الأكراد.. نشوة بسوريا وحسرة بالعراق
فأكراد سوريا كانوا في طليعة القوات التي حررت مدينة الرقة من قبضة تنظيم الدولة وهم يعيشون اليوم نشوة ذلك النصر، في الوقت الذي يمر فيه إخوانهم العراقيون في الجانب الآخر من الحدود أحلك أوقات تاريخهم.
كيف لا وقد استولت بغداد على معظم الأراضي التي سيطروا عليها منذ العام 2005، وخاصة خلال الحرب ضد الدولة الإسلامية، وذلك ردا على استفتاء الاستقلال الذي أجروه في 25 سبتمبر/أيلول 2017.
الأكراد السوريون
لا شك -حسب الأستاذ بمعهد التاريخ بجامعة نوشاتيل والخبير في الشؤون االكردية جوردي تيجل- أن أكراد سوريا أقوى اليوم من ذي قبل مما يخولهم فرصة للتفاوض مع دمشق، ولكن يبقى السؤال حول الأهداف.
ويلفت تيجل إلى أن أهداف الحزب الكردي السوري الاتحاد الديمقراطي لا تزال غير واضحة.
لكنه يكشف في الوقت نفسه عن اجتماع قال إنه جرى في الآونة الأخيرة بين وسيط روسي مسؤول عن الشرق الأوسط وأفريقيا وبين مسؤولين أكراد في الأراضي الخاضعة لسيطرتهم في شمال سوريا، وذكر أن النقاش تمحور حول مناقشة مسألة الفدرالية ضمن سوريا موحدة.
كما أجروا مفاوضات مع وزارة الداخلية السورية حول الموضوع ذاته فهل ذلك تمهيد للفدرالية؟
من الصعب معرفة ما يطمح إليه حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ شهد مشروعه الذي ما فتئ يتحقق منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، العديد من التغييرات حسب التطورات الميدانية.
فأكراد سوريا أقوى من أي وقت مضى ولكن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى عنهم في أي وقت، فهذا الدعم الخارجي غالبا ما يكون متقلب الأطوار، ولذلك فإن أكراد سوريا أكثر واقعية وهم يسعون لإيجاد حل مع دمشق، حتى لو كلفهم ذلك التواصل مع النظام السوري المنبوذ عالميا.
لكن حتى طموحهم لحكم ذاتي تعترضه مسألة إعادة توزيع مداخيل النفط الموجود أساسا في منطقة دير الزور، إذ لا يتوقع أن تقبل الحكومة السورية بنقاش تلك المسألة، ناهيك عن الموافقة عليها.
وعليه فإن النفوذ السياسي الذي تمكن أكراد سوريا من تحقيقه قد لا يصاحبه نفوذ اقتصادي حقيقي يمكنهم من تحقيق ما يصبون إليه.
أكراد العراق
أما أكراد العراق فإنهم سيحتفظون بالحكم الذاتي الذي يتمتعون به بموجب دستور عام 2005، وذلك حسب رغبة بغداد، لكنهم لن يتمتعوا بأي استقلال اقتصادي وسياسي حقيقي.
فاستعادة بغداد للأراضي يجعل أكراد العراق يعودون عشرين عاما إلى الوراء، الأمر الذي يعتبر بالنسبة لهم تراجيديا حقيقية، وقد فقدوا تقريبا كل أمل في تعزيز حكمهم الذاتي، ناهيك عن الاستقلال التام.
سيمر أكراد العراق بمرحلة تفاوض مع بغداد، غير أنه لن يكون بمقدورهم قول "لا" إذ إنهم في موقف "المهزوم" ولن يكون أمامهم سوى الانصياع لإملاءات بغداد.
لقد خسروا بخروجهم من منطقة كركوك 40٪ من محفظتها النفطية، أي نحو 250 ألف برميل من النفط يوميا، من إجمالي إنتاجهم البالغ 550 ألف برميل يوميا.
كما ستصبح الاستثمارات في المنطقة حساسة، وستتقلص قدرة الأكراد على جلب شركات أجنبية، رغم أنهم منذ العام 2014 يعيشون استقلالا حقيقيا، فقد كانت كردستان العراق دولة داخل الدولة، واليوم اختفت تلك الدولة لأنها لم تعد تملك وسائل استقلاليتها.
في الداخل، توسعت الفجوة الكبيرة أصلا بين الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لمسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يتبع جلال طالباني قبل وفاته يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وإذا استمرت شبكات المصالح الخاصة والزبونية في منطقة كردستان فيمكن للمرء أن يتصور ولبعض الوقت، سلطتين كرديتين مستقلتين عن بعضهما إحداهما في أربيل والأخرى في السليمانية.