دوافع الدول الغربية المعلنة لهذا الانتشار العسكري في مالي والدول المجاورة لها هي الإرهاب، ومراقبة الهجرة الأفريقية إلى أوروبا، والحفاظ على استقرار هذه الدول ومكافحة الاتجار بالمخدرات.

لكنه يؤكد في مقاله الذي اختار له عنوان: "الفوضى الخلاقة" تمتد إلى دول الساحل، أن فرنسا أطلقت في يناير/كانون الثاني 2013، عملية سيرفال التي كان الهدف منها وقف الجماعات الإرهابية، لكن الملاحظ هو أنه بعد خمس سنوات، لم تنجز أي تسوية في المنطقة، بل انتشرت فوضى لا يستفيد منها سوى شركات الأمن والأسلحة.

وأضاف أن الوضع الأمني في مالي لا يزال غير مستقر، وعلاوة على ذلك، أصبحت منطقة الساحل برميل بارود خطير، يعيش سكانها في جو ثقيل تطبعه أعمال العنف، فلا يكاد يمر يوم إلا وفيه هجوم مسلح أو سرقة لسيارة أو أسلحة أو عملية اختطاف.

عبدالرحمن: "دول الساحل كتلة جغرافية موبوءة بعدم الاستقرار الفوضوي الذي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمآلاته"
 

تأثير الدومينو
ولفت إلى أن هذه العمليات نادرا ما تتحدث عنها وسائل الإعلام المحلية ناهيك عن الدولية، رغم أن تأثير الدومينو الذي أحدثته في البلدان المجاورة لمالي أصبح ملموسا الآن، كما أظهرت ذلك الهجمات الأخيرة في النيجر.

وشكك في أن يكون الهدف من عمليات هذه الجيوش والقواعد الغربية هو بسط الأمن في الساحل قائلا "إذا كانت عملية سيرفال (2013-2014) حالت دون انقسام مالي إلى دولتين، فإن عملية برخان التي تلتها في العام 2014، والتي يفترض أنها وسعت تغطيتها لتشمل موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وبشكل غير رسمي جنوب ليبيا وشمال نيجيريا، لم تجلب أي خير على الإطلاق".

وأضاف أن من حقنا أن نتساءل عن مدى فعالية هذه العملية العسكرية في مواجهة التهديدات الإرهابية للمنطقة، كما أنه من الوارد كذلك التساؤل عن مدى فعالية القوات التشاديه والبركنابية والنيجرية في التضاريس المالية الشديدة الانحدار في مواجهة إرهابيين متمرسين على القتال، لم تتمكن القوات المالية نفسها رغم ما لها من تجربة ميدانية أن تهزمهم.

علاوة على ذلك يزداد توجس الماليين والنيجيريين من هذا الوجود العسكري الأجنبي وهذا الاهتمام الدبلوماسي واهتمام المنظمات غير الحكومية ببلادهم.

وحذر الكاتب من أن الشراكة الإستراتيجية التي يروج لها اليوم بين دول الساحل الخمسة وبين منظمة الفرنكوفونية لن تفيد إلا في تعزيز "اعتماد" دول الساحل على فرنسا وارتمائهم في أحضانها وهو ما لن يكون مفيدا في النهاية لا لفرسا ولا لتلك الدول لأن تململ السكان الذي ما زال صامتا موجود بالفعل.

وشدد عبد القادر على أن انتشار الندوات السياسية وغيرها من الاجتماعات بشأن منطقة الساحل، ساهم في ازدهار صناعة الفنادق، غير أن معظم هذه الندوات المستنسخة مع تكرار العناوين الممجوجة، من قبيل الحديث عن "الشفافية" و"الحكم الرشيد" وغيرها لا تؤدي في نهاية المطاف إلى شيء أكثر من تصريحات عن النيات الحسنة.

فمثل هذه الندوات تمثل مبررات لإنفاق أموال المانحين، إلا أنها لا تكشف الدراما الحقيقية التي تعيشها منطقة الساحل ويراد لها أن تظل مطموسة ومنسية، فالحقائق التي تريد لها السلطات المحلية والإقليمية والقوات الدولية أن تظل محجوبة لا يمكن الحديث عنها إلا في الاجتماعات الخاصة بين الأصدقاء والزملاء.

ويأسف الكاتب لاستمرار هذا الواقع، ويحذر من أن "دول الساحل كتلة جغرافية موبوءة بعدم الاستقرار الفوضوي الذي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمآلاته" ولا بد من إستراتيجية على المستويين المحلي والإقليمي للتصدي لهذا الوضع.

المصدر : الصحافة الفرنسية